الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلاف الفعلين قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ يعني تحير نمرود ودهش وانقطعت حجته ولم يرجع إليه شيئا وعرف أنه لا يطيق ذلك. فإن قلت كيف بهت الذي كفر وكان يمكنه أن يقول لإبراهيم سل أنت ربك حتى يأتي بها من المغرب. قلت إنما لم يقله لأنه خاف أنه لو سأل ذلك دعا إبراهيم ربه فكان ذلك زيادة في فضيحة نمرود وانقطاعه وقيل إن الله تعالى صرفه عن تلك المعارضة إظهارا للحجة عليه ومعجزة لإبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني لا يرشدهم إلى حجة يدحضون بها حجج أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة وعنى بالظالمين نمرود. قول عز وجل:
[سورة البقرة (2): آية 259]
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ هذه معطوفة على الآية التي قبلها والمعنى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية فيكون هذا عطفا على المعنى وقيل تقديره هل رأيت كالذي حاج إبراهيم وهل رأيت كالذي مر على قرية وقيل الكاف زائدة التقدير ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم أو إلى الذي مر على قرية واختلفوا في ذلك المار فروى عن مجاهد أنه كان كافرا شك في البعث وهذا قول ضعيف لقوله تعالى: قالَ كَمْ لَبِثْتَ والله تعالى لا يخاطب الكافر ولقوله تعالى: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وهذا اللفظ لا يستعمل في حق الكافر وإنما يستعمل في حق الأنبياء وقال قتادة وعكرمة والضحاك والسدي هو عزيز بن شرخيا وقال وهب بن منبه هو أرمياء بن حلقيا من سبط هارون وهو الخضر ومقصود القصة تعريف منكري البعث قدرة الله تعالى على إحياء خلقه بعد إماتتهم لا تعريف اسم ذلك المار على القرية فجائز أن يكون ذلك المار هو عزيز وجائز أن يكون أرمياء وفي هذه القصة دلالة عظيمة بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر اليهود بما يجدونه في كتبهم ويعرفونه وهو أمي لم يقرأ الكتب القديمة واختلفوا في تلك القرية فقيل هي بيت المقدس وذلك لما خربها بختنصر والمراد بالإحياء هنا عمارتها وقيل هي القرية التي أهلك الله أهلها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف وقيل وهي دير سابرآباد وقيل سلماباد وقيل هي دير هرقل وقيل قرية العنب هي على فرسخين من بيت المقدس وقوله هي دير سابراباد موضع كان بفارس وسلماباد محلة أو قرية من نواحي جرجان وقيل: أيضا من نواحي همدان ودير هرقل بكسر أوله وراء ساكنة وقاف مكسورة دير مشهور بين البصرة وعسكر مكرم. وقيل: هو موضع الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم لحزقيل كما تقدم ويقال إن المراد بقوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها هي التي عندها أحيا الله حمار عزير وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أي ساقطة على سقوفها وذلك أن السقوف سقطت أولا وقفت الحيطان عليها بعد ذلك قالَ يعني ذلك المار أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فمن قال إن ذلك المار كان كافرا وهو ضعيف إنما حمله على الشك في قدرة الله ومن قال كان نبيا حمله على سبيل الاستبعاد بحسب مجاري العرف والعادة لا على سبيل الإنكار لقدرة الله تعالى أو كان المقصود منه طلب زيادة الدلائل لأجل التأكيد كما قال إبراهيم عليه السلام: «رب أرني كيف تحيي الموتى» ومعنى أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ من أين يحيي هذه القرية والمراد بالإحياء عمارتها فأحب الله أن يريه آية في نفسه وفي إحياء تلك القرية. وكان سبب القصة في ذلك ما روي عن وهب بن منبه أن الله تعالى بعث أرمياء إلى ناشية بن أموص ملك بني إسرائيل ليسدده ويأتيه بالخبر من الله تعالى فعظمت الأحداث في بني إسرائيل وركبوا المعاصي فأوحى الله
تعالى إلى أرمياء أن ذكر قومك نعمي عليهم وعرفهم أحداثهم وادعهم إلي فقال أرمياء يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخذول إن لم تنصرني فقال الله تعالى: إني ألهمك فقام أرمياء فيهم ولم يدر ما يقول، فألهمه الله تعالى في الوقت خطبة بليغة طويلة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية وقال في آخرها عن الله عز وجل إني أحلف بعزتي لأقيضن لهم فتنة يتحير فيها الحكيم ولأسلطن عليهم جبارا فارسيا ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم ثم أوحى الله تعالى إليه إني مهلك بني إسرائيل بيافث ويافث هم أهل بابل وهم من ولد يافث بن نوح فلما سمع أرمياء ذلك صاح وبكى وشق ثيابه ونبذ الرماد على رأسه فلما رأى الله تضرعه وبكاءه ناداه يا أرمياء أشق عليك ما أوحيت إليك قال نعم يا رب أهلكني قبل أن أرى في بني إسرائيل مالا أسربه فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أهلك بني إسرائيل حتى يكون الأمر في ذلك من قبلك ففرح أرمياء بذلك وطابت نفسه وقال: لا والذي بعث موسى بالحق لا أرضى بهلاك بني إسرائيل، ثم أتى الملك فأخبره بذلك
وكان ملكا صالحا فاستبشر وفرح وقال إن يعذبنا ربنا فبذنوبنا وإن يعف عنا فبرحمته ثم إنهم مكثوا بعد ذلك الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلّا معصية وتماديا في الشر فقل الوحي وذلك حين اقترب هلاكهم فدعاهم الملك إلى التوبة فلم يفعلوا فسلط الله عليهم بختنصر البابلي فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس فلما فصل سائرا وأتى الخبر إلى ملك بني إسرائيل قال لأرمياء: أين ما زعمت أن الله تعالى أوحى إليك فقال أرمياء: إن الله لا يخلف الميعاد وأنا به واثق فلما قرب الأجل بعث الله تعالى إلى أرمياء ملكا قد تمثل له في صورة رجل من بني إسرائيل فقال له أرمياء من أنت قال أنا رجل من بني إسرائيل أتيتك أستفتيك في أهل رحمي وصلت أرحامهم ولم آت إليهم إلّا حسنا ولا يزيدهم إكرامي إياهم إلّا سخطا لي فأفتني فيهم فقال أرمياء: أحسن فيما بينك وبين الله وصلهم وأبشر بخير فانصرف الملك فمكث أياما ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل فقعد بين يديه فقال له أرمياء من أنت قال أنا الرجل الذي أتيتك أستفتيك في شأن أهلي فقال له أرمياء أما طهرت أخلاقهم بعدلك فيهم فقال يا نبي الله والذي بعثك بالحق نبيا ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى رحمه إلّا قدمتها إليهم وأفضل فقال أرمياء: ارجع إليهم فأحسن إليهم واسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلحهم فقام الملك فمكث أياما ثم إن بختنصر نزل بجنوده بيت المقدس ففزع منهم بنو إسرائيل فقال ملكهم لأرمياء يا نبي الله أين ما وعدك الله فقال إني بربي واثق ثم أقبل ذلك الملك إلى أرمياء وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده فقعد بين يديه فقال له أرمياء من أنت قال أنا الذي جئتك في شأن أهلي مرتين فقال أرمياء: أما آن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه فقال الملك يا نبي الله إن كل شيء كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه فاليوم رأيتهم على عمل لا يرضي الله تعالى فقال له أرمياء: على أي عمل رأيتهم؟ قال على عمل عظيم يسخط الله تعالى فغضبت لله عز وجل فأتيتك لأخبرك وأنا أسألك بالله الذي بعثك بالحق أن تدعو الله عليهم ليهلكوا فقال أرمياء: يا مالك السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام إن كانوا على حق وصواب فأبقهم وإن كانوا على عمل لا ترضاه فأهلكهم فما خرجت الكلمة من فيه حتى أرسل الله عز وجل صاعقة من السماء على بيت المقدس فالتهب مكان القربان وأحرقت سبعة أبواب من أبوابه، فلما رأى ذلك أرمياء صاح وشق ثيابه ونبذ الرماد على رأسه وقال يا مالك السموات والأرض أين ميعادك الذي وعدتني به فنودي أنهم لم يصبهم ما أصابهم إلّا بفتياك ودعائك عليهم، فاستيقن أرمياء أنها فتياه وأن ذلك السائل كان رسولا من الله تعالى إليه فخرج أرمياء حتى خالط الوحوش ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس ووطئ الشام، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرب بيت المقدس وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ويقذفه في بيت المقدس ففعلوا ذلك حتى ملؤوه ثم أمرهم أن يجمعوا من كان بقي في بلدان بيت المقدس فاجتمع عنده من كان بقي من بني إسرائيل من صغير وكبير فاختار منهم سبعين ألف صبي فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة. وكان في
أولئك الغلمان دانيال عليه السلام وحنانيا وعزير، وفرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق فثلثا قتلهم وثلثا سباهم وثلثا أقرهم بالشام فكانت هذه الوقعة الأولى التي أنزلها الله ببني إسرائيل بظلمهم فلما ولى بختنصر راجعا إلى بابل ومعه سبايا بني إسرائيل أقبل أرمياء على حمار له ومعه عصير عنب في ركوة وسلة تين حتى غشي إيليا وهي أرض بيت المقدس فلما رأى خرابها قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها. ومن قال: إن المار كان عزيرا قال: إن بختنصر لما خرب بيت المقدس بسبايا بني إسرائيل وكان فيهم عزيز ودانيال وسبعة آلاف من أهل بيت داود، فلما نجا عزير من بابل ارتحل على حمار حتى نزل دير هرقل على شط دجلة فطاف بالقرية فلم ير أحدا وعامة شجرها حامل فأكل من الفاكهة واعتصر من العنب فشرب منه وجعل فضل الفاكهة
في سلة وفضل العصير في زق، ولما رأى خراب القرية وهلاك أهلها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها وإنما قال ذلك تعجبا لا شكا في البعث. ورجعنا إلى حديث وهب قال ثم إن أرمياء ربط حماره بحبل جديد وألقى الله تعالى عليه النوم فلما نام ونزع الله منه الروح فمات مائة عام وأمات حماره وبقي عصيره وتينه عنده وأعمى الله عنه العيون فلم يره أحد وذلك ضحى ومنع لحمه من السباع والطير، فلما مضى من وقت موته مدة سبعين سنة أرسل الله تعالى ملكا إلى ملك من ملوك فارس يقال له نوشك وقال له: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا حتى يعود أعمر ما كان فانتدب الملك ألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة ألف عامل وجعلوا يعمرونه وأهلك الله بختنصر ببعوضة دخلت في دماغه ونجى الله من بقي من بني إسرائيل وردهم جميعا إلى بيت المقدس ونواحيها فعمروها ثلاثين سنة وكثروا كأحسن ما كانوا، فلما مضت المائة أحيا الله منه عينيه وسائر جسده ميت ثم أحيا الله جسده وهو ينظر ثم نظر إلى حماره فإذا عظامه تلوح بيض متفرقة فسمع صوتا من السماء أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع بعضها إلى بعض، ثم نودي إن الله يأمرك أن تكتسي لحما وجلدا فكان كذلك، ثم نودي إن الله يأمرك أن تحيي فقام الحمار بإذن الله ثم نهق وعمر الله أرمياء فهو يدور في الفلوات فذلك قوله تعالى: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ أصل العام من العوم وهو السباحة سميت السنة عاما لأن الشمس تعوم في جميع بروجها ثُمَّ بَعَثَهُ أي ثم أحياه وأصله من بعثت الناقة إذا أقمتها من مكانها قالَ كَمْ لَبِثْتَ يعني قال الله تعالى له كم قدر الزمان الذي مكثت فيه ميتا قبل أن أبعثك من مكانك حيا؟ ويقال إن الله تعالى لما أحياه بعث إليه ملكا فسأله كم لبثت قالَ يعني ذلك المبعوث بعد مماته لَبِثْتُ يَوْماً وذلك أن الله تعالى أماته ضحى في أول النهار وأحياه بعد مائة سنة في آخر النهار قبل أن تغيب الشمس فقال لبثت يوما وهو يرى أن الشمس قد غابت ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ يعني قال الله له، وقيل قال الملك له بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ يعني التين الذي كان معه قبل موته وَشَرابِكَ يعني العصير لَمْ يَتَسَنَّهْ يعني لم تغيره السنون التي أتت عليه فكان التين كأنه قد قطف من ساعته والعصير كأنه قد عصر من ساعته لم يتغير ولم ينتن وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ أي وانظر إلى إحياء حمارك فنظر فإذا هو عظام بيض فركب الله تعالى العظام بعضها على بعض ثم كساه اللحم والجلد وأحياه وهو ينظر وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ قيل الواو زائدة مقحمة وقيل: دخول الواو فيه دلالة على أنها شرط لفعل بعدها والمعنى وفعلنا ما فعلنا من الإماتة والإحياء لنجعلك آية للناس يعني عبرة ودلالة على البعث بعد الموت. وقال أكثر المفسرين وقيل: إنه عاد إلى القرية وهو شاب أسود الرأس واللحية وأولاده وأولاد أولاده شيوخ وعجائز شمط فكان ذلك آية للناس وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً قرئ بالراء ومعناه كيف نحييها يقال أنشر الله الميت إنشارا يعني أحياه وقرئ بالزاي ومعناه: كيف نرفعها من الأرض ونردها إلى مكانها من الجسد، وتركيب بعضها على بعض وإنشاز الشيء رفعه وانزعاجه يقال: نشزته فنشز أي رفعته فارتفع واختلفوا في معنى الآية فقال الأكثرون إنه أراد عظام الحمار قيل إن الله تعالى أحيا عزيرا أو أرميا على اختلاف القولين فيه ثم قال: له: انظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه، فنظر وبعث الله ريحا فجاءت بعظام