الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى البزّار عن ابن عباس قال: هذه الآية في أهل قباء، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نتبع الحجارة بالماء. فإن صح ذلك كان المراد من الآية. وتكون حثّا على الطهارة المذكورة، ومدحا لها. وكون ذويها على الضد من صفات أولئك، يستفاد من عموم هذا، ومن قوله تعالى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى
…
الآية.
العاشر- قال القاشاني: لما كان عالم الملك تحت قهر عالم الملكوت، وتسخيره، لزم أن يكون لنيات النفوس وهيئاتها تأثير فيما يباشرها من الأعمال، فكل ما فعل بنية صادقة لله تعالى عن هيئة نورانية، صحبته بركة ويمن وجمعية وصفاء، وكل ما فعل بنية فاسدة شيطانية عن هيئة مظلمة، صحبته تفرقة وكدورة ومحق وشؤم. ألا ترى الكعبة كيف شرفت وعظمت وجعلت متبركة لكونها مبنية على يدي نبيّ من أنبياء الله، بنية صادقة، ونفس شريفة صافية، عن كمال إخلاص لله تعالى؟ ونحن نشاهد أثر ذلك في أعمال الناس، ونجد أثر الصفاء والجمعية في بعض المواضع والبقاع، والكدورة والتفرقة في بعضها. وما هو إلا لذلك، فلهذا قال لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى
…
الآية- لأن الهيئات الجسمانية مؤثرة في النفوس، كما أن الهيئات النفسانية مؤثرة في الأجسام، فإذا كان موضع القيام مبنيّا على التقوى وصفاء النفس، تأثرت النفس باجتماع الهمة، وصفاء الوقت، وطيب الحال، وذوق الوجدان. وإذا كان مبنيّا على الرياء والضرار، تأثرت بالكدورة والتفرقة والقبض. وفيه إشعار بأن زكاء نفس الباني، وصدق نيته، مؤثر في البناء. وأن تبرّك المكان، وكونه مبنيّا على الخير، يقتضي أن يكون فيه أهل الخير والصلاح، ممن يناسب حاله حال بانيه، وأن محبة الله واجبة لأهل الطهارة لقوله وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (9) : آية 111]
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
لما هدى الله تعالى المؤمنين إلى الإيمان، والأنفس مفتونة بمحبة الأموال والأنفس، استنزلهم لفرط عنايته بهم، عن مقام محبة الأموال والأنفس، بالتجارة المربحة، والمعاملة المرغوبة، بأن جعل الجنة ثمن أموالهم وأنفسهم، فعرض لهم خيرا مما أخذ منهم. فالآية ترغيب في الجهاد ببيان فضيلته، إثر بيان حال المتخلفين عنه.
قال أبو السعود: ولقد بولغ في ذلك على وجه لا مزيد عليه، حيث عبر عن قبول الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله تعالى، وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة، بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية. ثم جعل المبيع، الذي هو العمدة والمقصد في العقد، أنفس المؤمنين وأموالهم. والثمن، الذي هو الوسيلة في الصفقة، الجنة. ولم يجعل الأمر على العكس بأن يقال:(إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم) ليدل على أن المقصد في العقد هو الجنة، وما بذله المؤمنون في مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها، إيذانا بتعلق كمال العناية بهم وبأموالهم. ثم إنه لم يقل (بالجنة) بل (بأن لهم الجنة) مبالغة في تقرر وصول الثمن إليهم، واختصاصه بهم. وكأنه قيل:(بالجنة الثابتة لهم، المختصة بهم) .
وفي (الكشاف) و (العناية) ولا ترى ترغيبا في الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية، لأنه أبرزه في صورة عقد عاقده رب العزة، وثمنه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط، بل إذا كانوا قاتلين أيضا لإعلاء كلمته، ونصر دينه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية، وناهيك به من صك. وجعل وعده حقا، ولا أحد أوفى من وعده، فنسيئته أقوى من نقد غيره. وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم، وهو استعارة تمثيلية، صور جهاد المؤمنين، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه، وإثابة الله لهم على ذلك الجنة، بالبيع والشراء، وأتى بقوله يُقاتِلُونَ
…
إلخ بيانا لمكان التسليم وهو المعركة، وإليه الإشارة
بقوله «1» صلى الله عليه وسلم «الجنة تحت ظلال السيوف»
ثم أمضاه بقوله: وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. ولما في هذا من البلاغة واللطائف المناسبة للمقام، لم يلتفتوا إلى جعل (اشترى) وحده استعارة أو مجازا عن الاستبدال، وإن ذكروه في غير هذا الموضع، لأن قوله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ يقتضي أنه شراء وبيع، وهذا لا يكون إلا بالتمثيل. ومنهم من جوز أن يكون معنى اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ بصرفها في
(1) أخرجه البخاري في: الجهاد، 22- باب الجنة تحت بارقة السيوف، حديث رقم 1346 عن عبد الله بن أبي أوفى.