الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حواء لأنها خلقت من حي، فلما استيقظ آدم من نومه ورآها جالسة كأحسن ما خلق الله تعالى فقال لها: من أنت؟
قالت: أنا زوجتك حواء قال: ولماذا خلقت؟ قالت: لتسكن إلي وأسكن إليك. واختلفوا في الجنة التي أمر آدم بسكناها فقيل إنها جنة كانت في الأرض بدليل أنه لو كانت الجنة التي هي دار الجزاء والثواب لما أخرج منها.
وأجاب صاحب هذا القول عن قوله تعالى: اهْبِطا بأن المراد من الهبوط التحول والانتقال فهو كقوله تعالى:
اهْبِطُوا مِصْراً والقول الصحيح أنها الجنة التي هي دار الجزاء والثواب لأن الألف واللام للعهد والجنة بين المسلمين وفي عرفهم التي هي دار الجزاء. وقيل: كلا القولين ممكن فلا وجه للقطع وَكُلا مِنْها رَغَداً أي واسعا كثيرا حَيْثُ شِئْتُما أي كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما والمقصود منه الإطلاق في الأكل من الجنة بلا منع إلّا ما نهى عنه، وهو قوله تعالى: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني للأكل قيل إنما وقع هذه النهي عن جنس الشجرة. وقيل عن شجرة مخصوصة قال ابن عباس هي السنبلة وقيل الكرمة. وقيل هي شجرة التين وقيل هي شجرة العلم. وقيل الكافور. وقيل: ليس في ظاهر الكلام ما يدل على التبيين إذ لا حاجة إليه لأنه ليس المقصود تعرّف عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصود لا يجب بيانه فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ يعني إن أكلتما من هذه الشجرة ظلمتما أنفسكما فمن جوّز ارتكاب الذنوب على الأنبياء قال ظلم نفسه بالمعصية. وأصل الظلم وصنع الشيء في غير موضعه ومن لم يجوز ذلك على الأنبياء جعل الظلم على أنه فعل ما كان الأولى أن لا يفعله. وقيل: يحمل على أنه فعل هذا قبل النبوة. فإن قلت: هل يجوز وصف الأنبياء بالظلم أو بظلم أنفسهم؟
قلت: لا يجوز أن يطلق عليهم ذلك لما فيه من الذم. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): الآيات 36 الى 38]
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ أي استزل آدم وحواء ودعاهما إلى الزلة وهي الخطيئة، وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى على عصمة الأنبياء والجواب عما صدر منهم عند قوله عز وجل: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى في سورة طه عَنْها أي الجنة فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ يعني من النعيم وذلك أن إبليس أراد أن يدخل الجنة ليوسوس لآدم وحواء فمنعه الخزنة فأتى الحية وكانت صديقة لإبليس وكانت من أحسن الدواب لها أربع قوائم كقوائم البعير وكانت من خزّان الجنة فسألها أن تدخله الجنة في فيها فأدخلته ومرت به على الخزنة وهم لا يعلمون. وقيل إنما رآهما على باب الجنة لأنهما كانا يخرجان منهما، وكان إبليس بقرب الباب فوسوس لهما وذلك أن آدم لما دخل الجنة ورأى ما فيها من النعيم قال لو أن خلدا فاغتنم ذلك الشيطان منه وأتاه من قبل الخلد. وقيل لما دخل الجنة وقف على آدم وحواء وهما لا يعلمان أنه إبليس فبكى وناح نياحة أحزنتهما وهو أول من ناح فقالا ما يبكيك قال أبكي عليكما لأنكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة فوقع ذلك في أنفسهما واغتما ومضى إبليس ثم أتاهما بعد ذلك وقال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد فأبى أن يقبل منه فقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين، فاغترا وما ظنا أن أحدا يحلف بالله كاذبا، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة، ثم ناولت آدم فأكل منها. قال إبراهيم بن أدهم: أورثتنا تلك الأكلة حزنا طويلا، قال ابن عباس: قال الله تعالى: «يا آدم ألم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة قال بلى يا رب وعزتك ولكن ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا. قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش فيها إلّا نكدا فاهبط من الجنة وعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث وزرع وسقى حتى إذا بلغ واشتد حصده ثم درسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه وخبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه الجهد» . وفي رواية أخرى عن ابن عباس: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهى عنها قال الله تعالى: يا آدم ما
