الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَسْتَسْقِيَ - أَنْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، فَأَعْظَمْت ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَالِاسْتِسْقَاءَ كَهَيْئَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا دَنَا مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ فَدَعَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، وَقَدْ اسْتَسْقَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا، فَكُلُّهُمْ يُقَدِّمُ الْخُطْبَةَ وَالدُّعَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَاسْتَهْتَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِعْلَ زُفَرَ بْنِ عَاصِمٍ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَنْكَرُوهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَقُولُ فِي الْخَلِيطَيْنِ فِي الْمَالِ: إنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَفِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الصَّدَقَةُ وَيَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَبْلَكُمْ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ بِدُونِ أَفَاضِلِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَانِهِ فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَصِيرَهُ ابْنُ سَعِيدٍ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تَقُولُ: إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَقَدْ بَاعَهُ رَجُلٌ سِلْعَةً فَتَقَاضَى طَائِفَةً مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي طَائِفَةً مِنْهَا أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ مِنْ مَتَاعِهِ، وَكَانَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إذَا تَقَاضَى مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا أَوْ أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي مِنْهَا شَيْئًا فَلَيْسَتْ بِعَيْنِهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّك تَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْنِ وَمَنَعَهُ الْفَرَسَ الثَّالِثَ، وَالْأُمَّةُ كُلُّهُمْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ إفْرِيقِيَّةَ، لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ؛ فَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَك - وَإِنْ كُنْت سَمِعْته مِنْ رَجُلٍ مَرْضِيٍّ - أَنْ تُخَالِفَ الْأُمَّةَ أَجْمَعِينَ.
وَقَدْ تَرَكْت أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ أَشْبَاهِ هَذَا، وَأَنَا أُحِبُّ تَوْفِيقَ اللَّهِ إيَّاكَ وَطُولَ بَقَائِك؛ لِمَا أَرْجُو لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَمَا أَخَافُ مِنْ الضَّيْعَةِ إذَا ذَهَبَ مِثْلُك مَعَ اسْتِئْنَاسِي بِمَكَانِك، وَإِنْ نَأَتْ الدَّارُ؛ فَهَذِهِ مَنْزِلَتُك عِنْدِي وَرَأْيِي فِيك فَاسْتَيْقِنْهُ، وَلَا تَتْرُكْ الْكِتَابَ إلَيَّ بِخَبَرِك وَحَالِك وَحَالِ وَلَدِك وَأَهْلِك وَحَاجَةٍ إنْ كَانَتْ لَك أَوْ لِأَحَدٍ يُوصَلُ بِك، فَإِنِّي أُسَرُّ بِذَلِكَ، كَتَبْت إلَيْك وَنَحْنُ صَالِحُونَ مُعَافُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا وَإِيَّاكُمْ شُكْرَ مَا أَوْلَانَا وَتَمَامَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
[عَوْدٌ إلَى الْقَوْلِ فِي تَأْجِيلِ بَعْضِ الْمَهْرِ]
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا لَوْ تَجَمَّلُوا وَجَعَلُوهُ حَالًّا، وَقَدْ اتَّفَقُوا فِي الْبَاطِنِ عَلَى تَأْخِيرِهِ كَصَدَقَاتِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ فِي الْغَالِبِ: هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ بِهِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَوْ الْمَوْتِ؟ .
