الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جحدهم؟ فإنهم وإن جحدوه، إلا أنهم بمنزلة المنتظرين وفي حكمهم، من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محاله يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يعني يوم القيامة، لأنه يوم الجزاء، وما تؤول إليه أمورهم يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ أي تركوه ترك المنسي، حين كان ينفعهم الذكر، فلم يؤمنوا به عند معاينة العذاب قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ أي بما هو واقع من الاعتقادات والوعد والوعيد فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا في إزالة العذاب أَوْ نُرَدُّ إلى مكان العمل فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ من الجحود واللهو واللعب وأعمال الدنيا. قال عز وجل قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بصرف أعمالهم في الكفر وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي ذهب عنهم ما كانوا يفترون من أن معبوديهم شفعاؤهم عند الله، وعلموا أنهم كانوا في دعواهم كاذبين.
ولما قدم سبحانه ذكر الكفار وعبادتهم غيره، سبحانه، أحتج عليهم، مبينا بأفعاله أنه لا معبود سواه بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأعراف (7) : آية 54]
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (54)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي إن سيدكم ومالككم ومدبركم الذي يجب أن تعبدوه أيها الناس، الذي أنشأ أعيان السموات والأرض في مقدار ستة أيام.
وفي هذه الآية مسائل:
الأولى: قال الشهاب: اليوم في اللغة مطلق الوقت، فإن أريد هذا، فالمعنى في ستة أوقات، كقوله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ [الأنفال: 16] . وإن أريد المتعارف، وهو زمان طلوع الشمس إلى غروبها، فالمعنى في مقدار ستة أيام، لأن اليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسموات، فيقدر فيه مضاف- انتهى-.
وفي شرح القاموس: إن اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها، أو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وإن الثاني تعريف شرعيّ عند الأكثر. ونقل عن الفاسي شارحه: أن اليوم عند المنجمين من الطلوع إلى الطلوع، أو من الغروب إلى الغروب.
ثم قال الزبيدي: ويستعمل بمعنى مطلق الزمان، نقله عن ابن هشام، وحكاه عن سيبويه في قولهم:(أنا، اليوم، أفعل كذا) فإنهم لا يريدون يوما بعينه، ولكنهم يريدون الوقت الحاضر. قال: وبه فسروا قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] ثم قال: وقد يراد باليوم الوقت مطلقا، ومنه والحديث «1» : تلك أيام الهرج. أي وقته ولا يختص بالنهار دون الليل- انتهى-.
وإرادة الوقت مطلقا منه، عين إرادة مطلق الزمان قبله، كما يتبادر. والظاهر أن إطلاقه على المتعارف والوقت مطلقا، لغوي فيهما- كما نقله شارح القاموس- خلافا لظاهر كلام الشهاب السابق، فتثبت هذا.
الثانية- قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه خلق العالم، سماواته وأرضه وما بين ذلك في ستة أيام، كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، والستة الأيام: الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، وفيه اجتمع الخلق كله، وفيه خلق آدم عليه السلام. واختلفوا في هذه الأيام: هل كل يوم منها كهذه الأيام، كما هو المتبادر إلى الأذهان، أو كل يوم كألف سنة، كما نص على ذلك مجاهد والإمام أحمد بن حنبل؟ ويروى من رواية الضحاك عن ابن عباس.
فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق، لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت، وهو القطع. فأما
الحديث الذي رواه الإمام أحمد «2» في مسنده عن أبي هريرة قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر يوم الجمعة، آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل» - فقد رواه مسلم «3» ابن الحجاج في (صحيحه) والنسائي
، من غير وجه. وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال: في ستة أيام، ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار، ليس مرفوعا- والله أعلم- انتهى.
(1) أخرجه البخاريّ في: الفتن، 5- باب ظهور الفتن، حديث رقم 2548 ونصه: عن أبي وائل، عن عبد الله (وأحسبه رفعه) قال: بين يدي الساعة أيام الهرج. يزول العلم ويظهر فيها الجهل. [.....]
(2)
أخرجه في المسند 2/ 327.
(3)
أخرجه مسلم في: صفات المنافقين وأحكامهم، حديث 27.
وقد بسطت الكلام فيه في شرحي على (الأربعين العجلونية) الثالثة- قال القاضي: في خلق الأشياء مدرّجا، مع القدرة على إيجادها دفعة- دليل للاختيار، أي لأنه لو كان بالإيجاب، لصدر دفعة واحدة. وفيه حث على التأني في الأمور.
وقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ اعلم أن الاستواء ورد على معان اشترك لفظه فيها، فجاء بمعنى الاستقرار ومنه: اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ [هود: 44]، وبمعنى القصد ومنه: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ [البقرة: 29]، وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له وإليه قال الفرّاء: تقول العرب: استوى إليّ يخاصمني، أي أقبل عليّ، ويأتي بمعنى الاستيلاء قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق وقال آخر:
فلما علونا واستوينا عليهم
…
تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ويأتي بمعنى العلوّ، ومنه آية: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [المؤمنون: 28] : ومنه هذه الآية قال البخاري في آخر (صحيحه) ، في كتاب الردّ على الجهمية، في باب قوله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ [هود: 7]، قال مجاهد: استوى، علا على العرش- انتهى-.
وفي كتاب (العلوّ) للحافظ الذهبي قال إسحاق بن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5]، أي ارتفع. ونقل ابن جرير عن الربيع بن أنس أنه بمعنى ارتفع. وقال: إنه في كل مواضعه بمعنى علا وارتفع، وأقول: لا حجة إلى الاستكثار من ذلك، فإن الاستواء غير مجهول، وإن كان الكيف مجهولا.
روى الإمام أحمد بن حنبل في كتابه (الرد على الجهمية) عن شريح بن النعمان، عن عبد الله بن نافع قال: قال مالك بن أنس: الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء.
وروى البيهقي عن ابن وهب قال: كنت عند مالك، فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله! الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى كيف استوى؟ فأطرق مالك، وأخذته
الرّحضاء، ثم رفع رأسه فقال: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف. و (كيف) عنه مرفوع. وأنت صاحب بدعة. وفي رواية قال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
قال الحافظ الذهبي في كتاب (العلوّ) - بعد ما ساق هذا- ما نصه:
وهو قول أهل السنة قاطبة، أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها، وأن استواءه معلوم، كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، بل نسكت ونقف، كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل، لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره، والسكوت عنه. ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله، لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
ثم قال الذهبي: قال الإمام العلم، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري صاحب التصانيف الشهيرة، في كتابه (مختلف الحديث) : نحن نقول في قول الله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [المجادلة: 7] ، أنه معهم، يعلم ما هم عليه، كما تقول للرجل وجّهته إلى بلد شاسع: احذر التقصير فإني معك، يريد أنه لا يخفى عليّ تقصيرك. وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إن الله سبحانه بكل مكان، على الحلول فيه، مع قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] ومع قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: 10] ، كيف يصعد إليه شيء هو معه، وكيف تعرج الملائكة والروح إليه وهي معه؟ قال: ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرتهم، وما ركبت عليه ذواتهم، من معرفة الخالق، لعلموا أن الله عز وجل هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجميّها وعربيّها يقول: إن الله في السماء، ما تركت على فطرها- انتهى-.
ثم قال الذهبي أيضا: عن يزيد بن هارون شيخ الإسلام، أنه قيل له: من الجهمية؟ قال: من زعم أن الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى على خلاف ما يقرّ في قلوب العامة، فهو جهمي.
قال الذهبي والعامة، مرادة بهم، جمهور الأمة وأهل العلم، والذي وقر في قلوبهم من الآية، وهو ما دل عليه الخطاب، مع يقينهم بأن المستوي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] ، هذا هو الذي وقر في فطرهم السليمة، وأذهانهم الصحيحة.
ولو كان له معنى وراء ذلك، لتفوّهوا به، ولما أهملوه. ولو تأول أحد منهم الاستواء،
لتوفرت الهمم على نقله، ولو نقل لاشتهر. فإن كان في بعض جهلة الأغبياء من يفهم من (الاستواء) ما يوجب نقصا أو قياسا للشاهد على الغائب، وللمخلوق على الخالق- فهذا نادر. فمن نطق بذلك زجر وعلّم، وما أظن أحدا من العامة يقرّ في نفسه ذلك- والله أعلم- انتهى.
وقال الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين، الشيخ عبد القادر الجيلانيّ قدس الله روحه في كتابه (تحفة المتقين وسبيل العارفين) في باب اختلاف المذاهب في صفات الله عز وجل، وفي ذكر اختلاف الناس في الوقف عند قوله وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] : قال إسحاق: في العلم. إلى أن قال: والله تعالى بذاته على العرش، علمه محيط بكل مكان
والوقف عند أهل الحق على قوله إِلَّا اللَّهُ. وقد روي ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الوقف حسن لمن اعتقد أن الله بذاته على العرش، ويعلم ما في السموات والأرض. إلى أن قال: ووقف جماعة من منكري استواء الرب عز وجل على قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ وابتدءوا بقوله اسْتَوى لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يريدون بذلك نفي الاستواء الذي وصف به نفسه، وهذا خطأ منهم، لأن الله تعالى استوى على العرش بذاته.
وقال في كتابه (الغنية) : أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار، فهو أن تعرف وتتيقن أن الله واحد أحد. إلى أن قال: لا يخلو من علمه مكان، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش، كما قال جل ثناؤه الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] ، وقوله ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ [الفرقان: 59] ، وقال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] ، والنبيّ صلى الله عليه وسلم «1» حكم بإسلام الأمة لما
قال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «2» : (في حديث أبي هريرة رضي الله
(1)
أخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث 33. عن معاوية بن الحكم السلمي. ونصه هذه القصة، قال: وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوّانية (موضع في شمال المدينة) فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها. وأنا رجل من بني آدم. آسف كما يأسفون. لكني صككتها صكة. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعظّم ذلك عليّ. قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال «ائتني بها» فأتيته بها. فقال لها «أين الله» ؟ قالت: في السماء. قال «من أنا» قالت: أنت رسول الله. قال «أعتقها فإنها مؤمنة»
. (2) أخرجه البخاري في: التوحيد، 55- باب قوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، حديث 1509.
عنه) : لما خلق الله الخلق، كتب كتابا على نفسه، وهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبي.
وفي لفظ آخر: لما قضى الله سبحانه الخلق، كتب على نفسه في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي.
وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، لا على معنى القعود والمماسة، كما قالت المجسمة والكرامية، ولا على معنى العلوّ والرفعة، كما قالت الأشعرية، ولا على الاستيلاء والغلبة، كما قالت المعتزلة، لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا نقل عن أحد من الصحابة والتابعين من السلف الصالح من أصحاب الحديث، ذلك، بل المنقول عنهم حمله على الإطلاق. وقد روي عن أم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] : «الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به واجب، والجحود به كفر» . وقد أسنده مسلم بن الحجاج عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في (صحيحه)، وكذلك في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله قبل موته بقريب: أخبار الصفات تمرّ كما جاءت، بلا تشبيه ولا تعطيل. وقال أيضا (في رواية بعضهم) : لست بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذه الأماكن، في كتاب الله عز وجل، أو حديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه رضي الله عنهم، أو عن التابعين. فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود، فلا يقال في صفات الرب عز وجل (كيف) ؟ و (لم) ؟ لا يقول ذلك إلا شكّاك. وقال أحمد رضي الله عنه (في رواية عنه، في موضع آخر) :
نحن نؤمن بأن الله عز وجل على العرش كيف شاء، وكما شاء، بلا حدّ ولا صفة يبلغها واصف ويحدها حاد، لما روي عن سعيد بن المسيّب، عن كعب الأحبار، قال، قال الله تعالى في (التوراة) : أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي، عليه أدبر عبادي، ولا يخفى عليّ شيء من عبادي. وكونه عز وجل على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبيّ أرسل، بلا كيف، ولأن الله تعالى- فيما لم يزل- موصوف بالعلوّ والقدرة والاستيلاء والغلبة على جميع خلقه، من العرش وغيره. فلا يحمل الاستواء على ذلك. فالاستواء من صفات الذات، بعد ما أخبرنا به، ونص عليه وأكده في سبع آيات من كتابه، والسنة المأثورة به، وهو صفة لازمة له، ولائقة به، كاليد والوجه والعين والسمع والبصر والحياة والقدرة، وكونه خالقا ورازقا ومحييا ومميتا، موصوف بها، ولا نخرج من الكتاب والسنة، نقرأ الآية والخبر، ونؤمن بما فيهما، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: كما وصف الله تعالى نفسه في كتابه، فتفسيره قراءته.