الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَتُوبُ عَلَيْهِمْ أي أتجاوز عنهم وأقبل توبتهم وَأَنَا التَّوَّابُ أي المتجاوز عن عبادي الرجاع بقلوبهم المنصرفة عني إلي الرَّحِيمُ يعني بهم بعد إقبالهم علي. قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ قيل: هذا اللعن يكون يوم القيامة يؤتى بالكافر فيوقف فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس أجمعون. فإن قلت: الكافر لا يلعن نفسه ولا يلعنه أهل دينه وملته فما معنى قوله والناس أجمعين. قلت فيه أوجه: أحدها: أنه أراد بالناس من يعتد بلعنه وهم المؤمنون. الثاني: أن الكفار يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة. الثالث: أنهم يلعنون الظالمين والكفار من الظالمين فيكون قد لعن نفسه خالِدِينَ فِيها أي مقيمين في اللعنة وقيل: في النار وإنما أضمرت لعظم شأنها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أي لا يمهلون ولا يؤجلون. وقيل: لا ينظرون ليعتذروا. وقيل: لا ينظر إليهم نظر رحمة.
(فصل فيما يتعلق بهذه الآية من الحكم) قال العلماء: لا يجوز لعن كافر معين لأن حاله عند الوفاة لا يعلم فلعله يموت على الإسلام وقد شرط الله في هذه الآية إطلاق اللعنة على من مات على الكفر ويجوز لعن الكفار يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها» وذهب بعضهم إلى جواز لعن إنسان معين من الكفار، بدليل جواز قتاله وأما العصاة من المؤمنين فلا يجوز لعنة أحد منهم على التعيين وأما على الإطلاق فيجوز لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لعن الله السارق يسرق البيضة والحبل فتقطع يده» ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا ومؤكله ولعن من غير منار الأرض، ومن انتسب لغير أبيه وكل هذه في الصحيح. قوله عز وجل: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ سبب نزول هذه الآية، أن كفار قريش قالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه، فأنزل الله هذه الآية وسورة الإخلاص ومعنى الوحدة الانفراد، وحقيقة الواحد هو الشيء الذي لا يتبعض ولا ينقسم والواحد في صفة الله أنه واحد لا نظير له وليس كمثله شيء وقيل واحد في ألوهيته وربوبيته ليس له شريك لأن المشركين أشركوا معه الآلهة فكذبهم الله تعالى بقوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ يعني لا شريك له في ألوهيته ولا نظير له في الربوبية والتوحيد، هو نفي الشريك والقسيم والشبيه فالله تعالى واحد في أفعاله لا شريك له يشاركه في مصنوعاته وواحد في ذاته لا قسيم له وواحد في صفاته لا يشبهه شيء من خلقه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ تقرير للوحدانية بنفي غيره من الألوهية وإثباتها له سبحانه وتعالى: الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ يعني أنه المولى لجميع النعم وأصولها وفروعها فلا شيء سواه بهذه الصفة لأن كل ما سواه إما نعمة وأما منعم عليه. وهو المنعم على خلقه الرحيم بهم. عن أسماء بنت يزيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، وفاتحة آل عمران: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث صحيح. وقيل: لما نزلت هذه الآية. قال المشركون: إن محمدا يقول: «إلهكم إله واحد فليأتنا بآية إن كان صادقا» فأنزل الله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 164]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وعلمه كيفية الاستدلال على وحدانية الصانع، وردهم إلى التفكر في آياته والنظر في عجائب مصنوعاته وإتقان أفعاله ففي ذلك دليل على وحدانيته إذ لو كان في الوجود صانعان لهذه الأفعال، لاستحال اتفاقهما على أمر واحد ولامتنع في أفعالهما التساوي في صفة الكمال فثبت بذاك أن خالق هذا
العالم والمدبر له واحد قادر مختار، فبين سبحانه وتعالى من عجائب مخلوقاته ثمانية أنواع أولها: إن في خلق السموات والأرض وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ووحد الأرض لأنها جنس واحد وهو التراب، والآية في السماء هي سمكها وارتفاعها بغير عمد، ولا علاقة وما يرى فيها من الشمس والقمر والنجوم، والآية في الأرض مدها وبسطها على الماء، وما يرى فيها من الجبال والبحار والمعادن والجواهر والأنهار والأشجار والثمار والنبات. النوع الثاني قوله تعالى: وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي تعاقبهما في المجيء والذهاب وقيل اختلافهما في الطول والقصر والزيادة والنقصان والنور والظلمة. وإنما قدم الليل على النهار لأن الظلمة أقدم. والآية في الليل والنهار أن انتظام أحوال العباد بسبب طلب الكسب والمعيشة يكون في النهار وطلب النوم والراحة يكون في الليل فاختلاف الليل والنهار إنما هو لتحصيل مصالح العباد. النوع الثالث قوله تعالى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ أي السفن واحدة وجمعه سواء، وسمي البحر بحرا لاتساعه وانبساطه، والآية في الفلك تسخيرها وجريانها على وجه الماء وهي موقرة بالأثقال والرجال فلا ترسب وجريانها بالريح مقبلة ومدبرة، وتسخير البحر لحمل الفلك مع قوة سلطان الماء، وهيجان البحر فلا ينجي منه إلّا الله تعالى النوع الرابع قوله تعالى: بِما يَنْفَعُ النَّاسَ يعني ركوبها والحمل عليها في التجارات لطلب الأرباح، والآية في ذلك أن الله تعالى لو لم يقو قلب من يركب هذه السفن لما تم الغرض في تجاراتهم، ومنافعهم وأيضا فإن الله تعالى خص كل قطر من أقطار العالم بشيء معين، وأحوج الكل إلى الكل فصار ذلك سببا يدعوهم إلى اقتحام الأخطار في الأسفار من ركوب السفن وخوض البحر وغير ذلك فالحامل ينتفع، لأنه يربح والمحمول إليه ينتفع بما حمل إليه. النوع الخامس قوله تعالى: وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ يعني المطر قيل أراد بالسماء السحاب سمي سماء لأن كل ما علاك فأظلك فهو سماء خلق الله الماء في السحاب، ومنه ينزل إلى الأرض وقيل: أراد السماء بعينها خلق الله الماء في السماء ومنه ينزل إلى السحاب ثم منه إلى الأرض فَأَحْيا بِهِ أي بالماء الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي يبسها وجدبها سماه موتا مجازا لأنها إذا لم تنبت شيئا، ولم يصبها المطر فهي كالميتة، والآية في إنزال المطر وإحياء الأرض به أن الله تعالى جعله سببا لإحياء الجميع من حيوان ونبات ونزوله عند وقت الحاجة إليه بمقدار المنفعة، وعند الاستسقاء والدعاء وإنزاله بمكان دون مكان. النوع السادس قوله تعالى: وَبَثَّ أي فرق فِيها أي في الأرض مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ قال ابن عباس: يريد كل ما دب على وجه الأرض من جميع الخلق من الناس وغيرهم، والآية في ذلك أن جنس الإنسان يرجع إلى أصل واحد وهو آدم ثم ما فيهم من الاختلاف في الصور والأشكال والألوان والألسنة والطبائع والأخلاق والأوصاف إلى غير ذلك ثم يقاس على بني آدم سائر الحيوان. النوع السابع قوله تعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ يعني في مهابّها قبولا ودبورا وشمالا وجنوبا ونكباء وهي الريح التي تأتي من غير مهب صحيح، فكل ريح تختلف مهابها تسمى: نكباء وقيل: تصريفها في أحوال مهابها لينة وعاصفة وحارة وباردة وسميت ريحا لأنها تريح قال ابن عباس: أعظم جنود الله الريح وقيل ما هبت ريح إلّا لشفاء سقيم أو ضده. وقيل: البشارة في ثلاث رياح الصبا والشمال والجنوب والدبور: هي الريح العقيم التي أهلكت بها عاد فلا بشارة فيها، والآية في الريح أنها جسم لطيف لا يمسك ولا يرى وهي مع ذلك في غاية القوة تقلع الشجر والصخر وتخرب البنيان العظيم وهي مع ذلك حياة الوجود فلو أمسكت
طرفة عين لمات كل ذي روح وأنتن ما على وجه الأرض.
النوع الثامن قوله تعالى: وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي الغيم المذلل سمي سحابا لسرعة سيره كأنه يسحب. والآية في ذلك أن السحاب مع ما فيه من المياه العظيمة التي تسيل منها الأدوية العظيمة يبقى معلقا بين السماء والأرض، ففي هذه الأنواع الثمانية المذكورة في هذه الآية دلالة عظيمة على وجود الصانع القادر المختار، وأنه الواحد في ملكه فلا شريك له ولا نظير وهو المراد من قوله: «وإلهكم إله واحد لا إله إلّا