الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله تعالى اسودت شفاههم وغلبهم العطش فلم يرووا وجبنوا وبقوا على شط النهر ولم يجاوزوه، وقيل جاوزوه كلهم ولكن الذين شربوا لم يحضروا القتال وإنما قاتل أولئك القليل الذين لم يشربوا وهو قوله تعالى: فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ يعني جاوز النهر طالوت وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يعني أولئك القليل قالُوا يعني الذين شربوا من النهر وخالفوا أمر الله تعالى وكانوا أهل شك ونفاق فعلى هذا يكون قد جاوز النهر مع طالوت المؤمن والمنافق والطائع والعاصي فلما رأوا العدو قال المنافقون لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ فأجابهم المؤمنون بقولهم كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً وقيل لم يجاوز النهر مع طالوت إلا المؤمنون خاصة لقوله تعالى: فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ. فإن قلت فعلى هذا القول من القائل «لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده» . قلت يحتمل أن يكون أهل الإيمان وهم الثلاثمائة وبضعة عشر انقسموا إلى قسمين قسم حين رأوا العدو وكثرته وقلة المؤمنين قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده فأجابهم القسم الآخر بقولهم» كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين» ومعنى لا طاقة لنا لا قوة لنا اليوم بجالوت وجنوده قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أي يستيقنون ويعلمون أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ أي ملاقو ثواب الله ورضوانه في الدار الآخرة كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ الفئة الجماعة لا واحد له من لفظه كالرهط غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ أي بقضاء الله وإرادته وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ يعني بالنصر والمعونة.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): آية 250]
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250)
وَلَمَّا بَرَزُوا يعني طالوت وجنوده المؤمنين لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ يعني الكافرين ومعنى برزوا صاروا بالبراز من الأرض وهو ما ظهر واستوى منها قالُوا يعني المؤمنين أصحاب طالوت رَبَّنا أَفْرِغْ أي اصبب عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا أي قو قلوبنا لتثبت أقدامنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وذلك أن جالوت وقومه كانوا يعبدون الأصنام فسأل المؤمنون الله أن ينصرهم على القوم الكافرين.
[سورة البقرة (2): آية 251]
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251)
فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ يعني أن الله تعالى استجاب دعاء المؤمنين فأفرغ عليهم الصبر وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين حين التقوا فهزموهم بإذن الله يعني بقضائه وإرادته وأصل الهزم في اللغة الكسر أي كسروهم وردوهم وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وكانت قصة قتله ما ذكره أهل التفسير وأصحاب الأخبار أنه عبر النهر فيمن عبر مع طالوت أيشا أبو داود في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغرهم وكان يرمي بالقذافة فقال داود لأبيه يوما يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلّا صرعته، فقال له أبوه أبشر يا بني فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك ثم أتاه مرة أخرى فقال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبته وأخذت بأذنه فلم يهجني فقال له أبوه: أبشر يا بني فإن هذا خير يريده الله بك، ثم أتاه يوما آخر فقال له: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح فلا يبقى جبل إلّا سبح معي فقال: يا بني أبشر فإن هذا خير أعطاكه الله تعالى. قالوا فأرسل جالوت الجبار إلى طالوت ملك بني إسرائيل أن ابرز إلي وأبرز إليك أو أبرز إلي من يقاتلني، فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فشق ذلك على طالوت ونادى في عسكره من قتل جالوت زوجته ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله في ذلك فدعا الله فأتي بقرن فيه دهن القدس وتنور حديد.
وقيل له إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي إذا وضع هذا القرن على رأسه سال على رأسه حتى يدهن من رأسه ولا يسيل على وجهه بل يكون على رأسه كهيئة الإكليل ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه فدعا طالوت بني إسرائيل وجربهم فلم يوافقه أحد منهم فأوحى الله إلى نبيهم إن في ولد إيشا من يقتل جالوت فدعا طالوت إيشا وقال له أعرض على بنيك فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري فجعل يعرض واحدا واحدا على القرن فلا يرى شيئا فقال لإيشا هل بقي لك ولد غير هؤلاء فقال لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا رب إنه قد زعم أنه لا ولد غيرهم فقال له كذب فقال له النبي: إن ربي قد كذبك، فقال إيشا: صدق ربي يا نبي الله إن لي ولدا صغيرا مسقاما اسمه داود استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته فجعلته في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا وكان داود عليه السلام رجلا قصيرا مسقاما أزرق أمعر مصفرا فدعا به طالوت ويقال إنه خرج إليه فوجده في الوادي وقد سال الوادي ماء وهو يحمل شاتين شاتين يعبر بهما السيل إلى الزريبة التي يريح فيها غنمه، فلما رآه طالوت قال هذا هو الرجل المطلوب لا شك فيه فهذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم، فدعاه طالوت ووضع القرن على رأسه فنش وفاض فقال له طالوت هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي قال نعم فقال له: هل أنست من نفسك شيئا تتقوى به على قتله قال نعم أنا أرعى الغنم فيجيء الأسد أو النمر أو الذئب فيأخذ شاة من الغنم فأقوم فأفتح لحييه عنها وأخرجها من قفاه، فأخذ طالوت داود ورده إلى العسكر، فمر داود عليه السلام في طريقه بحجر فناداه يا داود احملني فإني حجر هارون فحمله ثم مر بحجر آخر. فقال يا داود احملني فإني حجر موسى فحمله ثم مر بحجر آخر فقال له: يا داود احملني فإني حجرك الذي تقتل به جالوت، فحمله فوضع الثلاثة في مخلاته، فلما رجع طالوت إلى العسكر ومعه داود وتصافوا للقتال برز جالوت يطلب المبارزة فانتدب له داود عليه السلام فأعطى داود فرسا وسلاحا فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريبا ثم رجع إلى طالوت فقال من حوله: جبن الغلام فجاء فوقف على طالوت فقال له ما شأنك فقال له داود عليه السلام إن لم ينصرني ربي لم يغن هذا السلاح عني شيئا وإن نصرني فلا حاجة لي به فدعني أقاتل كما أريد قال نعم فأخذ داود مخلاته وتقلدها وأخذ المقلاع بيده ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة حديد وزنها ثلاثمائة رطل فلما نظر إلى داود وهو يريده وقع الرعب في قلبه فقال له: جالوت وأنت تبرز لي قال: نعم وكان جالوت على فرس
أبلق عليه السلاح التام فقال: اتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب فقال: نعم وأنت شر من الكلب. قال جالوت: لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء، فقال داود عليه السلام: أو يقسم الله لحمك، ثم قال داود: باسم إله إبراهيم، وأخرج حجرا ثم قال باسم إله إسحاق وأخرج حجرا ثم قال باسم إله يعقوب وأخرج حجرا ووضعها في مقلاعه فصارت الثلاثة حجرا واحدا، وأدار داود المقلاع ورمي به جالوت فسخر الله له الريح فحملت الحجر حتى أصاب أنف البيضة فخلط دماغ جالوت وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلا، وخر جالوت صريعا قتيلا، فأخذ داود يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت ففرح بنو إسرائيل بذلك فرحا شديدا وهزم الله الجيش فرجع طالوت بالناس إلى المدينة سالمين غانمين وجعل الناس يذكرون داود فجاء داود إلى طالوت وقال له. أنجز لي ما وعدتني به فقال له أتريد ابنة الملك بغير صداق فقال له داود ما شرطت علي صداقا وليس لي شيء فقال: لا أكلفك إلّا ما تطيق أنت رجل جريء وفي حيالنا أعداء لنا غلف فإن قتلت مائتي رجل وجئتني بغلفهم زوجتك ابنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحدا منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم مائتي غلفة فجاء بها إلى طالوت وألقاها بين يديه وقال ادفع إلي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود عليه السلام وأحبوه وأكثروا ذكره فحسده طالوت وأراد قتله فأخبر بذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فأخبرت بذلك داود وقالت له: إنك مقتول الليلة قال ومن يقتلني قالت: أبي قال: وهل أجرمت جرما يوجب القتل قالت حدثني بذلك من لا يكذب ولا