[مَهْرُ السِّرِّ وَمَهْرُ الْعَلَنِ]
قِيلَ: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ إذَا اتَّفَقَا فِي السِّرِّ عَلَى مَهْرٍ وَسَمَّوْا فِي الْعَلَانِيَةِ أَكْثَرَ
مِنْهُ: هَلْ يُؤْخَذُ بِالسِّرِّ أَوْ بِالْعَلَانِيَةِ؟ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا اضْطَرَبَتْ فِيهَا أَقْوَالُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِعَدَمِ إحَاطَتِهِمْ بِمَقَاصِدِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ غِطَائِهَا، وَلَهَا فِي الْأَصْلِ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْقِدُوهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ مَثَلًا، وَقَدْ اتَّفَقُوا قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ سُمْعَةٌ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقِدُوهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِالْأَقَلِّ؛ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ تَصَادَقُوا عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ مِنْ جِنْسِ مَهْرِ السِّرِّ أَوْ مِنْ جِنْسِ غَيْرِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، قَالُوا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي مَوَاضِعَ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ بدينا فِي الرَّجُلِ يُصَدِّقُ صَدَاقًا فِي السِّرِّ وَفِي الْعَلَانِيَةِ شَيْئًا آخَرَ؛ يُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَارِثِ: إذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى شَيْءٍ وَأَسَرَّ غَيْرَ ذَلِكَ أَخَذْنَا بِالْعَلَانِيَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَشْهَدَ فِي السِّرِّ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ فِي رَجُلٍ أَصْدَقَ صَدَاقًا سِرًّا وَصَدَاقًا عَلَانِيَةً: يُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ إذَا كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ، قِيلَ لَهُ: فَقَدْ أَشْهَدَ شُهُودًا فِي السِّرِّ بِغَيْرِهِ؟ قَالَ: وَإِنْ، أَلَيْسَ قَدْ أَقَرَّ بِهَذَا أَيْضًا عِنْدَ شُهُودٍ؟ يُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ " أَقَرَّ بِهِ " أَيْ رَضِيَ بِهِ وَالْتَزَمَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} [آل عمران: 81] وَهَذَا يَعُمُّ التَّسْمِيَةَ فِي الْعَقْدِ وَالِاعْتِرَافِ بَعْدَهُ، وَيُقَالُ: أَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ، وَأَقَرَّ لِلسُّلْطَانِ بِالطَّاعَةِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي الرَّجُلِ يُعْلِنُ مَهْرًا وَيُخْفِي آخَرَ؛ آخُذُ بِمَا يُعْلِنُ؛ لِأَنَّ الْعَلَانِيَةَ قَدْ أَشْهَدَ
[بِهَا] عَلَى نَفْسِهِ، وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا لَهُ بِمَا كَانَ أَسَرَّهُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي السِّرِّ بِمَهْرٍ وَأَعْلَنُوا مَهْرًا آخَرَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا، وَأَمَّا هُوَ فَيُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ.
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا بِمَا أَسَرُّوا، عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ؛ لِئَلَّا يَحْصُلَ مِنْهُمْ غُرُورٌ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَقَدْ نَصَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِمَهْرِ السِّرِّ، فَقِيلَ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ: إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّ الْمَهْرَ الَّذِي يُظْهِرُهُ سُمْعَةٌ وَأَنَّ أَصْلَ الْمَهْرِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَزَوَّجَ وَأَعْلَنَ الَّذِي قَالَ فَالْمَهْرُ هُوَ السِّرُّ، وَالسُّمْعَةُ بَاطِلَةٌ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَإِسْحَاقَ، وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ كَالْقَوْلَيْنِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْمَهْرُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالسِّرِّ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَلَانِيَةَ تَلْجِئَةٌ، فَقَالَ: إذَا كَانَ رَجُلٌ قَدْ أَظْهَرَ صَدَاقًا
وَأَسَرَّ غَيْرَ ذَلِكَ نُظِرَ فِي الْبَيِّنَاتِ وَالشُّهُودِ، وَكَأَنَّ الظَّاهِرَ أَوْكَدُ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ تَدْفَعُ الْعَلَانِيَةَ، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ تَأَوَّلَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ هَذَا عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ السِّرِّ عُدُولٌ وَبَيِّنَةُ الْعَلَانِيَةِ غَيْرُ عُدُولٍ، فَحُكِمَ بِالْعُدُولِ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَهْرِ السِّرِّ إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِمَهْرِ الْعَلَانِيَةِ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: إذَا تَكَافَأَتْ الْبَيِّنَاتُ وَقَدْ شَرَطُوا فِي السِّرِّ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْعَلَانِيَةِ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا لَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَلَا يُطَالِبُوهُ بِالظَّاهِرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَبِي حَفْصٍ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لِلسِّرِّ حُكْمًا، قَالَ: وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ شَيْخُنَا: كَلَامُ أَبِي حَفْصٍ الْأَوَّلُ فِيمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ فِي السِّرِّ بِالْمَهْرِ الْقَلِيلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ الْعَلَانِيَةِ، وَكَلَامُهُ الثَّانِي فِيمَا إذَا ثَبَتَ نِكَاحُ الْعَلَانِيَةِ، وَلَكِنْ تَشَارَطُوا أَنَّ مَا يُظْهِرُونَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأُصُولِهِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ وَلَمْ تَثْبُتْ بَيِّنَةٌ وَلَا اعْتِرَافٌ أَنَّ مَهْرَ الْعَلَانِيَةِ سُمْعَةٌ، بَلْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِالْأَكْثَرِ وَادَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُؤْخَذَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إنْشَاءً أَوْ إخْبَارًا؛ فَإِذَا أَقَامَ شُهُودًا يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ تَرَاضَوْا بِدُونِ ذَلِكَ الْبَيِّنَةِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ بِالْأَقَلِّ فِي وَقْتٍ لَا يَمْنَعُ التَّرَاضِيَ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: آخُذُ بِالْعَلَانِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا بِمَا كَانَ أَسَرَّهُ؛ فَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ، وَإِلَّا فَمَا يَجِبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ لَا يُعَلَّلُ بِالْإِشْهَادِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا لَهُ، وَأَمَّا هُوَ فَيُؤْخَذُ بِالْعَلَانِيَةِ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ وَأَنَّ أُولَئِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْوَفَاءُ، وَقَوْلُهُ " يَنْبَغِي " يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ أَكْثَرَ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَحَبِّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ أَيْضًا فِي امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي السِّرِّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ سَوَاءً أُخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَهُوَ فَرْجٌ يُؤْخَذُ بِالْأَكْثَرِ، وَقُيِّدَتْ الْمَسْأَلَةُ بِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا وَأَنَّ كِلَيْهِمَا قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ.
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا فِي السِّرِّ بِأَلْفٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، فَهُنَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَالْجَامِعِ: إنْ تَصَادَقَا عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ لَزِمَ نِكَاحُ السِّرِّ بِمَهْرِ السِّرِّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُتَقَدِّمَ قَدْ صَحَّ وَلَزِمَ،
وَالنِّكَاحُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ سِرٍّ وَعَلَانِيَةٍ أُخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ وَإِنْ كَانَ السِّرُّ قَدْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِهِ، وَهَذَا مَنْصُوصُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ: إنْ تَزَوَّجَتْ فِي الْعَلَانِيَةِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي السِّرِّ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَعُمُومُ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ طَرِيقَتُهُ وَطَرِيقَةُ جَمَاعَةٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا أَظْهَرَاهُ زِيَادَةٌ فِي الْمَهْرِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ لُزُومِهِ لَازِمَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ السِّرُّ هُوَ الْأَكْثَرُ أُخِذَ بِهِ أَيْضًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ " آخُذُ بِالْعَلَانِيَةِ " أَيْ يُؤْخَذُ بِالْأَكْثَرِ، وَلِهَذَا الْقَوْلِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَهُوَ أَنَّ نِكَاحَ السِّرِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكْتُمُوهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بَلْ أَنْصَتُهُمَا؛ فَإِذَا تَوَاصَوْا بِكِتْمَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَتْ الْعِبْرَةُ إنَّمَا هِيَ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي.
فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ مُخْتَلِفُونَ: هَلْ يُؤْخَذُ بِصَدَاقِ الْعَلَانِيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ؟ فِيمَا إذَا كَانَ السِّرُّ تَوَاطُؤًا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، وَإِنْ كَانَ السِّرُّ عَقْدًا فَهَلْ هِيَ كَالَّتِي قَبْلَهَا أَوْ يُؤْخَذُ هُنَا بِالسِّرِّ فِي الْبَاطِنِ بِلَا تَرَدُّدٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ ظَاهِرًا فَقَطْ وَإِنَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا إلَّا بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَمْ يَرِدْ نَقْضًا، وَهَذَا قَوْلٌ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مِنْ تَوَابِعِ النِّكَاحِ وَصِفَاتِهِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ سُمْعَةً كَذِكْرِهِ هَزْلًا وَالنِّكَاحُ جِدُّهُ وَهَزْلُهُ سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ ذِكْرُ مَا هُوَ فِيهِ، يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ حِلَّ الْبُضْعِ مَشْرُوطٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْعَقْدِ، وَالشَّهَادَةُ وَقَعَتْ عَلَى مَا أَظْهَرَهُ؛ فَيَكُونُ وُجُوبُ الْمَشْهُودِ بِهِ شَرْطًا فِي الْحِلِّ.
هَذَا كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَسْأَلَةِ مَهْرِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي كِتَابِ إبْطَالِ التَّحْلِيلِ نَقَلْته بِلَفْظِهِ.
وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِدَّةُ صُوَرٍ هَذِهِ إحْدَاهَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ ثَمَنَ الْمَبِيعِ أَلْفٌ وَيُظْهِرَا فِي الْعَلَانِيَةِ أَنَّ ثَمَنَهُ أَلْفَانِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْقَدِيمِ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمَا: الثَّمَنُ مَا أَظْهَرَاهُ، عَلَى قِيَاسِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الْمَهْرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا أَظْهَرَاهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْجَدِيدِ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي: الثَّمَنُ مَا أَسَرَّاهُ، وَالزِّيَادَةُ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ، وَإِلْحَاقًا لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ، وَإِلْحَاقًا لِلْمَهْرِ بِالنِّكَاحِ، وَجَعَلَا الزِّيَادَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ غَيْرُ لَاحِقَةٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَكْسَ هَذَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْعِبْرَةُ فِي الْجَمِيعِ بِمَا أَسَرَّاهُ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ عَلَى أَنْ يَتَبَايَعَا شَيْئًا بِثَمَنٍ ذَكَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ تَلْجِئَةً لَا حَقِيقَةً لَهُ تَخَلُّصًا مِنْ ظَالِمٍ يُرِيدُ أَخْذَهُ؛ فَهَذَا عَقْدٌ بَاطِلٌ؛ وَإِنْ لَمْ يَقُولَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ " قَدْ تَبَايَعْنَاهُ تَلْجِئَةً " قَالَ الْقَاضِي: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ: لَمْ يَصِحَّ هَذَا النِّكَاحُ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ عِنَبًا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا، قَالَ: وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إنَّهُ إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَ وَهِيَ وَارِثَةٌ فَهَذِهِ قَدْ أَقَرَّ لَهَا وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، يَجُوزُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَلْجِئَةً فَيُرَدُّ، وَنَحْوَ هَذَا نَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَالْمَرْوَزِيُّ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ تَلْجِئَةً حَتَّى يَقُولَا فِي الْعَقْدِ " قَدْ تَبَايَعْنَا هَذَا الْعَقْدَ تَلْجِئَةً " وَمَأْخَذُ مَنْ أَبْطَلَهُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الْعَقْدَ حَقِيقَةً، وَالْقَصْدُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّتِهِ، وَمَأْخَذُ مَنْ يُصَحِّحُهُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَقْدِ، وَالْمُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ.
وَالْأَوَّلُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى وَيَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُقَارِنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّمَا ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الرَّافِعِ لَهُ فَإِنَّ الشَّارِطَ هُنَا يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَهُنَاكَ هُوَ مَقْصُودٌ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَنْ شَرْطٍ مُقَارِنٍ.
الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُظْهِرَا نِكَاحًا تَلْجِئَةً لَا حَقِيقَةً لَهُ؛ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ؛ فَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنَّهُ صَحِيحٌ كَنِكَاحِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْعَقْدِ، بَلْ هَازِلٌ بِهِ، وَنِكَاحُ الْهَازِلِ صَحِيحٌ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ رَفْعَ مُوجَبِهِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا أَوْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ - صَحَّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ؛ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى التَّلْجِئَةِ حَقِيقَتُهُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْقِدَا عَقْدًا لَا يَقْتَضِي مُوجَبَهُ، وَهَذَا لَا يُبْطِلُهُ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَيَتَخَرَّجُ فِي نِكَاحِ التَّلْجِئَةِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ الْمَوْجُودَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الطَّرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِنَا، وَلَوْ شَرَطَا فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ تَلْجِئَةٍ لَا حَقِيقَةٍ لَكَانَ نِكَاحًا بَاطِلًا، وَإِنْ قِيلَ إنَّ فِيهِ خِلَافًا فَإِنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ شَرَطَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ.
الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ عَقْدُ تَحْلِيلٍ، لَا نِكَاحُ رَغْبَةٍ، وَأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ بِهَا طَلَّقَهَا أَوْ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ أَنَّهَا مَتَى اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ يَعْقِدَاهُ مُطْلَقًا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ نِكَاحُ تَحْلِيلٍ لَا نِكَاحُ رَغْبَةٍ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ بَاطِلٌ، لَا تَحِلُّ بِهِ الزَّوْجَةُ لِلْمُطَلِّقِ، وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ اللَّعْنَةِ، مَعَ تَضَمُّنِ زِيَادَةِ الْخِدَاعِ كَمَا سَمَّاهُ السَّلَفُ بِذَلِكَ، وَجَعَلُوا فَاعِلَهُ