الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
أي أخلصوا الإيمان والعمل الصالح، فلم يرجفوا، ولم يثيروا الفتن، وأوصلوا الخيرات للجاهدين، وقاموا بمصالح بيوتهم.
وقوله تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ استئناف مقرر لمضمون ما سبق، أي ليس عليهم جناح، ولا إلى معاتبتهم سبيل، و (من) مزيدة للتأكيد، ووضع الْمُحْسِنِينَ موضع الضمير، للدلالة على انتظامهم، بنصحهم لله ورسوله، في سلك المحسنين، أو تعليل لنفي الحرج عنهم، أي ما على جنس المحسنين من سبيل، وهم من جملتهم أفاده أبو السعود.
قال الشهاب: (ليس على محسن سبيل) ، كلام جار مجرى المثل، وهو إما عامّ، ويدخل فيه من ذكر، أو مخصوص بهؤلاء فالإحسان: النصح لله والرسول، والإثم المنفي إثم التخلف، فيكون تأكيدا لما قبله بعينه على أبلغ وجه، وألطف سبك، وهو من بليغ الكلام، لأن معناه لا سبيل لعاتب عليه، أي لا يمرّ به العاتب، ويجوز في أرضه، فما أبعد العتاب عنه! فتقطن للبلاغة القرآنية كما قيل:
سقيا لأيامنا الّتي سلفت
…
إذ لا يمرّ العذول في بلدي
وقوله تعالى: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييل مؤيد لمضمون ما ذكر، مشير إلى أن بهم حاجة إلى المغفرة، وإن كان تخلفهم بعذر- أفاده أبو السعود، أي لأن المرء لا يخلو من تفريط ما، فلا يقال إنه نفى عنهم الإثم أولا، فما الاحتياج إلى المغفرة المقتضية للذنب؟ أفاده الشهاب.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (9) : آية 92]
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (92)
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ عطف على الْمُحْسِنِينَ، أو على الضُّعَفاءِ أي لتعطيهم ظهرا يركبونه إلى الجهاد معك قُلْتَ أي لهم لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ أي إلى الجهاد. وقوله تعالى: تَوَلَّوْا جواب (إذا) أي خرجوا من عندك وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ أي في الحملان، فهؤلاء وإن كانت لهم، قدرة على تحمل المشاق، فما عليهم من سبيل أيضا.
تنبيهات:
الأول- قال السيوطي في (الإكليل) : في قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ
إلخ رفع الجهاد عن الضعيف والمريض، ومن لا يجد نفقة ولا أهبة للجهاد ولا محملا، انتهى.
وقال بعض الزيدية: هذه الآية الكريمة قاضية بنفي الحرج، وهو الإثم، على ترك الجهاد لهذه الأعذار، بشرط النصيحة لله ولرسوله، أي بأن يريد لهم ما يريد لنفسه- عن أبي مسلم-.
الثاني- قال الحاكم: في الآية دلالة على أن النصح في الدين واجب، وأنه يدخل في ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشهادات والأحكام والفتاوى وبيان الأدلة.
الثالث- قال ابن الفرس: يستدل بقوله تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ على أن قاتل البهيمة الصائلة لا يضمنها. وقال بعض الزيدية: يدل على أن المستودع والوصيّ والملتقط لا ضمان عليهم مع عدم التفريط، وأنه لا يجب عليهم الرد، بخلاف المستعير.
الرابع- دل قوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ
…
إلخ على أن العادم للنفقة، الطالب للإعانة، إذا لم تحصل له، فلا حرج عليه. وفيه إشارة إلى المعونة إذا بدلت له من الإمام، لزمه الخروج.
الخامس- دلت الآية على جواز البكاء وإظهار الحزن على فوات الطاعة، وإن كان معذورا.
السادس- قوله تعالى: تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أبلغ من (يفيض دمعها) ، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض، و (من) للبيان. كقولك: أفديك من رجل.
ومحلّ الجار والمجرور النصب على التمييز- أفاده الزمخشري-.
السابع-
روى ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أكتب (براءة) فإني لواضع القلم على أذني، إذ أمرنا بالقتال. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه، إذ جاء أعمى فقال: كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى؟
فنزلت: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ.. الآية-.
وروى العوفي عن ابن عباس في هذه الآية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا غازين معه، فجاءته عصابة من أصحابه، فيهم عبد الله بن مغفل بن مقرّن المزني، فقالوا: يا رسول الله! احملنا. فقال لهم: والله! لا أجد ما أحملكم عليه،