الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر» . وقوله تعالى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ يعني أن الله تعالى يعلم مقادير الإنفاق ويجازي عليها ففيه حث على الصدقة والإنفاق في الطاعة. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): آية 274]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً قال ابن عباس في رواية عنه: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب كانت عنده أربعة دراهم لا يملك غيرها فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية وفي رواية عنه قال: «لما نزل للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله» بعث عبد الرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أهل الصفة، وبعث علي بن أبي طالب في الليل بوسق من تمر فأنزل الله فيهما: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ يعني بنفقة الليل نفقة علي وبالنهار نفقة عبد الرحمن وفي الآية إشارة إلى أن صدقة السر أفضل من صدقة العلانية لأنه تعالى قدم نفقة الليل على نفقة النهار وقدم السر على العلانية وقيل: نزلت الآية في الذين يربطون الخيل للجهاد في سبيل الله لأنهم يعلفونها بالليل والنهار وفي السر: والعلانية (خ) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا وتصديقا بوعده كان شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» يعني حسنات وقيل: إن الآية عامة في الذين ينفقون أموالهم في جميع الأوقات ويعمون بها أصحاب الحاجات والفاقات. فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي جزاء أعمالهم وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يعني في الآخرة. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): آية 275]
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أي يعاملون به وإنما خص الأكل لأنه معظم الأمر المقصود من المال لأن المال لا يؤكل إنما يصرف في المأكول ثم يؤكل فمنع الله التصرف في الربا بما ذكر فيه من الوعيد (م) عن جابر قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء» وأصل الربا في اللغة الزيادة يقال ربا الشيء يربو إذا زاد وكثر فالربا الزيادة في المال لا يَقُومُونَ يعني من قبورهم يوم القيامة إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ أي يصرعه، وأصل الخبط الضرب والوطء وهو ضرب على غير استواء يقال ناقة خبوط للتي تضرب الأرض بقوائمها وتطأ الناس بأخفافها ومنه قولهم: يخبط خبط عشواء للرجل الذي يتصرف في الأمور على غير اهتداء وتمييز وتدبر، وتخبطه الشيطان إذا مسه بخبل وجنون مِنَ الْمَسِّ يعني من الجنون يقال: مس الرجل فهو ممسوس إذا كان به جنون، ومعنى الآية أن آكل الربا يبعث يوم القيامة مثل المصروع الذي لا يستطيع الحركة الصحيحة لأن الربا ربا في بطونهم حتى أثقلهم فلا يقدرون على الإسراع. قال سعيد بن جبير تلك علامة آكل الربا إذا استحله يوم القيامة وروى البغوي بسند الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الإسراء قال: «فانطلق بي جبريل إلى رجال كثير كل رجل بطنه مثل البيت الضخم منضدين على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا قال فيقبلون مثل الإبل المنهومة يخبطون الحجارة والشجر لا يسمعون ولا يعقلون فإذا أحس بهم أصحاب تلك البطون قاموا فتميل بهم بطونهم فيصرعون ثم يقوم أحدهم فيميل به بطنه
فيصرع فلا يستطيعون أن يبرحوا حتى يغشاهم آل فرعون فيردوهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ بين الدنيا والآخرة، قال: وآل فرعون يقولون: اللهم لا تقم الساعة أبدا. قال: ويوم القيامة يقول أدخلوا آل فرعون أشد العذاب قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلّا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس». قوله: بطنه مثل البيت الضخم أي العظيم الكبير الغليظ، وقوله: منضدين أي موضوعين بعضهم على بعض والسابلة الطريق، وقوله مثل الإبل المنهومة، النهم بالتحريك إفراط في الشهوة بالطعام من الجوع. قوله عز وجل: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أي ذلك الذي نزل بهم من العذاب بقولهم هذا واستحلالهم إياه وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حل ماله على غريمه يطالبه به فيقول الغريم لصاحب الحق زدني في الأجل حتى أزيدك في المال فيفعلان ذلك وكانوا يقولون: سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند المحل لأجل التأخير فكذبهم الله تعالى. ورد عليهم ذلك بقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا يعني وأحل الله لكم الأرباح في التجارة بالبيع والشراء وحرم الربا الذي هو زيادة في المال لأجل تأخير الأجل وذلك لأن الله تعالى خلق الخلق فهم عبيده وهو مالكهم يحكم فيهم بما يشاء ويستعبدهم بما يريد ليس لأحد أن يعترض عليه في شيء مما حل أو حرم، وإنما على كافة الخلق الطاعة والتسليم لحكمه وأمره ونهيه. وذكر بعض العلماء الفرق بين البيع والربا فقال إذا باع ثوبا يساوي عشرة بعشرين فقد جعل ذات الثوب مقابلا للعشرين فلما حصل التراضي على هذا التقابل صار كل واحد منهما مقابلا للآخر في المالية عندهما فلم يكن أخذ من صاحبه شيئا بغير عوض، أما إذا باع عشرة دراهم بعشرين فقد أخذ العشرة الزائدة بغير عوض ولا يمكن أن يقال: إن العوض هو الإمهال في مدة الأجل لأن الإمهال ليس مالا أو شيئا يشار إليه حتى يجعله عوضا عن العشرة الزائدة فقد ظهر الفرق بين الصورتين.
