الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على المتدبر والمتفكر في القرآن العزيز من التأويل والمعاني ما لا يفتحه على غيره «وفوق كل ذي علم عليم» والله أعلم.
فصل في معنى التفسير والتأويل:
فأما التفسير فأصله في اللغة من الفسر، وهو كشف ما غطى، وهو بيان المعاني المعقولة فكل ما يعرف به الشيء ومعناه فهو تفسير. وقد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها تفسير. وقيل هو من التفسرة وهو الدليل الذي ينظر فيه الطبيب فيكشف عن علة المريض فكذلك المفسر يكشف عن معنى الآية وشأنها وقصتها.
وأما التأويل فاشتقاقه من الأول وهو الرجوع إلى الأصل يقال أولته فأول أي صرفته فانصرف، وهو رد الشيء إلى الغاية والمراد منه بيان غايته المقصودة منه فالتأويل بيان المعاني والوجوه المستنبطة الموافقة للفظ الآية. والفرق بين التفسير والتأويل أن التفسير يتوقف على النقل المسموع والتأويل يتوقف على الفهم الصحيح والله أعلم.
(القول في الاستعاذة) ولفظها المختار أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لموافقة قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ومعنى أعوذ بالله ألتجئ إليه وأمتنع به مما أخشاه من عاذ يعوذ، والشيطان أصله من شطن أي تباعد من الرحمة وقيل من شاط يشيط إذا هلك واحترق غضبا والشيطان اسم لكل عارم عات من الجن والإنس وشيطان الجن مخلوق من قوة النار فلذلك فيه القوة الغضبية الرجيم فعيل بمعنى فاعل أي يرجم بالوسوسة والشر وقيل بمعنى مفعول أي مرجوم بالشهب عند استراق السمع، وقيل مرجوم بالعذاب وقيل مرجوم بمعنى مطرود عن الرحمة وعن الخيرات وعن منازل الملأ الأعلى. وأما حكم الاستعاذة ففيه مسائل.
المسألة الأولى: اتفق الجمهور على أن الاستعاذة سنة في الصلاة فلو تركها لم تبطل صلاته سواء تركها عمدا أو سهوا، ويستحب لقارئ القرآن خارج الصلاة أن يتعوذ أيضا. وحكي عن عطاء وجوبها سواء كانت في الصلاة أو غيرها. وقال ابن سيرين إذا تعوذ الرجل في عمره مرة واحدة كفى في إسقاط الوجوب، دليل الوجوب ظاهر قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ والأمر للوجوب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على التعوذ فيكون واجبا، ودليل الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم الأعرابي الاستعاذة في جملة أعمال الصلاة وتأخير البيان عن وقته غير جائز. وأجيب عن قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بأن معناه عند جماهير العلماء إذا أردت القراءة فاستعذ كقوله: «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا» معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة. وأجيب عن مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صلى الله عليه وسلم واظب على أشياء كثيرة من أفعال الصلاة ليست بواجبة كتكبيرات الانتقالات والتسبيحات في الصلاة فكان التعوذ مثلها.
المسألة الثانية: وقت الاستعاذة قبل القراءة عند الجمهور سواء كان في الصلاة أو خارجها، وحكي عن النخعي أنه بعد القراءة، وهو قول داود وإحدى الروايتين عن ابن سيرين حجة الجمهور ما روي عن أبي سعيد الخدري قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. ثم يقول: الله أكبر كبيرا، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» أخرجه الترمذي وقال هذا الحديث أشهر حديث في الباب وقد تكلم في بعض رجاله وقال أحمد لا يصح ولأبي داود والنسائي عن أبي سعيد نحوه. وعن جبير بن مطعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة قال عمر ولا أدري أي صلاة هي قال: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا ثلاثا وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة ونفثه وهمزه، قال نفخه الكبر ونفثه الشعر وهمزه الموتة» أخرجه أبو داود وقيل الموتة الجنون لأن من جن فقد مات عقله. وقيل همزه هو الذي يوسوسه في الصلاة ونفخه هو الذي يلقيه من
الشبه في الصلاة ليقطع عليه صلاته.، واحتج مخالف الجمهور بظاهر قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وأجيب عنه بما تقدم. وقال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ في قيام رمضان بعد القراءة. لنا ما تقدم من الأدلة.
المسألة الثالثة: المختار من لفظ الاستعاذة عند الشافعي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وبه قال أبو حنيفة لموافقة قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ولحديث جبير بن مطعم. وقال أحمد الأولى أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم جمعا بين هذه الآية وبين قوله تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ولحديث أبي سعيد. وقال الثوري والأوزاعي: الأولى أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، وبالجملة فالاستعاذة تطهر القلب عن كل شيء يشغله عن الله تعالى. ومن لطائف الاستعاذة أن قوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إقرار من العبد بالعجز والضعف واعتراف من العبد بقدرة البارئ عز وجل وأنه هو الغني القادر على دفع جميع المضرات والآفات واعتراف من العبد أيضا بأن الشيطان عدو مبين، ففي الاستعاذة التجاء إلى الله تعالى القادر على دفع وسوسة الشيطان الغوي الفاجر، وأنه لا يقدر على دفعه عن العبد إلّا الله تعالى والله أعلم.