الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ انْقِسَامُ الْحِيلَة إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَأَمْثِلَتِهَا]
انْقِسَامُ الْحِيلَةُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَأَمْثِلَتِهَا]
وَإِذَا قُسِمَتْ بِاعْتِبَارِهَا لُغَةً انْقَسَمَتْ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ؛ فَإِنَّ مُبَاشَرَةَ الْأَسْبَابِ الْوَاجِبَةِ حِيلَةٌ عَلَى حُصُولِ مُسَبِّبَاتِهَا؛ فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَاللُّبْسُ وَالسَّفَرُ الْوَاجِبُ حِيلَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَالْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ وَاجِبُهَا وَمُسْتَحَبُّهَا وَمُبَاحُهَا كُلُّهَا حِيلَةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْأَسْبَابُ الْمُحَرَّمَةُ كُلُّهَا حِيلَةٌ عَلَى حُصُولِ مَقَاصِدِهَا مِنْهَا، وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي الْحِيلَةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ مَوْرِدُ التَّقْسِيمِ إلَى مُبَاحٍ وَمَحْظُورٍ؛ فَالْحِيلَةُ جِنْسٌ تَحْتَهُ التَّوَصُّلُ إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ، وَتَرْكِ الْمُحَرَّمِ، وَتَخْلِيصُ الْحَقِّ، وَنَصْرُ الْمَظْلُومِ، وَقَهْرُ الظَّالِمِ، وَعُقُوبَةُ الْمُعْتَدِي، وَتَحْتَهُ التَّوَصُّلُ إلَى اسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمِ، وَإِبْطَالِ الْحُقُوقِ، وَإِسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتْ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْحِيَلِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى النَّوْعِ الْمَذْمُومِ، وَكَمَا يَذُمُّ النَّاسُ أَرْبَابَ الْحِيَلِ فَهُمْ يَذُمُّونَ أَيْضًا الْعَاجِزَ الَّذِي لَا حِيلَةَ عِنْدَهُ لِعَجْزِهِ وَجَهْلِهِ بِطُرُقِ تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ، فَالْأَوَّلُ مَاكِرٌ مُخَادِعٌ، وَالثَّانِي عَاجِزٌ مُفَرِّطٌ، وَالْمَمْدُوحُ غَيْرُهُمَا، وَهُوَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِطُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ خَفِيِّهَا وَظَاهِرِهَا فَيُحْسِنُ التَّوَصُّلَ إلَى مَقَاصِدِهِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ، وَيَعْرِفُ طُرُقَ الشَّرِّ الظَّاهِرَةِ وَالْخَفِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى خِدَاعِهِ وَالْمَكْرِ بِهِ فَيَحْتَرِزَ مِنْهَا وَلَا يَفْعَلُهَا وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ كَانَتْ حَالُ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ النَّاسِ قُلُوبًا، وَأَعْلَمَ الْخَلْقِ بِطُرُقِ الشَّرِّ وَوُجُوهِ الْخِدَاعِ، وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَرْتَكِبُوا مِنْهَا شَيْئًا أَوْ يُدْخِلُوهُ فِي الدِّينِ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: لَسْتُ بِخِبٍّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ، وَكَانَ حُذَيْفَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالشَّرِّ وَالْفِتَنِ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْرِ، وَكَانَ هُوَ يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ، وَالْقَلْبُ السَّلِيمُ لَيْسَ هُوَ الْجَاهِلُ بِالشَّرِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ، بَلْ الَّذِي يَعْرِفُهُ وَلَا يُرِيدُهُ، بَلْ يُرِيدُ الْخَيْرَ وَالْبِرَّ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَمَّى الْحَرْبَ خُدْعَةً، وَلَا رَيْبَ فِي انْقِسَامِ الْخِدَاعِ إلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِلَى مَا يُبْغِضُهُ وَيَنْهَى عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْمَكْرُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: مَحْمُودٌ، وَمَذْمُومٌ؛ فَالْحِيلَةُ وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ تَنْقَسِمُ إلَى مَحْمُودٍ وَمَذْمُومٍ.
فَالْحِيَلُ الْمُحَرَّمَةُ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كَبِيرَةٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ صَغِيرَةٌ، وَغَيْرُ الْمُحَرَّمَةِ مِنْهَا مَا هُوَ مَكْرُوهٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ جَائِزٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ؛ فَالْحِيلَةُ بِالرِّدَّةِ عَلَى فَسْخِ النِّكَاحِ كُفْرٌ، ثُمَّ إنَّهَا لَا تَتَأَتَّى إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَعْجِيلِ الْفَسْخِ بِالرِّدَّةِ، فَأَمَّا مَنْ وَقَفَهُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَتِمُّ لَهَا غَرَضُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؛ فَإِنَّهَا مَتَى عُلِمَ بِرِدَّتِهَا قُتِلَتْ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، بَلْ يَحْبِسُهَا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ، وَكَذَلِكَ التَّحَيُّلُ بِالرِّدَّةِ عَلَى حِرْمَانِ الْوَارِثِ كُفْرٌ، وَالْإِفْتَاءُ بِهَا كُفْرٌ،