الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (7) : آية 171]
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ أي رفعناه كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ أي سحابة وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ أي ساقط عليهم، لأن الجبل لا يثبت في الجوّ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ أي وقلنا، أو قائلين: خذوا ما آتيناكم من أحكام التوراة بِقُوَّةٍ أي عزيمة وجد وَاذْكُرُوا ما فِيهِ أي بالعمل ولا تتركوه كالمنسي لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أي مساوئ الأعمال، أو راجين أن تنظموا في سلك المتقين. وهذه الآية كقوله تعالى وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ [النساء: 154] .
وقد روي عن ابن عباس وغيره من السلف: أنهم راجعوا موسى في فرائض التوراة وشرائعها، حتى رفع الله الجبل فوق رؤوسهم، فقال لهم موسى:(ألا ترون ما يقول ربي عز وجل؟ لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها، لأرمينكم بهذا! فخرّوا سجّدا، فرقا من أن يسقط عليهم) - رواه النسائي وسنيد-.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (7) : آية 172]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172)
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ أي أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن، من أنهم كانوا نطفة قذفت إلى رحم الأمهات، ثم جعلت علقة، ثم مضغة، ثم أنشأهم بشرا سويا حيّا مكلفا، فجعل خلقه إياهم كذلك، إخراجا من أصلابهم، لأن أصلهم خرج منها، ومِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بَنِي آدَمَ بدل البعض. وقرئ (ذرياتهم) وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أي أشهد كل واحدة من أولئك الذريات المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسها، تقريرا لهم بربوبيته التامة.
قال الجشمي: أي أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته، وعجائب خلقته، وغرائب صنعته، من أعضاء سوية، وحواس مدركة، وجوارح ظاهرة، وأعصاب وعروق وغير ذلك، مما يعلمه من تفكر فيه، وكلها تدل عليه وعلى صفاته ووحدانيته، فبالإشهاد بالأدلة، صار كأنه أشهدهم بقوله.
وقوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ على إرادة القول، أي قائلا: ألست بربكم، ومالك أمركم ومربيكم على الإطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤونكم، فينتظم استحقاق المعبودية، ويستلزم اختصاصه به تعالى: قالُوا بَلى شَهِدْنا أي على أنفسنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك، لأنهم بما ظهر عليهم من آثار الصنعة صاروا كأنهم قالوا بَلى، وإن لم يكن هناك قول باللسان. فالآية من باب التمثيل المعروف في كلام العرب. مثّل تعالى خلقهم على فطرة التوحيد، وإخراجهم من ظهور آبائهم، شاهدين بربوبيته شهادة لا يخالجها ريب، بحمله إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمر، ومسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا. والقصد من الآية الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيته تعالى معرفة فطرية، لازمة لهم لزوم الإقرار منهم والشهادة. قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: 30] ، والفطرة هي معرفة ربوبيته.
وفي الصحيحين «1» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء. هل تحسون فيها من جدعاء؟» .
والجمعاء سالمة الأذن، والجدعاء مقطوعتها.
وفي صحيح مسلم «2» عن عياض بن حمار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» .
وروى الطبري عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها» .
قال الحسن: والله لقد قال الله في كتابه وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ
…
الآية- رواه الإمام أحمد «3» والنسائي، بدون استشهاد الحسن بالآية.
(1) أخرجه البخاري في: الجنائز، 80- باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، حديث 716.
وأخرجه مسلم في: القدر، حديث رقم 22- 24.
(2)
أخرجه في: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث رقم 63 ضمن حديث طويل.
(3)
أخرجه في المسند 3/ 435.