الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى عليها وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ يعني السحاب ماءً يعني المطر فَأَخْرَجَ بِهِ أي بذلك الماء مِنَ الثَّمَراتِ يعني من ألوان الثمرات وأصناف النبات رِزْقاً لَكُمْ أي وعلفا لدوابكم فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً يعني أمثالا تعبدونهم كعادته، والندّ المثل وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أنكم بعقولكم تعلمون أن هذه الأشياء والأمثال لا يصح جعلها أندادا لله، وأنه واحد خالق لجميع الأشياء وأنه لا مثل له ولا ضد له.
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ أي إن كنتم في شك لأن الله تعالى عليهم أنهم شاكون مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا أي محمد صلى الله عليه وسلم لما تقرر إثبات الربوبية لله سبحانه وتعالى وأنه الواحد الخالق وأنه لا ضد له ولا ندّ أتبعه بإقامة الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة، وأنه من عند الله تعالى لا من عند نفسه كما تدّعون فيه، وقوله على عبدنا إضافة تشريف لمحمد صلى الله عليه وسلم وأن القرآن منزل عليه من عند الله سبحانه وتعالى فَأْتُوا أمر تعجيز بِسُورَةٍ والسورة قطعة من القرآن معلومة الأول والآخر وقيل السورة اسم للمنزلة الرفيعة، ومنه سور البلد لارتفاعه، سميت سورة لأن القارئ ينال بها منزلة رفيعة حتى يستكمل المنازل باستكمال سور القرآن مِنْ مِثْلِهِ أي مثل القرآن، وقيل الضمير في مثله راجع إلى عبدنا، يعني من مثل محمد صلى الله عليه وسلم أميّ لم يحسن الكتابة ولم يجالس العلماء ولم يأخذ العلم عن أحد، ورد الضمير إلى القرآن أوجه وأولى ويدل عليه أن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في التحدي وإنما وقع الكلام في المنزل ألا ترى أن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فأتوا أنتم بسورة مما يماثله ويجانسه، ولو كان الضمير مردودا إلى محمد صلى الله عليه وسلم لقال وإن ارتبتم في أن محمدا منزل عليه فهاتوا قرآنا مثل محمد صلى الله عليه وسلم، ويدل على كون القرآن معجزا ما اشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة في طرفي الإيجاز والإطالة فتارة يأتي بالقصة باللفظ الطويل ثم يعيدها باللفظ الوجيز ولا يخل بالمقصود الأول، وأنه فارقت أساليبه أساليب الكلام وأوزانه أوزان الأشعار والخطب والرسائل ولهذا تحديت العرب به، فعجزوا عنه وتحيروا فيه واعترفوا بفضله وهم معدن البلاغة وفرسان الفصاحة ولهم النظم والنثر من الأشعار والخطب والرسائل، حتى قال الوليد بن المغيرة في وصف القرآن: والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أصله لمغدق وإن أعلاه لمثمر وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي استعينوا بآلهتكم التي تعبدونها من دون الله والمعنى إن كان الأمر كما تقولون أنها تستحق العبادة فاجعلوا الاستعانة بها في دفع ما نزل بكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وإلّا فاعلموا أنكم مبطلون في دعواكم أنها إلهة. وقيل معناه وادعوا أناسا يشهدون لكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن محمدا صلى الله عليه وسلم تقوله من تلقاء نفسه.
[سورة البقرة (2): الآيات 24 الى 25]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي فيما مضى وَلَنْ تَفْعَلُوا فيما بقي وهذه الآية دالة على عجزهم وأنهم لم يأتوا بمثله ولا بمثل شيء منه. وذلك أن النفوس الأبية إذا قرعت بمثل هذا التقريع استفرغت الوسع في الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه ولو قدروا على ذلك لأتوا به فحيث لم يأتوا بشيء ظهرت المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وبان عجزهم وهم أهل الفصاحة والبلاغة، والقرآن من جنس كلامهم، وكانوا حراصا على إطفاء نوره وإبطال أمره ثم مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة من أحدهم ورضوا بسبى الذراري وأخذ الأموال والقتل وإذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان الأمر كذلك وجب ترك العناد وهو قوله تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ أي فآمنوا واتقوا بالإيمان النار الَّتِي وَقُودُهَا أي حطبها النَّاسُ وَالْحِجارَةُ قال ابن عباس يعني حجارة الكبريت
لأنها أكثر التهابا. وقيل جميع الحجارة وفيه دليل على عظم تلك النار وقوتها. وقيل أراد بها الأصنام لأن أكثر أصنامهم كانت من الحجارة وإنما قرن الناس مع الحجارة لأنهم كانوا يعبدونها معتقدين فيها أنها تنفعهم وتشفع لهم فجعلها الله عذابهم في نار جهنم أُعِدَّتْ أي هيئت لِلْكافِرِينَ قوله عز وجل: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أي أخبر المؤمنين، وهذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم. والبشارة إيراد الخبر السار على سامع يستبشر به ويظهر السرور في بشرة وجهه لأن الإنسان إذا فرح بشيء وسر به ظهر ذلك على بشرة وجهه ثم كثر حتى وضع موضع الخير والشر ومنه قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ولكن هو في السرور والخير أغلب وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أي الفعلات الصالحات وهي الطاعات. قيل العمل الصالح ما كان فيه أربعة أشياء: العلم والنية والصبر والإخلاص. وقال عثمان بن عفان: وعملوا الصالحات أي أخلصوا الأعمال يعني عن الرياء أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ جمع جنة وهي البستان الذي فيه أشجار مثمرة سميت جنة لاجتنابها وتسترها بالأشجار والأوراق. وقيل: الجنة ما فيه نخيل والفردوس ما فيه كرم تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا أي من تحت أشجارها ومساكنها الْأَنْهارُ أي تجري المياه في الأنهار لأن الأنهار لا تجري وقيل معناه تجري بأمرهم وفي الحديث «إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود» أي في غير شق والخد الشق كُلَّما رُزِقُوا أي أطعموا مِنْها أي من الجنة مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً أي طعاما قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ أي في الدنيا، وقيل: إن ثمار الجنة متشابهة في اللون مختلفة في الطعم فإذا رزقوا ثمرة بعد أخرى ظنوا أنها الأولى وَأُتُوا بِهِ أي بالرزق مُتَشابِهاً قال ابن عباس مختلفا في الطعوم وقيل يشبه بعضه بعضا في الجودة لا رداءة فيها وقيل يشبه ثمار الدنيا في الاسم لا في الطعم (م) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبزقون يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس طعامهم جشاء ورشح كرشح المسك» وفي رواية «ورشحهم المسك» . قوله: يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس أي يجري على ألسنتهم كما يجري النفس فلا يشغلهم عن شيء كما أن النفس لا يشغل عن شيء قوله طعامهم جشاء، يعني أن فضول طعامهم يخرج في الجشاء وهو تنفس المعدة. والرشح العرق وقوله العرق.
وقوله تعالى وَلَهُمْ فِيها أي في الجنات أَزْواجٌ أي من الحور العين مُطَهَّرَةٌ يعني من البول والغائط والحيض والولد وسائر الأقذار وقيل هن عجائزكم الغمص العمش طهرن من قذرات الدنيا وقيل طهرن من مساوي الأخلاق قيل في الجنة جماع ما شئت ولا ولد وَهُمْ فِيها خالِدُونَ أي لا يخرجون منها ولا يموتون.
والخلد البقاء الدائم الذي لا انقطاع له (ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبصقون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوّة وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد وعلى صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء» وفي رواية «ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا» (ق) عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» عن أبي هريرة قال: «قلت يا رسول الله ممّ خلق الله الخلق؟ قال من الماء، قلت الجنة ما بناؤها؟ قال لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وتربتها الزعفران من يدخلها ينعم ولا ييأس ويخلد ولا يموت ولا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم» أخرجه الترمذي بزيادة وقال ليس إسناده بذلك القوي. عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة ومن فوقها يكون العرش فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس» أخرجه الترمذي (م) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم