الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ. ثم الروم. ثم العنكبوت، واختلفوا في آخر ما نزل بمكة فقال ابن عباس العنكبوت وقال الضحاك وعطاء المؤمنين، وقال مجاهد: ويل للمطففين، فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بمكة فذلك ثلاث وثمانون سورة على ما استقرت عليه روايات الثقات. وأمّا ما نزل بالمدينة فإحدى وثلاثون سورة، فأول ما نزل بها سورة البقرة. ثم الأنفال. ثم آل عمران. ثم الأحزاب. ثم الممتحنة. ثم النساء. ثم إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ. ثم الحديد. ثم سورة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم الرعد. ثم سورة الرحمن. ثم هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ. ثم الطلاق. ثم لَمْ يَكُنِ ثم الحشر. ثم الفلق. ثم الناس. ثم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ثم النور. ثم الحج. ثم إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ثم المجادلة. ثم الحجرات. ثم التحريم. ثم الصف. ثم الجمعة. ثم التغابن. ثم الفتح.
ثم التوبة. ثم المائدة. ومنهم من يقدم المائدة على التوبة فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بالمدينة واختلفوا في الشورى فقيل نزلت بمكة وقيل نزلت بالمدينة، وسنذكر ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى.
فصل في كون القرآن نزل على سبعة أحرف وما قيل في ذلك:
(ق) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتربصت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله، اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعه يقرؤها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هكذا أنزلت» ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«اقرأ يا عمر» فقرأت بقراءتي التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هكذا أنزلت» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه» .
(قوله فكدت أساوره في الصلاة) أي أو أثبه وأقاتله وهو في الصلاة والتربص التثبت.
(قوله فلببته بردائه) هو بتشديد الباء الأولى ومعناه أخذت بمجامع ردائه في عنقه وجذبته به مأخوذ من اللبة وفيه بيان ما كانوا عليه من الاعتناء بالقرآن والذب عنه والمحافظة على لفظه كما سمعوه من غير عدول إلى ما تجوزه العربية، وأما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بإرساله فلأنه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره، ولأن عمر إنما نسبة إلى مخالفته في القراءة والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم من جواز القراءة ووجوهها ما لا يعلمه عمر، ولأنه إذا قرأ وهو ملبب لا يتمكن من حضور القلب وتحقيق القراءة تمكن المطلق.
(قوله إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) قال العلماء: سبب إنزاله على سبعة أحرف التخفيف والتسهيل، واختلفوا في المراد بسبعة أحرف فقيل: هو توسعه وتسهيل ولم يقصد به الحصر وقال الأكثرون: هو حصر العدد في سبعة أحرف ثم قيل هي في سبع من المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي، وقيل: هي في صورة التلاوة وكيفية النطق بكلمات القرآن من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق ومد وقصر وإمالة لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ويسهل على لسانه.
وقال أبو عبيدة هي سبع لغات من لغات العرب تميمها ومعدها وهي أفصح لغات العرب وأعلاها، وقيل:
هي لغة قريش وهوازن وهذيل وأهل اليمن، وقيل: السبعة كلها لمضر وحدها وهي متفرقة في القرآن العزيز غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ويَرْتَعْ
وَيَلْعَبْ وباعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وبِعَذابٍ بَئِيسٍ وقيل هي سبع قراءات وهو الصحيح الموافق للحديث لأن هذه السبعة ظهرت واستفاضت عن النبي صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الصحابة وأثبتها عثمان والجماعة في المصاحف وأخبروا بصحتها وحذفوا منها ما لم يثبت متواترا. وإن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى وليست متضادة ولا متباينة. فأما من قال إن المراد بالأحرف سبعة معان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ محض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف وقد تقرر إجماع المسلمين على أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام، وقول من قال إن المراد خواتيم الآي فيجعل مكان غفور رحيم سميع عليم ففاسد أيضا وخطأ للإجماع على أنه لا يجوز تغيير نظم القرآن والله أعلم (ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أقرأني جبريل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» معنى الحديث لم أزل أطلب من جبريل أن يطلب من الله عز وجل الزيادة في الأحرف للتوسعة والتخفيف ويسأل جبريل ربه عز وجل فيزيده حتى انتهى إلى السبعة (م) عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه فدخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي: يا أبي أرسل إليّ أن اقرأ على حرف واحد فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليّ الثانية أن اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليّ الثالثة أن أقرأه على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها فقلت: اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم ترغب إلى الناس كلهم حتى إبراهيم.
(قوله فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية) معناه وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوة أشد مما كنت عليه في الجاهلية لأنه كان في الجاهلية غافلا ومشككا فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب. وقيل:
معناه أنه اعترته حيرة ودهشة ونزغ الشيطان في قلبه تكذيبا لم يعتقده وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها الإنسان لا يؤاخذ بها.
(قوله ضرب في صدري ففضت عرقا) قال القاضي عياض: ضربه صلى الله عليه وسلم في صدره تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم.
(قوله وكأنما انظر إلى الله تعالى فرقا) الفرق بالتحريك الخوف والخشية والمعنى أنه غشيه من الهيبة والخوف والعظمة حين ضربه ما أزال عنه ذلك الخاطر.
(قوله ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها) معناه مسألة مجابة قطعا وأما باقي الدعوات فمرجوة الإجابة وليست قطعية الإجابة والله أعلم. روى البغوي بسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن القرآن نزل على سبعة أحرف لكل آية منه ويروي لكل حرف منه ظهر وبطن ولكل حد مطلع» قيل في معناه الظهر لفظ القرآن والبطن تأويله. وقيل في معناه الظهر ما حدث عن أقوام أنهم عصوا فعوقبوا فهو في الظاهر خبر وفي الباطن عظة. وقيل الظهر التلاوة باللسان كما أنزل، والبطن التدبر والتفهم والتفكر بالقلب فالتلاوة باللسان كما تكون بالتعليم والتلقين والتدبر والتفهم تكون بصدق النية وتعظيم الحرمة وإخلاص العمل وطيب المطعم من الحلال المحض.
(قوله ولكل حد مطلع) معناه، مصعد يصعد إليه من معرفة علمه. وقيل المطلع الفهم وقد يفتح الله تعالى