الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجن فلم يكن عندهم علم ذلك، ثم سأل الشياطين، فقالوا: نرسل إلى الأرضة، فلما جاءت الأرضة، أخذت شعرة في فمها، ودخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ قالت: يكون رزقي في الشجرة، فقال لها: لك ذلك، ثم قال: من لهذه الخرزة؟ فقالت دودة بيضاء: أنا لها يا نبيَّ الله، فأخذت الدودة خيطًا في فمها، ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر، فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ قالت: يصير رزقي في الفواكه، فقال لها: لك ذلك، ثم ميز بين الغلمان والجواري بأن أمرهم بأن يغسلوا وجوههم وأيديهم، فجعلت الجارية تأخذ الماء بيدها، وتضرب بها الأخرى، وتغسل وجهها، والغلام يأخذ الماء بيديه، ويضرب به وجهه، وكانت الجارية تصب الماء على باطن ساعدها، والغلام يصبه على ظهره، فميز بين الغلمان والجواري، ثم رد سليمان الهدية،
36
- كما أخبر الله سبحانه عنه بقوله: {فَلَمَّا جَاءَ} أي: الرسول المبعوث من قبل بلقيس وهو المنذر بن عمرو {سُلَيْمَانَ} ، والمراد بهذا المضمر الجنس، فلا ينافي كونهم جماعة، كما يدل عليه قولها:{بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} .
وقرأ عبد الله (1): {فلما جاؤوا} وقرأ: {ارجعوا} جعله عائدًا على قوله: {الْمُرْسَلُونَ} {قَالَ} سليمان مخاطبًا للرسول والمرسل تغليبًا على الغائب؛ أي: قال بعدما جرى بينه وبينهم من قصة الحقة وغيرها، أنه خاطبهم أول ما جاؤوه، كما يفهم من ظاهر العبارة.
{أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} حقير، أصله: أتمدونني (2)، فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة الدالة عليها، والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي؛ أي؛ لا ينبغي لكم يا أهل سبأ أن تمدوني وتعاونوني بالمال، ثم علل هذا الإنكار بقوله:{فَمَا} موصولة {آتَانِيَ اللَّهُ} مما رأيتم آثاره من النبوة، والملك الذي لا غاية وراءه {خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ} من المال ومتاع الدنيا، فلا حاجة لي إلى هديتكم، ولا وقع لها عندي؛
(1) البحر المحيط.
(2)
روح الببان.
أي: لأن الله سبحانه وتعالى قد أعطاني منه ما لم يعط أحدًا، ومع ذلك أكرمني بالنبوة والدين.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (1): {أتمدونني} بنونين وياء في الوصل. وروي المسيبي عن نافع: {أتمدوني} بنون واحدة خفيفة وياء في الوصل والوقف. وقرأ عاصم وابن عامر والكسائي: {أَتُمِدُّونَنِ} بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة {أتمدوني بمال} بنون واحدة مشددة ووقف على الياء. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: {فما آتان الله} بكسر النون من غير ياء. وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص عن عاصم: {فَمَا آتَانِيَ} بفتح الياء، فكأنهم فتحوا التاء، غير الكسائي، فإنه أمالها من {أتاني الله} .
أي: قال منكرًا لإمدادهم له بالمال مع علو سلطانه، وكثرة أمواله (2): أتساعدونني وتكرمونني بمال حقير، فما آتاني الله من النبوة والملك العظيم والأموال الكثيرة خير مما آتاكم من المال الذي هذه الهدية من جملته، ثم إنه أضرب عن الإنكار المتقدم، فقال؛ {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ}؛ أي: بما يهدى إليكم من الأموال. فالمضاف إليه ضمير المهدي إليه {تَفْرَحُونَ} حبًا لزيادة المال وكثرته لما أنكم لا تعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا، توبيخًا لهم بفرحهم بهذه الهدية فرح فخر وخيلاء، وأما أنا فلا أفرح بها، وليست الدنيا من حاجتي؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أعطاني منها ما لم يعطه أحدًا من العالمين، ومع ذلك أكرمني بالنّبوة. والمراد بهذا الإضراب من سليمان بيان السبب الحامل لهم على الهدية مع الإزدراء بهم والحط عليهم.
وفي "الإرشاد"(3): إضراب عما ذكر من إنكار الإمداد بالمال إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم التي أهدوها إليه افتخارًا وامتنانًا، واعتدادًا بها، كما ينبىء عنه ما ذكر من حديث الحقة والجزعة وتغيير زي الغلمان والجواري وغير ذلك. انتهى.
(1) زاد المسير.
(2)
الشوكاني.
(3)
روح البيان.