الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول فيما بينهم لا عند المؤمنين فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك فرد الله ذلك عليهم بقوله أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ يعني الجهال. وأصل السفه خفة العقل ورقة العلم وإنما سمى الله المنافقين سفهاء لأنهم كانوا عند أنفسهم عقلاء رؤساء فقلب ذلك عليهم وسماهم سفهاء وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ يعني أنهم كذلك. قوله تعالى:
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا يعني هؤلاء المنافقين إذا لقوا المهاجرين والأنصار قالُوا آمَنَّا كإيمانكم وَإِذا خَلَوْا أي رجعوا. وقيل هو من الخلوة إِلى قيل بمعنى الباء أي ب شَياطِينِهِمْ وقيل بمعنى مع أي مع شياطينهم والمراد بشياطينهم رؤساؤهم وكهنتهم قال ابن عباس وهم خمسة نفر: كعب بن الأشرف من اليهود بالمدينة وأبو بردة من بني أسلم، وعبد الدار في جهينة وعوف بن عامر في بني أسد وعبد الله بن السوداء بالشام، ولا يكون كاهن إلّا ومعه شيطان تابع لهم، وقيل لهم رؤساؤهم الذين شابهوا الشياطين في تمردهم قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ أي على دينكم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ أي بمحمد وأصحابه بما نظهر لهم من الإسلام لنأمن شرهم ونقف على سرهم ونأخذ من غنائمهم وصدقاتهم. قال ابن عباس نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن أبي لأصحابه انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم؟ فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديق فقال: مرحبا بالصديق سيد بني تميم وشيخ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبا بسيد بني عدي بن كعب الفاروق القوي في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بيد علي فقال: مرحبا يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختمه وسيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له علي: اتق الله يا عبد الله ولا تنافق فإن المنافقين شر خليقة الله. فقال مهلا يا أبا الحسن إني لا أقول هذا نفاقا والله إن إيماننا كإيمانكم وتصديقنا كتصديقكم ثم تفرقوا فقال عبد الله لأصحابه كيف رأيتموني فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا.
[سورة البقرة (2): الآيات 15 الى 19]
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي يجازيهم جزاء استهزائهم بالمؤمنين فسمي الجزاء باسمه لأنه في مقابلته قال ابن عباس يفتح لهم باب الجنة فإذا انتهوا إليه سدّ عنهم وردوا إلى النار وَيَمُدُّهُمْ أي يتركهم ويمهلهم. والمد والإمداد واحد وأصله الزيادة وأكثر ما يأتي المد في الشر والإمداد في الخير فِي طُغْيانِهِمْ أي في ضلالهم وأصل الطغيان مجاوزة الحد يَعْمَهُونَ أي يترددون في الضلالة متحيرين أُولئِكَ يعني المنافقين الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى أي استبدلوا الكفر بالإيمان وإنّما أخرجه بلفظ الشراء والتجارة توسعا على سبيل الاستعارة لأن الشراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر. فإن قلت كيف قال اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى.
