الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ غَيْرِ عَقْدِ الْيَمِينِ.
وَكَذَلِكَ لَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِ الطَّلَاقِ، كَقَوْلِ الْحَالِفِ فِي عَرَضِ كَلَامِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ، وَالطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ، مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِعَقْدِ الْيَمِينِ، بَلْ إذَا كَانَ اسْمُ الرَّبِّ جل جلاله لَا يَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينُ اللَّغْوِ فَيَمِينُ الطَّلَاقِ أَوْلَى أَلَّا يَنْعَقِدُ وَلَا يَكُونُ أَعْظَمَ حُرْمَةً مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ صَحِيحٌ؛ فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي يَمِينِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ يَمِينٌ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ اللَّغْوَ أَنْ يَقُولَ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِعَقْدِ الْيَمِينِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَعْقِدْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ قَطُّ، وَقَدْ «قَالَ حَمْزَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي، وَكَانَ نَشْوَانًا مِنْ الْخَمْرِ، فَلَمْ يُكَفِّرْهُ بِذَلِكَ» ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي قَرَأَ:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَلَمْ يُعَدُّ بِذَلِكَ كَافِرًا؛ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَجَرَيَانِ اللَّفْظِ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةٍ لِمَعْنَاهُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تُهْمِلَ قَصْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَنِيَّتَهُ وَعُرْفَهُ، فَتَجْنِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّرِيعَةِ، وَتَنْسُبَ إلَيْهَا مَا هِيَ بَرِيئَةٌ مِنْهُ، وَتُلْزِمَ الْحَالِفَ وَالْمُقِرَّ وَالنَّاذِرَ وَالْعَاقِدَ مَا لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ؛ فَفَقِيهُ النَّفْسِ يَقُولُ: مَا أَرَدْت، وَنِصْفُ الْفَقِيهِ يَقُولُ: مَا قُلْت؛ فَاللَّغْوُ فِي الْأَقْوَالِ نَظِيرُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْأَفْعَالِ، وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهَذَا وَهَذَا كَمَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ:" رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا " فَقَالَ رَبُّهُمْ تبارك وتعالى: قَدْ فَعَلْتُ.
[فَصْلٌ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]
فَصْلٌ [الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى الشَّرْطِ]
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ فَإِنَّ إلْزَامَ الْحَالِفِ بِهِمَا إذَا حَنِثَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَعِتْقِ عَبْدِهِ مِمَّا حَدَثَ الْإِفْتَاءُ بِهِ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ؛ فَلَا يُحْفَظُ عَنْ صَحَابِيٍّ فِي صِيغَةِ الْقَسَمِ إلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ أَبَدًا، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ إلْزَامُ الطَّلَاقِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ الَّذِي قُصِدَ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ إنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ فَهَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ إلَّا مَنْ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَ الْقَسَمِ الْمَحْضِ وَالتَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْوُقُوعُ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ الصَّحَابَةِ كُلِّهَا فِي هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّهُمْ صَحَّ عَنْهُمْ الْإِفْتَاءُ بِالْوُقُوعِ فِي صُوَرٍ، وَصَحَّ عَنْهُمْ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي صُوَرٍ، وَالصَّوَابُ مَا أَفْتَوْا بِهِ فِي النَّوْعَيْنِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِبَعْضِ فَتَاوِيهِمْ وَيُتْرَكُ بَعْضُهَا، فَأَمَّا
الْوُقُوعُ فَالْمَحْفُوظُ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ فَعَلَتْ كَذَا وَكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْهُ، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، عَلَى أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: هِيَ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ، قَالَ: يَسْتَمْتِعُ بِهَا إلَى سَنَةٍ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ فِي سُؤَالِهِ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَقَالَ: إنْ عُدْتِ سَأَلْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَهَهُنَا نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ يَحْسُنُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَهِيَ «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَأَلَحَّ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ مَسْأَلَتِهِ: الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ هَذَا ثُمَّ حَدَّثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثَ، قَالَ: فَاهْتَبَلْتُ غَفْلَتَهُ فَقُلْت: أَقْسَمْت عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ بِحَقِّي عَلَيْك لَتُحَدِّثَنِي فِي أَيِّ الْعَشْرِ هِيَ، قَالَ: فَغَضِبَ عَلَيَّ غَضَبًا مَا غَضِبَ عَلَيَّ مِنْ قَبْلُ وَلَا مِنْ بَعْدُ، ثُمَّ قَالَ: الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، وَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ بَعْدُ» ذَكَرَهُ النَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ، فَأَصَابَ أَبَا ذَرٍّ مِنْ امْرَأَتِهِ وَإِلْحَاحِهَا عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ غَضَبَهُ وَقَالَ: إنْ عُدْتِ سَأَلْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ.
فَهَذِهِ جَمِيعُ الْآثَارِ الْمَحْفُوظَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ.
وَأَمَّا الْآثَارُ عَنْهُمْ فِي خِلَافِهِ فَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فِيمَنْ حَلَفَتْ بِأَنَّ كُلَّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ إنْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ عَبْدِهَا وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، أَنَّهَا تُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهَا وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، قَالَ الْأَثْرَمُ فِي سُنَنِهِ: ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ ثنا مَعْمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِي: ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو رَافِعٍ قَالَ: قَالَتْ مَوْلَاتِي لَيْلَى بِنْتُ الْعَجْمَاءِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا مُحَرَّرٌ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ إنْ لَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَك أَوْ تُفَرِّقْ بَيْنَك وَبَيْنَ امْرَأَتِك، قَالَ: فَأَتَيْت زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ إذَا ذُكِرَتْ امْرَأَةٌ بِالْمَدِينَةِ فَقِيهَةٌ ذُكِرَتْ زَيْنَبُ، قَالَ: فَأَتَيْتهَا فَجَاءَتْ مَعِي إلَيْهَا فَقَالَتْ فِي الْبَيْتِ هَارُوتُ وَمَارُوتُ فَقَالَتْ: يَا زَيْنَبُ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكِ إنَّهَا قَالَتْ: إنَّ كُلَّ مَمْلُوكٍ لَهَا مُحَرَّرٌ وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ. فَقَالَتْ: يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ خَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، فَأَتَيْت حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْت إلَيْهَا فَأَتَتْهَا فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ جَعَلَنِي اللَّه فِدَاكِ إنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا مُحَرَّرٌ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ، فَقَالَتْ: يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ، خَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، قَالَتْ: فَأَتَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَجَاءَ مَعِي إلَيْهَا، فَقَامَ مَعِي عَلَى الْبَابِ فَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: بيبى أَنْتِ وبيبى أَبُوك، فَقَالَ: أَمِنْ حِجَارَةٍ أَنْتِ أَمْ مِنْ حَدِيدٍ أَنْتِ أَمْ أَيُّ
شَيْءٍ أَنْتِ؟ أَفْتَتْكِ زَيْنَبُ وَأَفْتَتْكِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ تَقْبَلِي فُتْيَاهُمَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك، إنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، فَقَالَ: يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك، وَخَلِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ لَهُ: ثنا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ: حَدَّثَنِي رُفَيْعٌ قَالَ: كُنْت أَنَا وَامْرَأَتِي مَمْلُوكَيْنِ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَحَلَفَتْ بِالْهَدْيِ وَالْعَتَاقَةِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَنَا، فَأَتَيْت امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْت لَهَا ذَلِكَ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهَا أَنْ كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك، فَأَبَتْ، ثُمَّ أَتَيْت زَيْنَبَ وَأُمَّ سَلَمَةَ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُمَا، فَأَرْسَلَتَا إلَيْهَا أَنْ كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك، فَأَبَتْ، فَأَتَيْت ابْنَ عُمَرَ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ: أَنْ كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك، فَأَبَتْ، فَقَامَ ابْنُ عُمَرَ فَأَتَاهَا فَقَالَ: أَرْسَلَتْ إلَيْك فُلَانَةُ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَزَيْنَبُ أَنْ تُكَفِّرِي عَنْ يَمِينِك فَأَبَيْتِ، قَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي حَلَفْت بِالْهَدْيِ وَالْعَتَاقَةِ، قَالَ: وَإِنْ كُنْت قَدْ حَلَفْت بِهِمَا.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ ثنا أَشْعَثُ ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ مَوْلَاةً لَهُ أَرَادَتْ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ: هِيَ يَوْمًا يَهُودِيَّةٌ وَيَوْمًا نَصْرَانِيَّةٌ وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ إنْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنهم، فَكُلُّهُمْ قَالُوا لَهَا: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَكْفُرِي مِثْلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ؟ فَأَمَرُوهَا أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهَا وَتُخَلِّي بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَنْصَارِيِّ: ثنا أَشْعَثُ ثنا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ مَوْلَاتَهُ أَرَادَتْ أَنْ تُفَرِّق بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ: هِيَ يَوْمًا يَهُودِيَّةٌ وَيَوْمًا نَصْرَانِيَّةٌ وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ وَكُلُّ مَالٍ لَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَيْهَا الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، فَسَأَلَتْ عَائِشَةَ وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ، فَكُلُّهُمْ قَالُوا لَهَا: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَكْفُرِي مِثْلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ؟ وَأَمَرُوهَا أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهَا وَتُخَلِّي بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ رَوْحٌ وَالْأَنْصَارِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَحَدِيثُ رَوْحٍ مُخْتَصَرٌ، وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: ثنا أَشْعَثُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالُوا: تُكَفِّرُ يَمِينَهَا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ لَيْلَى بِنْتَ الْعَجْمَاءِ مَوْلَاتَهُ قَالَتْ: هِيَ يَهُودِيَّةٌ، وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ، وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ إنْ لَمْ يُطَلِّقْ امْرَأَتَهُ إنْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَقَالَ: فَأَتَيْت ابْنَ عُمَرَ فَجَاءَ مَعِي فَقَامَ بِالْبَابِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأَبُوك، فَقَالَ: أَمِنْ حِجَارَةٍ أَنْتِ أَمْ مِنْ حَدِيدٍ؟ أَتَتْك زَيْنَبُ وَأَرْسَلَتْ
إلَيْك حَفْصَةُ، قَالَتْ: قَدْ حَلَفْت بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك وَخَلِّي بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ.
فَقَدْ تَبَيَّنَ بِسِيَاقِ هَذِهِ الطُّرُقِ انْتِفَاءُ الْعِلَّةِ الَّتِي أُعِلَّ بِهَا حَدِيثُ لَيْلَى هَذَا، وَهِيَ تُفْرِدُ التَّيْمِيَّ فِيهِ بِذِكْرِ الْعِتْقِ، كَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:" لَمْ يَقُلْ: وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ إلَّا التَّيْمِيَّ " وَبَرِئَ التَّيْمِيُّ مِنْ عُهْدَةِ التَّفَرُّدِ، وَقَاعِدَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الصَّحَابَةُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ شَيْءٌ يَدْفَعُهُ؛ فَعَلَى أَصْلِهِ الَّذِي بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهَذَا الْأَثَرِ لِصِحَّتِهِ وَانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِلْحَدِيثِ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الَّتِي مَنَعَتْ الْإِمَامَ أَحْمَدَ مِنْ الْقَوْلِ بِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي حَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ حِينَ حَلَفَتْ بِكَذَا وَكَذَا وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ، فَأَفْتَيْت بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ، فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ حِين أَفْتَيَا فِيمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ جَارِيَتِهِ وَأَيْمَانٍ فَقَالَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُعْتَقُ.
قُلْت: يُرِيدُ بِهِمَا مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَاضِرٍ، قَالَ: حَلَفَتْ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ ذِي أَصْبَحَ فَقَالَتْ مَالُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَجَارِيَتُهَا حُرَّةٌ إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا، لِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ زَوْجُهَا، فَحَلَفَ زَوْجُهَا أَنْ لَا تَفْعَلَهُ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ، فَقَالَا: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُعْتَقُ، وَأَمَّا قَوْلُهَا:" مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَتَتَصَدَّقُ بِزَكَاةِ مَالِهَا؛ فَقِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَثَرٌ مَعْلُولٌ تَفَرَّدَ بِهِ عُثْمَانُ، هَذَا وَحَدِيثُ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ أَشْهَرُ إسْنَادًا وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، فَإِنَّ رُوَاتَهُ حُفَّاظٌ أَئِمَّةٌ، وَقَدْ خَالَفُوا عُثْمَانَ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ فِيمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ، قَالَ: يُكَفِّرُ يَمِينَهُ، وَغَايَةُ هَذَا الْأَثَرِ إنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رِوَايَتَانِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا فِي قَوْلِ لَيْلَى بِنْتِ الْعَجْمَاءِ: " كُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ وَكُلُّ مَالٍ لَهَا هَدْيٌ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ إنْ لَمْ تُطَلِّقْ امْرَأَتَك " كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا صَحَّ هَذَا عَنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ سِوَى هَذَا الْأَثَرِ الْمَعْلُولِ أَثَرِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَاضِرٍ] فِي قَوْلِ الْحَالِفِ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ فَعَلَ أَنَّهُ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يُلْزِمُوهُ بِالْعِتْقِ الْمَحْبُوبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَنْ لَا يُلْزِمُوهُ بِالطَّلَاقِ الْبَغِيضِ إلَى اللَّهِ أَوْلَى وَأَحْرَى، كَيْفَ وَقَدْ أَفْتَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ التَّيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِهِ لِأَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ.