الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم بأنه صار منسوخا بآية أخرى مذكورة معه؟ هذا في غاية البعد، اللهم إلا إذا حصل إجماع المفسرين على أن المراد ذلك، فحينئذ يجب المصير إليه. إلا أن دعوى الإجماع بعيدة. انتهى.
وأقول: لعموم هذا الخطاب ونظمه وجه في إثبات التوارث، لا سيما وقد نفى تعالى ولاية من لم يهاجر نفيا استغرق أقرب الأقارب حيث قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا أي بأن أقاموا في بواديهم ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا أي إلى المدينة. وقوله تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ أي إذا استنصركم هؤلاء الأعراب الذين لم يهاجروا في قتال دينيّ، فيجب عليكم أن تنصروهم على أعدائهم المشركين، لأنهم إخوانكم في الدين إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أي عهد ومهادنة إلى مدة، فلا تعينوهم عليهم، لئلا تخفروا ذمتكم، وتنقضوا عهدكم وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي فلا تخالفوا أمره.
تنبيهات:
الأول- احتج من ذهب إلى أن المراد من قوله تعالى: ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي من توليتهم في الميراث، وأنه هو المراد في الآية السابقة أيضا، بقوله تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فإن هذا موالاة في الدين، فحينئذ لا يجوز حمل الموالاة المنفية، على النصرة والمظاهرة، لأنها لازمة لكل حال لكلا الفريقين. وأجاب الرازي بما معناه: إن الولاية هنا ليس المراد بها مطلق التولي حتى يرد ما ذكروه، بل عنى بها معنى خاص، وهو علاقة شديدة، ومحبة أكيدة، وإيثار قويّ، وأخوة وثيقة. ولا يلزم من النصر التولي. فقد ينصر المرء ذميّا لأمر ما ولا يتولاه، ويدافع عن عبده أو أمته ويعينهما ولا يتولاهما- والله أعلم-.
الثاني- يظهر أن هذه الآية كسوابقها مما نزل إثر واقعة بدر، وطلب من كل من آمن من البادين أن يهاجر، ليكثر سواد المسلمين، ويظهر اجتماعهم، وإعانة بعضهم لبعض، فتتقوى بألفتهم شوكتهم، ولم يزل طلب الهجرة إلا بفتح مكة،
لقوله صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد فتح مكة. رواه البخاري «1» عن مجاشع بن مسعود.
(1) حديث مجاشع بن مسعود أخرجه البخاريّ في: الجهاد، 110- باب البيعة في الحرب ألا يفرّوا، حديث رقم 1413 و 1414.
وأخرجه مسلم في: الإمارة، حديث 83 و 84.
ونصه: قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم أبايعه على الهجرة فقال «إن الهجرة قد مضت لأهلها» .
الثالث- شمل نفي الموالاة عن الذين لم يهاجروا وقتئذ، حرمانهم من المغانم والفيء.
روى الإمام أحمد «1» عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرّية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا. وقال: اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله. إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتها ما أجابوك إليها فاقبل منهم، وكفّ عنهم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكفّ عنهم. ثم ادعهم من التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم إن فعلوا ذلك، أن لهم ما للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا واختاروا دارهم، فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوا فاقبل منهم، وكفّ عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
قال ابن كثير: انفرد به مسلم «2»
، وعنده زيادات أخر.
الرابع- قرأ حمزة (ولايتهم) بكسر الواو، والباقون بفتحها.
قال الشهاب: جاء في اللغة: (الولاية) مصدرا بالفتح والكسر، فقيل: هما لغتان فيه بمعنى واحد، وهو القرب الحسي والمعنوي، وقيل: بينهما فرق، فالفتح ولاية مولى النسب ونحوه. والكسر ولاية السلطان. قاله أبو عبيدة. وقيل الفتح من النصرة والنسب. والكسر من الإمارة. قاله الزجاج. وخطأ الأصمعيّ قراءة الكسر، وهو المخطئ لتواترها. واختلفوا في ترجيح إحدى القراءتين. ولما قال المحققون من أهل اللغة: إن (فعالة) بالكسر في الأسماء لما يحيط بشيء، ويجعل فيه كاللفافة والعمامة. وفي المصادر يكون في الصناعات وما يزاول بالأعمال، كالكتابة والخياطة- ذهب الزجاج وتبعه غيره إلى أن الولاية لاحتياجها إلى تمرن وتدرب شبهت بالصناعة، لذا جاء فيها الكسر، كالإمارة. وهذا يحتمل أن الواضع حين وضعها شبهها بذلك، فتكون حقيقة ويحتمل- كما في بعض شروح الكشاف- أن تكون استعارة، كما سموا الطب صناعة. انتهى.
(1) أخرجه في المسند 5/ 358.
(2)
أخرجه في: الجهاد والسير، حديث رقم 3.