الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: «الدعاء مخ العبادة» وله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من فتح له باب من الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئا أحب إليه من أن يسأل العافية وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل» وله عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرد القضاء إلّا الدعاء ولا يزيد في العمر إلّا البر» وله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يسأل الله يغضب عليه» (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل بقوله قد دعوت فلم يستجب لي» ولمسلم قال: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» . قوله يستحسر أي يستنكف عن السؤال وأصله من حسر الطرف إذا كلّ وضعف (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له» زاد البخاري «ارزقني إن شئت ليعزم مسألته فإنه يفعل ما يشاء لا مكره له» قوله ليعزم المسألة أي لا تكن في دعائك ربك مترددا بل أعزم وجد في المسألة. عن فضالة بن عبيد قال: «سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء» أخرجه الترمذي وقال حديث صحيح. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): آية 187]
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ سبب نزول هذه الآية أنه كان في ابتداء الأمر بالصوم إذا أفطر الرجل حل له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء الأخيرة أو يرقد قبلها فإذا صلى، أو رقد حرم عليه ذلك كله إلى الليلة القابلة ثم إن عمر بن الخطاب واقع أهله بعد ما صلّى العشاء فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعتذر إلى الله وإليك من هذه الخطيئة إني رجعت إلى أهلي بعد ما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت أهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كنت بذلك جديرا يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثل ذلك فنزلت في عمر وأصحابه أحل لكم أي أبيح لكم ليلة أراد بالليلة ليالي الصيام الرفث إلى نسائكم الرفث كلام يستقبح لفظه من ذكر الجماع ودواعيه وهو هنا كناية عن الجماع قال ابن عباس إن الله تعالى حي كريم يكنى فما ذكره من المباشرة والملامسة وغير ذلك إنما هو الجماع هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ أي سكن لكم وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ أي سكن لهن قيل لا يسكن شيء إلى شيء كسكون أحد الزوجين إلى الآخر وسمي كل واحد من الزوجين لباسا لتجردهما عند النوم واجتماعهما في ثوب واحد وقيل اللباس اسم لما يوارى فيكون كل واحد منهما سترا لصاحبه عما لا يحل كما جاء في الحديث «من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه» عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ قال ابن عباس يريد فيما ائتمنكم عليه وخيانتهم أنهم كانوا يباشرون في ليالي الصوم، والمعنى يظلمونها بالمجامعة بعد العشاء وهو من الخيانة وأصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي فيه الأمانة ويقال للعاصي خائن لأنه مؤتمن على دينه فَتابَ عَلَيْكُمْ أي فتبتم فتاب عليكم وتجاوز عنكم وَعَفا عَنْكُمْ أي ومحا ذنوبكم (خ) عن البراء قال لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله فكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ الآية قال ابن عباس: فكان
ذلك مما نفع الله به الناس ورخص لهم ويسر فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ أي جامعوهن فهو حلال لكم في ليالي الصوم، وسميت المجامعة مباشرة لتلاصق بشرة واحد بصاحبه وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ أي ما قضى لكم في اللوح المحفوظ يعني الولد، وقيل: وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم بإباحة الأكل والشرب والجماع في اللوح المحفوظ يعني الولد. وقيل: اطلبوا ليلة القدر.
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ نزلت في صرمة بن قيس بن صرمة الأنصاري، ويقال قيس بن صرمة وذلك أنه ظل يعمل في أرض له وهو صائم فلما أمسى رجع إلى أهله بتمر، وقال لأهله قدمي الطعام فأرادت المرأة أن تطعمه شيئا سخنا فأخذت تعمل له ذلك فلما فرغت فإذا هو قد نام وكان قد أعيا من التعب، فأيقظته فكره أن يعصي الله ورسوله وأبى أن يأكل وأصبح صائما مجهودا فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه فلما أفاق أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: يا أبا قيس ما لك أمسيت طليحا فذكر له حاله فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية وقوله: طليحا أي مهزولا مجهودا (خ) عن البراء قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما، فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عينه فجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ومعنى الآية: وكلوا واشربوا في ليالي الصوم، حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود: بياض النهار من سواد الليل، وسميا خيطين لأن كل واحد منهما يبدو في الأفق ممتدا كالخيط، قال الشاعر:
فلما أضاءت لنا سدفة
…
ولاح من الصبح خيط أنارا
السدف اختلاط الظلام وأسدف الفجر أضاء (ق) عن سهل بن سعد قال لما نزلت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ولم ينزل «من الفجر» فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى تتبين له رؤيتهما فأنزل الله عز وجل بعده مِنَ الْفَجْرِ فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار (ق) عن عدي بن حاتم:«لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود عمدت إلى عقال أسود وعقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي وجعلت أنظر في الليل فلا يتبين لي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار» (ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» قال: وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت. واعلم أن الفجر الذي يحرم به على الصائم الطعام والشراب والجماع هو الفجر الصادق المستطير المنتشر في الأفق سريعا، لا الفجر الكاذب المستطيل. فإن قلت كيف شبه الصبح الصادق بالخيط والخيط مستطيل والصبح الصادق ليس بمستطيل؟. قلت إن القدر الذي يبدو من البياض هو أول الصبح يكون رقيقا صغيرا ثم ينتشر فلهذا شبه بالخيط، والفرق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب أن الفجر الكاذب يبدو في الأفق فيرتفع مستطيلا ثم يضمحل ويذهب ثم يبدو الفجر الصادق بعده منتشرا في الأفق مستطيرا (م) عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا» وحكاه حماد بيديه قال يعني معترضا وفي رواية الترمذي: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير في الأفق» فإذا تحقق طلوع الفجر الثاني وهو الصادق حرم على الصائم الطعام والشراب والجماع إلى غروب الشمس وهو قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ
يعني منتهى الصوم إلى الليل فإذا دخل الليل حصل الفطر (ق) عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» وهل يلزم الصائم أن يتناول عند تحقق غروب الشمس شيئا؟ فيه وجهان: أحدهما نعم يلزم ذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال.
