الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ بَائِعِهَا، فَإِذَا قَبَضَ الثَّمَنَ أَعْطَاهُ لِلْوَاهِبِ، وَمِنْهَا: أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهَا نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ شَيْءٍ وَلَا هِبَةٍ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ يَضُمُّ إلَى ثَمَنِهَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ أَوْ مِنْدِيلًا أَوْ سِكِّينًا وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعِينَةَ عَلَى وَجْهِهَا أَسْهَلُ مِنْ هَذَا التَّكَلُّفِ، وَأَقَلُّ مَفْسَدَةً، وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ قَدْ حَرَّمَ مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ لِمَفْسَدَةٍ فِيهَا فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ لَا تَزُولُ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، بَلْ هِيَ بِحَالِهَا، وَانْضَمَّ إلَيْهَا مَفْسَدَةٌ أُخْرَى أَعْظَمُ مِنْهَا، وَهِيَ مَفْسَدَةُ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَاِتِّخَاذِ أَحْكَامِ اللَّهِ هُزُوًا وَهِيَ أَعْظَمُ الْمَفْسَدَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحِيَلِ، لَا تُزِيلُ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي حُرِّمَ لِأَجْلِهَا، وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهَا مَفْسَدَةَ الْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِينَةُ لَا مَفْسَدَةَ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِيَالِ عَلَيْهَا. ثُمَّ إنَّ الْعِينَةَ فِي نَفْسِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِيَلِ إلَى الرِّبَا، فَإِذَا تَحَيَّلَ عَلَيْهَا الْمُحْتَالُ صَارَتْ حِيَلًا مُتَضَاعِفَةً، وَمَفَاسِدَ مُتَنَوِّعَةً، وَالْحَقِيقَةُ وَالْقَصْدُ مَعْلُومَانِ لِلَّهِ وَلِلْمَلَائِكَةِ وَلِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِمَنْ حَضَرَهُمَا مِنْ النَّاسِ، فَلْيَضَعْ أَرْبَابُ الْحِيَلِ مَا شَاءُوا، وَلْيَسْلُكُوا أَيَّةَ طَرِيقٍ سَلَكُوا؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ بِذَلِكَ عَنْ بَيْعِ مِائَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى سَنَةٍ، فَلْيُدْخِلُوا مُحَلِّلَ الرِّبَا أَوْ يُخْرِجُوهُ فَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَالْمَقْصُودُ مَعْلُومٌ، وَاَللَّهُ لَا يُخَادَعُ وَلَا تَرُوجُ عَلَيْهِ الْحِيَلُ وَلَا تَلْبَسُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ.
[فَصْلٌ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحْرِمَة إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ]
فَصْلٌ
وَمِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ الْبَاطِلَةِ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي، وَيَقُولُ: لَمْ يُعَيِّنْ لِي عَيْبَ كَذَا وَكَذَا؛ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا غَرِيبًا لَا يَعْرِفُ فِي بَيْعِهَا، وَيَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي دَرْكَ الْمَبِيعِ، فَإِذَا بَاعَهَا قَبَضَ مِنْهُ رَبُّ السِّلْعَةِ الثَّمَنَ، فَلَا يَجِدُ الْمُشْتَرِي مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ السِّلْعَةَ.
وَهَذَا غِشٌّ حَرَامٌ، وَحِيلَةٌ لَا تُسْقِطُ الْمَأْتَمَ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِصُورَةِ الْحَالِ فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ الْمُفَرِّطُ، حَيْثُ لَمْ يَضْمَنْ الدَّرَكَ الْمَعْرُوفَ [الَّذِي] يَتَمَكَّنُ مِنْ مُخَاصَمَتِهِ، فَالتَّفْرِيطُ مِنْ هَذَا وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ مِنْ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ]
فَصْلٌ
[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ]
وَمِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ الْبَاطِلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً وَيُرِيدَ وَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ فَلَهُ عِدَّةُ حِيَلٍ، مِنْهَا: أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا الْبَائِعُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ، فَتَصِيرُ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ يَبِيعُهُ إيَّاهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ زَوْجَتِهِ، وَقَدْ كَانَ
وَطْؤُهَا حَلَالًا لَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ؛ فَصَارَ حَلَالًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ، ثُمَّ يَبِيعَهَا مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا، فَيَمْلِكُهَا مُزَوَّجَةً وَفَرْجُهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ؛ فَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا، فَإِذَا فَعَلَ حَلَّتْ لِلْمُشْتَرِي.
وَمِنْهَا: أَنْ مُشْتَرِيَهَا لَا يَقْبِضُهَا حَتَّى يُزَوِّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَقْبِضَهَا بَعْدَ التَّزْوِيجِ، فَإِذَا قَبَضَهَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ، فَيَطَؤُهَا سَيِّدُهُ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ.
قَالُوا: فَإِنْ خَافَ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ اسْتَوْثَقَ بِأَنْ يَجْعَلَ الزَّوْجُ أَمْرَهَا بِيَدِ السَّيِّدِ، فَإِذَا فَعَلَ طَلَّقَهَا هُوَ ثُمَّ وَطِئَهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ.
وَلَا يَخْفَى نِسْبَةُ هَذِهِ الْحِيَلِ إلَى الشَّرْعِ، وَمَحَلُّهَا مِنْهُ، وَتَضَمُّنُهَا أَنَّ بَائِعَهَا يَطَؤُهَا بُكْرَةً وَيَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي عَشِيَّةً، وَأَنَّ هَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَمُبْطِلٌ لِفَائِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ.
ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْحِيَلَ كَمَا هِيَ مُحَرَّمَةٌ فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَطْعًا؛ فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مَوْطُوءَتَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُزَوِّجُهَا لِمَنْ يَطَؤُهَا وَرَحِمُهَا مَشْغُولٌ بِمَائِهِ؟ وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ بَيْعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، صِيَانَةً لِمَائِهِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ وَطْءِ الْمُشْتَرِي لَهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ، فَهَاهُنَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَطْعًا، فَإِذَا أَرَادَ زَوْجُهَا حِيلَةً عَلَى إسْقَاطِ حُكْمِ اللَّهِ وَتَعْطِيلِ أَمْرِهِ كَانَ نِكَاحًا بَاطِلًا لِإِسْقَاطِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مَكْرٌ وَخِدَاعٌ وَاِتِّخَاذٌ لِآيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا لَمْ يَحِلَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَطَأَهَا بِدُونِ الِاسْتِبْرَاءِ؛ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ الْمُتَجَدِّدِ، وَالنِّكَاحُ الْعَارِضُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ، وَزَوَالُ الْمَانِعِ لَا يُزِيلُ اقْتِضَاءَ الْمُقْتَضِي مَعَ قِيَامِ سَبَبِ الِاقْتِضَاءِ مِنْهُ.
وَأَيْضًا فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْوَصْفِ عَنْ مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ مِنْ غَيْرِ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ قِيَامِ مَانِعٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَفْسَدَةُ الَّتِي مَنَعَ الشَّارِعُ الْمُشْتَرِيَ لِأَجْلِهَا مِنْ الْوَطْءِ بِدُونِ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ تَزُلْ بِالتَّحَيُّلِ وَالْمَكْرِ، بَلْ انْضَمَّ إلَيْهَا مَفَاسِدُ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَالتَّحَيُّلِ.
فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبَ مِنْ شَيْءٍ حُرِّمَ لِمَفْسَدَةٍ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ مَفْسَدَةٌ أُخْرَى هِيَ أَكْبَرُ مِنْ مَفْسَدَتِهِ بِكَثِيرٍ صَارَ حَلَالًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إذَا ذُبِحَ كَانَ حَرَامًا، فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ خُنِقَ حَتَّى يَمُوتَ صَارَ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْبَحْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهَكَذَا هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتُ إذَا اُحْتِيلَ عَلَيْهَا صَارَتْ حَرَامًا مِنْ وَجْهَيْنِ وَتَأَكَّدَ تَحْرِيمُهَا.
وَاَلَّذِي يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ بَيْنَ سُقُوطِ الِاسْتِبْرَاءِ بِهَذِهِ الْحِيَلِ وَبَيْنَ
وُجُوبِ اسْتِبْرَاءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تُوطَأْ وَلَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، وَبَيْنَ اسْتِبْرَاءِ الْبِكْرِ الَّتِي لَمْ يَقْرَعْهَا.
فَحْلٌ، وَاسْتِبْرَاءِ الْعَجُوزِ الْهَرِمَةِ الَّتِي قَدْ أَيِسَتْ مِنْ الْحَبَلِ وَالْوِلَادَةِ، وَاسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الَّتِي يُقْطَعُ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا، ثُمَّ يُسْقِطُونَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ رَحِمَهَا مَشْغُولٌ، فَأَوْجَبْتُمُوهُ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ الشَّارِعُ، وَأَسْقَطْتُمُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ.
قَالُوا: وَلَيْسَ هَذَا بِعَجِيبٍ مِنْ تَنَاقُضِكُمْ، بَلْ وَأَعْجَبُ مِنْهُ إنْكَارُ كَوْنِ الْقُرْعَةِ طَرِيقًا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ مَعَ وُرُودِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَصْحَابِهِ بِهَا، وَإِثْبَاتُ حَلِّ الْوَطْءِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ زُورٍ يَعْلَمُ الزَّوْجُ الْوَاطِئُ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِالزُّورِ عَلَى طَلَاقِهَا حَتَّى يَجُوزَ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَيَثْبُتُ الْحِلُّ بِشَهَادَتِهِمَا.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ هِيَ سُرِّيَّةٌ يَطَؤُهَا كُلَّ وَقْتٍ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا لَهُ، وَلَوْ وَلَدَتْ [وَلَدًا] لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ وَالشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ " هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَكَانَتْ بِأَقْصَى الْمَشْرِقِ وَهُوَ بِأَقْصَى الْمَغْرِبِ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْعَقْدِ؛ فَلَوْ أَتَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ نَسَبُهُ.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُكُمْ: لَوْ مَنَعَ الذِّمِّيُّ دِينَارًا وَاحِدًا وَلِّ.
" لَا أُؤَدِّيهِ " انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَحَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَلَوْ سَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَكِتَابَهُ عَلَى رُءُوسِنَا أَقْبَحَ سَبٍّ وَحَرَقَ أَفْضَلَ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاسْتَهَانَ بِالْمُصْحَفِ بَيْنَ أَيْدِينَا أَعْظَمَ اسْتِهَانَةٍ وَبَذَلَ ذَلِكَ الدِّينَارَ فَعَهْدُهُ بَاقٍ وَدَمُهُ مَعْصُومٌ.
وَمِنْ الْعَجِيبِ تَجْوِيزُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَمَنْعُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى وَمِنْ الْعَجَبِ إخْرَاجُ الْأَعْمَالِ عَنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَأَنَّهُ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَتَكْفِيرُ مَنْ يَقُولُ مُسَيْجِدٌ أَوْ فَقِيهٌ، أَوْ يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ، أَوْ يَلْتَذُّ بِآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمِنْ الْعَجَبِ إسْقَاطُ الْحَدِّ عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلزِّنَا أَوْ لِكَنْسِ بَيْتِهِ فَزَنَى بِهَا، وَإِيجَابُهُ عَلَى مَنْ وَجَدَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً عَلَى فِرَاشِهِ فِي الظُّلْمَةِ فَجَامَعَهَا يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ التَّشْدِيدُ فِي الْمِيَاهِ حَتَّى تَنَجَّسَ الْقَنَاطِيرُ الْمُقَنْطَرَةُ مِنْهَا بِقَطْرَةِ بَوْلٍ أَوْ قَطْرَةِ دَمٍ، وَتَجْوِيزُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ رُبُعُهُ مُضَمَّخٌ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً فَبِقَدْرِ رَاحَةِ الْكَفِّ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَكَذَّبَ الشُّهُودَ حُدَّ، وَإِنْ صَدَّقَهُمْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ لِتُتَّخَذَ مَسْجِدًا يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا [كَيْ] تُجْعَلَ كَنِيسَةً يُعْبَدُ فِيهَا الصَّلِيبُ أَوْ بَيْتَ نَارٍ تُعْبَدُ فِيهَا النَّارُ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَوْ ضَحِكَ فِي صَلَاةٍ فَقَهْقَهَ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَلَوْ غَنَّى فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَذَفَ الْمُحْصَنَاتِ أَوْ شَهِدَ الزُّورَ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَوُضُوءُهُ بِحَالِهِ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ نَزَحَ مِنْهَا أَدْلَاءً مَعْدُودَةً، فَإِذَا حَصَلَ الدَّلْوُ فِي الْبِئْرِ تَنَجَّسَ وَغَرَفَ الْمَاءَ نَجَسًا، وَمَا أَصَابَ حِيطَانَ الْبِئْرِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ نَجَّسَهَا، وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الدِّلَاءِ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ النَّوْبَةُ إلَى الدَّلْوِ الْأَخِيرِ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ نَجَسًا ثُمَّ يَصْعَدُ طَاهِرًا فَيُقَشْقِشُ النَّجَاسَةَ كُلَّهَا مِنْ قَعْرِ الْبِئْرِ إلَى رَأْسِهِ.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: مَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ مِنْ هَذَا الدَّلْوِ وَلَا أَعْقَلَ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً حَنِثَ بِأَكْلِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ، وَلَوْ كَانَ يَابِسًا قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ السُّنُونَ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ.
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيلُ هَذَا بِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مِنْ خِيَارِ الْفَاكِهَةِ وَأَعْلَى أَنْوَاعِهَا، فَلَا تَدْخُلُ فِي الِاسْمِ الْمُطْلَقِ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ النِّيلِ أَوْ الْفُرَاتِ أَوْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ بِكَفِّهِ أَوْ بِكُوزٍ أَوْ دَلْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْهَارِ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِذَا شَرِبَ بِفِيهِ مِثْلَ الْبَهَائِمِ حَنِثَ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ لَوْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَأُغْلِقَتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَابُ وَدَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إلَى الْخَلَاءِ فَطَاقُ الْقِبْلَةِ وَمِحْرَابُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ.
وَمِنْ الْعَجَبِ أَمْرُ هَذِهِ الْحِيَلِ الَّتِي لَا يَزْدَادُ بِهَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ إلَّا فَسَادًا مُضَاعَفًا، كَيْفَ تُبَاحُ مَعَ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ الزَّائِدَةِ بِالْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَتُحَرَّمُ بِدُونِهَا؟ وَكَيْفَ تَنْقَلِبُ مَفَاسِدُهَا بِالْحِيَلِ صَلَاحًا، وَتَصِيرُ خَمْرَتُهَا خَلًّا، وَخُبْثُهَا طِيبًا؟ قَالُوا: فَهَذَا فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَيَانِ فَسَادِ هَذِهِ الْحِيَلِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، كَمَا