الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يقسم فيئا، أتاه ذو الخويصرة- رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله! اعدل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك. من يعدل إذا لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطاب:
ائذن لي فيه فأضرب عنقه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السهم من الرميّة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (9) : آية 60]
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لما ذكر تعالى لمزهم في الصدقات تأثره ببيان حقّيّة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من القسمة، إذ لم يتجاوز فيها مصارفها المشروعة له، وهو عين العدل، وذلك أنه تعالى شرع قسمها لهؤلاء، ولم يكله إلى أحد غيره، ولم يأخذ صلى الله عليه وسلم منها لنفسه شيئا، ففيم اللمز لقاسمها، صلوات الله عليه؟
روى البخاري «1» عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم، والله يعطي.
وروى أبو داود «2» عن زياد بن الحارث رضي الله عنه قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة. فقال له: إن الله تعالى لم يرض بحكم نبيّ ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك.
فالآية ردّ لمقالة أولئك اللمزة، وحسم لأطماعهم، ببيان أنهم بمعزل من الاستحقاق. وإعلام بمن إعطاؤهم عدل، ومنعهم ظلم.
(1) أخرجه البخاري في: العلم، 13- باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، حديث 62.
(2)
أخرجه أبو داود في: الزكاة، 24- باب من يعطى من الصدقة، وحدّ الغنى. الحديث رقم 1630.
والفقراء. جمع فقير، فعيل، بمعنى فاعل، يقال فقر يفقر من باب تعب، إذا قل ماله.
والمساكين: جمع مسكين، من (سكن سكونا) . ذهبت حركته، لسكونه إلى الناس، وهو بفتح الميم في لغة بني أسد، وبكسرها عند غيرهم. قال ابن السكّيت:
المسكين: الذي لا شيء له، والفقير: الذي له بلغة من العيش. وكذلك قال يونس، وجعل الفقير أحسن حالا من المسكين. قال: وسألت أعرابيا: أفقير أنت؟ فقال: لا، والله! بل مسكين وقال الأصمعيّ: المسكين أحسن حالا من الفقير، وهو الوجه لأن الله تعالى قال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ [الكهف: 79] وكانت تساوي جملة، وقال في حق الفقراء: لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة: 273] وقال ابن الأعرابي: المسكين هو الفقير، وهو الذي لا شيء له، فجعلهما سواء. كذا في (المصباح) .
قال البدر القرافي: وإذا اجتمعا افترقا، كما إذا أوصي للفقراء والمساكين، فلا بد من الصرف للنوعين، وإن افترقا اجتمعا، كما إذا أوصي لأحد النوعين، جاز الصرف للآخر.
قال المهايمي: ثمّ ذكر تعالى من يحتاج إليهم المحتاجون إلى الصدقات فقال: وَالْعامِلِينَ عَلَيْها أي الساعين في تحصيلها: القابض والوازن والكيال والكاتب، ويعطون أجورهم منها. ثم ذكر من يحتاج إليهم الإمام فقال: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.
وهم قوم ضعفت نيتهم في الإسلام، فيحتاج الإمام إلى تأليف قلوبهم بالعطاء، تقوية لإسلامهم، لئلا يسري ضعفهم إلى غيرهم. أو أشراف يترقب بإعطائهم إسلام نظرائهم.
ثم ذكر تعالى من يعان بها في دفع الرقّ بقوله: وَفِي الرِّقابِ.
أي وللإعانة في فك الرقاب، فيعطي المكاتبون منها ما يستعينون به على أداء نجوم الكتابة، وإن كانوا كاسبين، وهو قول الشافعي والليث. أو: وللصرف في عتق الرقاب، بأن يبتاع منها الرقاب فتعتق قال ابن عباس والحسن: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة، وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق. ولا يخفى أن (الرقاب) يعم الوجهين. وقد ورد في ثواب الإعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة.
ثم ذكر تعالى من نفك ذمته في الديون بقوله: وَالْغارِمِينَ.
وهم الذين ركبتهم الديون لأنفسهم في غير معصية، ولم يجدوا وفاء. أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء.
ثم ذكر تعالى الإعانة على الجهاد بقوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ.
فيصرف على المتطوعة في الجهاد، ويشتري لهم الكراع والسلاح. قال الرازي:
لا يوجب قوله وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ القصر على الغزاة، ولذا نقل القفّال في (تفسيره) عن بعض الفقهاء جواز صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد، لأن قوله وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ عامّ في الكل. انتهى.
ولذا ذهب الحسن وأحمد وإسحاق إلى أن الحج من سَبِيلِ اللَّهِ فيصرف للحجاج منه. قال في (الإقناع) و (شرحه) : والحج من (سبيل الله) نصا، روي عن ابن عباس وابن عمر. لما
روى أبو داود «1»
، أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله. فأرادت امرأته الحج، فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: اركبيها، فإن الحج من (سبيل الله)
. فيأخذ، إن كان فقيرا، من الزكاة ما يؤدي به فرض حج أو عمرة، أو يستعين به فيه، وكذا في نافلتهما. لأن كلا من (سبيل الله) انتهى.
قال ابن الأثير: و (سبيل الله) عام، يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله عز وجل، بأداء الفرائض والنوافل، وأنواع التطوعات، وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه. انتهى.
وقال في (التاج) : كل سبيل أريد به الله عز وجل، وهو برّ، داخل في (سبيل الله) .
ثم ذكر تعالى الإعانة لأبناء الطريق بقوله:
وَابْنِ السَّبِيلِ فيعطي المجتاز في بلد ما يستعين به على بلوغه لبلده.
وقوله تعالى: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ناصبه مقدّر، أي فرض الله ذلك فريضة، وقوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ أي بأحوال الناس ومراتب استحقاقهم. وقول: حَكِيمٌ أي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة من الأمور الحسنة التي منها سوق الحقوق إلى مستحقيها.
(1) أخرجه أبو داود في: المناسك، 79- باب العمرة، حديث رقم 1989، عن أم معقل.