الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة آل عمران (3): آية 136]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (136)
أُولئِكَ إشارة إلى من تقدم ذكره في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ الآية جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ معنى الآية أن المطلوب بالتوبة أمران أحدهما الأمن من العقاب وإليه الإشارة بقوله مغفرة من ربهم والثاني إيصال الثواب وإليه الإشارة بقوله وجنات تجري من تحتها الأنهار أي ذلك لهم ذخر لا يبخس وأجر لا يوكس خالِدِينَ فِيها أي في الجنات وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ أي ونعم ثواب المطيعين يعني الجنة. قوله عز وجل:
[سورة آل عمران (3): الآيات 137 الى 138]
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ يعني قد انقضت من قبلكم سنة الله في الأمم الماضية بالهلاك والاستئصال لأنهم خالفوا الأنبياء والرسل للحرص على الدنيا وطلب لذاتها والبقاء فيها فانقرضوا ولم يبق منهم أحد وقيل في معنى السنة الطريقة المستقيمة والمثال المتبع. لكل أمة سنة ومنهاج إذا اتبعوه رضي الله عنهم بذلك. وقيل سنن أي شرائع وقيل سنن أي أمم والسنة الأمة ومعنى الآية قد مضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة بإمهالي واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم الذي أجلته لإهلاكهم فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ أمر ندب لا على سبيل الوجوب بل المقصود تعرف أحوال الماضين بقوله فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ فرغب أمة محمد صلى الله عليه وسلم في تأمل أحوال الأمم الماضية ليصير ذلك داعيا لهم إلى الإيمان بالله ورسوله والإعراض عن الدنيا ولذاتها. وفيه أيضا زجر للكافر عن كفره لأنه إذا تأمل أحوال الكفار وإهلاكهم صار ذلك داعيا إلى الإيمان لأن النظر إلى آثار المتقدمين له أثر في النفس كما قيل:
إن آثارنا تدل علينا
…
فانظروا بعدنا إلى الآثار
وفي هذه الآية تسلية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جرى لهم في غزوة أحد يقول فإني إنما أمهلت الكفار حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم الذي أجلته لهم في إهلاكهم ونصر محمد صلى الله عليه وسلم وأوليائه وهلاك أعدائه. قوله عز وجل:
هذا يعني القرآن وقيل هو اسم إشارة إلى ما تقدم من أمره ونهيه ووعده ووعيده بَيانٌ لِلنَّاسِ يعني عامة وَهُدىً يعني من الضلالة وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ يعني خاصة وقيل في الفرق بين البيان والهدى والموعظة لأن العطف يقتضي المغايرة والبيان هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت حاصلة والهدى هو طريق الرشد المأمور بسلوكه دون طريق الغي، والموعظة هي الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغي في طريق الدين.
فالحاصل أن البيان جنس تحته نوعان أحدهما الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدين وهو الهدى والثاني الكلام الزاجر عما لا ينبغي في الدين وهو الموعظة وإنما خصص المتقين بالهدى والموعظة لأنهم المنتفعون بهما دون غيرهم.
[سورة آل عمران (3): الآيات 139 الى 140]
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
قوله عز وجل: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا نزلت يوم أحد حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بطلب القوم مع ما أصابهم من الجراح فاشتد ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى هذه الآية وحث فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد على ما أصابهم من الجراح والقتل. وكان قد قتل يوم أحد من الأنصار سبعون رجلا ومن المهاجرين خمسة رجال منهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصعب بن عمير. ومعنى الآية ولا تهنوا أي ولا تضعفوا عن الجهاد ولا تحزنوا يعني على من قتل منكم لأنهم في الجنة وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يعني بالنصر والغلبة عليهم وأن العاقبة لكم وقال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب فأقبل خالد بن الوليد في خيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا يعلوه علينا اللهم لا قوة لنا إلّا بك» فثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى انهزموا وعلا المسلمون الجبل فذلك قوله تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وقيل وأنتم الأعلون لأن حالكم خير من حالهم لأن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار وأنتم تقاتلون على الحق وهم يقاتلون على الباطل. وقيل وأنتم الأعلون في العاقبة لأنكم تظفرون بهم وتستولون عليهم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي إذ كنتم مؤمنين وقيل معناه إن كنتم مصدقين بأن ناصركم هو الله تعالى فصدقوا بذلك فإنه حق وصدق.
وقوله تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ قرئ بضم القاف وبفتحها وهما لغتان ومعناهما واحد وقيل إنه بالفتح مصدر وبالضم اسم وقيل إنه بالفتح اسم للجراحة وبالضم ألم للجراحة الآية خطاب للمسلمين حين انصرفوا من أحد مع الحزن والكآبة يقول: إن يمسسكم أيها المسلمون قرح يوم أحد فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ يعني في يوم بدر وقيل إن الكفار قد نالهم يوم أحد مثل ما نالكم من الجراح والقتل فقد قتل منهم نيف وعشرون رجلا وكثرت الجراحات فيهم وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ المداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر يقال تداولته الأيدي إذا انتقل من واحد إلى آخر ويقال الدنيا دول أي تنتقل من قوم إلى آخرين ثم منهم إلى غيرهم والمعنى أن أيام الدنيا هي دول بين الناس فيوم لهؤلاء ويوم لهؤلاء فكانت الدولة للمسلمين على المشركين في يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين رجلا وأسروا سبعين وأديل المشركون من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمسا وسبعين (خ) عن البراء بن عازب قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا وهم الرماة عبد الله بن جبير. فقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم فهزمهم الله. قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذلك قوله والرسول يدعوكم في أخراكم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منا سبعين رجلا وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا وسبعين قتيلا فقال أبو سفيان أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات ثم قال أفي القوم عمر بن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا فما ملك عمر نفسه فقال كذبت والله يا عدو الله إن الذي عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك قال يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثله لم آمر بها ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز اعل هبل اعل هبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه؟ فقالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال قولوا الله أعلى وأجل قال أبو سفيان. إن لنا عزى ولا عزى لكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبوه قالوا يا رسول الله ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم. قال البغوي وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس وفي حديثه قال أبو سفيان يوم بيوم وإن الأيام دول والحرب سجال فقال عمر لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال الزجاج الدولة تكون للمسلمين على الكفار لقوله تعالى