الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُوارِي سَوْآتِكُمْ أي يستر عوراتكم التي قصد إبليس إبداءها من أبويكم حتى اضطرا إلى خصف الأوراق، وأنتم مستغنون عن ذلك وَرِيشاً عطفه إما من عطف الصفات، فوصف اللباس بشيئين: مواراة السوأة، والزينة. فالريش بمعنى الزينة، لأنه زينة الطير فاستعير منه، وأما من عطف الشيء على غيره. أي أنزلنا لباسين: لباس مواراة ولباس زينة، فيكون مما حذف فيه الموصوف، أي لباسا ريشا أي ذا ريش، والريش مشترك بين الاسم والمصدر. وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس، وحكاه البخاري «1» عنه: الريش المال. وحكاه غير واحد من السلف. قال الإمام ابن تيمية: وبعض المفسرين أطلق عليه لفظ المال، والمراد به مال مخصوص.
قال ابن زيد: جمالا. وقرئ: رياشا. قال ابن السكيت: الرياش هو الأثاث من المتاع، ما كان من لباس أو حشو من فراش أو دثار، والريش: المتاع والأموال، وقد يكون في الثياب دون الأموال. وإنه لحسن الريش، أي: الثياب- انتهى-.
ويقال: راش فلان، أي جمع الريش، وهو المال والأثاث. وراش الصديق أطعمه وسقاه وكساه، وأصله من الريش كأن الفقير المملق لا نهوض له، كالمقصوص منه الجناح وكل من أوليته خيرا، فقد رشته- كذا في تاج العروس-.
فائدة:
روى الإمام أحمد «2» عن أبي أمامة عن عمر بن الخطاب قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استجدّ ثوبا فلبسه، فقال حين يبلغ ترقوته: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي. ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به، كان في ذمه الله تعالى وفي جوار الله، وفي كنف الله حيّا وميتا» . ورواه الترمذي «3» وابن ماجة «4» .
وروى الإمام أحمد «5» عن أبي مطر أنه رأى عليّا رضي الله عنه أتى
(1) أخرجه البخاري في: بدء الخلق، 1- باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته ونصه: قال ابن عباس: لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ: إلا عليها حافظ. كبد: في شدة خلق. ورياشا. (وريشا) : المال.
وفي: التفسير، 7- سورة الأعراف. ونصه: قال ابن عباس: ورياشا، المال. [.....]
(2)
أخرجه في المسند 1/ 44، والحديث رقم 305.
(3)
أخرجه الترمذي في: اللباس، 29- باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا ونصه: عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا استجد ثوبا سماه باسمه (عمامة أو قميصا أو رداء) ثم يقول «اللهم! لك الحمد. أنت كسوتنيه. أسألك خيره وخير ما صنع له. وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» .
قال: وفي الباب عن عمر وابن عمر.
(4)
أخرجه ابن ماجة في: اللباس، 2- باب ما يقول الرجل إذا لبس ثوبا جديدا، حديث رقم 3557 ونصه كنص المسند.
(5)
أخرجه في المسند 1/ 157، والحديث رقم 1354.
غلاما حدثا، فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، ولبسه إلى ما بين الرسغين إلى الكعبين، يقول ولبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي. فقيل: هذا شيء ترويه عن نفسك أو عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هذا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكسوة: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي.
ولما بيّن تعالى ساتر الظاهر وزينته، أشار إلى ساتر عيوب الباطن وزينته بقوله:
وَلِباسُ التَّقْوى أي: خشية الله، أو الإيمان، أو السمت الحسن، والكل متقارب، ورفعة بالابتداء، خبره جملة ذلِكَ خَيْرٌ أو خير، وذلك صفته، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير.
قال المهايمي: لأن الظاهر محل نظر الخلق، والباطن محل نظر الحق والعيوب الباطنة أفحش من العورات الظاهرة. وقال القاشانيّ: لباس التقوى صفة الورع والحذر من صفة النفس، ذلك خير لأنه من جملة أركان الشرائع، لأنه أصل الدين وأساسه، كالحمية في العلاج- انتهى-.
قال أبو علي الفارسي: معنى الآية: ولباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب له إلى الله تعالى، مما خلق من اللباس والرياش الذي يتجمل به. قال:
وأضيف اللباس إلى التقوى، كما أضيف إلى الجوع في قوله: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل: 112] . - انتهى-.
أي: فهو استعارة مكنية وتخييلية بأن يتوهم للتقوى حالة شبيهة باللباس، تشتمل على جميع بدنه، بحسب الورع والخشية من الله، اشتمال اللباس على اللابس، أو من قبيل (لجين الماء) . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وَلِباسُ التَّقْوى بالنصب، عطفا على لِباساً.
ذلِكَ أي إنزال اللباس مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته على عباده لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أي: نعمته عليهم فيعرفون عظمتها فيشكرونها.
قال الزمخشري: وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدوّ السوآت، وخصف الأوراق عليها، إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العري، وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعارا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى.