الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم يظهرون له الإسلام ويبطنون له الكفر وهو خادعهم يعني والله مجازيهم بالعقاب وقيل إنهم يعطون نورا يوم القيامة كما يعطى المؤمنون فيمضي المؤمنون بنورهم على الصراط ويطفأ نور المنافقين وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ
يعني المنافقين قامُوا كُسالى
يعني متثاقلين وسبب هذا الكسل أنهم يتعبون بها لأنهم لا يريدون بفعلها ثوابا ولا يريدون بها وجه الله عز وجل ولا يخافون على تركها عقابا لأن الداعي إلى فعلها خوف الناس فلذلك وقع فعلها على وجه الكسل والفتور يُراؤُنَ النَّاسَ
يعني أنهم لا يقومون إلى الصلاة إلا لأجل الرياء والسمعة لا لأجل الدين ولا يرون أنها واجبة عليهم قال قتادة والله لولا الناس ما صلّى منافق وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
قال ابن عباس إنما قال ذلك لأنهم يفعلونه رياء وسمعة ولو أرادوا بذلك القليل وجه الله لكان كثيرا وقيل لأن الله لم يقبله ولو قبله لكان كثيرا وقبل المراد بذكر الله الصلاة والمعنى أنهم لا يصلون إلا قليلا لأنهم متى لم يكن معهم أحد من المؤمنين فلا يصلّون وإذا كانوا مع المؤمنين يتكلفون فعلها مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ يعني متحيرين مترددين بين الكفر والإيمان لأنهم ليسوا مع المؤمنين المخلصين ولا مع المشركين المصرحين بالشرك وهو قوله تعالى: لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ يعني ليسوا من المؤمنين حتى يجب لهم ما يجب للمؤمنين وليسوا من الكفار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفار وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا يعني طريقا إلى الهدى (ق) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة» قوله كمثل الشاة العائرة بالعين المهملة ومعناه المتحيرة المترددة لا تدري لأي الغنمين تتبع ومعنى تعير تتردد وتذهب يمينا وشمالا مرة إلى هذه ومرة إلى هذه لا تدري إلى أين تذهب وهذا مثل المنافق مرة على المؤمنين ومرة مع الكافرين أو ظاهره مع المؤمنين وباطنه مع الكافرين. قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لما ذم الله عز وجل المنافقين بقوله مذبذبين بين ذلك نهى الله المؤمنين أن يتخلقوا بأخلاق المنافقين يقول لا تولوا الكفار من دون أهل ملتكم ودينكم فتكونوا كمن أوجبت له النار من المنافقين والسبب في هذا النهي أن الأنصار بالمدينة كان لهم من يهود بني النضير وقريظة حلف ومودة ورضاع فقالوا يا رسول الله من نتولى؟ فقال: المهاجرين أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً يعني أتريدون أيها المتخذون الكفار أولياء أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة باتخاذكم الكفار أولياء من دون المؤمنين فتستوجبوا بذلك النار ثم بيّن مقر النار من المنافقين فقال تعالى:
[سورة النساء (4): الآيات 145 الى 148]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (147) لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148)
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ يعني في الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات بعضها فوق بعض سميت طبقات جهنم دركات لأنها متداركة متتابعة. وقيل الدرك بيت مقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم ومن تحتهم وقيل هي توابيت من حديد مقفلة عليهم في النار. فإن قلت لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر؟ قلت إن المنافق مثل الكافر في الكفر وزيادة وهو أنه ضم إلى كفره نوعا آخر من الكفر أخبث منه وهو الاستهزاء بالإسلام والمسلمين وإفشاء أسرار المسلمين ونقلها إلى الكفار. فلهذا السبب جعل الله عذاب المنافقين أشد عذابا من الكفار والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر وقيل هو الذي يصف الإسلام بلسانه ولا يعمل بشرائعه ولا يتقيد بقيوده ولا يدخل تحت أحكامه وأما تسمية من ارتكب ما يفسق به منافقا فللتغليظ ومنه
قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان» فإن هذه الخصال صفات المنافقين فمن فعلها فقد تشبه بالمنافقين. وقوله تعالى: وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً يعني ولن تجد يا محمد لهؤلاء المنافقين ناصرا ينصرهم من عذاب الله إذا نزل بهم ثم استثنى الله عز وجل من تاب من المنافقين فقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا يعني من النفاق وَأَصْلَحُوا يعني أصلحوا الأعمال فعملوا بما أمر الله به وأدوا فرائضه وانتهوا عما نهاهم عنه وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ يعني وتمسكوا بعهد الله ووثقوا به وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ يعني وأخلصوا طاعتهم وأعمالهم التي عملوها لله وأرادوه بها ولم يريدوا رياء ولا سمعة فهذه الأمور الأربعة إذا حصلت فقد كمل الإيمان فلذلك قال تعالى: فَأُولئِكَ يعني التائبين من النفاق مَعَ الْمُؤْمِنِينَ يعني في الجنة وقيل مع بمعنى من أي المؤمنين وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً يعني في الآخرة. قوله تعالى: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ هذا استفهام تقرير معناه أنه تعالى لا يعذب الشاكر المؤمن فإن تعذيبه لا يزيد في ملكه وتركه عقوبته لا ينقص من سلطانه لأنه الغني الذي لا يحتاج إلى شيء من ذلك فإن عاقب أحدا فإنما يعاقبه لأمر أوجبه العدل والحكمة فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أنقذتم أنفسكم من عذابه قال أهل المعاني فيه تقديم وتأخير تقديره إن آمنتم وشكرتم لأن الإيمان مقدم على سائر الطاعات ولأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان ولأن الواو لا توجب الترتيب وقيل هو على أصله والمعنى أن العاقل ينظر بعين بصيرته أولا إلى ما عليه من النعمة العظيمة في إيجاده وخلقه فيشكر على ذلك شكرا عظيما مبهما ثم إذا تمم النظر ثانيا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم عليه فآمن به ثم شكره شكرا مفصلا فكان ذلك الشكر المبهم مقدما على الإيمان فلذلك قدم الشكر على الإيمان في الذكر وَكانَ اللَّهُ شاكِراً يعني مثيبا عباده المؤمنين موفيا أجورهم والشكر من الله الرضا بالقليل من أعمال عباده وإضعاف الثواب عليه وقيل لما أمر الله عباده بالشكر سمى الجزاء شكرا على سبيل الاستعارة فالمراد من الشاكر في صفة الله تعالى كونه مثيبا على الشكر عَلِيماً يعني بحق شكركم، وإيمانكم فيجازيكم على ذلك. قوله عز وجل: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ قال أهل المعاني يعني أنه تعالى لا يحب الجهر بالسوء ولا غير الجهر به أيضا من القول يعني من القول القبيح إلا من ظلم قيل هو استثناء متصل والمعنى إلا جهر من ظلم وقيل هو استثناء منقطع ومعناه لكن المظلوم يجوز أن يجهر بظلم الظالم قال العلماء لا يجوز إظهار أحوال الناس المستورة المكتومة لأن ذلك يصير سببا لوقوع الناس في الغيبة ووقوع ذلك الشخص في الريبة لكن من ظلم فيجوز له إظهار ظلمه فيقول سرق مني أو غصب ونحو ذلك. وإن شتم جاز له أن يشتم بمثله ولا يزيد شيئا على ذلك ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المستبان ما قالا فعلى الأول «وفي رواية» فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم» أخرجه مسلم قال ابن عباس: لا يحب الله أن يدعو أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له
أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله إلا من ظلم وإن صبر فهو خير له وقال الحسن البصري هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه ولكن ليقل: اللهم أعني عليه اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بيني وبين ما يريد ونحوه من الدعاء وقيل نزلت الآية في الضيف إذا نزل بقوم فلم يقروه ولم يحسنوا ضيافته فله أن يشكو ما صنع به قال مجاهد: هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج من عنده فيقول أساء ضيافتي وقال مقاتل نزلت في أبي بكر الصديق وذلك أن رجلا نال منه والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر فسكت عنه أبو بكر مرارا ثم رد عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر يا رسول الله شتمني فلم تقل له شيئا حتى إذا رددت عليه قمت قال إن ملكا كان يجيب عنك فلما رددت عليه ذهب الملك وجاء الشيطان فقمت ونزلت هذه الآية: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً يعني لدعاء المظلوم عَلِيماً بما في قلبه فليتق الله ولا يقل إلا الحق. قوله تعالى: