الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحتج أبو حنيفة ومن لا يرى وجوب السعي بقوله: «فلا جناح عليه أن يطوف بهما» . وهذا لا يقال في الواجبات ثم إنه تعالى أكد ذلك بقوله: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فبين أنه تطوع وليس بواجب. وأجيب عن الأول بأن قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ ليس فيه إلّا أنه لا إثم على فعله وهذا القدر مشترك بين الواجب، وغيره كما تقدم بيانه فلا يكون فيه دلالة على نفي الوجوب. وعن الثاني وهو التمسك بقوله تعالى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فضعيف لأن هذا لا يقتضي أن يكون المراد من هذا التطوع هو الطواف المذكور، أولا بل يجوز أن يكون المقصود منه شيئا آخر يدل على ذلك قول الحسن: إن المراد من قوله: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً جميع الطاعات في الدين يعني فعل فعلا زائدا على ما افترض عليه من صلاة وصدقة وصيام وحج وعمرة، وطواف، وغير ذلك من أنواع الطاعات.
وقال مجاهد: ومن تطوع خيرا بالطواف بهما وهذا على قول من لا يرى الطواف بهما فرضا وقيل معناه ومن تطوع خيرا فزاد في الطواف بعد الواجب والقول الأول أولى للعموم فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ أي مجاز على الطاعة عَلِيمٌ أي بنيته وحقيقة الشاكر في اللغة هو المظهر للأنعام عليه والشكر هو تصور النعمة، وإظهارها والله تعالى لا يوصف بذلك لأنه لا يلحقه المنافع والمضار، فالشاكر في صفة الله تعالى مجاز فإذا وصف به أريد به أنه المجازي على الطاعة بالثواب، إلّا أن اللفظ خرج مخرج التلطف للعباد مظاهرة في الإحسان إليهم. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): الآيات 159 الى 163]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاّعِنُونَ (159) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى نزلت في علماء اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وغيرها من الأحكام التي كانت في التوراة. وقيل: إن الآية على العموم فيمن كتم شيئا من أمر الدين لأن اللفظ عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبت، ومن قال بالقول الأول، وإنها في اليهود قال: إن الكتم لا يصح إلّا منهم لأنهم كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الكتمان ترك إظهار الشيء مع الحاجة إلى بيانه وإظهاره، فمن كتم شيئا من أمر الدين فقد عظمت مصيبته (ق) عن أبي هريرة قال: لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى وقوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ إلى آخر الآيتين، وهل إظهار علوم الدين فرض كفاية أو فرض عين؟ فيه خلاف والأصح، أنه إذا ظهر للبعض بحيث يتمكن كل واحد من الوصول إليه لم يبق مكتوما، وقيل: متى سئل العالم عن شيء يعلمه من أمر الدين يجب عليه إظهاره وإلّا فلا مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ يعني في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون المراد بالناس علماء بني إسرائيل، ومن قال: إن المراد بالكتاب جميع ما أنزل الله على أنبيائه من الأحكام قال المراد بالناس العلماء كافة أُولئِكَ يعني الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ أي يبعدهم من رحمته وأصل اللعن في اللغة الطرد والإبعاد وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قال ابن عباس: جميع الخلائق إلّا الجن والإنس وذلك أن البهائم تقول إنما منعنا القطر بمعاصي بني آدم. وقيل: اللاعنون هم الجن والإنس لأنه وصفهم بوصف من يعقل وقيل: ما تلا عن اثنان من المسلمين إلّا رجعت إلى اليهود والنصارى الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم استثنى فقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا أي ندموا على ما فعلوا فرجعوا عن الكفر إلى الإسلام وَأَصْلَحُوا يعني الأعمال فيما بينهم وبين الله تعالى وَبَيَّنُوا يعني ما كتموا من العلم فَأُولئِكَ