الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قد قتلت عدوك فقال داود: ما أنت بباق بعده وقتله فكان ملك طالوت إلى أن قتل مدة أربعين سنة فأتى بنو إسرائيل إلى داود فملكوه عليهم وأعطوه خزائن طالوت. قال الكلبي والضحاك ملك داود بعد قتل جالوت سبع سنين ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلّا على داود فذلك قوله تعالى: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ يعني النبوة جمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن كذلك من قبل بل كانت النبوة في سبط والملك في سبط وقيل الحكمة هي العلم مع العمل به وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ أي وعلم الله داود صنعة الدروع فكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل إلّا من عمل يده، وقيل علمه منطق الطير وقيل علمه الزبور وقيل هو الصوت الطيب والألحان ولم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوت داود فكان إذا قرأ الزبور تدنو منه الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها وتظله الطير مصيخة له ويركد الماء الجاري وتسكن الرياح عند قراءته، وقيل علمه سياسة الملك وضبطه، وذلك لأنه لم يكن من بيت الملك حتى يتعلمه من آبائه، وقال ابن عباس هو أن الله تعالى أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النور وحلقها مستديرة مفصلة بالجوهر مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب فكان لا يحدث في الهواء حدث إلّا صلصلت السلسلة فيعلم داود ذلك الحدث ولا يمسها ذو عاهة إلّا برىء. وكانوا يتحاكمون إليهما بعد داود إلى أن رفعت فمن تعدى على صاحبه أو أنكره حقا أتى السلسلة فمن كان صادقا مديده إلى السلسلة فنالها ومن كان كاذبا لم ينلها فكانت كذلك إلى أن ظهر فيهم المكر والخبث. فبلغنا أن بعض ملوكهم أودع رجلا جوهرة ثمينة، فلما طالبه بالوديعة أنكره إياها فتحاكما إلى السلسلة، فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكازه فنقرها وجعل الجوهرة فيها واعتمد عليها حتى أتيا السلسلة فقال صاحب الجوهرة: رد على الوديعة فقال صاحبه ما أعرف لك عندي وديعة فإن كنت صادقا فتناول السلسلة فتناولها بيده وقال للمنكر قم أنت أيضا فتناولها فقال لصاحب الجوهرة أمسك عكازتي فأخذها الرجل منه وقام المنكر إلى السلسلة وقال: اللهم
إن كنت تعلم أن الوديعة التي يدعيها قد وصلت إليه فقرب السلسلة مني ومد يده فتناولها فعجب القوم من ذلك وشكوا فيها فأصبحوا وقد رفع الله السلسلة. قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعني ولو أن الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الإيمان والطاعة بعضا وهم أهل الكفر والمعاصي قال ابن عباس ولولا دفع الله بجنوده المسلمين لغلب المشركون على الأرض فقتلوا المؤمنين وخربوا المساجد والبلاد وقيل معناه ولو دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ يعني لهلكت بمن فيها ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر روى أحمد بن حنبل عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء» ثم قرأ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ يعني إن دفع الفساد بهذا الطريق إنعام وإفضال عم الناس كلهم.
[سورة البقرة (2): الآيات 252 الى 253]
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253)
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ يعني القصص التي اقتصها من حديث الألوف وإماتتهم وإحيائهم وتمليك طالوت وإظهاره بالآية وهي التابوت وإهلاك الجبابرة على يد صبي نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أي باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه في كتبهم وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ يعني حيث تخبر بهذه الأخبار العجيبة والقصص القديمة من غير أن تعرف بقراءة كتاب ولا سماع أخبار فدل ذلك على أنك من المرسلين وأن الذي تخبر به وحي من الله
تعالى. قوله عز وجل: تِلْكَ الرُّسُلُ يعني جماعة الرسل الذين تقدم ذكرهم في هذه السورة فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فيه دليل على زوال الشبهة لمن أوجب التسوية بين الأنبياء في الفضيلة لاستوائهم في القيام بالرسالة وأجمعت الأمة على أن الأنبياء بعضهم أفضل من بعض وأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم لعموم رسالته وهو قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً مِنْهُمْ أي من الرسل مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ أي كلمة الله وهو موسى عليه السلام وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم رفع الله منصبه ومرتبته على كافة سائر الأنبياء بما فضله عليهم من الآيات البينات والمعجزات الباهرات فما أوتي نبي من الأنبياء آية أو معجزة إلّا أوتي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وفضل محمد صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء بآيات ومعجزات أخر مثل انشقاق القمر بإشارته وحنين الجذع الذي حن عند مفارقته وتسليم الحجر والشجر عليه وكلام البهائم له شاهدة برسالته ونبع الماء من بين أصابعه وغير ذلك من الآيات والمعجزات التي لا تحصى كثرة، وأعظمها وأظهرها معجزة وآية القرآن العظيم الذي عجز أهل الأرض عن معارضته والإتيان بمثله فهو معجزة باقية إلي يوم القيامة (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما من نبي من الأنبياء إلّا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (ق) عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» (م) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلائق كافة وختم بي النبيون» فإن قلت لم ذكره على سبيل الرمز والإشارة ولم يصرح باسمه صلى الله عليه وسلم؟ قلت: في هذا الإبهام والرمز من تفخيم فضله وإعلاء قدره صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى لما فيه من الشهادة بأنه العلم الذي لا يشتبه ولا يلتبس فهو كما يقول الرجل وقد فعل شيئا فعله بعضكم أو أحدكم ويريد نفسه فيكون أفخم من التصريح به كما سئل الخطيئة: من أشعر الناس؟ قال زهير والنابغة. ثم قال ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه وقوله تعالى:
وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ يعني الحجج والأدلة الباهرة والمعجزات على نبوته مثل إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أي وقويناه بجبريل عليه السلام فكان معه إلى أن رفعه إلى عنان السماء السابعة. فإن قلت لم خص موسى وعيسى بالذكر من بين سائر الأنبياء. قلت لما أوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ولقد بين الله تعالى وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية عظيمة وتأييد عيسى بروح القدس آية عظيمة أيضا فلما أوتي موسى وعيسى من الآيات العظيمة خصا بالذكر في باب التفضيل فعلى هذا كل من كان من الأنبياء أعظم آيات وأكثر معجزات كان أفضل ولهذا أحرز نبينا صلى الله عليه وسلم قصبات السبق في الفضل لأنه أعظم الأنبياء آيات وأكثرهم معجزات فهو أفضلهم صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وَلَوْ شاءَ اللَّهُ أي ولو أراد الله وأصل المشيئة الإرادة مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ يعني بعد الرسل الذين وصفهم الله مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ أي الدلالات الواضحات من الله بما فيه مزدجر لمن هداه الله تعالى ووفقه وَلكِنِ اخْتَلَفُوا يعني اختلف هؤلاء الذين من بعد الرسل فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ أي ثبت على إيمانه بالله ورسوله بفضل الله وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ أي ومنهم من تعمد الكفر بعد قيام الحجة وبعثة الرسل وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا أي ولو أراد الله أن يحجزهم عن الاقتتال والاختلاف لحجزهم عن ذلك وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ يعني أنه تعالى يوفق من يشاء لطاعته والإيمان به فضلا منه ورحمة ويخذل من يشاء عدلا منه لا اعتراض عليه في ملكه وفعله. سأل رجل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن القدر فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر فقال طريق مظلم فلا تسلكه فأعاد السؤال فقال بحر عميق فلا تلجه فأعاد السؤال فقال: سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه. قوله عز وجل: