الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرطية الأولى قيد الصبر، وحذف نظيره من الثانية، وأثبت في الثانية قيد كونهم من الكفرة وحذفه من الأولى. ولما كان الصبر شديد المطلوبية أثبت في جملتي التخفيف وحذف من الثانية، لدلالة السابقة عليه، ثم ختمت بقوله: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ مبالغة في شدة المطلوبية. ولم يأت في جملتي التخفيف بقيد الكفر، اكتفاء بما قبله.
قال الشهاب: هذا نوع من البديع يسمى الاحتباك، وبقي عليه أنه ذكر في التخفيف بِإِذْنِ اللَّهِ وهو قيد لهما. وقوله: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ إشارة إلى تأييدهم، وأنهم منصورون حتما لأن من كان الله معه لا يغلب. وبقي فيها لطائف.
فلله درّ التنزيل ما أحلى ماء فصاحته! وأنضر رونق بلاغته!
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأنفال (8) : آية 67]
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ
روى الإمام «1» أحمد عن أنس قال: استشار النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر فقال: إن الله قد أمكنكم منهم فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! اضرب أعناقهم، فأعرض عنه النبيّ صلى الله عليه وسلم. ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمقالته وقال: إنما هم إخوانكم بالأمس، وعاد عمر لمقالته، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم. فقام أبو بكر الصديق فقال: يا رسول الله! نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء. قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغمّ، فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء.
وأخرج مسلم «2» في (أفراده) من حديث عمر بن الخطاب قال ابن عباس: لما أسروا الأسارى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟
فقال أبو بكر: يا رسول الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت لا، والله! يا رسول الله! ما أرى الذي رأى أبو بكر. ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتمكّن عليّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من
(1) أخرجه في المسند 3/ 243.
(2)
أخرجه مسلم في: الجهاد والسير، حديث رقم 58.