الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون معرّفًا باللام، أو مضافًا إلى المعرّف، أو مضمرًا مميزًا بنكرة منصوبة، والمعنى: إن جهنم بئست هي من جهة كونها موضع قرار وإقامة لهم، والمخصوص بالذم هي.
وقرأ الجمهور (1): {مقاما} بضم الميم، وقرأت فرقة بفتحها وفي "السمين": يجوز أن يكون {سَاءَتْ} بمعنى: أحزنت، فتكون متصرفة ناصبة للمفعول، وهو هنا محذوف؛ أي: أنها؛ أي: جهنم أحزنت أصحابها وداخليها حالة كونها مستقرًا ومقامًا لهم، أو من جهة كونها مستقرًا ومقامًا لهم. وفي الآية إيذان بأنهم مع حسن معاملتهم من الخلق، واجتهادهم في عبادة الخالق وحده لا شريك له يخافون عذابه، ويبتهلون إليه في صرفه عنهم غير محتفلين بأعمالهم كما قال في شأنهم:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)} .
يعني يجتهدون غاية الجهد، ويستفرغون نهاية الوسع، ثم عند السؤال ينزلون منزلة العصاة، ويقفون موقف أهل الاعتذار، ويخاطبون بلسان التذلل كما قيل:
وَمَا رُمْتُ الدُّخُوْلَ عَلَيْهِ حَتَّى
…
حَلَلْتُ مَحِلَّةَ الْعَبْدِ الذَّلِيْلِ
وذلك لعدم اعتدادهم بأعمالهم، ووثوقهم على استمرار أحوالهم. قال (2) ابن نجيد: لا يصْفُ لأحد قدم في العبودية حتى تكون أفعاله عنده كلها رياء، وأحواله كلها دعاوى. وقال النهر جوري: من علامة من تولاه الله أن يشهد التقصير في إخلاصه، والغفلة في أذكاره، والنقصان في صدقه، والفتور في مجاهدته، وقلة المراعاة في فقره، فتكون جميع أحواله عنده غير مرضية، ويزداد فقرًا إلى الله تعالى في فقره ويسره حتى يفنى عن كل ما دونه. ودلت الآية على مشروعية الدعاء مطلقًا، خصوصًا في أعقاب الصلوات، وهو مخ العبادة، فليدع المصلي منفردًا، وفي الجماعة، إمامًا كان أو مأمومًا.
67
- وخامس الصفات: ما ذكره بقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا} أموالهم على أنفسهم
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.
وعلى أهاليهم، أو في جميع مصارف الخير {لَمْ يُسْرِفُوا}؛ أي: لم يجاوزوا الحد المشروع في ذلك الإنفاق {وَلَمْ يَقْتُرُوا} ؛ أي: ولم يضيّقوا تضييق الشحيح. وقرأ (1) الحسن وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم: {ولم يقتروا} بفتح الياء وضم التاء، وقرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء، وقرأ نافع وابن عامر بضم الياء وكسر التاء مشددة، وكلها لغات في التضييق، وأنكر أبو حاتم لغة {أقتر} رباعيًا هنا، وقال: أقتر إذا افتقر، ومنه {وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} ، وغاب عنه ما حكاه الأصمعي وغيره من أقتر بمعنى ضيّق.
{وَكَانَ} إنفاقهم (2) المدلول عليه بقوله: أنفقوا كائنًا {بَيْنَ ذَلِكَ} ؛ أي: بين ما ذكر من الإسراف والتقتير، وهو خبر {كان} كما قدرنا، وقوله:{قَوَامًا} خبر بعد خبر، أو هو الخبر، و {بين ذلك} ظرف لغو لـ {كان} على رأي من يرى إعمالها في الظرف؛ أي: وسطًا عدلًا، سمي به لاستقامة الطرفين واعتدالهما بحيث لا ترجح لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه لكونه وسطًا بينهما كمركز الدائرة، فإنه يكون نسبة جميع الدائرة إليه على السواء. وقرأ (3) حسان بن عبد الرحمن:{قواما} بكسر القاف، وقرأ الباقون بفتحها، فقيل: هما بمعنى، وقيل: القوام بالكسر ما يدوم عليه الشيء ويستقر، وبالفتح العدل والاستقامة، قاله ثعلب، وقيل: بالفتح العدل بين الشيئين، وبالكسر ما يقام به الشيء، لا يفضل عنه ولا ينقص، وقيل: بالكسر السداد والمبلغ.
والمعنى: أي (4) والذين هم ليسوا بالمبذرين في إنفاقهم، فلا ينفقون فوق الحاجة، ولا ببخلاء على أنفسهم وأهليهم، فيقصّرون فيما يجب نحوهم، بل ينفقون عدلًا وسطًا، وخير الأمور أوسطها. وقد قيل:
وَلَا تَغْلُ فِيْ شَيْءٍ مِنَ الأَمْرِ وَاقْتَصِدْ
…
كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيْمُ
وقد قيل:
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.
(3)
الشوكاني.
(4)
المراغي.