الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ثلة تدخل الجنة فقراء المهاجرين الذين يتقى بهم المكاره إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم تقض له حتى يموت وهي في صدره. فإن الله عز وجل يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي، ادخلوا الجنة فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي فتدخل الملائكة عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. قال بعضهم في هذه الآية تعليم من الله تعالى لعباده كيف يدعى وكيف يبتهل إليه ويتضرع وتكرير ربنا من باب الابتهال وإعلام بما يوجب حسن الإجابة. وقال جعفر الصادق من حزبه أمر فقال خمس مرات: ربنا نجّاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ هذه الآية وقال الحسن حكى الله عنهم أنهم قالوا خمس مرات ربنا ثم أخبر أنه استجاب لهم.
[سورة آل عمران (3): الآيات 196 الى 198]
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198)
قوله عز وجل: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ نزلت في المشركين وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد فأنزل الله تعالى هذه الآية لا يغرنك الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره من الأمة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يغتر قط والمعنى لا يغرنك أيها السامع تقلب الذين كفروا في البلاد يعني ضربهم في الأرض وتصرفهم في البلاد للتجارات وطلب الأرباح والمكاسب مَتاعٌ قَلِيلٌ أي ذلك متاع قليل وبلغة فانية ونعمة زائلة ثُمَّ مَأْواهُمْ يعني مصيرهم في الآخرة جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ أي وبئس الفراش هي: قوله تعالى: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ فيما أمرهم به من العمل بطاعته واتباع مرضاته واجتناب ما نهاهم عنه من معاصيه لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا أي جزاء وثوابا والنزل ما يهيأ للضيف عند قدومه مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني من فضل الله وكرمه وإحسانه وَما عِنْدَ اللَّهِ يعني من الخير والكرامة والنعيم الدائم الذي لا ينقطع خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ يعني ذلك الفضل والنعمة التي أعدها الله للمطيعين الأبرار خير مما يتقلّب فيه هؤلاء الكفار من نعيم الدنيا ومتاعها فإنه قليل زائل (ق) عن عمر بن الخطاب قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو في مشربة وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه قرظ مصبور وعند رأسه أهب معلقة فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم وأنت رسول الله فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة. لفظ البخاري المشربة الغرفة والعلية والمشارب العلالي. قوله عز وجل:
[سورة آل عمران (3): الآيات 199 الى 200]
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ قال ابن عباس نزلت في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة ومعناه بالعربية عطية وذلك إنه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم النجاشي. فخرج إلى البقيع وكشف له إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي فصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له فقال
المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية وقيل نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقوه. وقيل نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وقيل نزلت في جميع مؤمني أهل الكتاب وهذا القول أولى لأنه لما ذكر أحوال الكفار وأحوال أهل الكتاب وأن مصيرهم إلى النار ذكر حال من آمن من أهل الكتاب وأن مصيرهم إلى الجنة فقال تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يعني بعض اليهود والنصارى أهل التوراة والإنجيل لمن يؤمن بالله يعني من يقر بوحدانية الله وما أنزل إليكم يعني ويؤمن بما أنزل إليكم أيها المؤمنون يعني القرآن وما أنزل إليهم يعني من الكتب المنزلة مثل التوراة والإنجيل والزبور خاشِعِينَ لِلَّهِ يعني خاضعين لله متواضعين له غير مستكبرين لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا يعني لا يغيرون كتبهم ولا يحرفونها ولا يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم لأجل الرياسة والمأكل والرشى كما يفعله غيرهم من رؤساء اليهود أُولئِكَ إشارة إلى أن من هذه صفته من أهل الكتاب لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ يعني لهم ثواب أعمالهم التي عملوها لله ذلك الثواب لهم ذخر عند الله يوفيه إليهم يوم القيامة إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ يعني إنه تعالى عالم بجميع المعلومات لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده فيجازي كل أحد على قدر عمله لأنه سريع الحساب قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا يعني على دينكم الذي أنتم عليه ولا تدعوه لشدة ولا لغيرها وأصل الصبر حبس النفس عما لا يقتضيه شرع ولا عقل. والصبر لفظ عام تحته أنواع من المعاني قال بعض الحكماء: الصبر على ثلاثة أقسام ترك الشكوى وقبول القضاء وصدق الرضا. وقيل في معنى الآية اصبروا على طاعة الله وقيل على أداء الفرائض وقيل على تلاوة القرآن وقيل اصبروا على أمر الله وقيل اصبروا على البلاء وقيل اصبروا على الجهاد وقيل اصبروا على أحكام الكتاب والسنة وَصابِرُوا يعني الكفار والأعداء وجاهدوهم. وَرابِطُوا يعني وداوموا على جهاد المشركين واثبتوا عليه. وأصل المرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم. وهؤلاء خيولهم، بحيث يكون كل من الخصمين مستعدا لقتال الآخر. ثم قيل لكل مقيم بثغر يدفع عمن وراءه مرابط، وإن لم يكن له مركب مربوط (ق) عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله والغدوة خير من الدنيا وما عليها» . (م) عن سلمان الخير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان» وقيل المراد بالمرابطة انتظار الصلاة بعد الصلاة قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط فذلكم الرباط» أخرجه مسلم وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قال محمد بن كعب
القرظي يقول الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما بيني وبينكم لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ غدا إذا لقيتموني وقال أهل المعاني في معنى هذه الآية يا أيها الذين آمنوا اصبروا على بلائي وصابروا على نعمائي ورابطوا على مجاهدة أعدائي واتقوا محبة سوائي لعلكم تفلحون بلقائي وقيل اصبروا على النعماء وصابروا على البأساء والضراء ورابطوا في دار الأعداء واتقوا إله الأرض والسماء لعلكم تفلحون في دار البقاء وقيل اصبروا على الدنيا ومحنها رجاء السلامة وصابروا عند القتال بالثبات والاستقامة ورابطوا على مجاهدة النفس اللوامة واتقوا الندامة لعلكم تفلحون غدا في دار الكرامة والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.