المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وهي تسعة وعشرون بيتا والثانية أولها - توضيح المقاصد شرح نونية ابن القيم الكافية الشافية - جـ ١

[أحمد بن عيسى]

فهرس الكتاب

- ‌رب يسر وأعن يَا كريم

- ‌فصل فِي تَرْجَمَة النَّاظِم

- ‌قَوْله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌أأغصان بَان مَا أرى أم شمائل

- ‌فَصِل

- ‌فصل…وَقضى بِأَن الله كَانَ معطلاوَالْفِعْل مُمْتَنع بِلَا إِمْكَان…ثمَّ اسْتَحَالَ وَصَارَ مَقْدُورًا لَهُمن غير أَمر قَامَ بالديان…بل حَاله سُبْحَانَهُ فِي ذَاتهقبل الْحُدُوث وَبعده سيان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي مُقَدّمَة نافعة قبل التَّحْكِيم

- ‌فصل وَهَذَا أول عقد مجْلِس التَّحْكِيم

- ‌وَهِي تِسْعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا وَالثَّانيَِة أَولهَا

- ‌فِي قدوم ركب آخر

- ‌فصل فِي قدوم ركب آخر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وَثَانِيها صَرِيح علوه…وَله بِحكم صَرِيحه لفظانلفظ الْعلي وَلَفظه الاعلى معرفَة(أتتك هُنَا) لقصد بَيَانإِن الْعُلُوّ لَهُ بمطلقه على التَّعْمِيم والاطلاق بالبرهان…وَله الْعُلُوّ من الْوُجُوه جَمِيعهَاذاتا وقهرا مَعَ علو الشاني…لَكِن نفاة علوه سلبوه إكما

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وَثَانِي عشرهَا وصف الظهور لَهُ كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن…وَالظَّاهِر العالي الَّذِي مَا فَوْقهشَيْء كَمَا قد قَالَ ذُو الْبُرْهَان…حَقًا رَسُول الله ذَا تَفْسِيرهوَلَقَد رَوَاهُ مُسلم بِضَمَان…فاقبله لَا تقبل سواهُ من التفاسير الَّتِي قيلت بِلَا برهَان…وَالشَّيْء حِين يتم

- ‌فصل…هَذَا وثالث عشرهَا أخباره…انا نرَاهُ بجنة الْحَيَوَانفسل الْمُعَطل هَل يرى من تحتنا…أم عَن شَمَائِلنَا وَعَن أَيْمَانأم خلفنا وأمامنا سُبْحَانَهُ…أم هَل يرى من فَوْقنَا بِبَيَانيَا قوم مَا فِي الامر شَيْء غير ذَا…أَو أَن رُؤْيَته بِلَا إِمْكَانإِذْ رُؤْيَة لَا فِي مُقَابلَة من

- ‌فصل…هَذَا ورابع عشرهَا إِقْرَار سائله بِلَفْظ الاين للرحمن…وَلَقَد رَوَاهُ أَبُو رزين بَعْدَمَاسَأَلَ الرَّسُول بِلَفْظِهِ بوزان…وَرَوَاهُ تبليغا لَهُ ومقررالما أقربه بِلَا نكران…هَذَا وَمَا كَانَ الْجَواب جَوَاب من لَكِن جَوَاب اللَّفْظ بالميزان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وسابع عشرهَا أخبارهسُبْحَانَهُ فِي مُحكم الْقُرْآن…عَن عَبده مُوسَى الكليم وحربهفِرْعَوْن ذِي التَّكْذِيب والطغيان…تَكْذِيبه مُوسَى الكليم بقولهالله رَبِّي فِي السما نباني

- ‌فصل…هَذَا وثامن عشرهَا تنزيهه…سُبْحَانَهُ عَن مُوجب النُّقْصَانوَعَن الْعُيُوب وَمُوجب التَّمْثِيل والتشبيه جلّ الله ذُو السُّلْطَان

- ‌فصل…هَذَا وتاسع عشرهَا الزام ذِي التعطيل أفسد لَازم بِبَيَان…وَفَسَاد لَازم قَوْله هُوَ مُقْتَضلفساد ذَاك القَوْل بالبرهان…فسل الْمُعَطل عَن ثَلَاث مسَائِل تقضي على التعطيل بِالْبُطْلَانِمَاذَا تَقول أَكَانَ يعرف ربه…هَذَا الرَّسُول حَقِيقَة الْعرْفَانأم لَا وَهل كَانَت نصيحة لنا…كل

- ‌فصل…هَذَا وَخَاتم هَذِه الْعشْرين وَجها…وَهُوَ أقربها الى الاذهانسرد النُّصُوص فانها قد نوعت…طرق الادلة فِي أتم بَيَانوَالنّظم يَمْنعنِي من استيفائها…وسياقه الالفاظ بالميزانفاشير بعض إِشَارَة لمواضع…مِنْهَا وَأَيْنَ الْبَحْر من خلجانفاذكر نُصُوص الاسْتوَاء

- ‌فصل…هَذَا وحاديها وَعشْرين الَّذِي…قد جَاءَ فِي الاخبار وَالْقُرْآنإتْيَان رب الْعَرْش جل جلاله…ومجيئه للفصل بالميزانفَانْظُر الى التَّقْسِيم والتنويع فِي الْقُرْآن تلفيه صَرِيح بِبَيَان…ان الْمَجِيء لذاته لَا أمرهكلا وَلَا ملك عَظِيم الشان…اذ ذَانك الامران قد ذكرا

- ‌فصل

- ‌يعْنى حَدِيث جَابر فِي خطبَته صلى الله عليه وسلم يَوْم عَرَفَة وَقد تقدم

الفصل: ‌وهي تسعة وعشرون بيتا والثانية أولها

يَعْنِي السَّيْف السعودي مصنفا أفادنيه الْعَلامَة مفخر الزَّمَان الامين أَبُو زَكَرِيَّا الأقصرائي الْحَنَفِيّ فسح الله فِي اجله وَهُوَ بِخَط أَحْمد بن آقش الشبلي جمعه السَّيْف فِي شهور سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة وَسَماهُ (بَيَان حكم مَا فِي الفصوص (من الاعتقادات المفسوة والاعتقادات الْبَاطِلَة الْمَرْدُودَة (الَّتِي من اعتقدها كفر وَمن لم ينكرها أَثم وخسر وَالِاسْتِدْلَال لصِحَّة ذَلِك بِالْكتاب وَالسّنة الْوَاضِحَة عَنهُ اهل الْمعرفَة والفطنة وَنسخ فَتَاوَى أهل الْعلم والائمة من أهل الْمَرَاتِب والحلم على اخْتِلَاف مذاهبهم واتفاق مطالبهم لنصرة دين الله وَاتِّبَاع رَسُوله الْخَاتم فَمن خالفهم بعد ذَلِك فَهُوَ بالمخالفة ضال ظَالِم وافتتحه بقصيدتين من نظمه قافية الاولى على الْهَاء والمكسورة مطْلعهَا

عجبت لمنكر إِنْكَار قوم

على منشي (الفصوص (ومفتريه

‌وَهِي تِسْعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا وَالثَّانيَِة أَولهَا

فرض علينا اتِّبَاع نَبينَا

بِحَقِيقَة منا وَحكم جازم

وَذكرهَا وَهِي سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ بَيْتا ثمَّ قَالَ وَهَذِه قصيدة ثَالِثَة أوردهَا النَّاظِم أثْنَاء كِتَابه وَقَالَ إِنَّه لقبها ب (جلاء (الفصوص (على فهم كل تَقِيّ مَخْصُوص (فقدمتها هُنَا

تفنى المحابر دون شرح كَلَامه

فِي وصف جرأته وَفِي إقدامه

من يستبيح بِأَن يَقُول تعمدا

كذبا على الْهَادِي بزور مَنَامه

أَقْوَاله تنبي اللبيب بِأَنَّهُ

كذب بِلَا شكّ لسوء مرامه

ص: 150

.. لَوْلَا الْحَلِيم بحلمه عَم الورى

فضلا وجودا ذَاك من إنعامه

لاندكت الاجبال مِمَّا قَالَه

فِي حق منشيه وَفِي علامه

اذ قَالَ فِيهِ إِنَّه هُوَ خلقه

والخلق يَشْمَل ذكر كل هوامه

وَيَرَاهُ صُورَة كل شَيْء قد بدا

وعيونه وَوُجُود وصف قوامه

وَهُوَ الْمُنعم بالملاذ وضدها

يتألم الوجدان من إيلامه

وَيَقُول نَحن غذاؤه بالحكم هَل

صَمد يكون لَهُ غذَاء كطعامه

مَا كل مَا قد قَالَ يُمكن شَرحه

لقبيح مَفْهُوم وَثَبت حرَامه

جلّ الْمُقَدّس والمعظم دَائِما

عَن كل فهم جلّ عَن إعظامه

هِيَ فتْنَة للامتحان بلية

لبَيَان دين الْقَوْم عِنْد كَلَامه

فالمؤمنون المتقون تراهم

قَامُوا لنصر الدّين حق قِيَامه

غضبوا فَلَمَّا يرضهم انكاره

بالْقَوْل فِيهِ كلائم لغلامه

لكِنهمْ لَو مكنوا لرأيتهم

كلا مَكَان القَوْل ضرب حسامه

للملحدين الزاعمين لوحدة

فِيهَا استباح القَوْل نَص حرَامه

وَعبادَة الْأَصْنَام عرفان لَهُم

وبذاك كل سل من إِسْلَامه

سجدوا بِمَا زَعَمُوا وَإِن لم يسجدوا

مَعَ كل ذِي شرك لَدَى أصنامه

قَامُوا بِكفْر الْكَافرين بأسرهم

قصدا وعقدا ثمَّ فِي إبرامه

ص: 151

.. ومصدق لَهُم بِحكم مثلهم

وسط الضَّلَالَة بِاتِّبَاع إِمَامه

قد حَاز كل الاثم مِمَّن قد مضى

وَله مزِيد الكفل مَعَ آثامه

هَذَا نصيب رئيسهم وإمامهم

فِي الْورْد اذ ورد وعَلى أقدامه

من قَالَ فِي أَعدَاء نوح إِنَّهُم

كَانُوا على حق وجوب لزامه

وَلَو اسْتَجَابُوا تاركي اصنامهم

جهلوا حقائق فِيهِ حق تَمَامه

من قَالَ فِي عَاد بِأَنَّهُم ثووا

فِي عين قرب وسط دَار سَلَامه

سلكوا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم بجرمهم

وَبِه استحقوا الْجُود من إكرامه

مَا نيلهم للقرب مِنْهُ منَّة

لكنه حق يرى بقيامه

من قَالَ فِي حق الْخَلِيل بِأَنَّهُ

لم يدر تعبيرا لحلم مَنَامه

من بعد حصر صِفَات ذَات قدست

إِثْبَات مَا لم يرتقي لمرامه

فَأَرَادَ يذبح إبنه بتوهم

فَفَدَاهُ رب الْعَرْش من أَوْهَامه

من قَالَ فِي إِسْمَاعِيل مرضِي لَهُ

وكذاك مرضِي جَمِيع أنامه

هَذَا الْكَلَام جَمِيعه متناقض

فِي الحكم مَعْنَاهُ لَدَى فهامه

من قَالَ فِي فِرْعَوْن مَا قد قَالَه

فَهُوَ البريء لَدَيْهِ من اجرامه

وَيَقُول مَاتَ مطهرا فِي وقته

من كفره حكما وَمن آثامه

علم الجهول بِحكم مَا لم يُبْدِهِ

مُوسَى الرَّسُول الْمُصْطَفى لكَلَامه

ص: 152

.. وَكَذَا النَّبِي الْمُصْطَفى لم يُبْدِهِ

بمقالة للنَّاس فِي إفهامه

من قَالَ فِي مُوسَى الكليم بِأَنَّهُ

لما بدا بعتابه وخصامه

لِأَخِيهِ هَارُون النَّبِي معنفا

لم لَا اتسعت وَذَاكَ من افهامه

إِن الْعِبَادَة صادفت من قومه

فِي الْعجل عين الْحق فِي اقسامه

لَو كَانَ ذَلِك لم يحرق عجلهم

وبنسفه فِي اليم محو نظامه

من قَالَ فِي أَيُّوب جهل صبره

اذ لم يعجل باشتكاء سقامه

من قَالَ ان عَذَاب خلد ذوقه

كنعيم خلد لذ فِي إلمامه

فِي حق كل الْكَافرين بأسرهم

وَالْفرق رَأْي الْعين وصف قِيَامه

فَعَسَى يكون نصِيبه مَا قَالَه

من وهمه يلقاه بعد حمامه

فَيرى خلاف فَسَاد وهم ظنونه

نزع الشوى مِنْهُ وحطم عِظَامه

من جهل الرُّسُل الْكِرَام بأسرهم

بمقاله فيهم وَسُوء مسامه

فشهادتاه هُوَ الخداع وَهَكَذَا

حكم الصَّلَاة وَحكم وصف قِيَامه

يحمي بِهِ النَّفس الخبيثة خَائفًا

من قَتلهَا كفرا لَدَى حكامه

جهل الشَّرَائِع والحقائق كلهَا

هلك الَّذِي وَالَاهُ باستسلامه

خَابَ الْمُقَلّد غير مَعْصُوم وَقد أبدى خلاف الْحق فِي إيهامه

من كَانَ مُتبع الرَّسُول فَحكمه

فِيهِ مكعصوم لفضل امامه

ص: 153

.. من صد عَنهُ مُخَالفا بتعمد

أصماه راميه بِوَقع سهامه

إِبْلِيس قَوس الرَّمْي هَذَا وَصفه

وسهامه الاقوال من إِلْزَامه

من نقص الْمُخْتَار ضل عَن الْهدى

فِي قَوْله فِيهِ بِنَقْض ختامه

ومقاله فِي إستقم لم يدر مَا

مِنْهُ المُرَاد فشاب من إيهامه

مَا شكّ قطّ الْمُصْطَفى فِي قربه

وَبسر عصمته علو مقَامه

فَيَقُول شَاب لانه لم يدر هَل

قَول اسْتَقِم فِي الامر من اقسامه

وَيَقُول فِي غير النَّبِي بِأَنَّهُ

سَاوَى الآله بِعِلْمِهِ لدوامه

فِي حكم أقدار عَلَيْهِ مفصلا

أبدا يُحَقّق ذَاك فِي أَحْكَامه

من يسْتَحق سواهُ مَا قد قَالَه

فِي تَابع إِن صَحَّ من خُدَّامه

من جهل الصّديق فِيمَا قَالَه

من عجز إِدْرَاك لعظم مرامه

هَل بعد جملَة مَا ذكرت ضَلَالَة

قد عَم ظلمَة من مضى بظلامه

أَقْوَال ضد للشرائع كلهَا

ومخالف العلام فِي إِعْلَامه

فَعَلَيهِ من غضب الاله بِعِلْمِهِ

مَا يسْتَحق بظنه وَكَلَامه

وعَلى مصدقه وَمن يرضى بِهِ

أبدا يجدد مَعَ مدى أَيَّامه

واغفر لناظمها وكل موفق

لبَيَان وَجه الْحق باستلزامه

عبد اللَّطِيف مُرَاده فِي وَضعهَا

تبيان لبس القَوْل فِي إعجامه

ص: 154

.. لزوَال وهم تخيل عَن فهم من

قد صد ظنا مِنْهُ فِي احجامه

لتابع الْحق الْمُبين بِلَا امترا

فينال فضل الْجُود من قسامه

فِيهَا نصيحة كل بر صَالح

وعداوة الْمفْتُون مَعَ اغمامه

وشفاء صدر سَالم من غله

ومزيد ذِي الاصمام من اصمامه

من صد عَنْهَا معرضًا متعللا

متوقفا بالوهم مَعَ أخصامه

دع مَا يَقُول وتابع الْهَادِي الَّذِي

تهدي بِهِ وَتحل بَين خيامه

فَتَصِير مَعَ أهل الْخيام برملة

وتنال مِنْهُ حَقِيقَة لذمامه

فبها النجَاة لكل عبد مُسلم

فَعَلَيهِ من رَبِّي دوَام سَلَامه

وعَلى النَّبِي وَآله مَعَ صَحبه

عُلَمَاء أصل الدّين عقد نظامه

وَالْحَمْد لله الْعَظِيم ختامها

حمدا وشكرا فَهُوَ من إلهامه

حمدا بدا من جوده اجزاوه

وَعَلِيهِ بالافضال حكم تَمَامه

فِيهِ الْوُصُول لواصل لمراده

وَبِه تمسك وَاتَّقَى بعصامه

ثمَّ قَالَ النَّاظِم تمت الابيات مختصرة الْمعَانِي صَحِيحَة المباني متضمنة اعْتِقَاده ومبينة لكل لَبِيب فَسَاده بِذكر مَا زَعمه وأراده فلنورد مُقَدمَات الْفَتَاوَى مَعَ بَيَان مَا أوجب ذَلِك من الْكتاب وَالسّنة مِمَّا هُوَ ظَاهر لِذَوي البصائر والفطنة ثمَّ أجوبة الْعلمَاء التَّابِعين لخاتم الانبياء بتكفير صَاحب (الفصوص (والمصدق لَهُ فِيمَا أوردهُ من مُخَالفَة النُّصُوص وتحذير من لم

ص: 155

يُنكره من الْوُقُوع فِي الْمُخَالفَة والمحنة وَبَيَان أَنه مِمَّن أَخطَأ طَرِيق الْجنَّة الا أَن كَانَ غير عَالم بِمَا وَجب عَلَيْهِ وَندب من الله وَرَسُوله إِلَيْهِ من الْقيام بالانكار وابداء الْعَدَاوَة لأعداء الله الْفجار قَالَ وَكَانَ الْوَاجِب لاخذ هَذِه الْفَتَاوَى مَا قَرَّرَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِمَّا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه (من حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ رضي الله عنه مَرْفُوعا (الدّين النَّصِيحَة (قُلْنَا لمن يَا رَسُول الله قَالَ لله ولكتابه وَلِرَسُولِهِ ولائمة الْمُسلمين وعامتهم (فمفهوم مَضْمُون هَذَا الحَدِيث أَنه لَا يحل لمُسلم يسمع فِي حق الله مَا لَا يَلِيق بِكَمَالِهِ وعظمته وجلاله اَوْ يسمع من يلْحد فِي آيَاته ويخوض فِي مَعَاني كِتَابه الْعَزِيز بباطل تأويلاته ويحرفه عَن موَاضعه أَو يُخرجهُ فِي الاحكام عَن مواقعه كتحليل حرَامه أَو تَحْرِيم حَلَاله أَو تَغْيِير كَلَامه أَو مناقضة شَيْء من أَحْكَامه اَوْ يسمع من يتنقص رسله الْكِرَام اَوْ يرد قولا من أَقْوَال نبيه عليه السلام اَوْ يغض من قدره بِصَرِيح لفظ مَعْلُوم اَوْ بتلويح مشْعر بذلك لارباب الفهوم ثمَّ يسكت إِن امكنه الْكَلَام اَوْ يرضى بِهِ من أحد من الانام أَن وَسعه السُّكُوت والنصيحة لائمة الْمُسلمين مَفْهُومه بالمناصحة فِي الدّين واعانتهم على مصَالح الْمُسلمين وَأما النَّصِيحَة لعامتهم فبمَا يَأْمُرهُم بِهِ من الْمَعْرُوف وينهاهم عَن الْمُنكر والمساعدة والعون بِمَا تصل أليه الْقُدْرَة مِمَّا حض الله وَرَسُوله عَلَيْهِ وَدفع ضَرَر الاديان أهم وَهُوَ فِي النَّفْع أخص وَفِي بذل النَّصِيحَة أَعم وَيُؤَيّد الْمَقْصُود فِي هَذَا الْمَعْنى مَا رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه (أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَا من نَبِي بَعثه الله فِي أمته قبلي الا كَانَ لَهُ من امته حواريون وَأَصْحَاب يَأْخُذُونَ بسنته ويقتدون بأَمْره ثمَّ انها تخلف من بعدهمْ خلوف يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ويفعلون مَا لَا يؤمرون فَمن جاهدهم بِيَدِهِ فَهُوَ

ص: 156

مُؤمن وَمن جاهدهم بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤمن وَمن جاهدهم بِقَلْبِه فَهُوَ مُؤمن وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خرذل (وَقَالَ تَعَالَى {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده هُوَ اجتباكم وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} الْحَج 78 الْآيَة فقد ثَبت وَتعين وجوب الْجِهَاد على أهل الْإِيمَان فِي كل زمَان وَمَكَان وبذل الْغَضَب لله والمجاهدة فِي سَبيله دينا ومذهبا لكَونه صَار فِي الذِّمَّة حتما مُرَتبا وَقَالَ عز من قَائِل {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخْوَانهمْ أَو عشيرتهم} المجادلة 2 3 الْآيَة وَقد علمنَا أَن الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى قد شَرط فِي صِحَة الْإِيمَان بِهِ الْكفْر بالطاغوت لقَوْله {فَمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بِاللَّه فقد استمسك بالعروة الوثقى} الْبَقَرَة 256 فَصَارَ الْكفْر بالطاغوت شرطا فِي صِحَة الْإِيمَان بِاللَّه وَاجِبا لَا يُمكن وجود الْإِيمَان إِلَّا بِوُجُودِهِ وَصَاحب (الفصوص (زعم فِي التَّوْحِيد أَن ترك عبَادَة الْأَصْنَام جهل وَذَا كَاف لمن رد عليه السلام وَهَذَا هُوَ الْمُوجب للْقِيَام وَأخذ الْفَتَاوَى ليرتدع المشاقق والمناوئ بعد أَن رَأَيْت من يعْتَقد صِحَة مقاله وَيَزْعُم أَنه حق فبادرت لبَيَان ضلاله وَإِثْبَات محاله فَإِن فِي قَوْله ذَلِك عدَّة أَنْوَاع من الْكفْر لمن ميزه واعتبره وأبدا مَا أظهره خَفِي مَا أضمره من رده نَص مُحكم الْكتاب وتصويبه الْكفْر السَّرِيع الانقلاب وتميزه من تعاطاه على من أنكرهُ وَقد ثَبت فِي الاحكام وشاع فهمه بَين الْأَنَام أَنه مَا عبد الْأَصْنَام إِلَّا أَجْهَل الْخلق اللئام وَلَا أنكرهُ عَلَيْهِم إِلَّا أفضل الْخلق وأعلمهم بِاللَّه أَعنِي الرُّسُل الْكِرَام والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَانْظُر إِلَى هَذَا الْإِقْدَام والتجرئ على الله بِمَا يُخَالف مِلَّة الْإِسْلَام بل سَائِر الْملَل عِنْد ذَوي الأفهام إِلَى أَن قَالَ بعد خطْبَة الْكتاب وَلما

ص: 157

كملت الْمِائَة السَّادِسَة من الْهِجْرَة ظَهرت مبادئ تِلْكَ الفترة بِظُهُور من ينْسب إِلَى الْعلم والتصوف مِمَّن أعطي فِي أَلْفَاظه نوعا من التَّصَرُّف لاكتسابه الْعُلُوم الفلسفية والطبيعية وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الَّتِي لَا يُرْجَى خَيرهَا فتولد من هَذِه المركبات فِي الذِّهْن عِبَارَات وأنواع إشارات بِلِسَان يستغرب وَعند غير الْعَارِف الذكي تستعذب وَهِي فَاسِدَة الْمعَانِي واهية المباني مُخَالفَة لظواهر النُّصُوص معاكسة لقَوْل كل نَبِي مَخْصُوص مَعَ تحريفه تَأْوِيل مَا يعتضد بِهِ من الْمَنْقُول على حكم اعْتِقَاده فِي الْوحدَة أَو الِاتِّحَاد والحلول وتزايد بِهِ الْأَمر حَتَّى أقدم على المضادة وَأظْهر الْمُخَالفَة والمعاندة بِمَا وَضعه فِي كتاب (الفصوص (المشارك لَهُ فِي وَضعه إِبْلِيس قصدا للتدليس وإظهارا للتلبيس فأظهر الله بالتحقيق ذَلِك لِذَوي التَّوْفِيق فَمن أعظم تحيلاته وَكذبه على الله وافتئاته مَا زَعمه فِي مُقَدّمَة الْكتاب الْمَذْكُور من البهتنان والزور حَيْثُ قَالَ إِنَّه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام وَبِيَدِهِ كتاب فَقَالَ لَهُ هَذَا كتاب (فصوص الحكم (خُذْهُ وَأخرجه إِلَى النَّاس يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَنه أخرجه كَمَا حَده لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان فَانْظُر إِلَى هَذَا الْخلَل وَظُهُور دَلَائِل الزلل وَذَلِكَ أَنه زعم أَنه نَاوَلَهُ إِيَّاه وَسَماهُ لَهُ وَلم يقل قرأته عَلَيْهِ وَلَا انْتَبَهت فَوَجَدته فِي يَدي فَكيف عرف حَده وكل مَا فِيهِ من قَول وَمعنى من نظم ونثر واستدلال بعلوم فلسفية وطبيعية وهندسية من الْعُلُوم الَّتِي لَا تنْسب إِلَى الحضرة المحمدية وَمَا فِيهَا من الشّعْر فَلَا ينْسب إِلَى نَبِي وَلَا ملك وَلَا إِلَى حَضْرَة إلهية من مبادئ تجليات الْحق سُبْحَانَهُ فِي الْمَنَام وَلَا غَيره هَذَا إِذا كَانَ الشّعْر وَالْكَلَام مُوَافقا لما جَاءَت بِهِ الرُّسُل الْكِرَام فظهرت دَلَائِل كذبه فِيمَا جعله لدفع الشُّبْهَة عَنهُ من أقوى سَببه لبلفت بِهِ إِلَيْهِ الْعَوام ويصغي نَحوه أهل البلادة بالإيهام فَيحصل مِنْهُم عَنهُ

ص: 158

فِيمَا ينكرونه عَلَيْهِ الإحجام وَكَانَ أول مُنكر بَدَأَ بالإنكار عَلَيْهِ وَثَبت كفره وَكذبه لَدَيْهِ شيخ الْإِسْلَام ومفتي الانام عز الدّين بن عبد السَّلَام من أَنه مااتصل بِنَا أَنه وقف على كتاب (الفصوص (ومخالفته فِيهِ لصريح أَحْكَام الله فِي النُّصُوص بل ذَلِك بِمَا بلغه من فَاسد أَقْوَاله وتبت عِنْده من مُخَالفَة طرق أهل الْحق فِي انتحاله ثمَّ تَابعه فِي الْإِنْكَار الشَّيْخ الإِمَام بركَة الاسلام القطب الْقُسْطَلَانِيّ تغمده الله برحمته وَأَسْكَنَهُ أعالى غرف جنته وحذر النَّاس من تَصْدِيقه وَبَين فِي مصنفاته فَسَاد قَاعِدَته 2 وضلال طَرِيقه فِي كتاب سَمَّاهُ (ب (الارتباط (ذكر فِيهِ جمَاعَة من هَؤُلَاءِ الأنماط ثمَّ الشَّيْخ الصَّالح الْعَارِف الْمُحَقق برهَان الدّين الجعبري قدس الله روحه بِمَا نقلته عَنهُ الْعُدُول مِمَّا هُوَ مَذْكُور عَنهُ ومنقول ثمَّ بعد ذَلِك تَوَاتر الْإِنْكَار من الصلحاء الْعباد والأتقياء الزهاد وَأهل الْوَرع من الْأَفْرَاد مِمَّا لَا سَبِيل لحصرهم وَلَا تَفْصِيل ذكرهم إِلَى أَن أَقَامَ الله فِي ذَلِك من أَقَامَ وَنبهَ عَلَيْهِ الْخَاص وَالْعَام وأذهب عَن المنكرين ببيانه الإحجام وأزال بتبيانه الشُّبْهَة عَن الأوهام واستضاء أهل البصائر من أولي التَّوْفِيق بِنور الْقُرْآن إِذْ علمُوا أَن بِهِ يَتَّضِح الْفرْقَان وَإِن صَحِيح الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة عُمْدَة أهل الْعرْفَان وتحققوا أَن من خَالف الْكتاب وَالسّنة فَقَوله مَرْدُود وَهُوَ عَن جناب الْحق مبعود وَمن صدقه ضل وَعقد دينه بتصديقه انحل فَنَهَضت عَلَيْهِ أنصار الْحق من عُلَمَاء الصدْق بسيوف فتاوابهم القاطعة وأنوار أدلتهم الساطعة لما سمعُوا مُنَادِي الْإِسْلَام يُنَادي الصَّلَاة جَامِعَة بِصَحِيح عقد جازم للْقِيَام بِوُجُوب فرض لَازم نصيحة لرب الْعَالمين وَنَصره لكتابه الْمُبين وتأييدا لدينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ وأظهره على كل دين وانتصارا لرسله الْكِرَام وأنبيائه عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام من كيد الحاد الْمُلْحِدِينَ مِمَّن جعل

ص: 159

الْكفْر إِيمَانًا وَالْجهل عرفانا والشرك توحيدا والعصيان طَاعَة لَا يسْتَحق العَاصِي عَلَيْهِ وعيدا وَلم يفرق بَين عبَادَة الصَّنَم والصمد بل عِنْده من سجد للصنم أَعلَى مِمَّن كفر بِهِ وَجحد فَأصَاب الْعلمَاء الْمفْتُون واستجابوا لداعي الْحق بِالصّدقِ وهم منتصرون ثمَّ إِنِّي خشيت نِسْيَان أَقْوَال أهل الإرشادواستمرار مَا تقدم وَصفه بَين أظهر الْمُسلمين من الْفساد فاستخرت الله فِي كِتَابَة فتيا متضمنة لنبذة من كَلَامه منبئة عَن مَفْهُوم معتقده الْفَاسِد ومرامه ليشملها خطوط الْعلمَاء السَّادة الَّذين أورثهم الله بِالْعلمِ الخشية فاغتبطوا بالإفادة فَأَسْرعُوا بِالْبَيَانِ والإيضاح والتبيان قيَاما بِمَا أَخذ عَلَيْهِم من الْمِيثَاق فِي بَيَانه للنَّاس وَهُوَ فِي كل زمَان فرض بَاقٍ وَكتب عَلَيْهَا كل من راقب الله وخشيه وَامْتنع من التبسه مَخَافَة غَيره وخشيه فالكاتب قد قَامَ لله بلوازم فَرْضه والممتنع مسؤول عَن ذَلِك يَوْم عرضه بل زعم أَنه ترك ذَلِك خوف الْفِتْنَة من الْمُخَالفين فَتلك محنة فِي الدّين وَكفى بِاللَّه رقيبا وعَلى كل شيئ حسيبا وهوالغني بِعِلْمِهِ الْمُحِيط عَن أَخْبَار المخبرين المطلع على سرائر الصامتين وضمائر المخبتين ثمَّ كتب السُّؤَال الْمَاضِي ذكره وسَاق أَلْفَاظ المجيبين وهم ابْن جمَاعَة الْحَارِثِيّ والجزري والكناني والبكري والزواوي والباسلي وَقَالَ وَلما تمت الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَة المرموقة المسطورة قَالَ لي بعض الْفُضَلَاء الْعُقَلَاء الَّذين يَقُولُونَ الْحق ويعتمدون الصدْق فِي النصح بَين الْخلق لم لَا سَأَلت التقي ابْن تَيْمِية فَأن غيرته فِي دين الله قَوِيَّة ومعرفته بأقوال المبتدعين وَفِيه فَقلت لَهُ إِنَّهُم يَزْعمُونَ أَنه لَهُم غريما وبمعاداتهم فِي دين الله موسوما فَقَالَ الْعَالم لَا يستخصم وَالْحَاكِم الْعَادِل لَا يستظلم والمفتي لَا يكْتب بقلمه إِلَّا مَا يتعضد فِيهِ بِالْكتاب وَالسّنة بعد أَن يعرض نَفسه على النَّار وَالْجنَّة وَيعلم

ص: 160

أَنه مسؤول عَمَّا كتب إِمَّا فِي الدُّنْيَا من ذَوي الحكم وأرباب الرتب أَو فِي الْآخِرَة من الرب الْعَظِيم الَّذِي يخْشَى ويرتقب فِي يَوْم تجثو فِيهِ الْأُمَم على الركب فَبَان لي وَجه الصَّوَاب فِي قَول الْقَائِل وأضربت عَن تَأْوِيل الْمعَارض الْجَاهِل وَأرْسلت إِلَيْهِ فبادر بِالْجَوَابِ وَرفع الله عَن قلبه فِي ذَلِك كل حجاب وَمَا رَاعى غير الله فِيمَا علم وَلَا أبقى مُمكنا فِيمَا إِظْهَاره لزم ثمَّ أورد الْجَواب وَفِيه طول تَرَكْنَاهُ اختصارا ودعا لَهُ بالتأييد فِيمَا يرومه من أظهار الْحق للحق بِالْحَقِّ فِي الْخلق ويقصده من قِيَامه ونصرته فَإِنَّهُ أشفى وَمَا أشتفى وكف مظَاهر الْمُلْحِدِينَ وَمَا اكْتفى فَإِن الْغَضَب إِذا كَانَ لله لَا يَزُول مُدَّة إِلَّا بِزَوَال مُوجبه وَلَكِن المرجو من الله استئصال أَهله وَكتبه ثمَّ سَاق السَّيْف عَن أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ قَوْله فِي عقيدته الْمَشْهُورَة إِن الله تَعَالَى مَا زَالَ بصفاته قَدِيما قبل خلقه لم يزدْ بكونهم شَيْئا لم يكن قبلهم من صفته وكما كَانَ بصفاته أزليا كَذَلِك لَا يزَال عَلَيْهَا أبديا لَيْسَ مُنْذُ خلق الْخلق اسْتَفَادَ الْخَالِق وَلَا بإحداثه الْبَريَّة اسْتَفَادَ الْبَارِي لَهُ معنى الربوبية وَلَا مربوب وَمعنى الخالقية وَلَا مَخْلُوق وكما أَنه مُحي الْمَوْتَى بعد مَا أحيى اسْتحق هَذَا الإسم قبل إحيائهم وَكَذَلِكَ اسْتحق اسْم الْخَالِق قبل إنشائهم ذَلِك أَنه على كل شيئ قدير وكل شيئ إِلَيْهِ فَقير وكل أَمر عَلَيْهِ يسير لَا يحْتَاج إِلَى شيئ لَيْسَ كمثله شيئ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير فَهَذَا فصل من عقائد الْمُسلمين يتَضَمَّن بمعانيها وَمَفْهُوم ألفاظها ضِدّه قَول صَاحب (الفصوص (اللعين ثمَّ قا 6 ل الطَّحَاوِيّ فِيهَا إِنَّه من وصف الله بِمَعْنى من مَعَاني الْبشر فقد كفر فَكيف بِصَاحِب (الفصوص (الْقَائِل بِأَن الْحق المنزه هُوَ الْخلق الْمُشبه وَأَن الْعَالم صورته وهويته وَغير ذَلِك مِمَّا تقدم ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ إِن من رد حكم كتاب الله عز وجل فَهُوَ

ص: 161

من الْكَافرين وَكم قد رد صَاحب (الفصوص (من حك الله من أصُول الشَّرَائِع الَّتِي لَا تنقض وَلَا تنسخ ككفر عباد الْأَصْنَام وضلال مخالفي الرُّسُل وَأَنَّهُمْ بمخالفتهم أَعدَاء الله وَأَنَّهُمْ أهل النَّار وَلَهُم فِيهَا الخزي وَالْعَذَاب الشَّديد السرمد وَقَالَ فِي الْجنَّة وَالنَّار إنَّهُمَا وَاحِد فِي الذَّوْق وَإِنَّمَا التغاير فِي اللَّوْن هَذِه خضراء وَتلك سَوْدَاء أَو حَمْرَاء وَإِن الطائع والعاصي وَالْمُؤمن وَالْكَافِر الْكل مرضيون مستحقون الْوَعْد وَمَا ثمَّ وَعِيد أصلا وَقد قَالَ الطَّحَاوِيّ فِي العقيدة الْمشَار إِلَيْهَا إِن الْأَمْن واليأس ينتقلان عَن الْملَّة وَإِن إعتقاد عدم حكم الْوَعيد فِي حق من حقت عَلَيْهِ كلمة الْعَذَاب غَايَة الْأَمْن وَنِهَايَة الْكفْر نسْأَل الله السَّلامَة ثمَّ نقل السَّيْف عَن الأوسي الْحَنَفِيّ فِي تصنيف لَهُ فِي الْأُصُول أَن من تكلم بِكَلِمَة الْكفْر فَضَحِك غَيره وَاسْتحْسن كفر وَكَذَا من وصف الله بِمَا لَا يَلِيق بِهِ كفر وَمن أنكر وعده أَو وعيده كفر أَو قَالَ الله فِي سِتّ جِهَات أَو قَالَ يُوجد فِي كل مَكَان وَمن عَابَ نَبيا من الْأَنْبِيَاء أَو صغر اسْمه أَو لم يرض بسنته أَو سمع القَوْل بِأَنَّهُ كَانَ يحب القرع أَو الْخلّ فَقَالَ أَنا لَا أحبه أَو سخر بالشريعة أَو بِحكم من أَحْكَامهَا أَو قَالَ إِن الْخمر لم يثبت تَحْرِيمه بِالْقُرْآنِ أَو صدق كَلَام أهل الْأَهْوَاء أَو قَالَ إِنَّه كَلَام معنوي أَوله معنى صَحِيح أَو من يعرف أَن الله يرحم الْكَافِر أَو الشَّيْطَان وَأهل الاهواء فَإِنَّهُ يكفر بذلك كُله فَكيف بِمن اعْتقد ذَلِك فِي قوم نوح وَقوم هود وَفرْعَوْن وَجعل كل كَافِر وَفَاجِر وفاسق وعاص عِنْد ربه مرضيا فعلى قَائِل ذَلِك ومعتقده اللَّعْنَة إِن مَاتَ على اعْتِقَاد مَا وَضعه فِي كِتَابه الْمَذْكُور ثمَّ نقل عَن القَاضِي عِيَاض قَوْله فِي (الشِّفَاء (اعْلَم وفقنا الله وَإِيَّاك أَن جَمِيع من سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 162

أَو عابه أَو الْحق بِهِ نقصا فِي نَفسه أَو نسبه أَو دينه أَو خصْلَة من خصائله أَو عرض بِهِ أَو شبهه بِشَيْء على طَرِيق السب لَهُ والازراء عَلَيْهِ أَو التصغير لشأنه أَو الغض مِنْهُ وَالْعَيْب لَهُ فَهُوَ سَاب لَهُ وَالْحكم فِيهِ حكم الساب يقتل كَمَا بَينته وَلَا نستثني فصلا من فُصُول هَذَا الْبَاب على هَذَا الْمَقْصد وَلَا نمتري فِيهِ تَصْرِيحًا كَانَ أَو تَلْوِيحًا وَنقل عَن ابْن عتاب انه قَالَ الْكتاب وَالسّنة موجبان إِن من قصد النَّبِي صلى الله عليه وسلم بأذى أَو نقص معرضًا أَو مُصَرحًا وَإِن قل فَقتله وَاجِب قَالَ وَقد علمت تنقيص صَاحب (الفصوص (للمرسلين والانبياء تَصْرِيحًا لَا تَلْوِيحًا وَأورد من كَلَامه قَوْله وَأما العارفون بِالْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ فيظهرون صُورَة الانكار لما عبد من الصُّور لِأَن مرتبتهم فِي الْعلم تعطيهم أَن يَكُونُوا بِحكم الْوَقْت بِحكم الرَّسُول الَّذِي آمنُوا بِهِ عَلَيْهِم الَّذِي بِهِ سموا مُؤمنين فهم عباد الْوَقْت مَعَ علمهمْ بِأَنَّهُم مَا عبدُوا من تِلْكَ الصُّور أعيانها وَإِنَّمَا عبدُوا الله فِيهَا بِحكم سُلْطَان التجلي الَّذِي عرفوه مِنْهُم وجهله الْمُنكر الَّذِي لَا علم لَهُ بِمَا تجلى فيا أهل الْعلم والمتقين من أولي الْفَهم مَعْلُوم باجماع الْمُسلمين من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى أَن مَا عبد الاصنام وَغَيرهَا من الاوثان على اخْتِلَاف أَصْنَاف مَا عبدته الْكفَّار إِلَّا أَجْهَل النَّاس فِي كل زمَان وَمَا أنكرهُ عَلَيْهِم سوى الْمُرْسلين والانبياء وَمن تَبِعَهُمْ من الصديقين وَصَالح الْمُؤمنِينَ الموفقين وَقد عمم هَذَا الضال بِهَذِهِ الْمقَالة تنقيص الْجَمِيع ونسبهم الى الْجَهْل وَعدم الْفَهم وَأثبت لعباد الاصنام والاوثان الاصابة والمعرفة بِاللَّه

ص: 163

فَعَلَيهِ إِن مَاتَ عَلَيْهِ وَكَانَ معتقده لعنة الله وغضبه وَالنَّاس أَجْمَعِينَ انْتهى كَلَامه

أَقُول مَا ذَكرْنَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الائمة عَن ابْن عَرَبِيّ وَأَتْبَاعه من الشناعات والكفريات قَلِيل من كثير وغيض من فيض وَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن ابْن عَرَبِيّ وَنَحْوه لَا يتجاسرون على إعلان هَذِه الكفريات وَإِنَّمَا يدسونها دسا فِي كتبهمْ لَان الاسلام قد بقيت مِنْهُ بَقِيَّة وَالْعُلَمَاء والسلاطين قائمون فِي نحر من يُبْدِي شَيْئا من هَذِه الضلالات فَلَمَّا ضعف الاسلام وانحلت عراه واشتدت غربته صَار هَؤُلَاءِ الابالسة لَا يتحاشون من إِطْلَاق هَذِه الكفريات وَصَارَ كثير من الْخَواص واكثر الْعَوام يَعْتَقِدُونَ فيهم أَنهم صفوة الاولياء وخلاصة الاتقياء فَلَا تسْأَل عَمَّا أحدثه هَؤُلَاءِ الطواغيت وان شِئْت فَانْظُر كتاب (الانسان الْكَامِل (لعبد الْكَرِيم الجيلي ترى مَا فِيهِ من الطَّامَّات والامور الفظيعة والقبائح الشنيعة فَالله الْمُسْتَعَان

وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

قَالُوا وَلم يَك كَافِرًا فِي قَوْله

أَنا ربكُم فِرْعَوْن ذُو الطغيان

أَقُول قَالَ ابْن عَرَبِيّ فِي (الفصوص (لما كَانَ فِرْعَوْن فِي منصب الحكم صَاحب السَّيْف وَإِن جَازَ فِي الْعرف الناموسي لذَلِك قَالَ أَنا ربكُم الاعلى أَي وان كَانَ الْكل أَرْبَابًا نِسْبَة مَا فَأَنا أَعلَى مِنْكُم بِمَا أَعْطيته فِي الظَّاهِر من الحكم فِيكُم وَلما علمت السَّحَرَة صدق فِرْعَوْن فِيمَا قَالَه أقرُّوا لَهُ وَقَالُوا {فَاقْض مَا أَنْت قَاض إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا} طه 72 فصح قَول

ص: 164

فِرْعَوْن أَنا ربكُم الاعلى فَكَانَ فِرْعَوْن عين الْحق وَقد صنف الشَّيْخ مُحَمَّد سعيد الدواني الْمدنِي مصنفا فِي إِيمَان فِرْعَوْن مُتَابعَة لِابْنِ عَرَبِيّ وَقد رد عَلَيْهِ الْعَلامَة الملا عَليّ بن مُحَمَّد الْقَارِي الْهَرَوِيّ برسالة سَمَّاهَا (فر العون عَن مدعي إِيمَان فِرْعَوْن (أَجَاد فِيهَا وَأفَاد جزاه الله خيرا قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فِي جَوَاب لَهُ عَن هَؤُلَاءِ الوجودية بعد أَن حكى عَنْهُم القَوْل بِإِيمَان فِرْعَوْن قَالَ وَهَذَا القَوْل كفر مَعْلُوم فَسَاده بالاضطرار من دين الاسلام لم يسْبق ابْن عَرَبِيّ اليه فِيمَا أعلم أحد من أهل الْقبْلَة وَلَا من الْيَهُود وَلَا من النَّصَارَى بل جَمِيع أهل الْملَل مطبقون على كفر فِرْعَوْن وَهَذَا عِنْد الْخَاصَّة والعامة أبين من أَن يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِدَلِيل فَإِنَّهُ لم يكفر أحد بِاللَّه وَيَدعِي لنَفسِهِ الربوبية والآلهية مثل فِرْعَوْن وَأطَال الْكَلَام

قَوْله وَلَقَد رأى ابليس عارفهم الخ لم أَقف على اسْم هَذَا الْعَارِف وَلَعَلَّه ابْن عَرَبِيّ وَالله اعْلَم

قَوْله ثغرة الطعان الثغرة نقرة النَّحْر بَين الترقوتين قَالَه فِي (الْقَامُوس (وَمِمَّنْ جَاهد أَتبَاع هَؤُلَاءِ الملاعين حق الْجِهَاد وَبلغ جهده فِي قمع أهل الزندقة والالحاد الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد إِسْمَاعِيل ابْن أبي بكر بن عبد الله بن الْمقري الشَّافِعِي صَاحب (عنوان الشّرف (و (مُخْتَصر الْحَاوِي (و (الرَّوْضَة (وَغَيرهمَا من التصانيف البديعة فانه قَامَ فِي تقبيح ابْن عَرَبِيّ وَأَتْبَاعه أتم قيام وَصَارَ ينظم القصائد الحسان فِي ذكر قبائح المنتمين إِلَى هَذَا الْمَذْهَب والانتصار عَلَيْهِم بالعملاء وَالسُّلْطَان وأفرد من (الفصوص (كراسة وقف عَلَيْهَا الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء وَأكْثر من النّظم فِي ذَلِك نظما رائقا يرسخ بِسَمَاعِهِ الايمان فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ وتنسجم بِهِ

ص: 165

عبرات المحبين لشرائع النَّبِيين وتتزلزل بِهِ أَقْدَام المبتدعين وانتشرت قصائده وَظَهَرت بهَا فضائحهم عِنْد أهل تهَامَة وَأهل الْجبَال اذ نقلت الى الامام عَليّ بن صَلَاح بِصَنْعَاء ونظم بعض فُقَهَاء الاشراف على نَحْو نظمه شكرا لَهُ وتحريضا فشاع فِي النَّاس تَكْفِير من يتدين بِمذهب ابْن عَرَبِيّ من الوصفية ب زبيد وَقَالَ التقي الفاسي انه حَدثهُ من حَال ابْن عَرَبِيّ بِملَّة لم يُبينهُ غَيره لَان جمَاعَة من صوفية زبيد أوهموا من لَيْسَ كَبِير نباهة علو مرتبَة ابْن عَرَبِيّ وَنفي الْعَيْب عَن كَلَامه قَالَ وَقد ذكر ذَلِك ابْن الْمقري مَعَ شَيْء من حَال المتصوفة الْمشَار اليهم فِي قصيدة طَوِيلَة من نظمه وَهِي على قافية الرَّاء الْمَكْسُورَة وَقد سَمَّاهَا ناظمها (الْحجَّة الدامغة لرجال الفصوص الزائغة (وَهِي مِائَتَان وَثَلَاثَة واربعون بَيْتا مَوْجُودَة فِي ديوانه قصيدة أُخْرَى يحض فِيهَا سُلْطَان الْيمن على نصر السّنة وخذلان هَذِه الطَّائِفَة وَهِي إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ بَيْتا وصنف رحمه الله تصنيفين فِي هَذَا الْمَعْنى سمى أَحدهمَا (النَّصِيحَة (وَالْآخر (الذريعة إِلَى مَكَارِم الشَّرِيعَة (قَالَ الْحَافِظ السخاوي فِي (القَوْل المنبي (وَقد قَالَ ابْن الْمقري فِي الرِّدَّة من كتاب (الرَّوْض (مُخْتَصر (الرَّوْضَة (من تردد فِي تَكْفِير الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَابْن عَرَبِيّ وطائفته فَهُوَ كَافِر وَقد ترْجم لَهُ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي (طَبَقَات الشَّافِعِيَّة (وَقَالَ بعد أَن بَالغ فِي مدحه نَاظر أَتبَاع ابْن عَرَبِيّ حَتَّى عميت مِنْهُم الابصار وذمغهم بِمَا بلغ حجَّة فِي الافكار انْتهى

قَوْله نَص (الفصوص (هُوَ كتاب لِابْنِ عَرَبِيّ الطَّائِي الْمَشْهُور وَهُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد أَبُو بكر الْحَاتِمِي الطَّائِي ولد بمرسية سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَنَشَأ بهَا وانتقل الى اشبيلية سنة 578 ثمَّ ارتحل وَطَاف الْبلدَانِ

ص: 166

فطوف بِلَاد الشَّام وَالروم والمشرق وَدخل بَغْدَاد وَحدث بهَا بِشَيْء من مصنفاته وَله التآ الْكَثِيرَة توفّي فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من ربيع الآخر سنة 638 ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق فِي دَار القَاضِي مُحي الدّين بن الزكي وَحمل الى قاسيون فَدفن فِي تربته الْمَعْلُومَة وَهُوَ صَاحب المقالات الشنيعة والكفريات الفظيعة أسأَل الله الْعَافِيَة وَقد صنف الْعلمَاء قَدِيما وحديثا فِي الرَّد على (الفصوص (وَصَاحبه فَمن ذَلِك كتاب (اشعة النُّصُوص فِي هتك استار الفصوص (للشَّيْخ الامام الاوحد أَحْمد بن ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شيخ الخزاميين وَكتاب (تسورات النُّصُوص على تهورات الفصوص (للشَّيْخ الامام شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد العيزري تلميذ التَّاج السُّبْكِيّ والعلامة الملا عَليّ بن مُحَمَّد الْقَارِي والحافظ جمال الدّين ابْن الْخياط اليمني والفقيه مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن نور الدّين الموزعي الْيَمَانِيّ وَغَيرهم وَقَالَ الْعَلامَة سِيبَوَيْهٍ زَمَانه جمال الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف بن عبد الله بن هِشَام الانصاري النَّحْوِيّ صَاحب (الْمُغنِي (و (التَّوْضِيح (وَغَيرهمَا لما وقف على (الفصوص (مَا نَصه

هَذَا الَّذِي بضلاله

ضلت أَوَائِل مَعَ أَوَاخِر

من ظن فِيهِ غير ذَا

فلينأ عني فَهُوَ كَافِر

هَذَا كتاب فصوص الظُّلم ونقيض الحكم وضلال الامم كتاب يعجز الذام عَن وَصفه وَقد اكتنفه الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه لقد ضل مُؤَلفه ضلالا بَعيدا وخسر خسرانا مُبينًا لانه مُخَالف لما أرسل بِهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه وَفطر عَلَيْهِ خليقته وَذَلِكَ أَنِّي لما وقفت على هَذَا الْكتاب وجدته قد عقد لكل نَبِي من الانبياء فصا فوقفت على فص

ص: 167

نوح عليه السلام فَقَالَ فِيهِ لَو قَالَ بدل قَوْله {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا} الى آخر كَلَامه ادعوا ربكُم ليكشف لكم الْحجاب لأجابوه انْتهى وَقد أدرجه العيزري فِيمَن كفره وَذكر الْحَافِظ شمس الدّين مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن السخاوي فِي كتاب (القَوْل المنبي عَن تَرْجَمَة ابْن الْعَرَبِيّ (وَهُوَ مُجَلد عَن الْحَافِظ الجهبذ أبي عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهَبِيّ أَنه قَالَ بعد كَلَام حَكَاهُ عَن ابْن عَرَبِيّ بعد حكايته اسْتَغْفرُوا الله وحاكي الْكفْر لَيْسَ بِكَافِر ثمَّ حكى عَن الذَّهَبِيّ كَلَامه فِي ابْن عَرَبِيّ فِي (العبر (و (الْمِيزَان (الى ان قَالَ الذَّهَبِيّ وَمن أمعن النّظر فِي (فصوص (الحكم وانعم التَّأَمُّل لَاحَ لَهُ الْعجب فان الذكي إِذا تَأمل من ذَلِك الاقوال والنظائر والاشباه فَهُوَ اُحْدُ رجلَيْنِ اما من الاتحادية فِي الْبَاطِن وَإِمَّا من الْمُؤمنِينَ بِاللَّه الَّذين يعدون هَذِه النحلة من أكفر الْكفْر نسْأَل الله الْعَافِيَة وَأَن يكْتب الايمان فِي قُلُوبنَا وَأَن يثبتنا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الاخرة فوَاللَّه لِأَن يعِيش الْمُسلم جَاهِلا خلف الْبَقر لَا يعرف من الْعلم شَيْئا سوى سور من الْقُرْآن يُصَلِّي بهَا الصَّلَوَات ويؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الاخر خير لَهُ بِكَثِير من هَذَا الْعرْفَان وَهَذِه الْحَقَائِق وَلَو قَرَأَ مائَة كتاب أَو عمل مائَة خلْوَة وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي الْحسن بن مَنْصُور الحريري من (تَارِيخه الْكَبِير (بعد أَن نقل كلَاما للسيف بن الْمجد فِيهِ رحم الله السَّيْف بن الْمجد وَرَضي الله عَنهُ فَكيف لَو رأى كَلَام الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ الَّذِي هُوَ مَحْض الْكفْر والزندقة لقَالَ ان هَذَا الدَّجَّال المنتظر وَلَكِن كَانَ ابْن عَرَبِيّ منقبضا عَن النَّاس انما يجْتَمع بِهِ آحَاد الاتحادية وَلَا يُصَرح بأَمْره لكل أحد وَلم تشتهر كتبه الا بعد مَوته

ص: 168

بِمدَّة وَلِهَذَا تَمَادى أمره فَلَمَّا كَانَ على رَأس السبعمائة جدد الله لهَذِهِ الامة دينهَا بهتكه وفضيحته وَدَار بَين الْعلمَاء كِتَابه (الفصوص (وَقد حط عَلَيْهِ الشَّيْخ الْقدْوَة الصَّالح ابراهيم بن معضاد الجعبري فِيمَا حَدثنِي بِهِ شَيخنَا ابْن تَيْمِية عَن التَّاج البرنباري أَنه سمع الشَّيْخ ابراهيم يذكر ابْن عَرَبِيّ قَالَ كَانَ يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا وَسَاقه الذَّهَبِيّ فِي مَوضِع آخر عَن الجعبري بِغَيْر اسناد قلت وَرَأَيْت فِي جَوَاب لشيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى عَن سُؤال سُئِلَ فِيهِ عَن بَيَان حَقِيقَة مَذْهَب الاتحادية قَالَ حَدثنِي تَاج الدّين البرنباري الْفَقِيه الْمصْرِيّ الْفَاضِل أَنه سمع الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الجعبري يَقُول رَأَيْت ابْن عَرَبِيّ شَيخا مخضوب اللِّحْيَة وَهُوَ شيخ نحس يكفر بِكُل كتاب أنزلهُ الله وَبِكُل نَبِي ارسله الله قَالَ وحَدثني الشَّيْخ رشيد الدّين بن الْمعلم أَنه قَالَ كنت وَأَنا شَاب بِدِمَشْق أسمع النَّاس يَقُولُونَ عَن ابْن عَرَبِيّ والخسر وشاهي إِن كِلَاهُمَا زنديق أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ وحَدثني الْفَقِيه الْفَاضِل تَاج الدّين البرنباري أَنه سمع الشَّيْخ الْعَارِف ابراهيم الجعبري يَقُول رَأَيْت فِي مَنَامِي ابْن عَرَبِيّ وَابْن الفارض وهما شَيْخَانِ اعميان يمشيان ويقرآن ويقولان كَيفَ الطَّرِيق أَيْن الطَّرِيق وحَدثني شهَاب الدّين بن مري عَن شرف الدّين ابْن الشَّيْخ نجم الدّين ابْن الحكم عَن أَبِيه أَنه قَالَ قدمت دمشق فصادفت موت ابْن عَرَبِيّ فَرَأَيْت جنَازَته كَأَنَّمَا ذَر عَلَيْهَا الرماد فرأيتها لَا تشبه جنائز الاولياء أَو قَالَ فَعلمت ان هَذِه أَو نَحْوهَا هَذَا وَعَن أَبِيه عَن الشَّيْخ عَن اسماعيل الكوراني أَنه كَانَ يَقُول ابْن عَرَبِيّ شَيْطَان وَنقل الذَّهَبِيّ عَن الْقدْوَة الْعَارِف الْعَلامَة شيخ الْوَقْت ابراهيم الرقي أَنه حذر من (الفصوص (وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَمِمَّنْ حط عَلَيْهِ وحذر من كَلَامه الشَّيْخ الْقدْوَة الْوَلِيّ ابراهيم الرقي قَالَ السخاوي

ص: 169

ثمَّ ظَفرت فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور الْحَنْبَلِيّ من (تَارِيخ الاسلام (نقلا عَن الرقي أَنه قَالَ فِي كَلَام ابْن عَرَبِيّ وَابْن الفارض مثله مثل عسل أديف فِيهِ سم فيستعمله الشَّخْص ويستلذ بالعسل وحلاوته وَلَا يشْعر بالسم فيسري فِيهِ وَهُوَ لَا يشْعر فَلَا يزَال فِيهِ حَتَّى يهلكه قَالَ السخاوي وَكَذَا قَالَ شَيخنَا الْمُحب الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ فِيمَا سَمعه من الْبَدْر الدَّمِيرِيّ عَن ابْن الفارض أَنه أَخذ شَهدا أَدخل فِيهِ سما قَالَ السخاوي أنبأني الْعِزّ ابو مُحَمَّد الْحَنَفِيّ رحمه الله عَن الصّلاح أبي الصَّفَا خَلِيل ابْن إيبك الصَّفَدِي أَنه سمع الْحَافِظ ابْن سيد النَّاس يَقُول سَمِعت ابْن دَقِيق الْعِيد يَقُول سَأَلت ابْن عبد السَّلَام عَن ابْن عَرَبِيّ فَقَالَ شيخ سوء كَذَّاب يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا انْتهى وَقَالَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية قَالَ الْفَقِيه ابو مُحَمَّد بن عبد السَّلَام لما قدم الْقَاهِرَة وسألوه عَنهُ فَقَالَ هُوَ شيخ سوء كَذَّاب مقبوح يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا وَقَالَ ابْن مَرْزُوق حَدثنِي غير وَاحِد من أشياخنا عَن شيخهم عز الدّين بن عبد السَّلَام أَنه قَالَ فِيهِ شيخ سوء كَذَّاب وَذكر مَا سَمعه مِمَّا يَقْتَضِي كذبه وافتى هُوَ وَابْن الْحَاجِب بتكفيره انْتهى قَالَ السخاوي أخبرناه بإختصار ابو مُحَمَّد اللَّخْمِيّ بِمَكَّة مشافهة قَالَ أنبأ وَالِدي أَبُو اسحق عَن الْحَافِظ ابي الْفَتْح الْيَعْمرِي فِيمَا وجد بِخَطِّهِ قَالَ سَمِعت الامام الْحَافِظ الزَّاهِد الْعَلامَة أَبَا الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ بن وهب الْقشيرِي يَقُول سَمِعت شَيخنَا الامام أَبَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وَجرى ذكر ابي عبد الله مُحَمَّد بن عَرَبِيّ فَقَالَ شيخ سوء مقبح كَذَّاب فَقلت لَهُ وَكَذَّاب أَيْضا قَالَ نعم تَذَاكرنَا يَوْمًا بِمَسْجِد الْجَامِع بِدِمَشْق التَّزْوِيج بِجوَارِي الْجِنّ فَقَالَ هَذَا فرض محَال لِأَن الانس جنس كثيف وَالْجِنّ روح لطيف وَلنْ يعلوا

ص: 170

الْجِسْم الكثيف الرّوح اللَّطِيف ثمَّ بعد قَلِيل رَأَيْته وَبِه شجة فَسَأَلته عَن سَببهَا فَقَالَ تزوجت امْرَأَة من الْجِنّ وَرزقت مِنْهَا ثَلَاثَة اولاد فاتفق أَن تفاوضنا فأغضبتها فضربتني بِعظم حصلت مِنْهُ هَذِه الشَّجَّة فَانْصَرَفت فَلم أرها بعد هَذَا اَوْ مَعْنَاهُ وَقَالَ الشَّمْس ابْن الْجَزرِي شيخ الْقُرَّاء حَدثنِي شَيخنَا الامام المُصَنّف شيخ الاسلام الَّذِي لم تَرَ عَيْنَايَ مثله عماد الدّين بن ابي عمر ابْن كثير من لَفظه غير مرّة قَالَ حَدثنِي شيخ الاسلام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين ابو الْحسن عَليّ بن عبد الْكَافِي السُّبْكِيّ قَالَ حَدثنِي الشَّيْخ الامام الْعَلامَة شيخ الشُّيُوخ قَاضِي الْقُضَاة عَلَاء الدّين عَليّ بن اسماعيل القونوي قَالَ حَدثنِي شيخ الاسلام قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين ابو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ الْقشيرِي الْمَعْرُوف بِابْن دَقِيق الْعِيد الْقَائِل فِي أَوَاخِر عمره لي أَرْبَعُونَ سنة مَا تَكَلَّمت بِكَلِمَة الا واعددت لَهَا جَوَابا بَين يَدي الله تَعَالَى قَالَ سَأَلت شَيخنَا سُلْطَان الْعلمَاء عز الدّين ابا مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام السّلمِيّ الدِّمَشْقِي عَن ابْن عَرَبِيّ قَالَ شيخ سوء كَذَّاب يَقُول بقدم الْعَالم وَلَا يحرم فرجا ثمَّ قَالَ ابْن الْجَزرِي كَذَا حَدثنِي شَيخنَا ابْن كثير من لَفظه وَرَأَيْت ذَلِك فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَفِيه زِيَادَة رَوَاهَا بَعضهم عَن ابْن عبد السَّلَام وَهِي أَنه وَقع بيني وَبَينه يَوْمًا كلَاما فِي وجود الْجِنّ فَأنْكر وجودهم ثمَّ رَأَيْته بعد ذَلِك فَقَالَ رجعت عَن ذَلِك القَوْل وَأَنِّي قد تزوجت بجنية وَولدت لي وغضبت على يَوْمًا فشجتني فِي وَجْهي وَهَذِه الشَّجَّة مِنْهَا وَأَشَارَ الى وَجهه انْتهى قَالَ الذَّهَبِيّ وَمِمَّنْ أفتى بِأَن كِتَابَة (الفصوص (فِيهِ الْكفْر الاكبر قَاضِي الْقُضَاة بدر الدّين بن جمَاعَة وقاضي الْقُضَاة سعد الدّين مَسْعُود الْحَارِثِيّ والعلامة زين الدّين عمر بن أبي الحزم الْكِنَانِي وَجَمَاعَة سواهُم قَالَ الذَّهَبِيّ

ص: 171

وَلَقَد اجْتمعت بِغَيْر وَاحِد مِمَّن كَانَ يَقُول بوحدة الْوُجُود ثمَّ رَجَعَ وجدد إِسْلَامه وبينوا أَن مقاله هَؤُلَاءِ إِن الْوُجُود هُوَ الله تَعَالَى وانه تَعَالَى يظْهر فِي الصُّورَة المليحة والاشياء البديعة تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الْمُلْحِدُونَ علوا كَبِيرا وَقَالَ الْعَلامَة أثير الدّين أَبُو حَيَّان مُحَمَّد بن يُوسُف بن عَليّ الغرناطي فِي تَفْسِير سُورَة (الْمَائِدَة) من كِتَابه (الْبَحْر الْمُحِيط (عِنْد قَوْله تَعَالَى {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} الْمَائِدَة 72 وَمن بعض اعتقادات النَّصَارَى استنبط بعض من تستر بالاسلام وانتمى الى الصُّوفِيَّة حُلُول الله تَعَالَى فِي الصُّور الجميلة وَمن ذهب من ملاحدتهم الى القَوْل بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشوذي وَابْن أجلى وَابْن عَرَبِيّ الْمُقِيم بِدِمَشْق وَابْن الفارض وَأَتْبَاع هَؤُلَاءِ كَابْن سبعين والششتري تِلْمِيذه وَابْن مطرف الْمُقِيم ب (مرسية (والصفار الْمَقْتُول ب (غرناطة (وَابْن لباح وَأَبُو الْحسن الْمُقِيم كَانَ ب (لورقة (وَمِمَّنْ رَأَيْنَاهُ يرْمى بِهَذَا الْمَذْهَب الملعون الْعَفِيف التلمساني وَله فِي ذَلِك أشعار كَثِيرَة وَابْن عَيَّاش المالقي الاسود الاقطع الْمُقِيم كَانَ ب (دمشق (وَعبد الْوَاحِد بن الْمُؤخر الْمُقِيم كَانَ ب صَعِيد مصر والأيكي العجمي الَّذِي كَانَ تولى المشيخة ب (خانكان سعيد السعدا (بِالْقَاهِرَةِ من ديار مصر وَأَبُو يَعْقُوب بن مُبشر تلميذ الششتري الْمُقِيم كَانَ ب (حارة زويلة (بِالْقَاهِرَةِ وانما سردت الْمسَاء هَؤُلَاءِ نصحا للدّين يعلم الله ذَلِك وشفقة على ضعفاء الْمُسلمين ليحذروهم فهم شَرّ من الفلاسفة الَّذين يكذبُون الله وَرَسُوله وَيَقُولُونَ بقدم الْعَالم وَيُنْكِرُونَ الْبَعْث وَقد أولع جمَاعَة مِمَّن ينتمي الى التصوف بتعظيم هَؤُلَاءِ وادعائهم أَنهم صفوة الله وأولياؤه والامر فيهم كَمَا ذكرت وَالرَّدّ على النَّصَارَى والحلولية والقائلين بالوحدة هُوَ من علم أصُول الدّين انْتهى

ص: 172

وَقَالَ السخاوي فِي (القَوْل النَّبِي (نقلا عَن شيخ الاسلام سراج الدّين أبي حَفْص عمر بن رسْلَان البُلْقِينِيّ الشَّافِعِي وقرأت بِخَطِّهِ على فتيا أَيْضا مَا نَصه لم يكن هَذَا الْفَاجِر الْمَذْكُور يَعْنِي ابْن عَرَبِيّ على الْكتاب وَالسّنة بل كَانَ مُخَالفا وَلَا يحل اعْتِقَاد عقيدته وَلَا الْعَمَل بِمَا يَأْتِي بِهِ من الْبَاطِل وَلَيْسَ كَلَامه ومعتقده الْفَاسِد تَأْوِيل يَقْتَضِي مُوَافقَة الْكتاب وَالسّنة وَمن اعْتقد عقد الْبَاطِل اَوْ تمسك بِهِ فَلَيْسَ على طَرِيق الْحق بل هُوَ على طَرِيق الْبَاطِل فَيلْزم من اعْتقد ذَلِك أَو تمسك بِهِ أَن يَتُوب الى الله تَعَالَى من كفره والحاده وزندقته فان تَابَ والا ضربت عُنُقه لزندقته وَقد كتبت على ذَلِك كراريس بِالْقَاهِرَةِ ودمشق بيّنت فِيهَا أَنه أَتَى بأنواع من الْكفْر والالحاد والزندقة وَلم يَأْتِ بهَا غَيره فنعوذ بِاللَّه من طَريقَة هَذَا الشَّيْطَان وَمن طَريقَة من اتبعهُ وَأَن يجنبنا مَا ابتدعه وَالْحَال مَا ذكر وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ

قَالَ السخاوي وَسمعت شَيخنَا حَافظ الْعَصْر فريد الدَّهْر الشهَاب أَبَا الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد الْعَسْقَلَانِي الْمصْرِيّ الشَّافِعِي الْمَعْرُوف بِابْن حجر سمعته يَقُول مرَارًا إِنَّه جرى بيني وَبَين شخص يُقَال لَهُ ابْن الامين من المحبين لِابْنِ عَرَبِيّ مُنَازعَة كَبِيرَة فِي أَمر ابْن عَرَبِيّ حَتَّى نلْت من ابْن عَرَبِيّ لسوء مقَالَته فَلم يسهل ذَلِك بِالرجلِ المنازع لي فِي امْرَهْ وَكَانَ بِمصْر شيخ يُقَال لَهُ الشَّيْخ صفا يَعْتَقِدهُ الظَّاهِر برقوق فهددني الْمَذْكُور بِأَنَّهُ يغريه بِي فيذكر للسُّلْطَان أَن بِمصْر جمَاعَة مِنْهُم فلَان يذكرُونَ الصَّالِحين بالسوء وَنَحْو ذَلِك فَقلت مَا للسطان فِي هَذَا مدْخل لَكِن نتباهل أَنا وَإِيَّاك فِي امْرَهْ لانه