حملك على ما صنعت؟ قال يا رب زينته لي حواء قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلّا كرها ولا تضع إلّا كرها ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك فقيل عليك الرنة وعلى بناتك. والرنة الصوت، فلما أكلا من الشجرة تهافتت عنهما ثيابهما، وأخرجا من الجنة، فذلك قوله عز وجل وَقُلْنَا اهْبِطُوا أي انزلوا إلى الأرض يعني آدم وحواء وإبليس والحية فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وأهبطت حواء بجدة وإبليس بالأبلة من أعمال البصرة والحية بأصبهان بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يعني العداوة التي بين المؤمنين من ذرية آدم وبين إبليس وإليه الإشارة بقوله عز وجل: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا والعداوة التي بين ذرية آدم والحية. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك الحيات مخافة طلبهن فليس منا، ما سالماهن منذ حاربناهن» أخرجه أبو داود، وله عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف من ثأرهن فليس مني» وفي رواية «اقتلوا الكبار كلها إلّا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة» (م) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بالمدينة جنّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان» وفي رواية «إن بهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فاخرجوا عليه ثلاثا فإن ذهب وإلّا فاقتلوه فإنه كافر» وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي موضع قرار وَمَتاعٌ أي بلغة ومستمتع إِلى حِينٍ أي إلى وقت انقضاء آجالكم. قوله عز وجل فَتَلَقَّى آدَمُ أي فتلقن، والتلقي هو قبول عن فطنة وفهم. وقيل هو التعلم مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ أي كانت سبب توبته. وقيل إن تلك الكلمات هي قوله ربنا ظلمنا أنفسنا الآية وقيل هي لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور
الرحيم لا إله إلّا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين، وقيل قال آدم: يا رب أرأيت ما أتيت أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي أم شيء قدرته عليّ قبل أن تخلقني؟ قال: بل شيء قدرته عليك قبل أن أخلقك. قال: يا رب فكما قدرته علي فاغفر لي. وقيل: إن الله تعالى أمر آدم بالحج وعلمه أركانه فطاف بالبيت سبعا وهو يومئذ ربوة حمراء ثم صلّى ركعتين ثم استقبل البيت وقال اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، فأوحى الله تعالى إليه يا آدم قد غفرت لك ذنوبك. وقيل: إن آدم لما أهبط إلى الأرض مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله تعالى.
وقيل هي ثلاثة أشياء: الحياء والدعاء والبكاء. قال ابن عباس: بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما. وقيل: لو أن دموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أصاب الخطيئة لو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة فَتابَ عَلَيْهِ أي فتجاوز عنه وغفر له. وأصل التوبة من تاب يتوب إذا رجع فكأن التائب رجع عن ذلك الذنب الذي كان عليه، ولا تتحقق التوبة منه إلّا بثلاثة أمور. علم وحال وعمل. أما العلم فهو أن يعلم العبد ضرر الذنب وأنه حجاب عن الله تعالى، فإذا حصل هذا العلم تألم القلب فعند ذلك يحصل الندم وهو الحال فيترك العبد الذنب، ويعزم في المستقبل أن لا يعود إليه وهو العمل فإذا تحققت هذه الثلاثة الأمور وحصلت التوبة، وسيأتي بسط هذا عند قوله تعالى: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً في سورة التحريم إن شاء الله تعالى إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ أي الرجاع على عباده بقبول التوبة. والتواب في وصف الله سبحانه وتعالى: المبالغ في قبول توبة عباده الرَّحِيمُ أي بخلقه وصف سبحانه وتعالى نفسه مع كونه بأنه رحيم قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً يعني هؤلاء الأربعة. وقيل إن الهبوط الأول من الجنة إلى سماء الدنيا والهبوط الثاني من السماء الدنيا إلى الأرض، وفيه ضعف لأنه قال في الهبوط الأول «ولكم في الأرض مستقر» فدل على أنه كان من الجنة إلى الأرض، والأصح أنه للتأكيد فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فيه تنبيه على عظم نعم الله على آدم وحواء كأنه قال وإن أهبطتكم من الجنة إلى