قلت جعلوا لتمكنهم منه كأنه في أيديهم فإذا تركوه إلي الضلالة فقد عطلوه واستبدلوه بها. والضلالة الجور عن القصد وفقد الاهتداء فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أي ما ربحوا في تجارتهم والربح الفضل عن رأس المال وأضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها وَما كانُوا مُهْتَدِينَ أي مصيبين في تجارتهم، لأن رأس المال هو الإيمان فلما أضاعوه واعتقدوا الضلالة فقد ضلوا عن الهدى. وقيل وما كانوا مهتدين في ضلالتهم. قوله عز وجل مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً المثل عبارة عن قول يشبه ذلك القول قولا آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره، ولهذا ضرب الله تعالى الأمثال في كتابه، وهو أحد أقسام القرآن السبعة ولما ذكر الله تعالى حقيقة
وصف المنافقين عقبه بضرب المثل زيادة في الكشف والبيان، لأنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه، ولأن المثل تشبيه الخفي بالجلي، فيتأكد الوقوف على ماهيته وذلك هو النهاية في الإيضاح، وشرطه أن يكون قولا فيه غرابة من بعض الوجوه كمثل الذي استوقد نارا لينتفع بها فَلَمَّا أَضاءَتْ يعني النار ما حَوْلَهُ يعني حول المستوقد ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ فإن قلت كيف وحد أولا ثم جمع ثانيا. قلت يجوز وضع الذي يوضع الذين كقوله: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا وقيل إنما شبه قصتهم بقصة المستوقد، وقيل معناه مثل الواحد منهم كمثل الذي استوقد نارا وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ قال ابن عباس: نزلت في المنافقين يقول مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي في ظلمة حائرا متخوفا، فكذلك حال المنافقين أظهروا كلمة الإيمان فأمنوا بها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وناكحوا المسلمين وقاسموهم في الغنائم فذلك نورهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف. وقيل: ذهاب نورهم عقيدتهم للمؤمنين على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل ذهاب نورهم في القبر أو على الصراط. فإن قلت ما وجه تشبيه الإيمان بالنور والكفر بالظلمة؟ قلت: وجه تشبيه الإيمان بالنور أن النور أبلغ الأشياء في الهداية إلى المحجة القصوى وإلى الطريق المستقيم وإزالة الحيرة وكذلك الإيمان هو الطريق الواضح إلى الله تعالى وإلى جنانه، وشبه الكفر بالظلمة لأن الضال عن الطريق المسلوكة في الظلمة لا يزداد إلّا حيرة وكذلك الكفر لا يزداد صاحبه في الآخرة إلّا حيرة. وفي ضرب المثل للمنافقين بالنار ثلاث حكم: إحداها أن المستضيء بالنار مستضيء بنور غيره فإذا ذهب ذلك بقي هو في ظلمته فكأنهم لما أقروا بالإيمان من غير اعتقاد قلوبهم كان إيمانهم كالمستعار. الثانية أن النار تحتاج في دوامها إلى مادة الحطب لتدوم فكذلك الإيمان يحتاج إلى مادة الاعتقاد ليدوم الثالثة أن الظلمة الحادثة بعد الضوء أشد على الإنسان من ظلمة لم يجد قبلها ضياء فشبه حالهم بذلك. ثم وصفهم الله تعالى فقال صُمٌّ أي عن سماع الحق لأنهم لا يقبلونه وإذا لم يقبلوه فكأنهم لم يسمعوه بُكْمٌ أي خرس عن النطق بالحق فهم لا يقولونه عُمْيٌ أي لا بصائر لهم يميزون بها بين الحق والباطل ومن لا بصيره له كمن لا بصر له فهو أعمى، كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن سماع الحق آذانهم وأبوا أن تنطق به ألسنتهم وأن ينظروا إليه بعيونهم جعلوا كمن تعطلت حواسه وذهب إدراكه قال الشاعر:
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به
…
وإن ذكرت بسوء كلهم أذن
فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أي عن ضلالتهم ونفاقهم. قوله تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ أي كأصحاب صيّب وهو المطر، وكل ما أنزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب مِنَ السَّماءِ أي من السحاب لأن كل ما علاك فأظلك فهو سماء ومنه قيل لسقف البيت سماء وقيل من السماء بعينها، وإنما ذكر الله تعالى السماء وإن كان المطر لا ينزل إلّا منها ليرد على من زعم أن المطر ينعقد من أبخرة الأرض فأبطل مذهب الحكماء بقوله من السماء ليعلم أن المطر ليس من أبخرة الأرض كما زعم الحكماء فِيهِ أي الصيّب ظُلُماتٌ جمع ظلمة وَرَعْدٌ هو الصوت الذي يسمع من السحاب وَبَرْقٌ يعني النار التي تخرج منه. قال ابن عباس: الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به السحاب. وقيل الرعد اسم ملك يزجر السحاب إذا تبددت جمعها وضمها فإذا اشتد غضبه يخرج من فيه النار فهي البرق والصواعق، وقيل الرعد تسبيح الملك. وقيل اسمه يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت كل من يسمعها أو يغشى عليه، وقيل الصاعقة قطعة من العذاب ينزلها الله على من يشاء. عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب حَذَرَ الْمَوْتِ أي مخافة الهلاك وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ أي عالم بحالهم وقيل يجمعهم ويعذبهم. يَكادُ الْبَرْقُ أي يقرب، يقال كاد يفعل ولم يفعل يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أي يختلسها. والخطف