ص: 173

قل مَا يتباهل اثْنَان فَكَانَ أَحدهمَا كَاذِبًا إِلَّا وَأُصِيب فَأجَاب للمباهلة قَالَ شَيخنَا فَقلت لَهُ قل اللَّهُمَّ إِن كَانَ ابْن عَرَبِيّ على ضلال فالعني بلغتك فَقَالَ ذَلِك وَقلت أَنا اللَّهُمَّ إِن كَانَ ابْن عَرَبِيّ على هدى فالعني بلعنتك وافترقنا قَالَ وَكَانَ يسكن الرَّوْضَة فاستضافه شخص من أَبنَاء الْجند جميل الصُّورَة فَحَضَرَ عِنْده لضيافته ثمَّ بدا لَهُ عدم الْمبيت عِنْده وَخرج فِي اول اللَّيْل وَصَحبه من يشيعه الى الشختور فَلَمَّا رَجَعَ أحس بِشَيْء مر على رجله فَقَالَ لأَصْحَابه مر على رجْلي شَيْء ناعم فانظروا فَلم يرَوا شَيْئا وَمَا رَجَعَ الى منزله الا وَقد عمي بَصَره وَمَا أصبح الا مَيتا وَكَانَ ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَكَانَت المباهلة فِي رَمَضَان مِنْهَا قَالَ وَكنت عِنْد وُقُوع المباهلة عرفت من حضر أَن من كَانَ مُبْطلًا فِي المباهلة لَا تمْضِي عَلَيْهِ السّنة انْتهى وَقد حَكَاهَا القَاضِي التقي الفاسي فِي تصنيفه فَقَالَ سَمِعت الْحَافِظ شهَاب الدّين ابْن حجر وَذكر مَعْنَاهَا وَأَنه كتبهَا لَهُ بِخَطِّهِ قلت واحوال هَذَا الرجل وَمَا أظهر من الكفريات والضلالات والزندقة كثير شهير وَمن أَرَادَ استقصاء ذَلِك فليطالع كتاب (القَوْل المنبي عَن تَرْجَمَة ابْن عَرَبِيّ (وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة وَلَقَد أحسن الْعَلامَة شرف الدّين أَبُو مُحَمَّد اسماعيل ابْن أبي بكر الْمقري اليمني الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى حَيْثُ يَقُول فِي منظومته الرائية الَّتِي سَمَّاهَا (الْحجَّة الدامغة لرجال الفصوص الزائغة)

فقد حدثت فِي الْمُسلمين حوادث

كبار الْمعاصِي عِنْدهَا كالصغائر

حوتهن كتب حَارب الله رَبهَا

وَبهَا عز من عز بَين الحواضر

ص: 174

.. تجاسر فِيهَا ابْن العرابي واجترى

على الله فِيمَا قَالَ كل التجاسر

فَقَالَ بِأَن الرب وَالْعَبْد وَاحِد

فربي مربوب بِغَيْر تغاير

وَأنكر تكليفا إِذْ العَبْد عِنْده

إِلَه وَعبد فَهُوَ إِنْكَار جَائِر

وَخطأ إِلَّا من يرى الْخلق صُورَة

وهوية لله عِنْد التناظر

وَقَالَ يحل الْحق فِي كل صُورَة

تجلى عَلَيْهَا فَهِيَ احدى الْمظَاهر

وَأنكر ان الله يغنى عَن الورى

ويغنون عَنهُ لِاسْتِوَاء المقادر

كَمَا ظلّ فِي التهليل يهزا بنفيه

وإثبائه مستجهلا للمغاير

وَقَالَ الَّذِي يَنْفِيه عين الَّذِي أَتَى

بِهِ مثبتا لَا غير عِنْد التحاذر

فأفسد معنى مَا بِهِ النَّاس اسلموا

ولألغاه الغابينات التهاتر

فسبحان رب الْعَرْش عَمَّا يَقُوله

أعاديه من أَمْثَال هذي الاكابر

وَقَالَ عَذَاب الله عذب وربنا

ينعم فِي نيرانه كل فَاجر

وَقَالَ بِأَن الله لم يعْص فِي الورى

فَمَا ثمَّ مُحْتَاج لعاف وغافر

وَقَالَ مُرَاد الله وفْق لامره

فَمَا كَافِر إِلَّا مُطِيع الاوامر

وكل امرىء عِنْد الْمُهَيْمِن مرتضى

سعيد فَمَا عَاص لَدَيْهِ بخاسر

ص: 175

.. وَقَالَ يَمُوت الْكَافِرُونَ جَمِيعهم

وَقد آمنُوا غير المفاجي المبادر

وَمَا خص بالايمان فِرْعَوْن وَحده

لَدَى مَوته بل عَم كل الكوافر

فكذبه يَا هَذَا تكن خير مُؤمن

وَإِلَّا فَصدقهُ تكن شَرّ كَافِر

واثنى على من لم يجب نوح اذدعا

إِلَى ترك ود أَو سواع وناسر

وسمى جهولا من يطاوع أمره

على تَركهَا قَول الكفور المجاهر

وَلم ير بالطوفان إغراق قومه

ورد على من قَالَ رد المناكر

وَقَالَ بلَى قد أغرقوا فِي معارف

من الْعلم والباري لَهُم خير نَاصِر

كَمَا قَالَ فازت عَاد بِالْقربِ واللقا

من الله فِي الدُّنْيَا وَفِي الْيَوْم الاخر

وَقد أخبر الْبَارِي بلعنته لَهُم

وابعادهم فاعجب لَهُ من مكابر

وَصدق فِرْعَوْن وَصحح قَوْله

أَنا الرب الاعلى وارتضى كل سامر

واثنى على فِرْعَوْن بِالْعلمِ والذكا

وَقَالَ لمُوسَى عجلة الْمُتَبَادر

وَقَالَ خَلِيل الله فِي الذّبْح واهم

ورؤيا ابْنه تحْتَاج تَعْبِير عَابِر

ويعظم أهل الْكفْر والانبياء لَا

يعاملهم الا بحط المقادر

يثني على الاصنام خيرا وَلَا يرى

لَهَا عابدا مِمَّن عصى أَمر آمُر

وَكم من جرآت على الله قَالَهَا

وتحريف آيَات بِسوء تفاسر

وَلم يبْق كفر لم يلابسه عَامِدًا

وَلم يتورط فِيهِ غير محاذر

ص: 176

.. وَقَالَ سيأتينا من الصين خَاتم

من الاولياء الاولياء الاكابر

لَهُ رُتْبَة فَوق النَّبِي ورتبة

لَهُ دونه فاعجب لهَذَا التنافر

فرتبته الْعليا يَقُول لانه

من التابعية فِي الامور الظَّوَاهِر

وَقَالَ اتِّبَاع الْمُصْطَفى لَيْسَ وَاضِعا

لمقداره الاعلى وَلَيْسَ بحاقر

فَإِن يدن عَنهُ لاتباع فانه

يرى مِنْهُ أعلا من وُجُوه أَوَاخِر

ترى خَال نقصا فِي (جوب) اتِّبَاعه

لاحمد حَتَّى جا بهذي المعاذر

فَلَا قدس الرَّحْمَن شخصا بحبه

على مَا يرى من قبح هذي المخابر

وَقَالَ بِأَن الانبياء جَمِيعهم

بمشكاة هَذَا تستضىء فِي الدياجر

الى ان قَالَ

فَهَل أَبْصرت يَا ابْن الاحاير

بأكذب من هَذَا وأكفر فِي الورى

وأجرى على غشيان هذي البواطن

فَلَا يَدعِي من صدقوه ولَايَة

وَقد ختمت فليؤخذوا بالاقادر

فيا لعباد الله مَا ثمَّ ذُو حجى لَهُ بعض تَمْيِيز بقلب وناظر

اذا كَانَ ذُو كفر مُطيعًا كمؤمن

وَلَا فرق فِينَا بَين بر وَفَاجِر

كَمَا قَالَ هَذَا إِن كل أوَامِر

من الله جَاءَت فَهِيَ وفْق المقادر

فَلم بعثت رسل وسنت شرائع

وَأنزل قُرْآن بهذي الزواجر

ص: 177

.. ايخلع مِنْكُم ربقة الدّين عَاقل

لقَوْل غريق فِي الضَّلَالَة حائر

وَيتْرك مَا جائت بِهِ الرُّسُل من هدى

لاقوال هَذَا الفيلسوف المغادر

فيا محسني ظن بِمَا فِي (فصوصه (

وَمَا فِي (فتوحات الشرور (الدَّوَائِر

عَلَيْكُم بدين الله لَا تصبحوا غَدا

مساعر نَار قبحت من مساعر

فَلَيْسَ عَذَاب الله عذبا كَمثل مَا

يمينكم بعض الشُّيُوخ المدابر

وَلَكِن أَلِيم مثل مَا قَالَ رَبنَا

بِهِ الْجلد ينضج ان يُبدل بآخر

غَدا تعلمُونَ الصَّادِق القَوْل مِنْهُمَا

اذا لم يتوبوا الْيَوْم علم مبَاشر

وييبدو لكم غير الَّذِي يعدونكم

بِأَن عَذَاب الله لَيْسَ بضائر

وَيحكم رب الْعَرْش بَين مُحَمَّد

وَمن سنّ علم الْبَاطِن المتهاتر

وَمن جا بدين مفتر غير دينه

فَأهْلك أَغْمَارًا بِهِ كالاباقر

فَلَا تخذلن الْمُسلمين عَن الْهدى

وَمَا للنَّبِي الْمُصْطَفى من مآثر

2

وَلَا تؤثروا غير النَّبِي على النَّبِي

فَلَيْسَ كنور الصُّبْح ظلم الدياجر

دعوا كل ذِي قَول لقَوْل مُحَمَّد

فَمَا آمن فِي دينه كمخاطر

وَأما رجالات (الفصوص (فانهم

يعومون فِي بَحر من الْكفْر ظَاهر

إِذا رَاح بِالرِّيحِ المتابع أحمدا

على هَدْيه راحوا بصفقة خاسر

سيحكي لَهُم فِرْعَوْن فِي دَار خلده

باسلامه المقبول عِنْد التحاور

ص: 178

.. وَيَا أَيهَا الصُّوفِي خف من (فصوصه (

خَوَاتِم سوء غَيرهَا فِي الخناصر

فلاسفة باسم التصوف أبرزوا

عقائد كفر بالمهيمن ظَاهر

كَلَام (الفصوص (احذره فَهُوَ كَمَا ترى

وَتسمع لَا تعدل بِهِ كفر كَافِر

وحاربه فِي الْبَارِي فقد ضل واعتدى

وَكَانَ على الْإِسْلَام أجور جَائِر

وَفِي بعض مَا أمليته من كَلَامه

غنى بعضه كَاف لأهل البصائر

وَيَا عُلَمَاء الدّين مَا الْعذر فِي غَد

من الله إِن عوتبتم فِي التدابر

أما أَخذ الْمِيثَاق فِي أَن تبينوا

علومكم للنَّاس عِنْد التذاكر

وَأوجب لعنا مِنْهُ فِي معشر عصوا

وَلم يتناهوا عَن فعال المناكر

يسب إِلَه الْعَرْش فِيكُم وكلكم

حُضُور ألالا قدست من محَاضِر

يُقَال بِأَن الرب عبد وَعَبده

هُوَ الرب والتكليف لَيْسَ بِظَاهِر

وَإِن رَسُول الله يَأْتِي وَرَاءه

من الصين من يعلوه عِنْد التفاخر

ويطرق سمعا بَيْنكُم مثل هَذِه

وينهيكم طعم الْكرَى فِي المحاجر

أيدعى بمحيى الدّين هَذَا افتسكتوا

بَرِئت إِلَى الرَّحْمَن من كل غادر

أما لكم فِي الله وَالرسل غيرَة

أما رجل مِنْكُم شَدِيد المرائر

أعيذكم أَن تسمعوا فيهم الْأَذَى

وتبدون حلم الموجع المتصابر

ص: 179

.. فَإِن لم تصبكم فِي الْإِلَه حمية

وتفتوا بِمَا دونتم فِي الدفاتر وَإِلَّا فَلَا أبدت لكم صفحاتها

وَلَا وضعت أقلامكم فِي المحابر

لمن تحفظون الْعلم أَو تدخرونه

إِذا لم تقوموا عِنْد هذي الجرائر

أَفِي الله أوفي الْمُصْطَفى ذُو صداقة

تحابونه أوذوا وداد معاشر

وَهل من عَزِيز عنْدكُمْ تؤثرونه

على الله وَالْمُخْتَار عِنْد التضافر

تبَاع وتقرأ هَذِه الْكتب فِيكُم

وَأَنْتُم سَوَاء وَالَّذِي فِي الْمَقَابِر

فَإِن قُلْتُمْ لم تنه فِينَا علومه

فها أَنا قد أنهيت هَل من مبازر

أما أحرقت فِي مصر وَالشَّام كتبه

باجماع أهل الْعلم باد وحاضر

أما رجعُوا فِيهَا إِلَى ملك أَرضهم

فَشد لنصر الله عقد المآزر

وذب عَن الدّين الحنيفي بِسَيْفِهِ

برغم عرانين الأنوف الصواغر

فَمَا الْعذر إِن لم تنهضوا وتناصروا

على مَا أمرْتُم عِنْده بالتناصر

وللطير فِي الْخطب اجْتِمَاع وضجة

فَهَل أَنْتُم فِي الضعْف دون العصافر

إِلَى أَن قَالَ فِي مُخَاطبَة بعض من حاوره فِي ابْن عَرَبِيّ

ص: 180

.. فَإِن قلت دين ابْن العرابي ديننَا

وتكفيره تكفيرنا فالتحاذر

أقل إِنَّك الْآن الْمُكَفّر نَفسه

وَأَنت الَّذِي ألقيتها فِي التهاتر

فَذَلِك دين غير دين مُحَمَّد

وَكفر لجوج فِي الضَّلَالَة ماهر

اتى بمحال لَو عقلت رفضته

وَكنت لَهُ فِي الله أول هَاجر

كَلَام كأقوال المجانين بثه

إِلَيْكُم على جرف من الْكفْر هائر

أضلّ بِهِ من يقتفيه من الورى

فَمَا مِنْكُم للمقتفين بعاذر

تجنيت لي ذَنبا بذمي (فصوصكم (

وَذَلِكَ عِنْد الله إِحْدَى ذخائري

هلا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ عنْدك غيبَة

وَهل سبّ عرضا من نهى عَن مناكر

وَهِي طَوِيلَة نَحْو مِائَتَيْنِ وَثَلَاث وَأَرْبَعين بَيْتا

وَأما ابْن سبعين فَهُوَ عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَارِيخ الْإِسْلَام) عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم الشَّيْخ الضال أَبُو مُحَمَّد المريسي الصُّوفِي الفيلسوف وَله كَلَام فِي الْحَقِيقَة على طَريقَة الِاتِّحَاد مَاتَ بِمَكَّة سنة 669 وَسبب نُزُوله مَكَّة أَنه ظهر مِنْهُ كَلَام أوجب للْعُلَمَاء الْفَتْوَى بقتْله فهرب إِلَيْهَا وَأظْهر لأبي نمي يَعْنِي الشريف صَاحب مَكَّة اشياء من السيماء والكيمياء حَتَّى صَار عِنْده فِي الذرْوَة وأحدث لَهُ ابْن سبعين هَذِه الْخطْبَة الَّتِي يخْطب فِيهَا الْمُؤَذّن على قبَّة زَمْزَم وَيذكر نسبه إِلَى عَليّ بن أبي طَالب

ص: 181

رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ ابْن سبعين لأبي نمي دَعْنِي أخرب هَذَا الرُّكْن الْأسود وأستخرج لَك من تَحْتَهُ سرا لَيْسَ عنْدك ملك مثله قَالَ فحكاها لخطيب مَكَّة فَزَاد فِيهَا أَنه قَالَ وأحفر دَاخل الْبَيْت عَن دفائن وخبايا وَكَانَ يعيب الطائفين وَيَقُول لماذا يَدُور احدهم حول الْبَيْت وَكَانَ يخرج إِلَى مفازة ظَاهر مَكَّة فَيسْجد للشمس وَكَانَ يسْجد للقطب الشمالي وَلما مَاتَ لم يشيعه إِلَّا نفر قَلِيل جدا فَإِن النَّاس شكوا فِي أمره وَظهر عَنهُ أَعمال من جنس السحر انْتهى

قَالَ الذَّهَبِيّ قلت مَا زَالَ ابْن سبعين بِحَمْد الله تَعَالَى ممقوتا عِنْد عُلَمَاء الْإِسْلَام إِلَّا من كَانَ على خَبِيث نحلته قَالَ والسبعينية فُقَهَاء زنادقة يتركون الصَّلَاة ويفعلون العظائم وَلَهُم رموز وإشارات أكره أَن أتفوه بهَا ثمَّ قَالَ إِن فتحنا بَاب التَّأْوِيل عَن المقالات والضلالات بطلت دواوين الْملَل والنحل لِأَن أَبَا حَامِد ذكر فِي (مشاكة الْأَنْوَار (فصلا فِي حَال الْحُسَيْن الحلاج وَأخذ يعْتَذر عَمَّا صدر مِنْهُ من الاطلاقات الكفرية وَأَقْبل يحملهَا على محامل بعيدَة وَقَالَ هَذَا من شدَّة الوجد كَمَا قيل

أَنا من أَهْوى

وَمن أَهْوى أَنا

قَالَ الذَّهَبِيّ قلت كَانَ البدريون أَشد حبا لله فَمَا نطقوا بِهَذَا وَقد يَقُول الْعَارِف كلَاما لَا بَأْس بالاعتذار عَنهُ أما من يَقُول إِن هَذَا الْعَالم هُوَ حَقِيقَة الله فَهَذَا لعين وَالْمُسلم إِذا تَأمل كتب هَؤُلَاءِ وأمعن النّظر فِيهَا حصل لَهُ مَا لَا ينْدَفع أَنهم فرقة مارقة عَن الْإِسْلَام وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِن الْخَالِق هُوَ عين المخلوقين تَعَالَى الله عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا لَكِن من لطف الله تَعَالَى أَن هَؤُلَاءِ الباطنية خاملون لَا يجسرون أَن يعلنوا

ص: 182

بإفكهم فِي مَسَاجِد الْإِسْلَام وَلَا فِي بِلَاد الْكتاب وَالسّنة فسل رَبك الثَّبَات على كلمة التَّقْوَى انْتهى كَلَامه

وَذكره ابْن عبد الْملك فِي (التكملة (وَقَالَ فِيهِ كثر اتِّبَاعه على مذ 4 هبه الَّذِي كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ من التصوف نحلة ارتسموا بهَا من غير تَحْصِيل لَهَا وصنف فِي ذَلِك أوضاعا كَثِيرَة تلقوها مِنْهُ ونقلوها عَنهُ وبثوها فِي الْبِلَاد شرقا وغربا لَا يخلى أحد مِنْهَا بطائل وَهِي إِلَى وساوس المخبولين وهذيان الممرورين أقرب مِنْهَا إِلَى مُنَازع أهل الْعلم وَلَفظه غير بلد وصقع لما كَانَ يرْمى بِهِ من بلايا الله أعلم بحقيقتها ومطلع على سَرِيرَته فِيهَا وَتعقبه بعض عُلَمَاء السّنة من المغاربة فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يُثبتهُ فِي مُصَنفه فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يذكر مَعَ أهل الْعلم وَالتَّفْسِير وَلَا كَرَامَة وَلَا وَالله مَعَ أهل التَّوْحِيد

وَأما الْعَفِيف التلمساني فَهُوَ سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله التلمساني الأديب قَالَ الذَّهَبِيّ من فحول الشُّعَرَاء وكبار الاتحادية يدعى الْعرْفَان لَهُ شعر رائق وَكَانَ كَاتبا على سوق الْغنم بِدِمَشْق لَهُ هَيْئَة وَحُرْمَة وَكَانَ يتعاطى الْخمر ويتملطخ بمعايب نسْأَل الله الْعَفو وَكَانَ قد دخل الرّوم وَعمل الْخلْوَة وجاع وَشرح (مَوَاقِف النفري (وَهُوَ الْقَائِل

ص: 183

.. إِلَى الراح هبوا حِين تَدْعُو المثالث

فَمَا الراح للأرواح الابواعث

هِيَ الْجَوْهَر الصّرْف الْقَدِيم فَإِن بَدَت

لَهَا حبب زينت بهَا وَهُوَ حَادث

مَاتَ سنة 609 وَذكره ابو حَيَّان فَقَالَ وَرَأَيْت بِالْقَاهِرَةِ الْعَفِيف أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَليّ بن ثَابت الْكُوفِي وَكَانَ يحضر عِنْدِي 1 فِي بَيْتِي فِي الْمدرسَة الصالحية وَينظر فِي شَيْء من النَّحْو وَأنْشد لي قطعا من شعره وَكَانَ قد تزوج بنت ابْن سبعين وأولدها ولدا يُسمى مُحَمَّدًا وَكَانَ شَاعِرًا ظريفا وَمَات وَهُوَ شَاب وَلما حضر مَعنا للْقِرَاءَة على الشَّيْخ شمس الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود الْأَصْبَهَانِيّ سَأَلَهُ من أَنْت فَقَالَ أَنا ابْن مملوكك الْعَفِيف التلمساني فَتَبَسَّمَ وَقَالَ أَنْت عريق فِي الألوهية وأمك بنت سبعين وَأَبُوك الْعَفِيف التلمساني وَكَانَ التلمساني متقلبا فِي احواله فَتَارَة يكون شيخ زَاوِيَة وَتارَة يشْتَغل فِي ديوَان الخدم قدم علينا الْقَاهِرَة فَنزل فِي (خانكاة سعيد السُّعَدَاء (فِي أيالة شيخ الشُّيُوخ إِذْ ذَاك وَأقَام أشهرا ثمَّ حُكيَ عَنهُ أَنه حضر مجْلِس أنس وَمَعَهُمْ مغن مليح فشاع عَنهُ أَنه قبل الْمُغنِي وَقَالَ أَنْت الله فَرمى الصَّبِي الطار من يَده ووجم لمقالة الْعَفِيف وَأصْبح أهل الْمجْلس يتحدثون بِمَا قَالَه الْعَفِيف فخاف على نَفسه وَخرج فَارًّا قبل الظّهْر إِلَى الشَّام

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى وحَدثني الشَّيْخ الْعَالم الْعَارِف كَمَال الدّين المراغي شيخ زَمَانه أَنه لما قدم وبلغه كَلَام هَؤُلَاءِ فِي التَّوْحِيد قَالَ قرات على الْعَفِيف التلمساني من كَلَامهم شَيْئا فرأيته

ص: 184