الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام «1» أحمد عن حذيفة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا للرجل، أصابته وأصابت ولده وولد ولده.
وفي رواية: إن صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم لتدرك الرجل وولده وولد ولده.
والجملة تعليل للأمر بالصلاة عليهم وَاللَّهُ سَمِيعٌ أي يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم عَلِيمٌ أي بما في ضمائرهم من الندم والغم، لما فرط منهم.
تنبيهات:
الأول- تُطَهِّرُهُمْ قرئ مجزوما على أنه جواب للأمر. وأما بالرفع، فعلى أنه حال من ضمير المخاطب في (خذ) . أو صفة ل (صدقة) والتاء للخطاب أو للصدقة.
والعائد على الأول محذوف ثقة بما بعده، أي: بها. وقرئ تطهرهم- من أطهره بمعنى طهره- ولم يقرأ (وتزكيهم) إلا بإثبات الياء، وهو خبر لمحذوف، والجملة حال من الضمير في الأمر أو في جوابه. أي: وأنت تزكيهم بها، هذا على قراءة (تطهرهم) بالجزم. وأما على قراءة الرفع ف (تزكيهم) عطف على (تطهرهم) حالا أو صفة.
الثاني- قرئ (صلاتك) بالتوحيد، و (صلواتك) بالجمع، مراعاة لتعدد المدعوّ لهم. وقال الشهاب: جمع (صلاة) لأنها اسم جنس، والتوحيد لذلك، أو لأنها مصدر في الأصل..
الثالث- قال الشهاب: السكن: السكون، وما يسكن إليه من الأهل والوطن، فإن كان المراد الأول، فجعلها نفس السكن والاطمئنان مبالغة، وهو الظاهر. وإن كان الثاني فهو مجاز بتشبيه دعائه، في الالتجاء إليه بالسكن، انتهى.
قال أبو البقاء: سكن بمعنى مسكون إليها، فلذلك لم يؤنثه، وهو مثل القبض بمعنى المقبوض.
الرابع- قيل: المأمور به في الآية الزكاة. و (من) تبعيضية، وكانوا أرادوا التصدق بجميع مالهم، فأمره الله أن يأخذ بعضها لتوبتهم، لأن الزكاة لم تقبل من بعض المنافقين، فترتبط الآية بما قبلها وقيل: ليست هذه الصدقة المفروضة، بل هم لما تابوا، بذلوا جميع ما لهم كفارة للذنب الصادر منهم، فأمره الله تعالى بأخذ بعضها وهو الثلث، وهذا مروي عن الحسن، وهو المختار عندهم. ونقل الرازي أن
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/ 385. [.....]
أكثر الفقهاء على أن هذه الآية كلام مبتدأ قصد به إيجاب أخذ الزكوات من الأغنياء، إذ هي حجتهم في إيجاب الزكاة، ثم نظر فيه بأن حملها على ما ذكروه يوجب ألا تنتظم الآية مع سابقها ولا حقها.
وأقول: لا ريب في ارتباط الآية بما قبلها، كما أفصحت عنه الرواية السابقة.
وخصوص سببها لا يمنع عموم لفظها، كما هو القاعدة في مثل ذلك. ولذا رد الصدّيق رضي الله عنه على من تأول من بعض العرب هذه الآية. أن دفع الزكاة لا يكون إلا للرسول صلوات الله عليه، لأنه المأمور بالأخذ، وبالصلاة على المتصدقين، فغيره لا يقوم مقامه- وأمر بقتالهم، فوافقته الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة، كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستدل من ذلك على وجوب دفع الزكاة إلى الإمام، ومثله نائبه، وهؤلاء المتأولون المرتدون غاب عنهم أن الزكاة إنما أوجبها الله تعالى سدّا لحاجة المعدم، وتفريجا لكربة الغارم، وتحريرا لرقاب المستعبدين، وتيسيرا لأبناء السبيل، فاستلّ بذلك ضغائن أهل الفاقة، على من فضلوا عليهم في الرزق، وأشعر قلوب أولئك محبة هؤلاء، وساق الرحمة في نفوس هؤلاء على أولئك البائسين، فالإمام لا خصوصية لذاته فيها، بل لأنه يجمع ما يرد منها لديه، فينفقها في سبلها المذكورة.
الخامس- استدل بقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ على ندب الدعاء للمتصدق.
قال الشافعي رحمه الله: السنة للإمام، إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق، ويقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا، وبارك لك فيما أبقيت، وقال آخرون:
يقول: اللهم! صلّ على فلان، ويدل عليه ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى،
وكان من أصحاب الشجرة قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: اللهم! صلّ عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم! صلّ على آل أبي أوفى. أخرجاه في الصحيحين «1»
. قال ابن كثير: وفي الحديث الآخر أن امرأة قالت: يا رسول الله! صلّ علي وعلى زوجي، فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك.
أقول: وبهذين الحديثين يردّ على من زعم أن المراد ب صَلِّ عَلَيْهِمْ الصلاة على الموتى حكاه السيوطي في (الإكليل) .
(1) أخرجه البخاريّ في: الدعوات، 32- باب هل يصلّى على غير النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ حديث رقم 800.
وأخرجه مسلم في: الزكاة، حديث رقم 176.