المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إذا ذهب من العشق أو غيره، كما في "المختار"؛ أي: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٠

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌ 44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌سورة الشعراء

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌(6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌ 51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌ 79

- ‌ 80

- ‌ 81

- ‌ 82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌ 109

- ‌110

- ‌111

- ‌112

- ‌113

- ‌114

- ‌115

- ‌116

- ‌117

- ‌118

- ‌119

- ‌120

- ‌121

- ‌122

- ‌123

- ‌124

- ‌125

- ‌126

- ‌127

- ‌128

- ‌129

- ‌130

- ‌131

- ‌132

- ‌133

- ‌134

- ‌135

- ‌136

- ‌137

- ‌138

- ‌139

- ‌140

- ‌141

- ‌142

- ‌143

- ‌144

- ‌145

- ‌146

- ‌147

- ‌148

- ‌149

- ‌150

- ‌151

- ‌152

- ‌153

- ‌154

- ‌155

- ‌156

- ‌157

- ‌158

- ‌159

- ‌160

- ‌161

- ‌162

- ‌163

- ‌164

- ‌165

- ‌166

- ‌167

- ‌168

- ‌169

- ‌170

- ‌171

- ‌172

- ‌173

- ‌174

- ‌175

- ‌176

- ‌177

- ‌178

- ‌179

- ‌180

- ‌181

- ‌182

- ‌183

- ‌184

- ‌185

- ‌186

- ‌187

- ‌188

- ‌189

- ‌190

- ‌191

- ‌192

- ‌193

- ‌194

- ‌195

- ‌196

- ‌197

- ‌198

- ‌199

- ‌200

- ‌201

- ‌202

- ‌203

- ‌204

- ‌205

- ‌206

- ‌207

- ‌208

- ‌209

- ‌210

- ‌211

- ‌212

- ‌213

- ‌214

- ‌215

- ‌216

- ‌217

- ‌218

- ‌219

- ‌220

- ‌221

- ‌222

- ‌223

- ‌224

- ‌225

- ‌226

- ‌227

- ‌سورة النمل

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌(13)

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌(32)

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

الفصل: إذا ذهب من العشق أو غيره، كما في "المختار"؛ أي:

إذا ذهب من العشق أو غيره، كما في "المختار"؛ أي: يذهبون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين، بل يتحيرون في أودية القيل والقال، والوهم والخيال، والغي والضلال، فتارة يمزقون الأعراض بالهجاء، وتارة يأتون من المجون بكل ما يمجه السمع ويستقبحه العقل، وتارة يخوضون في بحر السفاهة والوقاحة، ويذمون الحق ويمدحون الباطل، ويرغبون في فعل المحرمات، ويدعون الناس إلى فعل المنكرات، كما تسمعه في أشعارهم من مدح الخمر والزنا واللواط ونحو هذه الرذائل الملعونة.

والمعنى: أي (1) ألم تعلم أن الشعراء يسلكون الطرق المختلفة من الكلام، فقد يمدحون الشيء حينًا بعد أن ذموه، أو يعظمونه بعد أن احتقروه، والعكس بالعكس، وذلك دليل على أنهم لا يقصدون إظهار الحق، ولا تحري الصدق، لكن محمدًا صلى الله عليه وسلم جبلته الصدق، ولا يقول إلا الحق، وقد بقي على طريق واحد؛ وهو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والترغيب في الآخرة والإعراض عن الدنيا.

‌226

- وثاني الأمرين: ذكره بقوله: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ} في أشعارهم عند التصلف والدعاوى {مَا لَا يَفْعَلُونَ} من الأفاعيل، فهم يرغبون في الجود ويرغبون عنه، وينفرون عن البخل ويصرون عليه، ويقدحون في الناس لأدنى الأسباب، ويرتكبون الفواحش، وذلك تمام الغواية. ومحمد صلى الله عليه وسلم على خلاف ذلك؛ لأنه منزه عن كل ذلك، متصف بمحاسن الأوصاف ومكارم الأخلاق، مستقر على المنهاج القويم، مستمر على الصراط المستقيم، فقد بدأ بنفسه إذ قال له ربه:{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)} ثم بالأقرب فالأقرب، فقال:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} فليست حاله حال الشعراء.

‌227

- ولما وصف الشعراء بهذه الأوصاف الذميمة استثنى منهم من اتصف بأمور أربعة:

1 -

الإيمان.

(1) المراغي.

ص: 351

2 -

والعمل الصالح.

3 -

وكثرة قول الشعر في توحيد الله والنبوة ودعوة الخلق إلى الحق.

4 -

وأن لا يهجو أحدًا إلا انتصارًا ممن يهجوه اتباعًا لقوله سبحانه: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} كما كان يفعل عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير حين كانوا يهجون المشركين منافحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك: "أهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من رشق النبل"، وكان يقول لحسان بن ثابت:"قل وروح القدس معك" وفي رواية: "أهجهم وجبريل معك"، وإلى هذا أشار بقوله

سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله. استثناء للشعراء المسلمين. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بامتثال الأوامر واجتناب النواهي. {وَذَكَرُوا اللَّهَ} ذكرًا {كَثِيرًا} في أشعارهم بأن كان أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله، والحث على طاعته، والحكمة والموعظة، والزهد في الدنيا والترغيب في الآخرة، أو بأن لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله سبحانه، ولم يجعلوه همهم وعادتهم، قال أبو يزيد: الذكر الكثير ليس بالعدد والغفلة، لكنه بالحضور.

{وَانْتَصَرُوا} ؛ أي: انتقموا ممن هجاهم بالهجو {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} ؛ أي: من بعدما ظلمهم الكفار بالهجو؛ أي: ردوا هجاء من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين. وأحق الخلق بالهجو من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجاه، كما وقع ذلك الانتصار من شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يهجون من هجاه ويحمون عنه، ويذبون عن عرضه، ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم. ويدخل في هذا من انتصر بشعره لأهل السنة وكافح أهل البدعة، وزيف ما يقوله شعراؤهم من مدح بدعتهم، وهجو السنة المطهرة، كما يقع ذلك كثيرًا من شعراء الرافضة ونحوهم، فإن الانتصار للحق بالشعر وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة، وفاعله من المجاهدين في سبيل الله، المنتصرين لدينه، القائمين بما أمر الله بالقيام به.

وروى ابن جرير عن محمد بن إسحاق أنه لما نزلت هذه الآية .. جاء

ص: 352

حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون، قالوا: قد علم الله حين أنزل هذه أنا شعراء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قال: أنتم {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} قال: أنتم {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} : قال أنتم؛ أي بالرد على المشركين، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"انتصروا ولا تقولوا إلا حقًا، ولا تذكروا الآباء والأمهات". فقال حسان لأبي سفيان بن حرب:

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ

وَعِنْدَ اللهِ فِيْ ذَاكَ الْجَزَاءُ

وَإِنَّ أبِيْ وَوَالِدَهُ وَعِرْضِيْ

لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

أتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ

فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ

لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيْهِ

وَبَحْرِيْ لَا تُكَدَّرُهُ الدِّلَاءُ

وقال كعب: يا رسول الله إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل" وقال كعب:

جَاءَتْ سَخِيْنَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا

وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد مدحك الله يا كعب في قولك هذا".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة يمشي بيديه؛ وهو يقول:

خَلُّوا بَنِيْ الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيْلِهِ

الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيْلِهِ

ضَرْبًا يُزِيْلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيْلِهِ

وَيُذْهِلُ الْخَلِيْلَ عَنْ خَلِيْلِهِ

فقال عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَلِّ عُنْفَهُ يا عمر، فَلَهِيَ أسرع فيهم من نضح النبل". أخرجه الترمذي والنسائي.

ص: 353

فصل في مدح الشعر (1)

روى البخاري عن أبيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن من الشعر لحكمة". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يتكلم بكلام، فقال:"إن من البيان سحرًا، وإن من الشعر حكمًا" أخرجه أبو داود.

وروى مسلم عن عمرو بن الثريد عن أبيه، قال: ردفت وراء النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ " قلت نعم. قال: "هيه"، فأنشدته بيتًا. الحديث كما مر آنفًا.

وعن جابر بن سمرة قال: جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مئة مرة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت، وربما تبسم معهم. أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.

وقالت عائشة رضي الله عنها: الشعر كلام: فمنه حسن، ومنه قبيح، فخذ منه الحسن، ودع منه القبيح. وقال الشعبي: كان أبو بكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان علي أشعر منهما. وروي عن ابن عباس أنه كان ينشد الشعر، ويستنشده في المسجد، فيروى أنه دعا عمر بن ربيعة المخزومي، فاستنشده القصيدة التي قالها، فقال:

أَمِنْ آلِ نُعْمَى أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ

غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُ

فأنشده القصيدة إلى آخرها، وهي قريب من تسعين بيتًا، ثم إن ابن عباس أعاد القصيدة جميعها، وكان حفظها بمرة واحدة.

وبعد أن (2) ذكر الله سبحانه من الدلائل العقلية، وأخبار الأنبياء المتقدمين ما يزيل الحزن عن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بين الدلائل على صدق نبوته، ثم

(1) الخازن.

(2)

المراغي.

ص: 354

أرشد إلى الفارق بينه وبين الكهنة، وبينه وبين الشعراء .. ختم (1) السورة بالتهديد العظيم والوعيد الشديد للكافرين، فقال:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسهم بالشعر المنهي عنه وغيره، وأعرضوا عن تدبر هذه الآيات كفرًا بها وعنادًا، فهو عام لكل ظالم، والسين للتأكيد. {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}؛ أي: أي مرجع يرجعون إلى الله تعالى بعد الموت، وأي معاد يعودون إليه، إنهم ليصيرون إلى نار لا يطفأ سعيرها، ولا يسكن لهيبها؛ أي: ينقلبون انقلاب سوء، ويرجعون رجوع شر؛ لأن مصيرهم إلى النار.

فإن (2) في قوله: {سَيَعْلَمُ} تهويلًا عظيمًا، وتهديدًا شديدًا، وكذا في إطلاق {الَّذِينَ ظَلَمُوا} ، وإبهام {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} . وخصص بعضهم هذه الآية بالشعراء، ولا وجه لذلك، فإن الاعتبار بعموم اللفظ.

وقوله: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ} صفة لمصدر محذوف؛ أي: ينقلبون منقلبًا أي منقلب، وقدم لتضمنه معنى الاستفهام، ولا يعمل فيه {سَيَعْلَمُ} ؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، بل هو معلق عن العمل فيه.

والمعنى (3)؛ أي وسيعلم الذين ظلموا أنفسهم بالشرك وهَجْوِ رسول الله وأصحابه، وبالإعراض عن تدبر هذه الآيات أنهم ينقلبون كمال انقلاب؛ لأن مصيرهم إلى النار؛ وهو أقبح مصير، ومرجعهم إلى العذاب؛ وهو شر مرجع، فالمنقلب الانتقال إلى ضد ما هو فيه، والمرجع هو العود من حال هو فيها إلى حال كان عليها، فصار كل مرجع منقلبًا، وليس كل منقلب مرجعًا.

وقرأ ابن عباس والحسن وابن أرقم عنه (4): {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} بالفاء مكان القاف، والتاء مكان الباء، من الإنقلاب بالنون والتاء الفوقية. والمعنى على هذه القراءة: أن الظالمين يطمعون في الانفلات من عذاب الله تعالى، والانفكاك منه، ولا يقدرون على ذلك؛ أي: وسيعلم الظالمون أن ليس لهم وجه من وجوه

(1) المراغي.

(2)

الشوكاني.

(3)

المراح.

(4)

البحر المحيط والشوكاني.

ص: 355

إلانفلات والفرار، فإنهم يطمعون أولًا أن ينفلتوا من عذاب الله سبحانه فينجوا منه. وقرأ الباقون بالقاف والباء الموحدة من الانقلاب بالنون والقاف والموحدة.

الإعراب

{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)} .

{وَإِنَّهُ} : {الواو} : استئنافية. {إِنَّهُ} : ناصب واسمه. {لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} : خبره ومضاف إليه، والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير حقيقة تلك القصص، وتأكيد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن إخباره عن الأمم المتقدمة؛ وهو الأمي الذي لا يكتب ولا يقرأ لا يكون إلا عن طريق الوحي. {نَزَلَ}: فعل ماض. {بِهِ} : متعلق بمحذوف حال من الروح؛ أي: متلبسًا به، فالباء للملابسة. {الرُّوحُ}: فاعل. {الْأَمِينُ} : صفة له، والجملة في محل الرفع صفة لـ {تَنْزِيلُ} أو حال منه. {عَلَى قَلْبِكَ}: متعلق بـ {نَزَلَ} . {لِتَكُونَ} : {اللام} : حرف جر وتعليل وعاقبة، {تَكُونَ}: فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، واسمها ضمير يعود على محمد. {مِنَ الْمُنْذِرِينَ}: خبرها، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لكونك من {الْمُنْذِرِينَ} ، الجار والمجرور متعلق بـ {نَزَلَ} .

{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)} .

{بِلِسَانٍ} : جار ومجرور متعلق بـ {الْمُنْذِرِينَ} ؛ لأنه اسم فاعل؛ أي: لتكون من جملة الذين أنذروا بهذا اللسان العربي؛ وهم هود وصالح وإسماعيل وشعيب ومحمد عليهم الصلاة والسلام، أو بدل من الجار والمجرور في قوله:{بِهِ} بإعادة العامل؛ أي: نزل بلسان عربي؛ أي: باللغة العربية. {عَرَبِيٍّ} : صفة أولى لـ {لسَانٍ} . {مُبِينٍ} : صفة ثانية له، أو صفة لـ {عَرَبِيٍّ}. {وَإِنَّهُ}: ناصب واسمه.

ص: 356

{لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} : جار ومجرور ومضاف إليه خبر إن، وجملة {إِنَّهُ} معطوفة على جملة {إن} الأولى. {أَوَلَمْ}:{الهمزة} : للاستفهام التوبيخي المضمن للتقرير داخلة على محذوف، و {الواو} عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أغفل أهل مكة عن هذا القرآن، ولم يكن علم علماء بني إسرائيل إياه آية لهم على حقيقته، {لم} حرف نفي وقلب وجزم {يَكُنْ} مضارع ناقص مجزوم بـ {لم} وجملة {يَكُنْ} معطوفة على الجملة المحذوفة، والجملة المحذوفة جملة إنشائية لا محل لها من الإعراب. {لَهُمْ} متعلقان بمحذوف حال؛ لأنه كان في الأصل صفة لآية وتقدم عليها {آيَةً} خبر {يَكُنْ}. {أَنْ يَعْلَمَهُ} في تأويل مصدر اسم {يَكُنْ} {عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ}: فاعل ومضاف إليه. {وَلَوْ} : {الواو} : عاطفة. {لَوْ} : شرطية. {نَزَّلْنَاهُ} فعل وفاعل ومفعول به. {عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {نَزَّلْنَاهُ} ، والجملة فعل شرط لـ {لَوْ} لا محل لها من الإعراب. {فَقَرَأَهُ}:{الفاء} : عاطفة، {قَرَأَهُ}: فعل ومفعول به، وفاعل مستتر معطوف على {نَزَّلْنَاهُ}. {عَلَيْهِمْ}: متعلق بقرأ. {مَا} : نافية. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه. {بِهِ} : متعلق بـ {مُؤْمِنِينَ} . و {مُؤْمِنِينَ} : خبر كان، وجملة كان جواب {لَوْ} الشرطية لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية معطوفة على جملة قوله:{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} .

{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203)}

{كَذَلِكَ} : صفة لمصدر محذوف. {سَلَكْنَاهُ} : فعل وفاعل ومفعول به. {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، والتقدير: سلكناه في قلوب المجرمين سلكًا كائنًا مثل ذلك السلك البديع، والجملة مستأنفة. {لَا يُؤْمِنُونَ}: فعل وفاعل. {بِهِ} : متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} ، والجملة مستأنفة، أو حال من الهاء في {سَلَكْنَاهُ} ، أو من {الْمُجْرِمِينَ}. {حَتَّى}: حرف جر وغاية. {يَرَوُا} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة بعد {حَتَّى} . {الْعَذَابَ} : مفعول يه. {الْأَلِيمَ} : صفة له، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى إلى،

ص: 357

تقديره: إلى رؤيتهم العذاب الأليم، الجار والمجرور متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} {فَيَأْتِيَهُمْ}:{الفاء} : عاطفة، {يَأْتِيَهُمْ}: فعل ومفعول معطوف على {يَرَوُا} ، وفاعله ضمير يعود على {الْعَذَابَ}. {بَغْتَةً}: حال من فاعل يأتي، ولكنه في تأويل مشتق؛ أي: حالة كونه باغتًا. {وَهُمْ} : {الواو} : حالية. {هُمْ} مبتدأ، وجملة {لَا يَشْعُرُونَ}: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من مفعول {يَأْتِيَهُمْ}. {فَيَقُولُوا}:{الفاء} : عاطفة، {يَقُولُوا}: فعل وفاعل معطوف على {يَأْتِيَهُمْ} . {هَلْ} : حرف استفهام للاستفهام الاستبعادي المضمن للتحسر. {نَحْنُ مُنْظَرُونَ} : مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {يَقُولُوا} .

{فَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)}

{أَفَبِعَذَابِنَا} : {الهمزة} : للاستفهام التوبيخي والتهكمي والإنكاري داخلة على محذوف يقتضيه المقام، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف. {بِعَذَابِنَا} : جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَسْتَعْجِلُونَ} . {يَسْتَعْجِلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أيكون حالهم كما ذكر من طلب الإنظار عند نزول العذاب الأليم فيستعجلون بعذابنا، والجملة المحذوفة مستأنفة، هكذا قدره بعض المعربين، ولكنه لا يخلو من إيهام، فالأولى أن يقدر: أيغفلون عن ذلك مع تحققه وتقرره فيستعجلون بعذابنا، وقدم الجار والمجرور لأمرين: لفظي؛ وهو مراعاة الفواصل، ومعنوي؛ وهو الإيذان بأن مصب الإنكار والتوبيخ كون المستعجل به العذاب. {أَفَرَأَيْتَ}:{الهمزة} : للاستفهام الاستخباري، و {الفاء}: عاطفة. {رَأَيْتَ} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة {فَيَقُولُوا} ، وما بينهما اعتراض، و {رَأَيْتَ}: بمعنى أخبرني، فتتعدى إلى مفعولين: أحدهما مفرد والآخر جملة استفهامية غالبًا. {إِنْ} : حرف شرط. {مَتَّعْنَاهُمْ} : فعل وفاعل ومفعول به في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية على كونها فعل شرط لها. {سِنِينَ} : ظرف متعلق بـ {مَتَّعْنَاهُمْ} ، وجواب الشرط محذوف يقدر من معنى المفعول الثاني لـ {رَأَيْتَ} تقديره: إن متعناهم سنين لم يغن عنهم تمتعهم، أي: لم ينفعهم، وجملة {إن} الشرطية جملة معترضة لا

ص: 358

محل لها من الإعراب. {ثُمَّ} : حرف عطف. {جَاءَهُمْ} : فعل ومفعول به. {مَا} : اسم موصول في محل الرفع فاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الشرط. {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه. {يُوعَدُونَ} : فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب خبر كان، وجملة كان صلة {مَا} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما كانوا يوعدون، ومفعول {أرَأَيْتَ} الأول محذوف معلوم من فاعل {جاء} لأن {أرأيت} و {جاء} تنازعًا في قوله:{مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} والتقدير: إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون أفرأيته؛ أي: ذلك الموعود.

{مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ}

{مَا} : اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل النصب مفعول مقدم لـ {أَغْنَى} . {أَغْنَى} : فعل ماض. {عَنْهُمْ} : متعلق به. {مَا} : مصدرية، أو موصولة. {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه. {يُمَتَّعُونَ} : فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب خبر كان، وجملة كان صلة {مَا} المصدرية، أو الموصولة، والمصدر المؤول من {مَا} المصدرية في محل الرفع فاعل {أَغْنَى}: تقديره: ما أغنى عنهم تمتعهم، أو {مَا} الموصولة في محل الرفع فاعل {أَغْنَى}؛ أي: ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون به، وجملة {أَغْنَى} في محل النصب مفعول ثان لـ {أرأيت}: لأنها جملة استفهامية، وهذا كله مفهوم مما تقدم في سورة الأنعام مبسوطًا في قوله: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ

} إلخ. {وَمَا} : {الواو} : استئنافية. {مَا} : نافية. {أَهْلَكْنَا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {مِنْ قَرْيَةٍ}: مفعول به لـ {أَهْلَكْنَا} . و {مِنْ} : زائدة. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {لَهَا} : خبر مقدم. {مُنْذِرُونَ} : مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب صفة لـ {قَرْيَةٍ} ، أو حال منها، وسوغ مجيء الحال منها سبق النفي. {ذِكْرَى}: مفعول لأجله لـ {مُنْذِرُونَ} ومنصوب به، أي: ينذرونهم؛ لأجل تذكير العواقب والموعظة، أو مصدر معنوي لـ {الْمُنْذِرِينَ} منصوب به؛ أي: أي إلا لها مذكرون ذكرى، وأعربها الكسائي حالًا؛ أي: حال كونهم مذكرين لها. {وَمَا} :

ص: 359

{الواو} : عاطفة. {مَا} : نافية. {كُنَّا ظَالِمِينَ} : فعل ناقص واسمه وخبره، والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَمَا أَهْلَكْنَا} .

{ومَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}

{وَمَا} : {الواو} : عاطفة. {مَا} : نافية. {تَنَزَّلَتْ} : فعل ماض. {بِهِ} متعلق بـ {تَنَزَّلَتْ} . {الشَّيَاطِينُ} : فاعل، والجملة معطوفة على جملة {وَمَا أَهْلَكْنَا} {وَمَا}:{الواو} : عاطفة. {مَا} : نافية. {يَنْبَغِي} : فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر يعود على القرآن. {لَهُمْ}: متعلق بـ {يَنْبَغِي} ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. {وَمَا}:{الواو} : عاطفة. {مَا} : نافية. {يَسْتَطِيعُونَ} : فعل وفاعل معطوف على {تَنَزَّلَتْ} . {إِنَّهُمْ} : ناصب واسمه. {عَنِ السَّمْعِ} : متعلق بـ {لمَعْزُولُونَ} ، {لَمَعْزُولُونَ} و {اللام}: حرف ابتداء، {معزولون}: خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل عدم استطاعتهم. {فَلَا}:{الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أحوال الكفار، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لا تدع. {لَا}: ناهية جازمة. {تَدْعُ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وفاعله ضمير يعود على محمد. {مَعَ اللَّهِ}: ظرف ومضاف إليه متعلق بمحذوف حال من {إِلَهًا} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {إِلَهًا} : مفعول به. {آخَرَ} صفة {إِلَهًا} ، وجملة {تَدْعُ} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {فَتَكُونَ}:{الفاء} : عاطفة سببية، {تَكُونَ}: فعل مضارع منصوب بن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، واسمها ضمير يعود على محمد. {مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}: خبرها، وجملة {تَكُونَ} مع أن المضمرة في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكن دعاؤك إلهًا آخر فكونك من المعذبين.

{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}

{وَأَنْذِرْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد معطوف على قوله:

ص: 360

{فَلَا تَدْعُ} . {عَشِيرَتَكَ} : مفعول. {الْأَقْرَبِينَ} : صفة لـ {عَشِيرَتَكَ} . {وَاخْفِضْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر معطوف عليه أيضًا. {جَنَاحَكَ}: مفعول به. {لِمَنِ} : جار ومجرور متعلق بـ {اخفض} . {اتَّبَعَكَ} : فعل ومفعول به، وفاعل مستتر يعود على {مَنْ} الموصولة، والجملة صلة {مَنْ} الموصولة. {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} حال من الضمير المستتر في {اتَّبَعَكَ}

{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}

{فَإِنْ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا امتثلت ما أمرتك به، وأردت بيان ما هو اللازم لك إذا خالفوك .. فأقول لك: إن عصوك. {إن} : حرف شرط. {عَصَوْكَ} : فعل وفاعل ومفعول به في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها. {فَقُل} : {الفاء} : رابطة الجواب، {قُلْ}: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {إِنِّي بَرِيءٌ}: ناصب واسمه وخبره. {مِمَّا} : جار ومجرور متعلق بـ {بَرِيءٌ} ، وجملة {إِن} في محل النصب مقول لـ {قُلْ}. {تَعْمَلُونَ}: فعل وفاعل صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: مما تعملونه. {وَتَوَكَّلْ} : {الواو} : عاطفة. {توكل} : فعل أفعل، وفاعل مستتر يعود على محمد معطوف على الجواب؛ أي: على جملة {فَقُلْ} . {عَلَى الْعَزِيزِ} : جار ومجرور متعلق بـ {وَتَوَكَّلْ} . {الرَّحِيمِ} : صفة لـ {الْعَزِيزِ} . {الَّذِي} : صفة ثانية لـ {الْعَزِيزِ} . {يَرَاكَ} : فعل ومفعول به، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة صلة الموصول. {حِينَ}: ظرف متعلق بـ {يَرَاكَ} . {تَقُومُ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {حِينَ} ، {وَتَقَلُّبَكَ}: معطوف على الكاف في {يَرَاكَ} . {فِي السَّاجِدِينَ} : حال من كاف {تَقَلُّبَكَ} ، و {فِي} بمعنى مع؛ أي: حالة كونك مصليًا مع الجماعة. {إِنَّهُ}

ص: 361

ناصب واسمه. هُوَ: ضمير فصل. {السَّمِيعُ} : خبره. {الْعَلِيمُ} : خبر ثان له، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.

{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}

{هَلْ} : حرف استفهام. {أُنَبِّئُكُمْ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، أو على محمد إن قدرنا القول، و {الكاف}: في محل النصب مفعول أول. {عَلَى} : حرف جر. {مَنْ} : اسم استفهام في محل الجر بـ {عَلَى} ، الجار والمجرور متعلق بـ {تَنَزَّلُ} ، وإنما قدم؛ لأن له صدر الكلام، وهو معلق ما قبله من التنبئة عن العمل فيما بعده. {تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ}: فعل وفاعل، وجملة {تَنَزَّلُ} في محل النصب ساد مسد المفعول الثاني والثالث إن جعل {أُنَبِّئُكُمْ} متعديًا لثلاثة، ومسد الثاني فقط إن جعل متعديًا لإثنين. {تَنَزَّلُ}: فعل مضارع، وهو على حذف إحدى التاءَين، وفاعله ضمير يعود على {الشَّيَاطِينُ}. {عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ}: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {تَنَزَّلُ} . {أَثِيمٍ} : صفة {أَفَّاكٍ} ، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لبيان المستفهم عنه. {يُلْقُونَ}: فعل وفاعل. {السَّمْعَ} هو: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب حال من {الشَّيَاطِينُ} ، إن قلنا: إن {الواو} في {يُلْقُونَ} يعود على {الشَّيَاطِينُ} ، أو الجملة مستأنفة، أو صفة لـ {كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ، إن قلنا: إن {الواو} تعود على {أَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} . {وَأَكْثَرُهُمْ} {الواو} : حالية. {أَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} هو: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من واو {يُلْقُونَ}

{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}

{وَالشُّعَرَاءُ} : مبتدأ. {يَتَّبِعُهُمُ} : فعل ومفعول به. {الْغَاوُونَ} : فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة. {أَلَمْ تَرَ}:{الهمزة} : للاستفهام التقريري، {لَمْ}: حرف جزم. {تَرَ} : فعل مضارع

ص: 362

مجزوم بـ {لم} ، وفاعله ضمير مستتر يعود على محمد، والجملة الفعلية جملة مفسرة لما قبلها، لا محل لها من الإعراب {أَنَّهُمْ}: ناصب واسمه. {فِي كُلِّ وَادٍ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {يَهِيمُونَ} ، وجملة {يَهِيمُونَ} في محل الرفع خبر {أَنَّ} ، وجملة {أن} من اسمها وخبرها في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {تَرَ} تقديره: ألم تر هيامهم في كل واحد، وفن من فنون القيل والقال. {وَأَنَّهُمْ}: ناصب واسمه، وجملة {يَقُولُونَ}: في محل الرفع خبر {أن} ، وجملة {أن} معطوفة على جملة {أن} الأولى. {مَا}: اسم موصول في محل النصب مفعول {يَقُولُونَ} ، {لَا}: نافية، وجملة {يَفْعَلُونَ} صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: يفعلونه. {إِلَّا} أداة استثناء. {الَّذِينَ} : مسستثنى من {وَالشُّعَرَاءُ} المذمومين. {آمَنُوا} : فعل وفاعل صلة الموصول. {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {آمَنُوا} . {وَذَكَرُوا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول به معطوف على {آمَنُوا} . {كَثِيرًا} : منصوب على المفعولية المطلقة؛ لأنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: ذكرًا كثيرًا، أو منصوب على الظرفية الزمانية؛ لأنه صفة لظرف محذوف؛ أي: وقتًا كثيرًا. {وَانْتَصَرُوا} : فعل وفاعل معطوف على {آمَنُوا} . {مِنْ بَعْدِ} : جار ومجرور متعلق بـ {وَانْتَصَرُوا} . {مَا} : مصدرية. {ظُلِمُوا} : فعل ونائب فاعل، والجملة في تأويل مصدر مجرور بإضافة الظرف إليه؛ أي: من بعد ظلمهم. {وَسَيَعْلَمُ} : {الواو} : استئنافية، والسين حرف استقبال. {يعلم الذين}: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {ظَلَمُوا}: فعل وفاعل صلة الموصول. {أَيَّ مُنْقَلَبٍ} : منصوب على المفعولية المطلقة بـ {يَنْقَلِبُونَ} ؛ أي: ينقلبون أي انقلاب؛ لأن أيًّا تعرب بحسب ما تضاف إليه، وقد علقت {يعلم} عن العمل فيما بعدها، والناصب لـ {أَيَّ} {يَنْقَلِبُونَ} ، كما بينا، وقدم عليه لتضمنه معنى الاستفهام. وأسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها للزومها الصدارة. قال النحاس: وحقيقة القول في ذلك أن الاستفهام معنى، وما قبله معنى آخر، فلو عمل فيه لدخل بعض المعاني في بعض" اهـ {يَنْقَلِبُونَ}: فعل وفاعل، وجملة {يَنْقَلِبُونَ} في محل النصب ساد مسد مفعولي {يَعْلَمُ} .

ص: 363

التصريف ومفردات اللغة

{لَتَنْزِيلُ} : مصدر نزل المضعف، بمعنى اسم المفعول، سمي به مبالغة، وصيغة التفعيل فيه تدل على أن نزوله كان بالدفعات في مدة ثلاث وعشرين سنة، كما مر في مبحث التفسير.

{الْأَمِينُ} : صفة مشبهة من أمن فهو أمن من باب فعل المكسور اللازم إذا اتصف بالأمانة. والأمانة ضد الخيانة؛ لأنه أمين على وحيه تعالى وموصله إلى من شاء من عباده.

{عَلَى قَلْبِكَ} أي: على روحك؛ لأنه المدرك والمكلف دون الجسد. وفي " الفتوحات": إن أريد بالقلب الروح فظاهر، وإن أريد به العضو فتخصيصه؛ لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولًا على الروح، ثم تنتقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق، ثم تصعد منه إلى الدماغ، فتنتعش بها المتخيلة.

وفي "الكرخي" قوله: {عَلَى قَلْبِكَ} خصه بالذكر، وهو إنما أنزل عليه ليؤكد أن ذلك المنزل محفوظ، والرسول متمكن من قلبه، لا يجوز عليه التغير، ولأن القلب هو المخاطب حقيقة؛ لأنه موضع التميز والاختيار.

والقلب في الأصل لحمة صنوبرية الشكل؛ أي: التي شكلها كشكل الصنوبر، وهو شجر ينبت في البرية دقيق أحد الطرفين غليظ الآخر مع نوع استدارة كقمع السكر، فهذه اللحمة على شكله، فهي دقيقة أحد الطرفين غليظة الآخر مع نوع استدارة كقمع السكر، كما يشاهد ذلك في قلب الدجاجة وغيرها، لكن هنا بمعنى اللطيفة الربانية التي تسمى روحًا ونفسًا، لا بمعنى اللحمة الصنوبرية، اهـ. من "البيجوري على السلم" في المنطق.

{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} في الأصل الجارحة المعروفة، ولكن المراد بها هنا معنى اللغة؛ لأنها آلة التلفظ بها. {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ}: جمع زبور بمعنى الكتاب، مثل رسل ورسول؛ أي: لفي الكتب المتقدمة.

{عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} قال صاحب "التحرير": الأعجمين جمع أعجمي،

ص: 364

ولولا هذا التقدير لم يجز أن يجمع جمع سلامة. قلت: وكان سبب منع جمعه أنه من باب أفعل فعلاء، كأحمر حمراء، والبصريون لا يجيزون جمعه جمع سلامة إلا ضرورة، وقد جعله ابن عطية جمع أعجم، فقال: الأعجمون جمع أعجم، وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب، يقال له: أعجم، والأعجمي هو الذي نسبه في العجم، وإن كان فصيح اللسان. وقال الزمخشري: الأعجم الذي لا يفصح، وفي لسانه عجمة أو استعجام، والأعجمي مثله، إلا أن فيه زيادة بياء النسب توكيدًا، اهـ من "السمين".

{سَلَكْنَاهُ} ؛ أي: أدخلنا تكذيب القرآن، أو معرفة معانيه وإعجازه.

{هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} : اسم مفعول من الإنظار، والإنظار: التأخير والإمهال؛ أي: هل نحن مؤخرون لنؤمن ونصدق.

{يَسْتَعْجِلُونَ} الاستعجال: طلب عجلة العذاب. {مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} من الإيعاد. والإيعاد: التخويف بالعذاب. {ذِكْرَى} أي: تذكرة وعبرة وموعظة لغيرهم. {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} يقال: تنزل إذا نزل في مهلة.

{وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} ؛ أي: وما يصح وما يستقيم، وما يتيسر لهم أن ينزلوا بالقرآن من السماء. {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ}؛ أي: وما يقدرون على ذلك. {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ} ؛ أي: عن استماع الوحي أصلًا من أول الأمر، أو عن استماع خبر السماء. {لَمَعْزُولُونَ}؛ أي: لممنوعون بالشهب بعد أن كانوا ممكنين من استماع خبر السماء لا الوحي.

{عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} العشيرة: أهل الرجل الذي يتكثر بهم؛ أي: يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، وذلك أن العشيرة هو العدد الكامل، فصارت العشيرة اسمًا لكل جماعة من أقارب الرجل يتكثر بهم، والعشير: المعاشر قريبًا كان أو مقارنًا، كذا في "المفردات".

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} والخفض ضد الرفع والدعة، والسير اللين. {عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} مضارع تنزل من باب تفعل، أصله: تتنزل، حذفت منه إحدى التائين.

ص: 365

{عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ؛ أي: كثير الإفك والكذب. قال الراغب: الإفك: كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه. {أَثِيمٍ} ؛ أي: كثير الإثم، وهو اسم للأفعال المبطئة عن الثواب.

{يُلْقُونَ السَّمْعَ} ، أصله: يلقيون السمع، من ألقى الرباعي استثقلت الضمة على الياء، ثم نقلت إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان الياء والواو، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين؛ لأنها جزء كلمة، وحذفها أولى من حذف كلمة مستقلة.

{وَالشُّعَرَاءُ} : جمع شاعر، كعلماء جمع عالم قال: في "المفردات": شعرت: أصبت الشعر، ومنه استعير شعرت كذا؛ أي: علمته في الدقة كإصابة الشعر. قيل: وسمي الشاعر شاعرًا لفطنته ودقة معرفته، فالشعر في الأصل اسم للعلم الدقيق في قولهم ليت شعري، وصار في التعارف اسمًا للموزون المقفى من الكلام على تفاعيل أجزاء العروضيين، والشاعر: المختص بصناعته.

{يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} : جمع غاو، كقاضون جمع قاض، وهم الضالون المائلون عن السنن القويم. {فِي كُلِّ وَادٍ} قال الراغب: أصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء، ومنه سمي المنفرج بين الجبلين واديًا، ويستعار للطريقة كالمذهب والأسلوب، فيقال: فلان في واد غير واديك.

{يَهِيمُونَ} ؛ أي: يسيرون سير البهائم حائرين، لا يهتدون إلى شيء، يقال: هام على وجهه من باب باع يهيم هيمًا وهيومًا وهيامًا وهيمانًا وتهيامًا إذا ذهب وهو لا يدري أين يتوجه؛ أي: يذهبون على وجوههم لا يهتدون إلى سبيل معين، بل يتحيرون في أودية القيل والقال، يعني أساليب الكلام من المدح والهجاء والجدل والغزل وغير ذلك من الأنواع؛ أي: في كل نوع من الكلام يغلون. قال في "الوسيط": فالوادي مثل لفنون الكلام، وهيمانهم فيه قولهم على الجهل بما يقولون من لغو وباطل وغلو في مدح أو ذم، اهـ.

{وَانْتَصَرُوا} الانتصار: الانتقام ممن ظلمك .. {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} : الانحراف عن العدالة، والعدول عن الحق البخاري مجرى النقطة من الدائرة. {أَيَّ مُنْقَلَبٍ} والمنقلب: المرجع؛ وهو مصدر ميمي بمعنى الانقلاب؛

ص: 366

أي: الرجوع.