عليك أن تغيب الليلة حتى تنظر مصداق ذلك فقال إن كان يريد ذلك فلا أستطيع خروجا ولكن ائتني بزق خمر فأتته به فوضعه في مضجعه على سريره وسجاه ودخل داود تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لابنته أين بعلك قالت هو نائم على سريره فضربه بالسيف فسال الخمر فلما وجد ريح الخمر قال يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر وخرج، فلما أصبح علم أنه لم يفعل شيئا فقال: إن رجلا طلبت منه ما طلبت لحقيق أن لا يدعني حتى يدرك ثأره مني فاشتد حجابه وحراسه وأغلق دونه أبوابه، ثم إن داود أتاه ليلة وقد هدأت العيون وأعمى الله عنه الحجاب ففتح الأبواب ودخل عليه وهو نائم على فراشه، فوضع سهما عند رأسه وسهما عند رجليه وسهما عن يمينه وسهما عن شماله وخرج فاستيقظ طالوت فبصر بالسهام فعرفها فقال يرحم الله داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي فكف عني ولو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه فلما كان من الليلة القابلة أتاه ثانيا فأعمى الله عنه الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ إبريق وضوئه وكوزه الذي يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيئا من طرف ثوبه ثم خرج وتوارى، فلما أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد، الطلب فلم يقدر عليه. ثم إن طالوت ركب يوما فوجد داود يمشي في البرية فقال اليوم أقتله وركض في أثره فاشتد داود في عدوه. وكان إذا فزع لم يدرك فدخل غارا فأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسجت عليه فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال: لو كان دخل هنا لتخرق هذا النسج وانطلق طالوت وتركه فخرج داود حتى أتى جبل المتعبدين فتعبد معهم وطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلّا قتله فقتل خلقا كثيرا من العباد والعلماء حتى أتى بامرأة تعلم الاسم الأعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز فلم يقتلها، وقال: لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها ثم وقع في قلب طالوت التوبة والندم على ما فعل وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس. وكان كل ليلة يخرج إلى القبور ويبكي وينادي أنشد الله عبدا يعلم لي توبة إلّا أخبرني بها فلما كثر ذلك منه ناداه مناد من القبور: يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتا فازداد حزنا وبكاء فتوجه الخباز إلى طالوت لما رأى من حاله وقال: ما لك أيها الملك فأخبره وقال
: هل تعلم لي توبة أو تعلم في الأرض عالما أسأله عن توبتي فقال له الخباز أيها الملك إن دللتك على عالم يوشك أن تقتله فقال لا فتوثق منه باليمين فأخبره أن تلك المرأة العالمة عنده. فقال: انطلق بي إليها لأسألها عن توبتي قال نعم فانطلق به فلما قربا من الباب قال له الخباز. أيها الملك إنها إذا رأتك فزعت ولكن ائت خلفي فلما دخلا عليها قال لها الخباز: يا هذه ألست تعلمين حقي عليك؟ قالت: بلى قال فإن لي إليك حاجة فتقضيها قالت نعم قال هذا طالوت قد جاءك يسأل هل له من توبة فلما سمعت بذكر طالوت غشى عليها فلما أفاقت قالت والله ما أعلم له توبة ولكن دلوني على قبر نبي فانطلقوا بها إلى قبر أشمويل فوقفت عليه ودعت وكانت تعلم الاسم الأعظم ثم قالت يا صاحب القبر فخرج ينفض التراب عن رأسه فلما نظر إلى ثلاثتهم قال: ما لكم أقامت القيامة قالت المرأة لا ولكن هذا طالوت قد جاء يسألك هل له من توبة فقال أشمويل: يا طالوت ما فعلت بعدي قال لم أدع من الشر شيئا إلّا فعلته وجئت أطلب التوبة فقال أشمويل يا طالوت كم لك من الولد قال عشرة رجال قال ما أعلم لك من توبة إلّا أن تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت حتى تقتل آخرهم. ثم إن أشمويل سقط ميتا ورجع طالوت أحزن ما كان رهبة أن لا يتابعه بنوه على ما يريد. وكان قد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فجمع أولاده وقال لهم: أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تنقذونني منها فقالوا بلى ننقذك بما نقدر عليه قال: فإنها النار إن لم تفعلوا ما آمركم به قالوا: اعرض علينا ما أردت فذكر لهم القصة قالوا: وإنك لمقتول قال نعم قالوا فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت. فتجهز هو وولده وخرج طالوت مجاهدا في سبيل الله فتقدم أولاده فقاتلوا حتى قتلوا ثم شد هو من بعدهم فقاتل حتى قتل وجاء قاتل طالوت إلى داود فبشره بقتله وقال له: