الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لصلاة إلّا بعد دخول وقتها ولا يجوز الجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد وهو قول علي وابن عباس وابن عمر وبه قال الشعبي والنخعي وقتادة وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وذهب جماعة إلى أن التيمم كالوضوء فيجوز تقديمه إلى الوقت ويجوز أن يصلي به ما شاء من الفرائض ما لم يحدث وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والزهري والثوري وأصحاب الرأي واتفقوا على أنه يجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل قبل الفرض وبعده إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى، وأن يقرأ القرآن إن كان جنبا ويشترط طلب الماء في السفر بأن يطلبه في رحله وعند رفقائه وإن كان في صحراء ولا حائل دون نظره حواليه، وإن كان دون نظره حائل قريب من تل أو جدار أو نحوه عدل عنه لأن الله تعالى قال فلم تجدوا ماء فتيمموا ولا يقال لم يجد إلّا لمن طلب ولا يشترط طلب عند أبي حنيفة فإن رأى الماء ولا يقدر عليه لمانع من عدو أو سبع يمنعه من الذهاب إليه أو كان الماء في بئر وليس معه آلة الاستقاء فهو كالعادم فيتيمم ويصلي ولا إعادة عليه والله أعلم.
وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا يعني يتجاوز عن ذنوب عباده ويعفو ويصفح عنهم غَفُوراً ستورا على عباده يغفر الذنوب ويسترها وفيه تنبيه على أن الله تعالى رخص لعباده أمر العبادة ويسرها عليهم لأن من كانت عادته أن يغفر الذنوب ويعفو عنها كان أولى بأن يرخص للعاجزين أمر العبادة قوله عز وجل:
[سورة النساء (4): آية 44]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ نزلت في يهود المدينة وقال ابن عباس نزلت في رفاعة بن زيد ومالك بن دخشم اليهوديين كانا إذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لويا ألسنتهما وعاباه فأنزل الله تعالى ألم تر يعني ألم ينته علمك يا محمد إلى هؤلاء الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يعني أعطوا حظا من علم التوراة وذلك أنهم عرفوا نبوة موسى من التوراة وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم منها فلذلك أتى بمن التي هي للتبعيض وقيل إنهم علموا التوراة ولم يؤتوا العمل بها يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ يؤثرون تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم ليأخذوا بذلك الرشا وتحصل لهم الرياسة وإنما ذكر بلفظ الشراء لأنه استبدال شيء بشيء وقيل فيه إضمار يعني يستبدلون الضلالة بالهدى وَيُرِيدُونَ يعني اليهود أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ يعني عن السبيل والمعنى أنهم يتوصلون إلى إضلال المؤمنين والتلبيس عليهم لكي يجتنبوا الإسلام.
[سورة النساء (4): الآيات 45 الى 47]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (45) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَاّ قَلِيلاً (46) يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ يعني أنه سبحانه وتعالى أعلم بكنه ما في قلوب اليهود من العداوة والبغضاء لكم يا معشر المؤمنين فلا تنصحوهم فإنهم أعداؤكم وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا يعني متوليا أمركم والقائم به ومن كان الله تعالى وليه لم يضره أحد وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً يعني ينصركم عليهم فثقوا بولايته ونصره.
وقوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا قيل هو بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب والتقدير ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا وقيل هو متعلق بما قبله والتقدير وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا وقيل هو ابتداء الكلام وفيه حذف تقديره من الذين هادوا قوم يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ أي يزيلونه ويغيرونه ويبدلونه
عَنْ مَواضِعِهِ يعني يغيرون صفة محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة وقال ابن عباس: كانت اليهود يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسألونه عن الأمر فيخبرهم به فيرى أنهم يأخذون بقوله فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه، وقيل المراد بالتحريف إلقاء الشبهة الباطلة والتأويلات الفاسدة وهو تحريف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى الباطل وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا يعني سمعنا قولك وعصينا أمرك وذلك أنهم كانوا إذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر قالوا في الظاهر سمعنا وقالوا في الباطن: عصينا وقيل إنهم كانوا يظهرون ذلك القول عنادا واستخفافا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ هذه كلمة تحتمل المدح والذم فأما معناها في المدح اسمع غير مسمع مكروها. وأما معناها في الذم فإنهم كانوا يقولون اسمع منا ولا نسمع منك. وقيل إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم اسمع ثم يقولون في أنفسهم لا سمعت وقيل معناه غير مقبول منك ما تدعو إليه وقيل معناه غير مسمع جوابا يوافقك ولا كلاما ترتضيه وَراعِنا أي ويقولون راعنا يريدون بذلك نسبته إلى الرعونة وقيل معناه أرعنا سمعك أي اصرف سمعك إلى كلامنا وأنصت إلى قولنا ومثل هذا لا يخاطب به الأنبياء بل إنما يخاطبون بالإجلال والتعظيم والتبجيل والتفخيم لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ أصله لويا لأنه من لويت الشيء إذا فتلته والمعنى أنهم يفتلون الحق فيجعلونه باطلا لأن راعنا من المراعاة فيجعلونه من الرعونة. وكانوا يقولون لأصحابهم إنما نشتمه ولا يعرف ولو كان نبيا لعرف ذلك فأظهره الله تعالى على خبث ضمائرهم وما في قلوبهم من العداوة والبغضاء ثم قال تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا يعني ولو أنهم قالوا بدل سمعنا وعصينا سمعنا وأطعنا وَاسْمَعْ يعني بدل قولهم لا سمعت وَانْظُرْنا يعني بدل قولهم راعنا أي انظر إلينا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ يعني عبد الله وَأَقْوَمَ يعني أعدل وأصوب وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ يعني طردهم وأبعدهم من رحمته بِكُفْرِهِمْ يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم: فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا يعني فلا يؤمن من اليهود إلّا نفر قليل مثل عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل أراد بذلك القليل هو اعترافهم بأن الله خلقهم ورزقهم.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ خطاب لليهود آمِنُوا بِما نَزَّلْنا يعني القرآن مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ يعني التوراة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم أحبار اليهود عبد الله بن صوريا وكعب بن الأشرف فقال يا معشر «اليهود اتقوا الله وأسلموا فو الله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق» قالوا ما نعرف ذلك وأصروا على الكفر فأنزل الله هذه الآية وأمرهم بالإيمان وقرن بهذا الأمر الوعيد الشديد فقال تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً أصل الطمس إزالة الأثر بالمحو وذكروا في المراد بالطمس هاهنا وجهين: أحدهما أن يحمل على حقيقته والثاني أن يحمل على مجازه أما من حمله على الحقيقة فقال هو محو تخطيط صور الوجوه قال ابن عباس يجعلها كخف البعير وقيل نعيمها فيكون المراد بالوجه العين فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها يعني نجعلها على هيئة أدبارها وهي الاقفاء وقيل نديرها فنجعل الوجوه إلى خلف والأقفاء إلى قدام وإنما جعل الله هذا عقوبة لهم لما فيه من تشويه الخلقة والمثلة والفضيحة، وعند هذا يحصل لهم الغم وتكثر الحسرات فعلى هذا يكون هذا الوعيد مختصا بيوم القيامة.
وأما من حمل الطمس على المجاز فقال المراد به نطمسها عن الهدى فنردها على أدبارها يعني على ضلالتها وقيل المراد بالطمس طمس القلب والبصيرة فنردها على أدبارها يعني بتغيير أحوالهم فنلبسهم الصغار والذلة بعد العز وقيل المراد بالطمس محو آثارهم من المدينة وردهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام من حيث جاءوا وهو إجلاء بني النضير فإن قلت قد أوعدهم وهددهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ولم يؤمنوا فلم يفعل بهم ذلك قلت هذا الإشكال إنما يرد على من فسر الطمس بتغيير الوجوه ومحو تخطيطها وحمله على الحقيقة والجواب عنه إن هذا مشروط بعدم الإيمان وقد آمن منهم ناس فرفع عن الباقين. وروي أن عبد الله بن سلام لما سمع هذه الآية جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتي أهله فأسلم وقال: يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يحول وجهي إلى قفاي وكذلك روي عن كعب الأحبار أنه لما سمع هذه الآية في خلافة عمر بن الخطاب أسلم. وقال يا رب أسلمت مخافة أن يصيبني وعيد هذه الآية فكان هذا الوعيد مشروطا بأن لا يؤمن أحد منهم وهذا الشرط لم يوجد لأنه آمن