الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أغنياء لأن ذلك كذب وافتراء والمعنى سنحفظ عليهم ما قالوا وقيل: سنثبت ذلك القول في صحائف أعمالهم التي تكتبها الحفظة عليهم حتى يوافوا بها يوم القيامة فهو وعيد وتهديد لهم وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ قيل معناه سنكتب ما قال هؤلاء اليهود ونكتب ما فعله أسلافهم فنجازي كلا الفريقين بما هو أهله وإنما نسب قتل الأنبياء إلى اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فعله أسلافهم وأوائلهم لأنهم رضوا بفعلهم فنسب إليهم. وقيل في معنى الآية سنكتب على هؤلاء ما قالوا بأنفسهم ونكتب عليهم أيضا رضاهم بقتل آبائهم الأنبياء والفائدة في ضم قتلهم الأنبياء إلى ما وصفوا الله تعالى بالفقر الإعلام بذلك أنهما أخوان في العظم وإن هذا القول منهم ليس بأول ما ارتكبوه من العظائم وأنهم أصلاء في الكفر والجهل والضلال ولهم في ذلك سوابق، وأن من قتل الأنبياء لا يبعد منه الاجتراء على مثل هذا القول العظيم الفحش والقبح وَنَقُولُ يعني لهؤلاء الذين قالوا هذه المقالة ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أي ننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة ذوقوا عذاب الحريق كما أذقتم المسلمين الغصص في الدنيا ذلِكَ أي ذلك العذاب المحرق جزاء فعلكم حيث وصفتم الله بالفقر وأقدمتم على قتل الأنبياء بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ إنما ذكر الأيدي على سبيل المجاز لأن الفاعل هو الإنسان لا اليد إلّا أن اليد لما كانت آلة الفعل حسن إسناد الفعل إليها ولأن أكثر الأعمال يكون باليد فجعل كل عمل كالواقع بالأيدي على سبيل التغليب وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فيعذب بغير ذنب بل هو سبحانه وتعالى عادل ومن العدل أن يعاقب المسيء ويثبت المحسن. قوله عز وجل:
[سورة آل عمران (3): الآيات 183 الى 185]
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَاّ مَتاعُ الْغُرُورِ (185)
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا قال الكلبي نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن صيفي ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوت وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا وأنزل عليك كتابا وإن الله عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه جاء من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل الله تعالى الَّذِينَ قالُوا يعني قد سمع الله قول الذين إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا يعني أمرنا وأوصانا في كتبه أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ يعني فيكون ذلك دليلا على صدقه. وذكر الواحدي عن السدي أنه قال إن الله تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة من جاءكم يزعم أنه رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار. حتى يأتيكم المسيح ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان. زاد غير الواحدي عنه قال: وكانت هذه العادة باقية فيهم إلى مبعث المسيح عليه السلام ثم ارتفعت وزالت وقيل إن ادعاء هذا الشرط كذب على التوراة وهو من كذب اليهود وتحريفهم ويدل على ذلك أن المقصود في الدلالة على صدق النبي هو ظهور المعجزة الخارقة للعادة فأي معجزة أتى بها النبي قبلت منه وكانت دليلا على صدقه. وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الباهرات الدالة على صدقه فوجب على كافة الخلق اتباعه وتصديقه والقربان كل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل من أعمال البر من نسك وصدقة وذبح وكل عمل صالح، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم الصوم جنة والصلاة قربان يعني أنها مما يتقرب بها إلى الله عز وجل. وكانت القرابين والغنائم لا تحل لبني إسرائيل وكانوا إذا قربوا قربانا أو غنموا غنيمة جمعوا ذلك وجاءت نار بيضاء من
السماء لا دخان لها ولها دوي حفيف فتأكل ذلك القربان أو الغنمية وتحرقه فيكون ذلك دليلا وعلامه على القبول وإذا لم يقبل بقي على حاله ولم تنزل نار. وقال عطاء كانت بنو إسرائيل يذبحون لله فيأخذون الثروب وأطايب اللحم فيضعونها في وسط بيت والسقف مكشوف فيقوم نبيهم عليه السلام في البيت ويناجي ربه عز وجل وبنو إسرائيل خارجون حول البيت فتنزل نار بيضاء لها دوي وحفيف ولا دخان لها فتأكل ذلك القربان ثم قال الله عز وجل مجيبا عن هذه الشبهة التي ذكرها هؤلاء اليهود وإقامة للحجة عليهم قُلْ يعني قل يا محمد لهؤلاء اليهود قَدْ جاءَكُمْ يا معشر اليهود رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي يعني مثل زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام بِالْبَيِّناتِ يعني بالدلات الواضحات الدالة على صدقهم وَبِالَّذِي قُلْتُمْ يعني ما طلبوا من القربان فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ عني فلم قتلتم الأنبياء الذين أوتوا بنا طلبتم منهم مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء وأراد بذلك فعل أسلافهم وإنما خاطب بذلك اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا راضين بفعل أسلافهم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني في دعواكم ومعناه تكذيبهم إياك يا محمد مع علمهم بصدقك كقتل آبائهم الأنبياء مع إتيانهم بالقربان ثم قال تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم فَإِنْ كَذَّبُوكَ يعني هؤلاء اليهود فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ يعني مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الرسل جاؤُ بِالْبَيِّناتِ يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات وَالزُّبُرِ أي الكتب واحدها زبور وكل كتاب فيه حكمة فهو زبور وأصله من الزبر وهو الزجر وسمي الكتاب الذي فيه الحكمة زبورا لأنه يزبر عن الباطل ويدعو إلى الحق وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ أي الواضح المضيء وإنما عطف الكتاب المنير على الزبر لشرفه وفضله وقيل أراد بالزبر الصحف وبالكتاب المنير التوراة والإنجيل.
قوله عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ يعني أن كل نفس مخلوقة ذائقة الموت ولا بد لها منه. قيل لما نزل قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ يا رسول الله إنما نزلت في بني آدم فأين ذكر الموت للجن والأنعام والوحوش والطير؟ فنزلت هذه الآية وقيل لما خلق الله آدم عليه السلام اشتكت الأرض إلى ربها عز وجل مما أخذ منها فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها فما أحد يموت إلّا ويدفن في التربة التي خلق منها. فإن قلت الحور والولدان نفوس مخلوقة في الجنة لا تذوق الموت فما حكم لفظ كل في قوله كل نفس ذائقة الموت؟ قلت لفظة كل لا تقتضي الشمول والإحاطة بدليل قوله تعالى وأوتيت من كل شيء ولم تؤت ملك سليمان فتكون الآية من العام المخصوص ويحتمل أن يكون المراد بهم المكلفين بدليل سياق الآية وهو قوله تعالى: وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يعني توفون جزاء أعمالكم يَوْمَ الْقِيامَةِ إن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ يعني فمن نجا وأبعد من النار وأدخل الجنة فقد ظفر بالنجاة ونجا من الخوف وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ يعني أن العيش في هذه الدار الفانية يغر الإنسان بما يمنيه من طول البقاء وسينقطع عن قريب فوصفت بأنها متاع الغرور لأنها تغر ببذل المحبوب. وتخيل للإنسان أنه يدوم وليس بدائم والمتاع كل ما استمتع به الإنسان من مال وغيره وقيل المتاع كالفارس والقدر والقصعة ونحوها والغرور ما يغر الإنسان مما لا يدوم وقيل الغرور الباطل. ومعنى الآية أن منفعة الإنسان بالدنيا كمنفعته بهذه الأشياء التي يستمتع بها ثم تزول عن قريب. وقيل متاع متروك يوشك أن يضمحل ويزول فخذوا من هذا المتاع واعملوا فيه بطاعة الله ما استطعتم. قال سعيد بن جبير هي متاع الغرور لمن لم يشتغل بطلب الآخرة فأما من اشتغل بطلب الآخرة فهي له متاع وبلاغ إلى ما هو خير منها (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» واقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين.
زاد الترمذي: «وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» واقرءوا إن شئتم: «وظل ممدود ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها» واقرءوا إن شئتم: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ. قوله عز وجل: