الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه: والواو في قوله: {وَجَعَلْنَا} لا تفيد ترتيبًا، فإن من المعلوم أن إيتاء التوراة كان بعد إيتاء الرسالة لموسى وهارون بنحو من ثلاثين سنة، لأن إرسالهما كان في واقعة الطور عند مجيء، موسى من الشام، ثم جاء مصر، ومكث يدعو فرعون وقومه ثلاثين سنة، ثم خرج من مصر، فانفلق له البحر، فغرق فرعون وقومه، فذهب موسى إلى الشام، فآتاه الله التوراة هناك، فقوله:{فَقُلْنَا اذْهَبَا} معطوفة على {جعلنا} ، وكل من الجعل والقول كان قبل إيتاء التوراة كما علمت. اهـ شيخنا.
أي (1): ولقد أنزلنا على موسى التوراة كما أنزلنا عليك الفرقان، وجعلنا معه أخاه هارون معينًا وظهيرًا له، ولا تعارض بين هذه الآية وقوله:{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)} فإنه وإن كان نبيًا فالشريعة لموسى عليه السلام، وهو تابع له فيها، كما أن الوزير متبع لسلطانه.
وفي "الروح"(2): فإن قلت: كون هارون وزيرًا كالمنافي لكونه شريكًا له في النبوة؛ لأنه إذا صار شريكًا له خرج عن كونه وزيرًا؟
قلتُ: لا ينافي ذلك مشاركته في النبوة؛ لأن المتشاركين في الأمر متوازران عليه، وقد كان هارون في أول الأمر وزيرًا لموسى، ولاشتراكهما في النبوة قيل لهما: اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا.
36
- ثم ذكر ما أمرا به من تبليغ الرسالة مع بيان أن النصر لهما آخرًا على أعدائهما بقوله: {فَقُلْنَا} لهما {اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الإلهية (3)؛ وهي مصنوعات الله تعالى الدالة على انفراده تعالى بالملك والعبادة، حيث عبدوا فرعون، فذهبا إليهم، فأرياهم الآيات التسع كلها؛ وهي آيات النبوة، فكذبوها حيث أنكروا رسالتهما كما كذبوا الآيات الإلهية {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا}؛ أي: أهلكناهم عقب ذلك التكذيب إهلاكًا عجيبًا؛ أي: فقلنا لهما: اذهبا إلى فرعون
(1) المراغي.
(2)
روح البيان.
(3)
المراح.
وقومه الذين كذبوا بدلائل التوحيد المودعة في الأنفس والآفاق، فلما ذهبا إليهم كذبوهما، فأهلكناهم أشد إهلاك، ونحو الآية قوله:{دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} وفي ذلك تسلية لرسوله، وإنه ليس أول من كذب من الرسل، فله أسوة بمن سلف منهم. قيل (1): المراد بالآيات هي المعجزات التسع المفصلات الظاهرة على يد موسى عليه السلام، ولم يوصف القوم عند إرسالهما إليهم بهذا الوصف ضرورة تأخر تكذيب الآيات عن إظهارها المتأخر عن الأمر به، بل إنما وصفوا بذلك عند الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيانًا لعلة استحقاقهم لما يحكى بعده من التدمير. وقيل: المراد: {بِآيَاتِنَا} التكوينية؛ أي: العلامات التي خلق الله في الدنيا، كما جرينا عليه في حلنا. وقيل: المراد بها الرسل وكتب الأنبياء الذين قبل موسى، كما في قوله:{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} فالباء على كل تقدير متعلقة بـ {كَذَّبُوا} لا بـ {اذْهَبَا} ، وإن كان الذهاب إليهم بالآيات، كما في قوله في الشعراء:{فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا} . وأما التكذيب فتارة يتعلق بالآيات، كما في قوله في الأعراف:{فَظَلَمُوا بِهَا} ؛ أي: بالآيات، وقوله في طه:{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا} ، وتارة بموسى وهارون، كما في قوله في المؤمنون:{فَكَذَّبُوهُمَا} .
وقوله: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} قبله حذف تقديره: فذهبا إليهم فأرياهم آياتنا فكذبوهما تكذيبًا مستمرًا، فأهلكناهم إثر ذلك التكذيب المستمر إهلاكًا عجيبًا هائلًا لا يدرك كنهه. فاقتصر على حاشيتي القصة؛ أي: أولها وآخرها اكتفاء بما هو المقصود منها؛ وهو إلزام الحجة ببعثة الرسل والتدمير بالتكذيب، والفاء للتعقيب باعتبار نهاية التكذيب؛ أي: باعتبار استمراره، وإلا فالتدمير متأخر عن التكذيب بأزمنة متطاولة. وقيل: إن المراد بالتدمير هنا الحكم؛ لأنه لم يحصل عقب بعث موسى وهارون إليهم، بل بعده بمدة. وقرأ (2) علي والحسن ومسلمة بن محارب:{فدمراهم} على الأمر لموسى وهارون. وعن علي كذلك إلا أنه مؤكد بالنون الشديدة. وعنه أيضًا: {فدمرا بهم} أمرًا لهما بزيادة باء الجر. ومعنى
(1) روح البيان.
(2)
البحر المحيط.