الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن مثالهم (قرأت إلا يوم كذا) قد قدّروه كل يوم، والمراد من أيام عمره، لا من أيام الدهر. فإن نظر إلى الظاهر في أمثاله كان عامّا، واستغنى عن النفي، وإن نظر إلى نفس الأمر، فهو ليس بعام، فيؤول بالنفي، والمعنى فيهما واحد وإنما أوّل به هنا عند من ذهب إلى تأويله، لاقتضاء المقابلة له، إذ ما من إثبات إلا ويمكن تأويله بالنفي، فيلزمه جريان التفريغ في كل شيء، وليس كذلك ما صرح به الرضي. ولذا قيل:
الاستثناء المفرغ، وإن اختص بالنفي، إلا أنه قد يمال مع المعنى بمعونة القرائن، ومناسبة المقامات، فيجري بعض الإيجابات مجرى النفي في صحة التفريغ معها- ذكره الشهاب أيضا-.
الثالثة- قال أبو السعود: وفي إظهار (النور) في مقام الإضمار مضافا إلى ضميره عز وجل زيادة اعتناء بشأنه، وتشريف له على تشريف، وإشارة بعلة الحكم.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة التوبة (9) : آية 33]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أي القرآن الذي هو هدى للمتقين وَدِينِ الْحَقِّ أي التوحيد الثابت الذي لا يزول لِيُظْهِرَهُ أي الدين الحق عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أي على سائر الأديان وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ أي أن يكون ذلك.
وجواب (لو) فيهما محذوف لدلالة ما قبله عليه، وجملة هُوَ الَّذِي إلخ بيان وتقرير لمضمون الجملة قبلها، لأن المراد من إتمام نوره إظهاره ولكونه بحسب المآل بمعناه، ذيله بما ذيله به بعينه، لكنه عبر عن الكافرين بالمشركين تفاديا عن صورة التكرار- كذا في العناية-.
وفي الصحيح «1» عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله زوى لي الأرض، مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها.
(1) أخرجه مسلم في: الفتن وأشراط الساعة، حديث رقم 19. عن ثوبان.
وأخرجه أبو داود في: الفتن والملاحم، 1- باب ذكر الفتن ودلائلها، حديث 4252.
والإمام أحمد في المسند ص 278 ج 5.
وروى الإمام أحمد «1» عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول: صلى هذا الحي من محارب الصبح، فلما صلّوا قال شاب منهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه ستفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عمالها في النار، إلا من اتقى الله وأدى الأمانة.
وأخرج أيضا «2» عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، يعز عزيزا، ويذل ذليلا، عزّا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر.
وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ. ولقد أصاب من كان كافرا منهم الذل والصغار والجزية.
وأخرج أيضا «3» عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام، يعز عزيزا، ويذل ذليلا، إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيدينون لها.
وأخرج أيضا «4» عن عدي بن حاتم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عدي! أسلم تسلم. فقلت: إني من أهل دين. قال: أنا أعلم بدينك منك. فقلت:
أنت أعلم بديني مني؟ قال: نعم، ألست من الرّكوسية، وأنت تأكل مرباع قومك؟
قلت: بلى! قال: فإن هذا لا يحل لك في دينك. قال: فلم يعد أن قالها، فتواضعت لها. قال: أما إني أعلم ما الذي يمنعك عن الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد سمعت بها.
قال: فو الذي نفسي بيده! ليتمنّ الله هذا الأمر، حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، ولتفتحنّ كنوز كسرى بن هرمز، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: نعم! كسرى بن هرمز، وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد.
قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة، فتطوف بالبيت من غير جوار أحد ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والذي نفسي بيده! لتكوننّ الثالثة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها.
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند ص 366 ج 5.
(2)
أخرجه في المسند 4/ 103.
(3)
أخرجه في المسند 6/ 4.
(4)
أخرجه في المسند 4/ 257.