الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشعرت يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال أو قد فعلت قالت نعم قال أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك» الوليدة الجارية وَالْيَتامى اليتيم هو الذي لا أب له مع الصغر وقيل: يقع على الصغير والبالغ أي وآتى الفقراء من اليتامى وَالْمَساكِينَ جمع مسكين سمي بذلك لأنه دائم السكون إلى الناس لأنه لا شيء له وَابْنَ السَّبِيلِ يعني المسافر المنقطع عن أهله سمي المسافر ابن السبيل لملازمته الطريق، وقيل هو الضيف ينزل بالرجل لأنه إنما وصل إليه من السبيل وهو الطريق والأول أشبه لأن ابن السبيل اسم جامع جعل للمسافر وَالسَّائِلِينَ يعني الطالبين المستطعمين. عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«للسائل حق ولو جاء على فرس» أخرجه أبو داود عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا السائل ولو جاء على فرس» أخرجه مالك في الموطأ عن أم نجيد قالت: قلت يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فلم أجد شيئا أعطيه إياه قال:
«إن لم تجدي إلّا ظلفا محرقا فادفعيه إليه في يده» أخرجه أبو داود والترمذي. وقال حديث حسن صحيح. وفي رواية مالك في الموطأ عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ردوا المسكين ولو بظلف محرق» قوله ردوا المسكين، لم يرد به رد الحرمان وإنما أراد به ردوه بشيء تعطونه إياه ولو كان ظلفا وهو خف الشاة وفي كونه محرقا مبالغة في قلة ما يعطي وَفِي الرِّقابِ يعني المكاتبين. وقيل: هو فك النسمة وعتق الرقبة وفداء الأسارى وَأَقامَ الصَّلاةَ يعني المفروضة في أوقاتها وَآتَى الزَّكاةَ يعني الواجبة وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ يعني ما أخذه الله من العهود على عباده بالقيام بحدوده والعمل بطاعته. وقيل: أراد بالعهد ما يجعله الإنسان على نفسه ابتداء من نذر وغيره.
وقيل: العهد الذي كان بينه وبين الناس مثل الوفاء بالمواعيد وأداء الأمانات إِذا عاهَدُوا يعني إذا وعدوا أنجزوا وإذا نذروا أوفوا وإذا حلفوا بروا في أيمانهم وإذا قالوا صدقوا في أقوالهم وإذا ائتمنوا أدوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ أي في الشدة والفقر والفاقة وَالضَّرَّاءِ يعني المرض والزمانة وَحِينَ الْبَأْسِ يعني القتال والحرب في سبيل الله. وسمي الحرب بأسا لما فيه من الشدة (ق) عن البراء قال كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وأن الشجاع منا الذي يحاذي به يعني النبي صلى الله عليه وسلم قوله احمر البأس: أي اشتد الحرب ونتقي به أي نجعله وقاية لنا من العدو أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا أي أهل هذه الأوصاف هم الذين صدقوا في إيمانهم وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): آية 178]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى نزلت في حيين من أحياء العرب اقتتلوا في الجاهلية بسبب قتيل، فكانت بينهم قتلى وحروب وجراحات كثيرة، ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام. وقيل نزلت في الأوس والخزرج، وكان لأحد الحيين طول على الآخر في الكثرة والشرف وكانوا ينكحون نساءهم بغير مهر، وأقسموا لنقتلن بالعبد منا الحر منهم وبالمرأة منا الرجل منهم وبالرجل منا الرجلين، وجعلوا جراحاتهم ضعفي جراحات أولئك فرفعوا أمرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية وأمره بالمساواة فرضوا وسلموا. وقيل:
إنما نزلت هذه الآية لإزالة الأحكام التي كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن اليهود كانوا يوجبون القتل فقط بلا عفو والنصارى يوجبون العفو بلا قتل والعرب في الجاهلية كانوا يوجبون القتل تارة ويوجبون أخذ الدية تارة وكانوا يتعدون في الحكمين فإن وقع القتل على شريف قتلوا به عددا ويأخذون دية الشريف أضعاف دية الخسيس، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم أوجب الله رعاية العدل وسوى بين عباده في حكم القصاص فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ أي فرض عليكم الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى. فإن قلت: كيف يكون القصاص فرضا
والولي مخير فيه بين العفو والقصاص وأخذ الدية؟ قلت: إن القصاص فرض على القاتل للولي لا على الولي.
وقيل إذا أردتم القصاص فقد فرض عليكم. والقصاص المساواة والمماثلة في القتل والدية والجراح من قص الأثر إذا اتبعه فالمفعول به يتبع ما فعل فيفعل به مثل ذلك، فلو قتل رجل رجلا بعصا أو خنقه أو شدخ رأسه بحجر فمات فيقتل القاتل بمثل الذي قتل به وهو قول مالك والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وقيل يقتل بالسيف وهو قول أبي حنيفة والرواية الثانية عن أحمد الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ومعناه أنه إذا تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو العبيد من المسلمين أو الأحرار من المعاهدين أو العبيد منهم فيقتل كل صنف إذ قتل بمثله الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى وبالذكر ولا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد ولا والد بولد ويقتل الذمي بالمسلم والعبد بالحر والولد بالوالد هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد ويدل عليه ما روى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة قال: سألت عليا هل عندكم من النبي صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلّا أن يؤتى الله عبدا فهما في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت: وما في هذه الصحيفة قال: العقل وفك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر، وقد أخرج مسلم عن علي نحو هذا من غير رواية أبي جحيفة. العقل هنا هو الدية والعاقلة الجماعة من أولياء القاتل الذين يعقلون. عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقام الحدود في المساجد، ولا يقتل الوالد بالولد» أخرجه الترمذي، وذهب أصحاب الرأي إلى أن المسلم يقتل الذمي والحر بالعبد وهذه الآية مع الأحاديث حجة لمذهب الشافعي ومن وافقه ويقولون هي مفسرة لما أبهم في قوله:«النفس بالنفس» وأن تلك واردة لحكاية ما كتب على بني إسرائيل في التوراة وهذه الآية خطاب للمسلمين بما كتب عليهم وذهب أصحاب الرأي إلى أن هذه منسوخة بقوله «النفس بالنفس» وتقتل الجماء بالواحد يدل عليه ما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر أن غلاما قتل غيلة فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به.
قال البخاري وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه: أن أربعة قتلوا صبيا فقال عمر مثله. وروى مالك في الموطأ عن ابن المسيب أن عمر قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعا.
الغيلة أن يقتل الرجل خديعة ومكرا من غير أن يعلم ما يراد به. وقوله لقتلتهم لو تمالأ أي تعاونوا واجتمعوا عليه. وقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ أي ترك له وصفح عنه من الواجب عليه وهو القصاص في قتل العمد، ورضي بالدية أو العفو عنها، أو قبول الدية في قتل العمد من أخيه أي من دم أخيه وأراد بالأخ ولي المقتول، وإنما قيل له أخ لأنه لابسه من قبل أنه ولي الدم والمطالب به. وقيل: إنما ذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بما هو ثابت بينهما من الجنسية وأخوة الإسلام. وفي قوله شيء دليل على أن بعض الأولياء إذا عفا سقط القود وثبتت الدية لأن شيئا من الدم قد بطل فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ أي فليتبع الولي القاتل بالمعروف فلا يأخذ أكثر من حقه ولا يعنفه وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ أي على القاتل أداء الدية إلى ولي الدم من غير مماطلة، أمر كل واحد منهما بالإحسان فيما له وعليه وقيل في تقدير الآية: وإذا عفا ولي الدم عن شيء يتعلق بالقاتل، وهو وجوب القصاص فليتبع القاتل ذلك العفو بمعروف وليؤد ما وجب عليه من الدية إلى ولي الدم بإحسان من غير مطل ولا مدافعة. وفي الآية دليل على أن القاتل يصير كافرا وأن الفاسق مؤمن ووجه ذلك من وجوه: الأول إن الله تعالى خاطبه بعد القتل بالإيمان وسماه مؤمنا بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فسماه مؤمنا حال ما وجب عليه من القصاص. وإنما وجب عليه بعد صدور القتل منه وقتل العمد والعدوان من الكبائر بالإجماع فدل على أن صاحب الكبيرة مؤمن.
الوجه الثاني: أنه تعالى أثبت الأخوة بين القاتل وولي الدم بقوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ أراد بالأخوة أخوة الإيمان فلولا أن الإيمان باق على القاتل لم تثبت له الأخوة.