(فصل: في حكم الربا وفيه مسائل) المسألة الأولى: ذكروا في سبب تحريم الربا وجوها: أحدها: أن الربا يقتضي أخذ مال الغير بغير عوض، لأن من يبيع درهما بدرهمين نقدا كان أو نسيئة فقد حصل له زيادة درهم من غير عوض فهو حرام. الوجه الثاني:
إنما حرم عقد الربا لأنه يمنع الناس من الاشتغال بالتجارة لأن صاحب الدراهم إذا تمكن من عقد الربا خف عليه تحصيل الزيادة من غير تعب ولا مشقة، فيقضي ذلك إلى انقطاع منافع الناس بالتجارات وطلب الأرباح. الوجه الثالث: أن الربا هو سبب إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض، فلما حرم الربا طابت النفوس بقرض الدراهم للمحتاج واسترجاع مثله لطلب الأجر من الله تعالى. الوجه الرابع: أن تحريم الربا قد ثبت بالنص ولا يجب أن يكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق فوجب القطع بتحريم الربا وإن كنا لا نعلم وجه الحكمة في ذلك.
المسألة الثانية: اعلم أن الربا في اللغة هو الزيادة، وطلب الزيادة بطريق التجارة غير حرام فثبت أن الزيادة المحرمة هو الربا وهو على صفة مخصوصة في مال مخصوص بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق) عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الذهب بالورق ربا إلّا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلّا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلّا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلّا هاء وهاء» . وفي رواية: «الورق بالورق ربا إلّا هاء وهاء والذهب بالذهب ربا إلّا هاء وهاء» (م) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد واستزاد فقد أربى» وفي رواية: «التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد، فمن زاد واستزاد فقد أربى إلّا ما اختلفت ألوانه. (م) عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر وبالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا
بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» فنص رسول الله صلى الله عليه وسلم على جريان الربا في هذه الستة أشياء وهي النقدان وأربعة أصناف من المطعومات وهي البر والشعير والتمر والملح، فذهب عامة أهل العلم إلى أن حكم الربا ثبت في هذه الأشياء لأوصاف فيها، فيعتدي إلى كل ما يوجد من تلك الأصناف فيه ثم اختلفوا في تلك الأوصاف فذهب قوم إلى أن المعنى في جميعها هو واحد وهو النفع فأثبتوا الربا في جميع الأموال وذهب الأكثرون إلى أن الربا يثبت في الدراهم والدنانير بوصف وفي الأشياء المطعومة بوصف آخر، واختلفوا في ذلك الوصف فذهب الشافعي ومالك إلى أنه ثبت في الدراهم والدنانير بوصف النقدية وذهب أصحاب الرأي إلى أنه ثبت بعلة الوزن فأثبتوا الربا في جميع الموزونات مثل الحديد والنحاس والقطن ونحو ذلك، وأما الأربعة أشياء المطعومة فذهب أصحاب الرأي إلى أن الربا ثبت فيها بعلة الوزن والكيل فأثبتوا الربا في جميع المكيلات والموزونات مطعوما كان أو غير مطعوم كالجص والنورة ونحوهما، وذهب جماعة إلى أن العلة فيها الطعم مع الكيل والوزن فكل مطعوم مكيل أو موزون