الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قِيلَ: الضَّامِنُ فَرْعٌ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَنْبَنِي الضَّمَانُ وَيَتَفَرَّعُ؟ قِيلَ: إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا إذَا ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَإِلَّا فِي الْحَالِ فَلَيْسَ هُوَ ضَامِنًا. وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ:" هُوَ ضَامِنٌ بِالْقُوَّةِ " فَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ ضَمَانٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمِثَالُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ الْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ مِمَّا سَبَقَ بِهِ اللِّسَانُ]
[حِيلَةٌ فِي الْخَلَاصِ مِمَّا سَبَقَ بِهِ اللِّسَانُ]
الْمِثَالُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: إذَا سَبَقَ لِسَانُهُ بِمَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يُرِدْ مَعْنَاهُ، أَوْ أَرَادَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَتَابَ مِنْهُ، أَوْ خَافَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ شُهُودُ زُورٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، فَرُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ وَادُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ شَهِدُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَا يَرَى قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ، فَالْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ أَنْ لَا يُقِرَّ بِهِ وَلَا يُنْكِرَ، فَيَشْهَدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ، بَلْ يَكْفِيه فِي الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ:" إنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ رَجَعْت عَنْهُ، وَأَنَا تَائِبٌ إلَى اللَّهِ مِنْهُ " وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَكْتَفِي مِنْك بِهَذَا الْجَوَابِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّ هَذَا جَوَابٌ كَافٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَتَكْلِيفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ خُطَّةَ الْخَسْفِ بِالْإِقْرَارِ - وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا فِيهِ، أَوْ الْإِنْكَارِ وَقَدْ تَابَ مِنْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ الشُّهُودُ - ظُلْمٌ وَبَاطِلٌ؛ فَلَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُ بَعْدَ هَذَا هَلْ وَقَعَ مِنْك ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقَعْ؟ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ فَقَالَ:" لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ لَا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مُنْذُ عَقَلْت وَإِلَى الْآنَ " لَمْ يُسْتَكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ، وَلَمْ يُسْأَلْ لَا هُوَ وَلَا الشُّهُودُ عَنْ سَبَبِ رِدَّتِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ:" إنْ كُنْت قُلْته فَأَنَا تَائِبٌ إلَى اللَّهِ مِنْهُ " أَوْ " قَدْ تُبْت مِنْهُ " فَقَدْ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ، وَلَمْ يُكْشَفْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
[هَلْ تُعَلَّقُ التَّوْبَةُ بِالشَّرْطِ؟]
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلتَّوْبَةِ أَوْ الْإِسْلَامِ بِالشَّرْطِ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ.
قِيلَ: هَذَا مِنْ قِلَّةِ فِقْهِ مُورِدِهِ؛ فَإِنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، تَلَفَّظَ بِهِ أَوْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، وَكَذَلِكَ تَجْدِيدُ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ مَا يُنَاقِضُهُ فَتَلَفُّظُهُ بِالشَّرْطِ تَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى عَقْدِ التَّوْبَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَهَذَا كَمَا إذَا قَالَ:" إنْ كَانَ هَذَا مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُك إيَّاهُ " فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّ هَذَا بَيْعٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ؟ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: " إنْ كَانَتْ هَذِهِ امْرَأَتِي فَهِيَ طَالِقٌ " لَا يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ، وَنَظَائِرُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ
التَّعْلِيقَ بِالشُّرُوطِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَبْدُ، حَتَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَمَا «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ وَقَدْ شَكَتْ إلَيْهِ وَقْتَ الْإِحْرَامِ، فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي عَلَى رَبِّك فَقَوْلِي: إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي، فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّك» فَهَذَا شُرِعَ مَعَ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَقَدْ شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ لِحَاجَةِ الْأُمَّةِ إلَيْهِ، وَيُفِيدُ شَيْئَيْنِ: جَوَازُ التَّحَلُّلِ، وَسُقُوطُ الْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ الدَّاعِي بِالْخِيَرَةِ يَشْتَرِطُ عَلَى رَبِّهِ فِي دُعَائِهِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي عَاجِلُهُ وَآجِلُهُ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، فَيُعَلِّقُ طَلَبَ الْإِجَابَةِ بِالشَّرْطِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ لِخَفَاءِ الْمَصْلَحَةِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّهِ أَيُّمَا رَجُلٍ سَبَّهُ أَوْ لَعَنَهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا كَفَّارَةً لَهُ وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْهِ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ لَلْمُدَّعُو بِهِ بِشَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ شُرِعَ لَهُ تَعْلِيقُ الدُّعَاءِ بِالشَّرْطِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ؛ فَهَذَا طَلَبٌ لِلتَّجَاوُزِ عَنْهُ بِشَرْطٍ، فَكَيْفَ يُمْنَعُ تَعْلِيقُ التَّوْبَةِ بِالشَّرْطِ؟
وَقَالَ شَيْخُنَا: كَانَ يُشْكِلُ عَلَيَّ أَحْيَانًا حَالُ مَنْ أُصَلِّي عَلَيْهِ الْجَنَائِزَ، هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ أَوْ مُنَافِقٌ؟ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَسَأَلْته عَنْ مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ الشَّرْطَ الشَّرْطَ، أَوْ قَالَ: عَلِّقْ الدُّعَاءَ بِالشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ أَرْشَدَ أُمَّتَهُ صلى الله عليه وسلم إلَى تَعْلِيقِ الدُّعَاءِ بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ بِالشَّرْطِ فَقَالَ:«لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «وَإِذَا أَرَدْت بِعِبَادِك فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ» وَقَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» .
وَتَعْلِيقُ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَالِالْتِزَامَاتِ وَغَيْرِهَا بِالشُّرُوطِ أَمْرٌ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ أَوْ الْحَاجَةُ أَوْ الْمَصْلَحَةُ؛ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُكَلَّفُ، وَقَدْ صَحَّ تَعْلِيقُ النَّظَرِ بِالشَّرْطِ بِالْإِجْمَاعِ وَنَصِّ الْكِتَابِ، وَتَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِالشَّرْطِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَتَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ فِي تَزْوِيجِ مُوسَى بِابْنَةِ صَاحِبِ مَدْيَنَ وَهُوَ [مِنْ] أَصَحِّ نِكَاحٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي شَرِيعَتِنَا مَا يَنْسَخُهُ، بَلْ أَتَتْ مُقَرِّرَةً لَهُ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ حِلَّ الْفُرُوجِ بِالنِّكَاحِ قَدْ يُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا يُعَلَّقُ الطَّلَاقُ وَالْجَعَالَةُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعُقُودِ، وَعَلَّقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ رضي الله عنه عَقْدَ الْمُزَارَعَةِ بِالشَّرْطِ، فَكَانَ يَدْفَعُ أَرْضَهُ إلَى مَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ فَلَهُ كَذَا وَإِنْ جَاءَ الْعَامِلُ بِالْبَذْرِ فَلَهُ كَذَا، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ صَاحِبٌ، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ الْبَيْعِ
بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: إنْ بِعْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَرَهَنَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ نَعْلَهُ وَقَالَ لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ جِئْتُك بِالْحَقِّ إلَى كَذَا وَإِلَّا فَهُوَ لَك، وَهَذَا بَيْعٌ بِشَرْطٍ، فَقَدْ فَعَلَهُ وَأَفْتَى بِهِ.
وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ، نَصَّ عَلَى جَوَازِهِ فِعْلًا مِنْهُ، فَقَالَ لِمَنْ اغْتَابَهُ ثُمَّ اسْتَحَلَّهُ:" أَنْتَ فِي حِلٍّ إنْ لَمْ تَعُدْ " فَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ: قَدْ اغْتَابَك وَتُحْلِلُهُ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَنِي قَدْ اشْتَرَطْت عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعُودَ؟ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِنُصُوصِهِ وَلَا لِأُصُولِهِ، وَقَدْ عَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وِلَايَةَ الْإِمَارَةِ بِالشَّرْطِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ، وَعَلَى تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَقَدْ عَلَّقَ أَبُو بَكْرٍ تَوْلِيَةَ عُمَرَ رضي الله عنه بِالشَّرْطِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ سَائِرُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» فَهَذَا الشَّرْطُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ، وَقَدْ جَوَّزَهُ الشَّارِعُ، وَقَالَ:«مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ السَّيِّدُ» وَفِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: «كُنْت مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: أَعْتَقْتُكَ، وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا عِشْتَ، فَقُلْتُ: وَلَوْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا عِشْتُ، فَأَعْتَقَتْنِي وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ» ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ وَلَك مَا شَرَطْت.
، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْقَرْضِ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ: إذَا أَحَلَّهُ فِي الْقَرْضِ جَازَ، وَقَالَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا فِي الْإِقْرَارِ وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ: وَقَالَ ابْنُ عَوْفٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيهٍ: ارْحَلْ رِكَابَك فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَك فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهُوَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: إنَّ رَجُلًا بَاعَ طَعَامًا فَقَالَ: إنْ لَمْ آتِك الْأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك بَيْعٌ، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْته، فَقَضَى عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ: وَقَالَ الْمِسْوَرُ: «سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَانِي» ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» .
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَرْثِ: وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُمْ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ:" إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَكَ كَذَا " وَفِي جَوَازِ: " بِعْتُكَهُ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعِشْرِينَ نَسِيئَةً " فَالصَّوَابُ جَوَازُ هَذَا كُلِّهِ لِلنَّصِّ وَالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ.
وَقَالَ جَابِرٌ: «بِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا، وَاشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي» . وَرَوَى
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ عَامِلِ عُمَرَ عَلَى مَكَّةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ نَافِعٌ إنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعُرْبُونِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ، وَأَجَازَ هَذَا الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ فِيهِ مُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَانَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ يَقُولُ: أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ حُزْمَةَ حَطَبٍ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَهَا إلَى قَصْرِ سَعْدٍ، وَاشْتَرَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَتِهِ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَهِيَ لَهَا بِالثَّمَنِ، وَفِي ذَلِكَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَفْتَى بِهِ.
[لِلشُّرُوطِ عِنْدَ الشَّارِعِ شَأْنٌ]
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ لِلشُّرُوطِ عِنْدَ الشَّارِعِ شَأْنًا لَيْسَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ؛ فَإِنَّهُمْ يُلْغُونَ شُرُوطًا لَمْ يُلْغِهَا الشَّارِعُ، وَيُفْسِدُونَ بِهَا الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ تَقْتَضِي فَسَادَهُ، وَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشُّرُوطِ مِنْ الْعُقُودِ وَمَا لَا يَقْبَلُهُ؛ فَلَيْسَ لَهُمْ ضَابِطٌ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ؛ فَالصَّوَابُ الضَّابِطُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَكِتَابَهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ، مَا لَمْ يُخَالِفْهُ حُكْمُهُ فَهُوَ لَازِمٌ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الِالْتِزَامَ بِالشَّرْطِ كَالِالْتِزَامِ بِالنَّذْرِ، وَالنَّذْرُ لَا يَبْطُلُ مِنْهُ إلَّا مَا خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَكِتَابَهُ، بَلْ الشُّرُوطُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْسَعُ مِنْ النَّذْرِ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَالِالْتِزَامُ بِهِ أَوْفَى مِنْ الِالْتِزَامِ بِالنَّذْرِ.
وَإِنَّمَا بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ بَابَ الشُّرُوطِ يَدْفَعُ حِيَلَ أَكْثَرِ الْمُتَحَيِّلِينَ، وَيَجْعَلُ لِلرَّجُلِ مَخْرَجًا مِمَّا يَخَافُ مِنْهُ وَمِمَّا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ؛ فَالشَّرْطُ الْجَائِزُ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ، بَلْ هُوَ عَقْدٌ وَعَهْدٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَقَالَ: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177] .
[الشَّرْطُ اللَّازِمُ وَالشَّرْطُ الْبَاطِلُ]
وَهَاهُنَا قَضِيَّتَانِ كُلِّيَّتَانِ مِنْ قَضَايَا الشَّرْعِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، إحْدَاهُمَا: أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ وَنَاقَضَ كِتَابَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ كَائِنًا مَا كَانَ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَا يُخَالِفُ حُكْمَهُ وَلَا يُنَاقِضُ كِتَابَهُ وَهُوَ مَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ بِدُونِ الشَّرْطِ - فَهُوَ لَازِمٌ بِالشَّرْطِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ هَاتَيْنِ الْقَضِيَّتَيْنِ شَيْءٌ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِمَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ،