المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل المتأخرون هم الذين أحدثوا الحيل] - إعلام الموقعين عن رب العالمين - ط العلمية - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصَلِّ الشَّرْطُ الْعُرْفِيُّ كَالشَّرْطِ اللَّفْظِيِّ]

- ‌[رَدُّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي ضَمَانِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً]

- ‌[تَرْكُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَة فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْعُذْرِ]

- ‌[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْوِتْرِ بِخَمْسٍ مُتَّصِلَةٍ وَسَبْعٍ مُتَّصِلَةٍ]

- ‌[تَغْيِيرِ الْفَتْوَى وَاخْتِلَافِهَا]

- ‌[الشَّرِيعَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ]

- ‌[إنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَشُرُوطُهُ]

- ‌[فَصْلٌ قَطْعِ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ]

- ‌[فَصْلٌ سُقُوطُ الْحَدِّ عَامَ الْمَجَاعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لَا تَتَعَيَّنُ فِي أَنْوَاعٍ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ بَدَلَ الْمُصَرَّاةِ]

- ‌[فَصْلٌ طَوَافُ الْحَائِضِ بِالْبَيْتِ]

- ‌[فَصْلٌ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ]

- ‌[فَصْلٌ مُوجِبَاتُ الْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الطَّلَاقُ حَالَ الْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌[حُكْمِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الشَّكِّ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَالْأَلْفَاظِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ مُضْمَرٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَبِالْحَرَامِ لَهُ صِيغَتَانِ]

- ‌[مَنْشَأُ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَلِفُ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ]

- ‌[فَصَلِّ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْجِيلِ بَعْضِ الْمَهْرِ وَحُكْمُ الْمُؤَجَّلِ]

- ‌[مَهْرُ السِّرِّ وَمَهْرُ الْعَلَنِ]

- ‌[الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ يَقْصِدْ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا مَعَانِيَهَا]

- ‌[شُرُوطُ الْوَاقِفِينَ]

- ‌[أَنْوَاعُ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ وَحُكْمُهَا]

- ‌[فَصْلٌ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ دُونَ الصُّورَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَحْكَامَ تَجْرِي عَلَى الظَّوَاهِرِ]

- ‌[الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يُؤَاخِذُ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْأَلْفَاظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِينَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[تَحْرِيمِ الْحِيَلِ]

- ‌[فَصْلٌ صِيَغُ الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَلَامُ عَلَى الْمُكْرَهِ]

- ‌[فَصْلٌ حَقِيقَةُ الْهَازِلِ وَحُكْمُ عُقُودِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ هُوَ أَكْمَلُ مَا تَأْتِي بِهِ شَرِيعَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامُ الدُّنْيَا تَجْرِي عَلَى الْأَسْبَابِ]

- ‌[مَتَى يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ]

- ‌[فَصْلٌ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُقَارِنُ فِي الْعُقُودِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَدِلَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِ مَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَامِ]

- ‌[فَصْلٌ تَجْوِيزُ الْحِيَلِ يُنَاقِضُ سَدَّ الذَّرِيعَةِ]

- ‌[دَلِيلُ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ وَأَنْوَاعِهَا]

- ‌[فَصْلٌ أَكْثَرُ الْحِيَلِ يُنَاقِضُ أُصُولَ الْأَئِمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ حُجَجُ الَّذِينَ جَوَّزُوا الْحِيَلَ]

- ‌[جَوَابُ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْحِيَلَ]

- ‌[فَصْلٌ الْجَوَابُ عَلَى شُبَهِ الَّذِينَ جَوَّزُوا الْحِيَلَ]

- ‌[فَصْلٌ اشْتِقَاقُ الْحِيلَةِ وَبَيَانُ مَعْنَاهَا]

- ‌[فَصْلٌ انْقِسَامُ الْحِيلَة إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَأَمْثِلَتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْحِيَلُ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الْكَبَائِرِ]

- ‌[إبْطَالُ الْحِيلَةُ عَلَى إسْقَاطِ حَدِّ السَّرِقَةِ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْ الْغَاصِب]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِخْرَاجِ الزَّوْجَةِ مِنْ الْمِيرَاثِ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ كَفَّارَةِ الْمُجَامِعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْحَجِّ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ زَكَاةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ أُخْرَى لِإِبْطَالِ الزَّكَاةِ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِبْطَالِ الشَّهَادَةِ]

- ‌[إبْطَالُ حِيلَةٍ لِضَمَانِ الْبَسَاتِينِ]

- ‌[الْحِيلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَصْلًا]

- ‌[فَصْلٌ بُطْلَانُ الْحِيلَةِ بِالْخُلْعِ لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُتَأَخِّرُونَ هُمْ الَّذِينَ أَحْدَثُوا الْحِيَلَ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَصْحِيحِ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَأْجِيرِ الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِبْرَارِ مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَفْعَلَ مَا لَا يَفْعَلُهُ بِنَفْسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْحَضَانَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِجَعْلِ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ نَافِذَةً]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الشُّفْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَيُّلُ عَلَى إبْطَالِ الْقِسْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَيُّلُ عَلَى تَصْحِيحِ الْمُزَارَعَةِ لِمَنْ يَعْتَقِدُ فَسَادَهَا]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الْأَبِ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ أَرْشِ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيَلٍ لِإِسْقَاطِ حَدِّ السَّرِقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ حَدِّ الزِّنَا]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِبْرَارِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ هَذَا الشَّحْمَ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَعَ الطَّوْلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِيلَةُ فِيمَا إذَا عَلَّى كَافِرٌ بِنَاءَهُ عَلَى مُسْلِمٍ]

- ‌[فَصْلٌ إسْقَاطُ حِيلَةٍ لِإِبْرَاءِ الْغَاصِبِ مِنْ الضَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيَلٍ فِي الْأَيْمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيَلٍ فِي الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَنَحْوِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِحُسْبَانِ الدَّيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ بَيْعِ شَيْءٍ حَلَفَ أَلَّا يَبِيعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حيلة فِي الْإِيمَان]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِتَجْوِيزِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ رَجْعَةِ الْبَائِنِ بِغَيْرِ عِلْمِهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْحِيلَةُ عَلَى وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ حِيلَةِ الْعَقَارِبِ وَإِبْطَالِهَا]

- ‌[فَصْلٌ التَّحَيُّلُ عَلَى جَوَازِ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحْرِمَة إذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ]

- ‌[فَصْلٌ إبْطَالُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[أَقْسَامِ الْحِيَلِ وَمَرَاتِبِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْحِيَلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيَلِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْأَوَّلُ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ دَارًا مُدَّةَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَخَافَ أَنْ يَغْدِرَ بِهِ الْمُكْرِي فِي آخِرِ الْمُدَّةِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّانِي خَوْفُ رَبِّ الدَّارِ غَيْبَةَ الْمُسْتَأْجِرِ وَيَحْتَاجُ إلَى دَارِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّالِثُ أَذِنَ رَبُّ الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَخَافَ أَنْ لَا يُحْتَسَبَ مِنْ الْأُجْرَةِ]

- ‌[الْمِثَالُ الرَّابِعُ خَوْفُ رَبِّ الدَّارِ مِنْ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ تَسْلِيمَهَا]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَامِسُ اسْتِئْجَارُ الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّادِسُ اشْتِرَاطُ الزَّوْجَةِ دَارَهَا أَوْ بَلَدَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّابِعُ تَزَوُّجُ الْمَرْأَةِ بِشَرْطِ أَلَّا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّامِنُ إجَارَةُ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِالزَّرْعِ]

- ‌[الْمِثَالُ التَّاسِعُ اسْتِئْجَار الْأَرْض بِخَرَاجِهَا مَعَ الْأُجْرَةِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْعَاشِرُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ بِعَلَفِهَا]

- ‌[الْمِثَالُ الْحَادِيَ عَشَرَ الْإِجَارَةُ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمُدَّة]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ شِرَاء الْوَكِيل مَا وُكِّلَ فِيهِ لِنَفْسِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ الْحِيلَةُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْإِحْرَامُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَامِسَ عَشَرَ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ]

- ‌[الْمِثَال السَّادِسَ عَشْر الْحِيلَة لِلْبِرِّ فِي يَمِينٍ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّابِعَ عَشَر ادِّعَاءُ الْمَرْأَةِ نَفَقَةً مَاضِيَةً]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّامِنَ عَشَرَ شِرَاءُ مَعِيبٍ ثُمَّ تَعَيُّبُهُ عِنْد الْمُشْتَرِي]

- ‌[الْمِثَالُ التَّاسِعَ عَشَرَ إبراء الغريم فِي مَرَضِ الْمَوْتِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ الْحِيلَةُ لِنَفَاذِ عِتْقِ عَبْدِهِ مَعَ خَوْفِهِ جَحْدَ الْوَرَثَةِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ دَيْنٌ عَلَى الْمَوْرُوثِ وَأَحَبَّ أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ ابْنَتِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ إذَا كَانَ مُوَلِّيهِ سَفِيهًا إنْ زَوَّجَهُ طَلَّقَ وَإِنْ سَرَّاهُ أَعْتَقَ وَإِنْ أَهْمَلَهُ فَسَقَ]

- ‌[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ تَزْوِيجُ عَبْدِهِ جَارِيَةً بَعْدَ أَنْ حَلَفَ لَا يُزَوِّجُهُ إيَّاهَا]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ وَالْفُلُوسِ هَلْ تَصِحّ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ بِبَعْضِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فَالْحِيلَةُ عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ]

- ‌[فَصْل الْحِيلَةُ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْحَالِ بِبَعْضِهِ مُؤَجَّلًا]

- ‌[الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ اخْتِلَاف الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فِي ثَمَنِ مَا وَكَّلَهُ فِي شِرَائِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ الْحِيلَةُ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْ الْمُودِعِ]

- ‌[الْمِثَال التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ الْحِيلَةُ فِي تَضْمِينِ الرَّاهِنِ تَلَفَ الْمَرْهُونِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي سُقُوطِ ضَمَانِ الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ إذَا أَجَّلَهَا]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ]

- ‌[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ الْمُخَلِّصَةُ مِنْ لَدْغِ الْمُخَادِعِ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ]

- ‌[الْمِثَال التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ تَسْوِيغِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي إلَّا لِمَنْ بَاعَهُ]

- ‌[الْمِثَالُ الْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي تَجْوِيزِ شَهَادَةِ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي تَجْوِيزِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ حِنْثِ الْحَالِفِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ عَمَّنْ قَتَلَ زَوْجَتَهُ الَّتِي لَاعَنَهَا أَوْ قَتَلَ وَلَدَهَا]

- ‌[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ وَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ ثُمَّ عَادَ فَادَّعَاهُ]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي تَجْوِيزِ نَظَرِ الْوَاقِفِ عَلَى وَقْفِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ لِتَجْوِيزِ وَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ مَنْفَعَتِهِ مُدَّةً]

- ‌[الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي الشِّرَاءِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي الْوَكَالَةِ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[المثال الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ إسْلَامُ ذِمِّيٍّ وَعِنْدَهُ خَمْرٌ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ الْحِيَلُ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ بِالشَّرْطِ]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي إبْطَالِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى]

- ‌[الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ مِنْ الْحِنْثِ]

- ‌[الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي بِرِّ زَوْجٍ وَزَوْجَتِهِ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ أَخَوَانِ زُفَّتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا زَوْجَةُ الْآخَرِ]

- ‌[الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ الْحِيلَةُ فِي تَخَلُّصِ الْمَرْأَة مِنْ الزَّوْجِ الَّذِي لَا تَرْضَى بِهِ]

- ‌[الْمِثَالُ السِّتُّونَ ضَمَانُ مَا لَا يَجِبُ]

- ‌[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ الْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ مِمَّا سَبَقَ بِهِ اللِّسَانُ]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوب]

- ‌[الْمِثَالُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ نَفَقَةُ الْمَبْتُوتَةِ وَسُكْنَاهَا]

- ‌[الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ الضَّمَانُ وَأَثَرُهُ]

- ‌[الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ هَلْ يَجُوزُ إبْهَامُ الْإِجَارَةِ]

الفصل: ‌[فصل المتأخرون هم الذين أحدثوا الحيل]

وَإِنَّمَا أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْحِيَلِ وَقَوَاعِدِهَا، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ بُطْلَانِ الْحِيَلِ؛ فَإِنَّهَا لَا تَتَمَشَّى عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَلَا أُصُولِ الْأَئِمَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا - بَلْ أَكْثَرُهَا - مِنْ تَوْلِيدَاتِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَّا الْأَئِمَّةَ وَتَفْرِيعَهُمْ، الْأَئِمَّةُ بَرَاءٌ مِنْهَا.

[فَصْلٌ بُطْلَانُ الْحِيلَةِ بِالْخُلْعِ لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ]

فَصْلٌ

[بُطْلَانُ الْحِيلَةِ بِالْخُلْعِ لِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ]

وَمِنْ الْحِيَلِ الْبَاطِلَةِ الْحِيلَةُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ الْحِنْثِ بِالْخُلْعِ، ثُمَّ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى النِّكَاحِ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ بَاطِلَةٌ شَرْعًا، وَبَاطِلَةٌ عَلَى أُصُولِ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ: أَمَّا بُطْلَانُهَا شَرْعًا فَإِنَّ هَذَا خُلْعٌ لَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ، وَهُوَ تَعَالَى لَمْ يُمَكِّنْ الزَّوْجَ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ مَتَى شَاءَ؛ فَإِنَّهُ لَازِمٌ، وَإِنَّمَا مَكَّنَهُ مِنْ الطَّلَاقِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فَسْخُهُ إلَّا عِنْدَ التَّشَاجُرِ وَالتَّبَاغُضِ إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، فَشَرَعَ لَهُمَا التَّخَلُّصَ بِالِافْتِدَاءِ؛ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا زَمَنِ أَصْحَابِهِ قَطُّ خُلْعُ حِيلَةٍ، وَلَا فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِيهِمْ، وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجَعَلَهُ طَرِيقًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْحِنْثِ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ فِقْهِهِمْ رضي الله عنهم فَإِنَّ الْخُلْعَ إنَّمَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ مُقْتَضِيًا لِلْبَيْنُونَةِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الْمَرْأَةِ مِنْ الِافْتِدَاءِ مِنْ زَوْجِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مَقْصُودَهَا إذَا قَصَدَتْ أَنْ تُفَارِقَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، فَإِذَا حَصَلَ هَذَا ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَقَعَ وَلَيْسَتْ زَوْجَتَهُ فَلَا يَحْنَثُ، وَهَذَا إنَّمَا حَصَلَ تَبَعًا لِلْبَيْنُونَةِ التَّابِعَةِ لِقَصْدِهِمَا، فَإِذَا خَالَعَهَا لِيَفْعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمَا الْبَيْنُونَةَ، بَلْ حَلَّ الْيَمِينُ، وَحَلُّ الْيَمِينِ إنَّمَا يَحْصُلُ تَبَعًا لِلْبَيْنُونَةِ لَا أَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْخُلْعِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خُلْعُ الْحِيلَةِ فَجَاءَتْ الْبَيْنُونَةُ فِيهِ لِأَجْلِ [حَلِّ] الْيَمِينِ، وَحَلُّ الْيَمِينِ جَاءَ لِأَجْلِ الْبَيْنُونَةِ؛ فَلَيْسَ عَقْدُ الْخُلْعِ بِمَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ لِلرَّجُلِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُشَرِّعُ عَقْدًا لَا يَقْصِدُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَقِيقَتَهُ، وَإِنَّمَا يَقْصِدَانِ بِهِ ضِدَّ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُ؛ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِتَخْلُصَ الْمَرْأَةُ مِنْ الزَّوْجِ، وَالْمُتَحَيِّلُ يَفْعَلُهُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ فَالشَّارِعُ شَرَعَهُ لِقَطْعِ النِّكَاحِ، وَالْمُتَحَيِّلُ يَفْعَلُهُ لِدَوَامِ النِّكَاحِ.

[فَصْلٌ الْمُتَأَخِّرُونَ هُمْ الَّذِينَ أَحْدَثُوا الْحِيَلَ]

. فَصْلٌ

[الْمُتَأَخِّرُونَ هُمْ الَّذِينَ أَحْدَثُوا الْحِيَلَ وَنَسَبُوهَا إلَى الْأَئِمَّةِ]

وَالْمُتَأَخِّرُونَ أَحْدَثُوا حِيَلًا لَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَنَسَبُوهَا إلَى الْأَئِمَّةِ، وَهُمْ مُخْطِئُونَ فِي نِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ، وَلَهُمْ مَعَ الْأَئِمَّةِ مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ.

وَمَنْ عَرَفَ سِيرَةَ الشَّافِعِيِّ وَفَضْلَهُ وَمَكَانَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِفِعْلِ الْحِيَلِ، وَلَا بِالدَّلَالَةِ

ص: 218

عَلَيْهَا، وَلَا كَانَ يُشِيرُ عَلَى مُسْلِمٍ بِهَا.

وَأَكْثَرُ الْحِيَلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُنْتَسِبُونَ إلَى مَذْهَبِهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ، تَلَقَّوْهَا عَنْ الْمَشْرِقِيِّينَ، وَأَدْخَلُوهَا فِي مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجْرِي الْعُقُودَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى قَصْدِ الْعَاقِدِ وَنِيَّتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ كَلَامِهِ، فَحَاشَاهُ ثُمَّ حَاشَاهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْكَذِبِ وَالْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ وَالِاحْتِيَالِ وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ مَا يَتَيَقَّنُ أَنَّ بَاطِنَهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ، وَلَا يُظَنُّ بِمَنْ دُونَ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَنَّهُ يَأْمُرُ أَوْ يُبِيحُ ذَلِكَ؛ فَالْفَرْقُ [ظَاهِرٌ] بَيْنَ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الْقَصْدَ فِي الْعَقْدِ وَيُجْرِيَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَوِّغَ عَقْدًا قَدْ عُلِمَ بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ بَاطِنَهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ.

فَوَاَللَّهِ مَا سَوَّغَ الشَّافِعِيُّ وَلَا إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ هَذَا الْعَقْدَ قَطُّ، وَمَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَهُمْ خُصَمَاؤُهُ عِنْدَ اللَّهِ؛ فَاَلَّذِي سَوَّغَهُ الْأَئِمَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ يُجْرِي الْأَحْكَامَ عَلَى ظَاهِرِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَإِنْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ شُهُودَ زُورٍ، وَاَلَّذِي سَوَّغَهُ أَصْحَابُ الْحِيَلِ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ فِي الْبَاطِنِ شُهُودُ زُورٍ كَذَبَةٌ وَأَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِظَاهِرِ عَدَالَتِهِمْ.

وَهَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَيْنَةِ: إنَّمَا جَوَّزَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ جَرْيًا عَلَى ظَاهِرِ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ وَسَلَامَتِهَا مِنْ الْمَكْرِ وَالْخِدَاعِ، وَلَوْ قِيلَ لِلشَّافِعِيِّ:" إنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَدْ تَوَاطَآ عَلَى أَلْفٍ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، وَتَرَاوَضَا عَلَى ذَلِكَ، وَجَعَلَا السِّلْعَةَ مُحَلَّلًا لِلرِّبَا " لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ، وَلَأَنْكَرَهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ.

وَلَقَدْ كَانَ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يُحْكَى عَنْهُ الْإِفْتَاءُ بِالْحِيَلِ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ: سَأَلْتُ أَبَا بَكْرٍ الْآجُرِّيَّ وَأَنَا وَهُوَ بِمَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ عَنْ هَذَا الْخُلْعِ الَّذِي يُفْتِي بِهِ النَّاسَ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: اخْلَعْ زَوْجَتَكَ وَافْعَلْ مَا حَلَفْتَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَاجِعْهَا، وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا، وَقُلْتُ لَهُ: إنَّ قَوْمًا يُفْتُونَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يُحِلُّ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَيَحْنَثُ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَذْكُرُونَ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَرَ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ شَيْئًا، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَعْجَبُ مِنْ سُؤَالِي عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: مُنْذُ كَتَبْتُ الْعِلْمَ وَجَلَسْتُ لِلْكَلَامِ فِيهِ وَلِلْفَتْوَى مَا أَفْتَيْتُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِحَرْفٍ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا سَأَلْتَنِي عَنْ التَّعَجُّبِ مِمَّنْ يُقْدِمُ عَلَى الْفَتْوَى فِيهِمَا، فَأَجَابَنِي فِيهِمَا بِجَوَابٍ كَتَبْتُهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَامَ فَأَخْرَجَ لِي كِتَابَ أَحْكَامِ الرَّجْعَةِ وَالنُّشُوزِ مِنْ كِتَابِ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا مَكْتُوبٌ عَلَى ظَهْرِهِ بِخَطِّ أَبِي بَكْرٍ:

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَقُلْتُ لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ يُفْتُونَ فِيهَا بِالْخُلْعِ، يُخَالِعُ ثُمَّ يَفْعَلُ، فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا بَلَغَنِي أَنَّ لَهُ فِي هَذَا قَوْلًا

ص: 219

مَعْرُوفًا، وَلَا أَرَى مَنْ يَذْكُرُ هَذَا عَنْهُ إلَّا مُحِيلًا. وَالزُّبَيْرِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلَهُ وَتَنْزِيهَهُ لِلشَّافِعِيِّ عَنْ خُلْعِ الْيَمِينِ فَكَيْفَ بِحِيَلِ الرِّبَا الصَّرِيحِ وَحِيَلِ التَّحْلِيلِ وَحِيَلِ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَالْحُقُوقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ؟

فَصْلٌ

وَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ الْمُنَاقِضَةِ لِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ، وَبَيَانُ نَفْيِهَا عَنْ الدِّينِ وَإِخْرَاجِهَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْخَلَهَا فِيهِ مَنْ أَدْخَلَهَا بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ.

[مِنْ فَضْلِ الْأَئِمَّةِ]

وَالثَّانِي: مَعْرِفَةُ فَضْلِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَقَادِيرِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ، وَأَنَّ فَضْلَهُمْ وَعِلْمَهُمْ وَنُصْحَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ كُلِّ مَا قَالُوهُ، وَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوِيهِمْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَفِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَالُوا بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ وَالْحَقُّ فِي خِلَافِهَا لَا يُوجِبُ إطْرَاحَ أَقْوَالِهِمْ جُمْلَةً وَتَنَقُّصَهُمْ وَالْوَقِيعَةَ فِيهِمْ؛ فَهَذَانِ طَرَفَانِ جَائِرَانِ عَنْ الْقَصْدِ، وَقَصْدُ السَّبِيلِ بَيْنَهُمَا، فَلَا نُؤَثِّمُ وَلَا نَعْصِمُ، وَلَا نَسْلُكُ بِهِمْ مَسْلَكَ الرَّافِضَةِ فِي عَلِيٍّ وَلَا مَسْلَكَهُمْ فِي الشَّيْخَيْنِ، بَلْ نَسْلُكُ مَسْلَكَهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَثِّمُونَهُمْ وَلَا يَعْصِمُونَهُمْ، وَلَا يَقْبَلُونَ كُلَّ أَقْوَالِهِمْ وَلَا يُهْدِرُونَهَا.

فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَسْلَكًا يَسْلُكُونَهُ هُمْ فِي الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ؟ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَنَافَيَانِ عِنْدَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: جَاهِلٍ بِمِقْدَارِ الْأَئِمَّةِ وَفَضْلِهِمْ، أَوْ جَاهِلٍ بِحَقِيقَةِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، وَمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالشَّرْعِ وَالْوَاقِعِ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الرَّجُلَ الْجَلِيلَ الَّذِي لَهُ فِي الْإِسْلَامِ قَدَمٌ صَالِحٌ وَآثَارٌ حَسَنَةٌ وَهُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِمَكَانٍ قَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْهَفْوَةُ وَالزَّلَّةُ هُوَ فِيهَا مَعْذُورٌ بَلْ وَمَأْجُورٌ لِاجْتِهَادِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْبَعَ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُهْدَرَ مَكَانَتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَمَنْزِلَتُهُ مِنْ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فَنَاظَرُونِي فِي النَّبِيذِ الْمُخْتَلِفِ فِيهِ، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَعَالَوْا فَلْيَحْتَجَّ الْمُحْتَجُّ مِنْكُمْ عَمَّنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالرُّخْصَةِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الرَّدَّ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِسَنَدٍ صَحَّتْ عَنْهُ، فَاحْتَجُّوا فَمَا جَاءُوا عَنْ أَحَدٍ بِرُخْصَةٍ إلَّا جِئْنَاهُمْ بِسَنَدٍ، فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ فِي يَدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ احْتِجَاجُهُمْ عَنْهُ فِي شِدَّةِ النَّبِيذِ بِشَيْءٍ يَصِحُّ عَنْهُ، إنَّمَا يَصِحُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَبِذْ لَهُ فِي الْجَرِّ الْأَخْضَرِ.

قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ:

ص: 220

فَقُلْتُ لِلْمُحْتَجِّ عَنْهُ فِي الرُّخْصَةِ: يَا أَحْمَقُ، عُدْ إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ لَوْ كَانَ هَاهُنَا جَالِسًا فَقَالَ: هُوَ لَكَ حَلَالٌ، وَمَا وَصَفْنَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فِي الشِّدَّةِ كَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَحْذَرَ وَتَخْشَى. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ - وَسَمَّى عِدَّةً مَعَهُمَا - كَانُوا يَشْرَبُونَ الْحَرَامَ؟ فَقُلْتُ لَهُمْ: دَعُوا عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ تَسْمِيَةَ الرِّجَالِ، فَرُبَّ رَجُلٍ فِي الْإِسْلَامِ مَنَاقِبُهُ كَذَا وَكَذَا، وَعَسَى أَنْ تَكُونَ مِنْهُ زَلَّةٌ، أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَا؟ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَمَا قَوْلُكُمْ فِي عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ؟ قَالُوا: كَانُوا خِيَارًا، قُلْتُ: فَمَا قَوْلُكُمْ فِي الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ؟ قَالُوا: حَرَامٌ، فَقُلْتُ: إنَّ هَؤُلَاءِ رَأَوْهُ حَلَالًا، أَفَمَاتُوا وَهُمْ يَأْكُلُونَ الْحَرَامَ؟ فَبُهِتُوا وَانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُمْ.

قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: رَآنِي أَبِي وَأَنَا أَنْشُدُ الشِّعْرَ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَا تَنْشُدُ الشِّعْرَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَانَ الْحَسَنُ يُنْشِدُ الشِّعْرَ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُنْشِدُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إنْ أَخَذْتُ بِشَرِّ مَا فِي الْحَسَنِ وَبِشَرِّ مَا فِي ابْنِ سِيرِينَ اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَعْيَانِ الْأَئِمَّةِ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا وَلَهُ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ خَفِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا السُّنَّةُ.

قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَوَّلِ اسْتِذْكَارِهِ.

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَا يُحْصَى، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَغُضُّ مِنْ أَقْدَارِهِمْ، وَلَا يُسَوِّغُ اتِّبَاعَهُمْ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: إنْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا إجْمَاعٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا يَنْبَغِي تَأَمُّلُهُ.

فَرَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنِّي لَأَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي مِنْ أَعْمَالٍ ثَلَاثَةٍ، قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنِّي أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ، وَمِنْ حُكْمِ الْجَائِرِ، وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ» .

وَقَالَ زِيَادُ بْنُ حُدَيْرٍ: قَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ: زَلَّةُ عَالِمٍ، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ.

ص: 221

وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ زَلَّةَ الْعَالِمِ وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ حَقٌّ، وَعَلَى الْقُرْآنِ مَنَارٌ كَأَعْلَامِ الطَّرِيقِ.

وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ، قَلَّمَا يُخْطِئُهُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ، اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ، هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ، إنَّ وَرَاءَكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ، وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ، حَتَّى يَقْرَأَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ، فَيُوشِكُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُولَ: قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَمَا أَظُنُّ أَنْ يَتْبَعُونِي حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ، فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتَدَعَ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَإِيَّاكُمْ وَزَيْغَةَ الْحَكِيمِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ بِكَلِمَةِ الضَّلَالَةِ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ، فَتَلَقَّوْا الْحَقَّ عَمَّنْ جَاءَ بِهِ، فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا، قَالُوا: كَيْفَ زَيْغَةُ الْحَكِيمِ؟ قَالَ: هِيَ كَلِمَةٌ تَرُوعُكُمْ وَتُنْكِرُونَهَا وَتَقُولُونَ مَا هَذِهِ، فَاحْذَرُوا زَيْغَتَهُ، وَلَا تَصُدَّنَّكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَفِيءَ وَيُرَاجِعَ الْحَقَّ، وَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانُهُمَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا.

وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: كَيْفَ أَنْتُمْ عِنْدَ ثَلَاثٍ: زَلَّةِ عَالِمٍ، وَجِدَالِ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَدُنْيَا تَقْطَعُ أَعْنَاقَكُمْ؟ فَأَمَّا زَلَّةُ الْعَالِمِ فَإِنْ اهْتَدَى فَلَا تُقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ وَتَقُولُونَ نَصْنَعُ مِثْلَ مَا يَصْنَعُ فُلَانٌ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَا تَقْطَعُوا إيَاسَكُمْ مِنْهُ فَتُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ وَأَمَّا مُجَادَلَةُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ لِلْقُرْآنِ مَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَخُذُوا وَمَا لَمْ تَعْرِفُوا فَكِلُوهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا دُنْيَا تَقْطَعُ أَعْنَاقَكُمْ فَانْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ دُونَكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيْلٌ لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ، قِيلَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يَقُولُ الْعَالِمُ شَيْئًا بِرَأْيِهِ ثُمَّ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتْرُكُ قَوْلَهُ ثُمَّ يَمْضِي الْأَتْبَاعُ، ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ الْآثَارَ كُلَّهَا وَغَيْرَهُ.

فَإِنْ كُنَّا قَدْ حَذَّرْنَا زَلَّةَ الْعَالِمِ وَقِيلَ لَنَا: إنَّهَا مِنْ أَخْوَفِ مَا يُخَافُ عَلَيْنَا، وَأُمِرْنَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا نَرْجِعَ عَنْهُ، فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَتْهُ مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يَحْكِيَهَا لِمَنْ يَتَقَلَّدُهَا، بَلْ يَسْكُتُ عَنْ ذِكْرِهَا إنْ تَيَقَّنَ صِحَّتَهَا، وَإِلَّا تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهَا؛ فَكَثِيرًا مَا يُحْكَى عَنْ الْأَئِمَّةِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ يُخَرِّجُهَا بَعْضُ الْأَتْبَاعِ عَلَى قَاعِدَةٍ مَتْبُوعِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْإِمَامَ لَوْ رَأَى أَنَّهَا تُفْضِي إلَى ذَلِكَ لَمَا الْتَزَمَهَا، وَأَيْضًا فَلَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَازِمُ النَّصِّ حَقًّا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّنَاقُضُ، فَلَازِمُ قَوْلِهِ حَقٌّ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الشَّيْءَ وَيَخْفَى عَلَيْهِ لَازِمُهُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا لَازِمُهُ لَمَا قَالَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَذْهَبُهُ، وَيَقُولُ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَكُلُّ مَنْ

ص: 222

لَهُ عِلْمٌ بِالشَّرِيعَةِ وَقَدْرِهَا وَبِفَضْلِ الْأَئِمَّةِ وَمَقَادِيرِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَوَرَعِهِمْ وَنَصِيحَتِهِمْ لِلدِّينِ تَيَقَّنَ أَنَّهُمْ لَوْ شَاهَدُوا أَمْرَ هَذِهِ الْحِيَلِ وَمَا - أَفَضْتَ إلَيْهِ مِنْ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ لَقَطَعُوا بِتَحْرِيمِهَا.

وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ أَفْتَوْا مِنْ الْعُلَمَاءِ بِبَعْضِ مَسَائِلِ الْحِيَلِ وَأَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ قَوَاعِدِهِمْ لَوْ بَلَغَهُمْ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ لَرَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ يَقِينًا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْإِنْصَافِ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرْجِعُ عَنْ رَأْيِهِ بِدُونِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لِسَانُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ لِسَانُ الْجَمَاعَةِ كُلِّهِمْ، وَمِنْ الْأُصُولِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْأَئِمَّةُ أَنَّ أَقْوَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُنْتَشِرَةِ لَا تُتْرَكُ إلَّا بِمِثْلِهَا. يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِتَحْرِيمِ الْحِيَلِ قَطْعِيٌّ لَيْسَ مِنْ مَسَالِكِ الِاجْتِهَادِ؛ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ مَسَالِكِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَتَكَلَّمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَالْأَئِمَّةُ فِي أَرْبَابِ الْحِيَلِ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الْغَلِيظِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْهُ الْيَسِيرَ مِنْ الْكَثِيرِ، وَقَدْ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ؛ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ يُفْتِي بِهَا، وَيَجِبُ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَلَا يَجُوزُ الدَّلَالَةُ لِلْمُقَلِّدِ عَلَى مَنْ يُفْتِي بِهَا، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، كَمَا أَنَّ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ وَالنَّبِيذِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ فِي مَسْأَلَةِ الْحُشُوشِ وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ بَلْ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلِفَ فِيهِ حُدَّ، وَهَذَا فَوْقَ الْإِنْكَارِ بِاللِّسَانِ، بَلْ عِنْدَ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُفَسَّقُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: لَا إنْكَارَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا يُعْلَمُ إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ قَالَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ الزِّنَا يُقْتَلُ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ لَا يَرَوْنَ خِلَاف أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ وَابْنَتَهُ أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ بِشُبْهَةٍ دَرَاءَةٍ لِلْحَدِّ، بَلْ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه يُقْتَلُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا فِي هَذَا، مَعَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ مَعَهُمْ سُنَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً، وَأَرْبَابُ الْحِيَلِ لَيْسَ مَعَهُمْ سُنَّةٌ، وَلَا أَثَرٌ عَنْ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ.

[خَطَأُ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا إنْكَارَ فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ]

وَقَوْلُهُمْ: " إنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ لَا إنْكَارَ فِيهَا " لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ إمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقَوْلِ وَالْفَتْوَى أَوْ الْعَمَلِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ يُخَالِفُ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا شَائِعًا وَجَبَ

ص: 223

إنْكَارُهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّ بَيَانَ ضَعْفِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ إنْكَارُ مِثْلِهِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَإِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ وَجَبَ إنْكَارُهُ بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الْإِنْكَارِ، وَكَيْفَ يَقُولُ فَقِيهٌ لَا إنْكَارَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَالْفُقَهَاءُ مِنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ قَدْ صَرَّحُوا بِنَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ؟ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهَا مَسَاغٌ لَمْ تُنْكَرْ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهَا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا.

وَإِنَّمَا دَخَلَ هَذَا اللَّبْسُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَائِلَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ هِيَ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ، كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُمْ تَحْقِيقٌ فِي الْعِلْمِ.

وَالصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وُجُوبًا ظَاهِرًا مِثْلَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ فَيُسَوَّغُ فِيهَا - إذَا عُدِمَ فِيهَا الدَّلِيلُ الظَّاهِرُ الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ - الِاجْتِهَادُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَوْ لِخَفَاءِ الْأَدِلَّةِ فِيهَا، وَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْعَالِمِ:" إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ أَوْ يَقِينِيَّةٌ، وَلَا يُسَوَّغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ " طَعْنٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا، وَلَا نِسْبَةٌ لَهُ إلَى تَعَمُّدِ خِلَافِ الصَّوَابِ وَالْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ وَالْخَلْفُ وَقَدْ تَيَقَّنَّا صِحَّةَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا كَثِيرٌ مِثْلَ كَوْنِ الْحَامِلِ تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَأَنَّ إصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي شَرْطٌ فِي حِلِّهَا لِلْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْغُسْلَ يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَأَنَّ رِبَا الْفَضْلِ حَرَامٌ، وَأَنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ، وَأَنَّ النَّبِيذَ الْمُسْكِرَ حَرَامٌ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ، وَأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ حَضَرًا وَسَفَرًا، وَأَنَّ السُّنَّةَ فِي الرُّكُوعِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ دُونَ التَّطْبِيقِ، وَأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ، وَأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ وَأَنَّ الْوَقْتَ صَحِيحٌ لَازِمٌ، وَأَنَّ دِيَةَ الْأَصَابِعِ سَوَاءٌ، وَأَنَّ يَدَ السَّارِقِ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَأَنَّ الْخَاتَمَ مِنْ حَدِيدٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، وَأَنَّ التَّيَمُّمَ إلَى الْكُوعَيْنِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزٌ، وَأَنَّ صِيَامَ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَأَنَّ الْحَاجَّ يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَأَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ اسْتِدَامَةُ الطِّيبِ دُونَ ابْتِدَائِهِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.

وَأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ، وَأَنَّ الْمُصَرَّاةَ يُرَدُّ مَعَهَا عِوَضُ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَأَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ بِرُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَأَنَّ الْقَضَاءَ جَائِزٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، إلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِنَقْضِ حُكْمِ مَنْ حَكَمَ بِخِلَافِ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، مِنْ غَيْرِ طَعْنٍ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ قَالَ بِهَا.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا عُذْرَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ بَلَغَهُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ هَذَا الْبَابِ

ص: 224