فائدة: والظلمة ثلاثة أقسام: الظالم الأعظم: وهو الذي لا يدخل تحت شريعة الله، وإياه قصد بقوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .

والأوسط هو الذي لا يلزم حكم السلطان، والأصغر هو الذي يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس، ولا يعطيهم منفعته.

ومن فضيلة العدالة أن الجور الذي هو ضدها لا يثبت إلا بها، فلو أن لصوصًا تشارطوا فيما بينهم شرطًا فلم يراعوا العدالة فيه، ولم ينتظم أمرهم، فعلى العاقل أن يصيخ إلى الوعيد والتهديد الأكيد، فيرجع عن الظلم والجور، وان كان عادلًا فنعوذ بالله من الحور بعد الكور. والله المعين لكل سألك، والمنجي في المسالك من المهالك. اهـ "روح".

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: التأكيد بمؤكدات ثلاث؛ بإن وباللام واسمية الجملة، في قوله:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ؛ لأن الكلام مع المتشككين في صحة القرآن، فناسب تأكيده بأنواع من المؤكدات.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {بِلِسَانٍ} ففيه إطلاق آلة الشيء؛ لأن اللسان هنا بمعنى اللغة؛ لأنه آلة التلفظ بها.

ومنها: الاكتفاء في قوله: {لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} ؛ أي: والمبشرين، وهو ذكر أحد المتقابلين وحذف الآخر لدلالة المذكور على المحذوف، واختير ذكر الإنذار وحذف مقابله دون العكس؛ لأن باب التخلية بالخاء المعجمة مقدم على باب التحلية بالحاء المهملة.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)} ؛ أي: وإن

ص: 367

ذكر القرآن لا عينه.

ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197)} .

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ} .

ومنها: الاستفهام التوبيخي في قوله: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204)} .

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} من إطلاق المحل وإرادة الحال؛ أي: أهلها.

ومنها: بيان كمال نزاهته بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره منه من الظلم في قوله: {وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} ؛ إذ هلاكهم قبل الإنذار ليس بظلم أصلًا.

ومنها: التهييج والإلهاب في قوله: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} الخطاب للرسول بطريق التهييج لزيادة إخلاصه وتقواه.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} ؛ لأنه مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط. فشبه التواضع ولين الأطراف والجوانب عند مصاحبة الأقارب والأجانب بخفض الطائر جناحه؛ أي: كسره عند إرادة الانحطاط، فأطلق على المشبه اسم الخفض بطريق الاستعارة التصريحية، فاشتق منه خفض بمعنى: ألان على طريقة التبعية.

ومنها: صيغتا المبالغة في قوله: {عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ؛ لأن فعالاً وفعيلًا من صيغ المبالغة؛ أي: كثير الكذب، كثير الفجور.

ومنها: الطباق بين {يَقُولُونَ} و {يَفْعَلُونَ} ، وبين {وَانْتَصَرُوا} و {ظُلِمُوا} .

ومنها: الاستعارة التمثيلية البديعة في قوله: {فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} شبه جولانهم في أفانين القول بطريق المدح والذم والتشبب وأنواع الشعر، وضلالهم عن سنن الهدى بهيام الهائم في الصحراء الذي هام في مقصده، وخبط في طريقه، ولا يقصد موضعًا معينًا، فهو لا يدري أين يذهب. وهذا من ألطف

ص: 368

الاستعارات ومن أرشقها وأبدعها.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .

ومنها: مراعاة الفواصل؛ لأنها تزيد في جمال الكلام ورونقه مثل {يَهِيمُونَ} - {يَنْقَلِبُونَ} - {يَقُولُونَ} - {مَا لَا يَفْعَلُونَ} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

وحكي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته، ثم قرأ قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)} ثم بكى وهو ينشد:

نَهَارُكَ يَا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ

وَلَيْلُكَ نَوْمٌ والرَّدَى لَكَ لَازِمُ

تُسَرُّ بما يَفْنَى وَتَفْرَحُ بِالمُنَى

كَمَا سُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِيْ النَوْمِ حالِمُ

وَتَسْعَى إِلَى مَا سَوْفَ تَكْرَهُ غِبَّهُ

كَذَلِكَ في الدُّنْيَا تَعِيْشُ الْبَهَائِمُ

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 369

خلاصة ما حوته هذه السورة

1 -

مقدمة في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على إعراض قومه عن الدين، وبيان أنهم ليسوا ببدع في الأمم، وأنه صلى الله عليه وسلم ليس بأول الرسل الذين كذبوا، وأن الله قادر على إنزال القوارع التي تلجئهم إلى الإيمان، ولكن جرت سنته أن يجعل الإيمان في القلوب اختياريًا لا اضطراريًا.

2 -

الاستدلال بخلق النبات، وأطواره المختلفة، وأشكاله المنوعة على وجود الإله ووحدانيته.

3 -

قصص الأنبياء مع أممهم؛ لما فيه من العبرة لأولىك المكذبين.

4 -

إثبات أن القرآن وحي من رب العالمين، لا كلام تنزل به الشياطين.

5 -

بيان أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس بكاهن ولا بشاعر.

6 -

التهديد والوعيد لمن يعبد مع الله سواه من الأصنام والأوثان، ويكذب بالرسول والنور الذي أنزل معه (1).

والله أعلم

* * *

(1) إلى هنا تم تفسير سورة الشعراء، فللَّه الحمد والشكر حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا يوافي نعمه ويكافىء مزيده، في تاريخ 24/ 3/ 1413 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.

ص: 370