يثبت فيه الربا ولا يثبت فيما سوى ذلك مما ليس بمكيل أو موزون وهو قول سعيد بن المسيب والشافعي في القديم. وقال في الجديد: ثبت الربا فيها بوصف الطعم فأثبت الربا في جميع الأشياء المطعومة من الثمار والفواكه والبقول والأدوية مكيلة كانت أو موزونة لما روي عن معمر بن عبد الله أرسل غلامه بصاع قمح فقال: بعه ثم اشتر به شعيرا، فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض من صاع فلما جاء معمرا أخبره بذلك. فقال له معمر: لم فعلت ذلك انطلق فرده ولا تأخذن إلا مثلا بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الطعام بالطعام مثلا بمثل» وكان طعامنا الشعير قيل له: فإنه ليس بمثله فقال إني أخاف أن يضارع أخرجه مسلم فجملة مال الربا عند الشافعي ما كان ثمنا أو مطعوما.
المسألة الثالثة: الربا نوعان ربا فضل وهو الزيادة وربا نسيئة وهو الأجل، فإن باع ما يدخل فيه الربا بجنسه إن باع أحد النقدين بجنسه كالذهب بالذهب أو المطعوم بجنسه كالحنطة بالحنطة ونحو ذلك فيشترط فيه التماثل والمساواة بمعيار الشرع فإن كان موزونا كالدراهم والدنانير فيشترط فيه المساواة في الوزن وإن كان مكيلا كالحنطة والشعير يشترط في بيعه بجنسه المساواة في الكيل، ويشترط التقابض في مجلس العقد فإن باع ما يدخل فيه الربا بغير جنسه ينظر فإن باع بما لا يوافقه في وصف الربا مثل إن باع مطعوما بأحد النقدين فلا ربا فيه كما لو باعه بغير مال الربا فإن باعه بما لا يوافقه في الوصف لا في الجنس مثل أن باع الدراهم بالدنانير أو باع الحنطة بالشعير أو كان مطعوما بمطعوم آخر من غير جنسه فلا يثبت فيه ربا التفاضل فيجوز بيعه متفاضلا ويثبت فيه ربا النسيئة فيشترط في بيعه التقابض في المجلس لقوله صلى الله عليه وسلم «إلّا يدا بيد». وقوله «هاء وهاء» ففيه اشتراط التقابض في المجلس وتحريم النسيئة وقوله صلى الله عليه وسلم:«إلّا سواء بسواء مثلا بمثل» ففيه إيجاب المماثلة وتحريم التفاضل عند اتفاق الجنس وقوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم» ففيه إطلاق التبايع مع التفاضل عند اختلاف الجنس مع اشتراط التقابل في المجلس وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يدا بيد» والله أعلم.
المسألة الرابعة: في القرض وهو من أقرض شيئا وشرط أن يرد عليه أفضل منه فهو قرض جر منفعة وكل قرض جر منفعة فهو ربا يدل عليه ما روي عن مالك قال: بلغني أن رجلا أتى ابن عمر فقال إني أسلفت رجلا سلفا واشترطت عليه أفضل مما أسلفته، فقال عبد الله بن عمر: فذلك الربا أخرجه مالك في الموطأ. قال فإن لم يشترط فضلا في وقت القرض فرد المستقرض أفضل مما أخذ جاز. ويدل على ذلك ما روي عن مجاهد أن ابن عمر استلف دراهم فقضى صاحبها خيرا منها فأبى أن يأخذها وقال هذه خير من دراهمي. فقال ابن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة أخرجه مالك في الموطأ. وقوله تعالى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ أي تذكير وتخويف وإنما ذكر الفعل لأن تأنيثه غير حقيقي فجاز تذكيره وذلك لأن الوعظ والموعظة شيء واحد فَانْتَهى