والثاني لا، لأنه قد حصل الفطر بمجرد دخول الليل سواء أكل أو لم يأكل، وتمسكت الحنفية بهذه الآية في أن الصوم النفل يجب إتمامه وقالوا: لأن قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أمر وهو للوجوب وهو يتناول كل الصيام. أجاب أصحاب الشافعي عنه بأن هذا إنما ورد في بيان أحكام صوم الفرض فكان المراد منه صوم الفرض ويدل على إباحة الفطر من النفل ما روي عن عائشة قالت: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شيء، قلنا لا قال: فإني إذا صائم ثم أتانا يوما آخر فقلت يا رسول الله أهدي لنا حيس. قال: أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل» أخرجه مسلم. الحيس هو خلط الأقط والتمر والسمن وقد يجعل عوض الأقط دقيق أو فتيت وقيل هو التمر ينزع نواه ويخلط بالسويق والأول أعرف. قوله عز وجل: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ الاعتكاف هو الإقبال على الشيء والملازمة له على سبيل التعظيم. وهو في الشرع عبارة عن الإقامة في المسجد على عبادة الله تعالى. وسبب نزول هذه الآية أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتكفون في المسجد، فإذا عرض لرجل منهم حاجة إلى أهله خرج إليها وخلا بها، ثم اغتسل ورجع إلى المسجد فنهوا عن ذلك حتى يفرغوا من اعتكافهم. واعلم أن الله تعالى بين أن الجماع يحرم على الصائم بالنهار ويباح له في الليل، فكان يحتمل أن يكون حكم الاعتكاف كحكم الصوم فبين الله تعالى في هذه الآية أن الجماع يحرم على المعتكف في النهار والليل حتى يخرج من اعتكافه.
(فصل في حكم الاعتكاف) الاعتكاف سنة ولا يجوز في غير المسجد، وذلك لأن المسجد يتميز عن سائر البقاع بالفضل لأنه بني لإقامة الطاعات والعبادات فيه. ثم اختلفوا فنقل عن علي أنه لا يجوز إلّا في المسجد الحرام لقوله: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ فخصه به وقال عطاء: لا يجوز إلّا في المسجد الحرام ومسجد المدينة.
وقال حذيفة: يجوز في هذين المسجدين ومسجد بيت المقدس. وقال الزهري: لا يصح إلّا في الجامع وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلّا في مسجد له إمام ومؤذن وقال الشافعي ومالك وأحمد يجوز في سائر المساجد لعموم قوله:
وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ إلّا أن المسجد الجامع أفضل حتى لا يحتاج إلى الخروج من معتكفه لصلاة الجمعة (ق) عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه بعده (ق) عن ابن عمر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان» .
(فروع: الأول:) يجوز الاعتكاف بغير صوم والأفضل أن يصوم معه، وقال أبو حنيفة: الصوم شرط في الاعتكاف ولا يصح إلّا به، وحجة الشافعي ما روي عن عمر:«قال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال فأوف بنذرك» أخرجاه في الصحيحين ومعلوم أنه لا يصح الصوم في الليل.
(الفرع الثاني) لا يقدر للاعتكاف زمان عند الشافعي وأقله لحظة، ولا حد لأكثره، فلو نذر اعتكاف ساعة صح نذره، ولو نذر أن يعتكف مطلقا يخرج من نذره باعتكاف ساعة. قال الشافعي: وأحب أن يعتكف يوما، وإنما قال ذلك للخروج من الخلاف فإن أقل زمن الاعتكاف عند مالك وأبي حنيفة يوم بشرط أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس.