المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قوله بسم الله الرحمن الرحيم - توضيح المقاصد شرح نونية ابن القيم الكافية الشافية - جـ ١

[أحمد بن عيسى]

فهرس الكتاب

- ‌رب يسر وأعن يَا كريم

- ‌فصل فِي تَرْجَمَة النَّاظِم

- ‌قَوْله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌أأغصان بَان مَا أرى أم شمائل

- ‌فَصِل

- ‌فصل…وَقضى بِأَن الله كَانَ معطلاوَالْفِعْل مُمْتَنع بِلَا إِمْكَان…ثمَّ اسْتَحَالَ وَصَارَ مَقْدُورًا لَهُمن غير أَمر قَامَ بالديان…بل حَاله سُبْحَانَهُ فِي ذَاتهقبل الْحُدُوث وَبعده سيان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي مُقَدّمَة نافعة قبل التَّحْكِيم

- ‌فصل وَهَذَا أول عقد مجْلِس التَّحْكِيم

- ‌وَهِي تِسْعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا وَالثَّانيَِة أَولهَا

- ‌فِي قدوم ركب آخر

- ‌فصل فِي قدوم ركب آخر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وَثَانِيها صَرِيح علوه…وَله بِحكم صَرِيحه لفظانلفظ الْعلي وَلَفظه الاعلى معرفَة(أتتك هُنَا) لقصد بَيَانإِن الْعُلُوّ لَهُ بمطلقه على التَّعْمِيم والاطلاق بالبرهان…وَله الْعُلُوّ من الْوُجُوه جَمِيعهَاذاتا وقهرا مَعَ علو الشاني…لَكِن نفاة علوه سلبوه إكما

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وَثَانِي عشرهَا وصف الظهور لَهُ كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن…وَالظَّاهِر العالي الَّذِي مَا فَوْقهشَيْء كَمَا قد قَالَ ذُو الْبُرْهَان…حَقًا رَسُول الله ذَا تَفْسِيرهوَلَقَد رَوَاهُ مُسلم بِضَمَان…فاقبله لَا تقبل سواهُ من التفاسير الَّتِي قيلت بِلَا برهَان…وَالشَّيْء حِين يتم

- ‌فصل…هَذَا وثالث عشرهَا أخباره…انا نرَاهُ بجنة الْحَيَوَانفسل الْمُعَطل هَل يرى من تحتنا…أم عَن شَمَائِلنَا وَعَن أَيْمَانأم خلفنا وأمامنا سُبْحَانَهُ…أم هَل يرى من فَوْقنَا بِبَيَانيَا قوم مَا فِي الامر شَيْء غير ذَا…أَو أَن رُؤْيَته بِلَا إِمْكَانإِذْ رُؤْيَة لَا فِي مُقَابلَة من

- ‌فصل…هَذَا ورابع عشرهَا إِقْرَار سائله بِلَفْظ الاين للرحمن…وَلَقَد رَوَاهُ أَبُو رزين بَعْدَمَاسَأَلَ الرَّسُول بِلَفْظِهِ بوزان…وَرَوَاهُ تبليغا لَهُ ومقررالما أقربه بِلَا نكران…هَذَا وَمَا كَانَ الْجَواب جَوَاب من لَكِن جَوَاب اللَّفْظ بالميزان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وسابع عشرهَا أخبارهسُبْحَانَهُ فِي مُحكم الْقُرْآن…عَن عَبده مُوسَى الكليم وحربهفِرْعَوْن ذِي التَّكْذِيب والطغيان…تَكْذِيبه مُوسَى الكليم بقولهالله رَبِّي فِي السما نباني

- ‌فصل…هَذَا وثامن عشرهَا تنزيهه…سُبْحَانَهُ عَن مُوجب النُّقْصَانوَعَن الْعُيُوب وَمُوجب التَّمْثِيل والتشبيه جلّ الله ذُو السُّلْطَان

- ‌فصل…هَذَا وتاسع عشرهَا الزام ذِي التعطيل أفسد لَازم بِبَيَان…وَفَسَاد لَازم قَوْله هُوَ مُقْتَضلفساد ذَاك القَوْل بالبرهان…فسل الْمُعَطل عَن ثَلَاث مسَائِل تقضي على التعطيل بِالْبُطْلَانِمَاذَا تَقول أَكَانَ يعرف ربه…هَذَا الرَّسُول حَقِيقَة الْعرْفَانأم لَا وَهل كَانَت نصيحة لنا…كل

- ‌فصل…هَذَا وَخَاتم هَذِه الْعشْرين وَجها…وَهُوَ أقربها الى الاذهانسرد النُّصُوص فانها قد نوعت…طرق الادلة فِي أتم بَيَانوَالنّظم يَمْنعنِي من استيفائها…وسياقه الالفاظ بالميزانفاشير بعض إِشَارَة لمواضع…مِنْهَا وَأَيْنَ الْبَحْر من خلجانفاذكر نُصُوص الاسْتوَاء

- ‌فصل…هَذَا وحاديها وَعشْرين الَّذِي…قد جَاءَ فِي الاخبار وَالْقُرْآنإتْيَان رب الْعَرْش جل جلاله…ومجيئه للفصل بالميزانفَانْظُر الى التَّقْسِيم والتنويع فِي الْقُرْآن تلفيه صَرِيح بِبَيَان…ان الْمَجِيء لذاته لَا أمرهكلا وَلَا ملك عَظِيم الشان…اذ ذَانك الامران قد ذكرا

- ‌فصل

- ‌يعْنى حَدِيث جَابر فِي خطبَته صلى الله عليه وسلم يَوْم عَرَفَة وَقد تقدم

الفصل: ‌قوله بسم الله الرحمن الرحيم

‌قَوْله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

ابْتَدَأَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى ب (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (اقْتِدَاء بِالْكتاب الْعَزِيز وتأسيا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مكاتباته للملوك وَغَيرهم وامتثالا لقَوْله صلى الله عليه وسلم (كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِي ب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَهُوَ أقطع (رَوَاهُ عبد الْقَادِر الرهاوي فِي (الاربعين البلدانية (وَكَذَا الْخَطِيب من حَدِيث ابي هُرَيْرَة رضي الله عنه وَمعنى ذِي بَال أَي حَال شرِيف يحتفل لَهُ ويهتم بِهِ وَبَين يَدي كل الامور المهمة

وَقَوله اقْطَعْ أَي نَاقص الْبركَة وَقد يكون غير مُعْتَد بِهِ وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم (اسناده صَحِيح

تَنْبِيه اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا اذا كَانَ الْكتاب كُله شعرًا فجَاء عَن الشّعبِيّ رحمه الله منع ذَلِك وَعَن الزُّهْرِيّ رحمه الله قَالَ مَضَت السّنة أَن لَا يكْتب فِي الشّعْر (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (وَعَن سعيد بن جُبَير رحمه الله جَوَاز ذَلِك وَتَابعه على ذَلِك الْجُمْهُور

ص: 10

وَقَالَ الْخَطِيب وَهُوَ الْمُخْتَار انْتهى وَلَا سِيمَا ان كَانَ المنظوم من نفائس الْعُلُوم قَالَ بعض الْعلمَاء الرَّاجِح عِنْد الْجُمْهُور طلب الْبَسْمَلَة فِي ابْتِدَاء الشّعْر مَا لم يكن محرما اَوْ مَكْرُوها قَالَ واما مَا تعلق بالعلوم فَمحل اتِّفَاق

قَوْله بِسم الله أَي باسم مُسَمّى هَذَا اللَّفْظ الاعظم الْمَوْصُوف بأوصاف الْكَمَال فالباء مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف وَتَقْدِيره فعلا خَاصّا مُؤَخرا اولى من تَقْدِيره اسْما عَاما مقدما أما اولوية كَونه فعلا فَلِأَنَّهُ الاصل فِي الْعَمَل وَحِينَئِذٍ فَمحل الْجَار وَالْمَجْرُور النصب على المفعولية بِالْفِعْلِ الْمُقدر واما أَوْلَوِيَّة كَونه خَاصّا فَلِأَنَّهُ أدل على الْمَطْلُوب فتقدير الف عِنْد التَّأْلِيف أولى من ابتدائي وَكَذَا عِنْد الْقِرَاءَة وَنَحْو ذَلِك فَيقدر عِنْد كل أَمر مَا يُنَاسِبه واما أَوْلَوِيَّة تَقْدِيره مُؤَخرا فلأمرين احدهما الاهتمام بِالِابْتِدَاءِ باسم الله تَعَالَى لفظا وتقديرا لانه تَعَالَى يقدم ذاتا فَقدم ذكرا ليُوَافق الِاسْم الْمُسَمّى

وَالثَّانِي لافادة التَّخْصِيص كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} لَا يُقَال الاولى مُلَاحظَة قَوْله تَعَالَى {اقْرَأ باسم رَبك} لانا نقُول الْمَطْلُوب الاهم ثمَّ الْقِرَاءَة لانها أول مَا نزل عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم واول مَا طرق المسامع الشَّرِيفَة من الْوَحْي فَكَانَ الانسب تَقْدِيم الْقِرَاءَة لمزيد الاعتناء بهَا والاهتمام وَالله أعلم

فَائِدَة الِاسْم فِي الْمَخْلُوق غير الْمُسَمّى وَفِي حق الْخَالِق تَعَالَى لَا غير وَلَا عين قَالَ الامام الْمُحَقق ناظم هَذِه الْمَنْظُومَة فِي كِتَابه (بَدَائِع الْفَوَائِد (اسماء الله الْحسنى فِي الْقُرْآن من كَلَامه تَعَالَى وَكَلَامه غير مَخْلُوق وَلَا يُقَال هِيَ غَيره وَلَا هِيَ هُوَ وَهَذَا الْمَذْهَب مُخَالف لمَذْهَب الْمُعْتَزلَة الَّذين يَقُولُونَ اسماؤه غَيره وَهِي مخلوقة انْتهى

و (الله (علم على رَبنَا سُبْحَانَهُ قَالَ الْكسَائي وَالْفراء أَصله الاله حذفوا

ص: 11

الْهمزَة وادغموا اللَّام فصارتا لاما وَاحِدَة مُشَدّدَة مفخمة قَالَ النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (زعم السُّهيْلي وَشَيْخه ابْن الْعَرَبِيّ أَن اسْم الله غير مُشْتَقّ لَان الِاشْتِقَاق يسْتَلْزم مَادَّة يشتق مِنْهَا واسْمه سُبْحَانَهُ قديم لَا مَادَّة لَهُ فيستحيل الِاشْتِقَاق وَلَا ريب أَنه ان اريد بالاشتقاق هَذَا الْمَعْنى فَهُوَ بَاطِل وَلَكِن من قَالَ بالاشتقاق لم يرد هَذَا الْمَعْنى وَلَا ألم بِقَلْبِه وانما اراد انه دَال على صفة لَهُ تَعَالَى وَهِي الالهية كَسَائِر اسمائه الْحسنى من الْعَلِيم والقدير فانها مُشْتَقَّة من مصادرها بِلَا ريب وَهِي قديمَة وَالْقَدِيم لَا مَادَّة لَهُ فَمَا كَانَ جوابكم عَن هَذِه الاسماء كَانَ جَوَاب من قَالَ بالاشتقاق فِي الله تَعَالَى ثمَّ الْجَواب عَن الْجَمِيع أَنا لَا نعني بالاشتقاق الا أَنَّهَا ملاقية لمصادرها فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى لَا أَنَّهَا مُتَوَلّدَة مِنْهَا تولد الْفَرْع من أَصله وَتَسْمِيَة النُّحَاة الْمصدر والمشتق مِنْهُ أصلا وفرعا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن أَحدهمَا تولد من الآخر وانما هُوَ بِاعْتِبَار أَن احدهما مُتَضَمّن للْآخر وَزِيَادَة فالاشتقاق هُنَا لَيْسَ هُوَ اشتقاقا ماديا وانما هُوَ اشتقاق تلازم يُسمى المتضمن فِيهِ بِالْكَسْرِ مشتقا والمتضمن بِالْفَتْح مشتقا مِنْهُ وَلَا مَحْذُور فِي اشتقاق أَسمَاء الله تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنى انْتهى وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بن جرير (الله (أَصله الاله أسقطت الْهمزَة الَّتِي هِيَ فَاء الِاسْم فالتقت اللَّام الَّتِي هِيَ عين الِاسْم وَاللَّام الزَّائِدَة وَهِي سَاكِنة فأدغمت فِي الاخرى فصارتا فِي اللَّفْظ لاما وَاحِدَة مُشَدّدَة انْتهى

وَأما تَأْوِيل الله فانه على مَا رُوِيَ لنا عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ هُوَ الَّذِي يألهه كل شَيْء ويعبده كل خلق وسَاق بِسَنَدِهِ عَن الضَّحَّاك عَن عبد الله ابْن عَبَّاس قَالَ الله ذُو الالوهية والعبودية على خلقه أَجْمَعِينَ فان قَالَ لنا قَائِل وَمَا دلّ على أَن الالوهية هِيَ الْعِبَادَة وَأَن الاله هُوَ المعبود وَأَن لَهُ

ص: 12

اصلا فِي فعل وَيفْعل وَذكر بَيت رؤبة بن العجاج

لله در الغانيات المده

سبحن واسترجعن من تاله

يَعْنِي من تعبدي وطلبي الله بعملي ولاشك أَن التأله التفعل من أَله يأله وَقد جَاءَ مِنْهُ مصدر يدل على أَن الْعَرَب قد نطقت مِنْهُ ب فعل يفعل بِغَيْر زِيَادَة وَذَلِكَ مَا حَدثنَا بن سُفْيَان بن وَكِيع وسَاق السَّنَد إِلَى ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {ويذرك وإلاهتك} الاعراف 127 قَالَ عبادتك وَيَقُول انه كَانَ يعبد وَلَا يعبد وَذكر مثله عَن مُجَاهِد فقد تبين قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد أَن أَله عبد وَأَن الالهة مصدره وسَاق حَدِيثا عَن أبي سعيد مَرْفُوعا أَن عِيسَى أسلمته امهِ الى الْكتاب ليعلمه فَقَالَ الْمعلم اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ عِيسَى اتدري مَا الله الله إِلَه الْآلهَة

الرَّحْمَن الرَّحِيم

اسمان مشتقان من رحم بجعله لَازِما بنقله الى بَاب فعل بِضَم الْعين وبتنزيله منزلَة اللَّازِم إِذْ هما صفتان مشبهتان وَهِي لَا تشتق من مُتَعَدٍّ والرحمن أبلغ من الرَّحِيم لَان زِيَادَة الْبناء تدل على زِيَادَة الْمَعْنى غَالِبا كَمَا فِي قطع وَقطع وَمن غير الْغَالِب قد يُفِيد نَاقص الْبناء مَا لَا يُفِيد زائده من الْمُبَالغَة كحذر وحاذر فان (حذر (أبلغ من (حاذر (فالرحمن صفة فِي الاصل بِمَعْنى كثير الرَّحْمَة جدا ثمَّ غلب على الْبَالِغ فِي الرَّحْمَة غايتها وَهُوَ الله والرحيم ذُو الرَّحْمَة الْكَثِيرَة

قَالَ النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (أَسمَاء الرب تَعَالَى اسماء ونعوت فا نها دَالَّة على صِفَات كَمَاله فَلَا تنَافِي فِيهَا بَين العلمية والوصفية فالرحمن اسْمه

ص: 13

تَعَالَى وَوَصفه لَا يُنَافِي اسميته وصفيته فَمن حَيْثُ هُوَ صفة جرى تَابعا على اسْم الله من حَيْثُ هُوَ اسْم ورد فِي الْقُرْآن غير تَابع يَعْنِي كَقَوْلِه تَعَالَى {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} الرَّحْمَن 1 {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 {أم من هَذَا الَّذِي هُوَ جند لكم ينصركم من دون الرَّحْمَن} الْملك 20 وَهَذَا شَأْن الِاسْم الْعلم وَلما كَانَ هَذَا الِاسْم مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى حسن مَجِيئه مُنْفَردا غير تَابع كمجيء اسْمه الله كَذَلِك وَهَذَا لَا يُنَافِي دلَالَته على صفة الرَّحْمَن كاسم الله فَإِنَّهُ دَال على صفة الالوهية وَلم يجىء قطّ تَابعا لغيره بل متبوعا بِخِلَاف الْعَلِيم والقدير والسميع والبصير وَلِهَذَا لَا تَجِيء هَذِه وَنَحْوهَا مُفْردَة بل تَابِعَة

قَالَ رحمه الله وَأما الْجمع بَين الرَّحْمَن والرحيم فَفِيهِ معنى بديع وَهُوَ أَن الرَّحْمَن دَال على الصّفة الْقَائِمَة بِهِ سُبْحَانَهُ والرحيم دَال على تعلقهَا بالمرحوم وَكَأن الاول الْوَصْف وَالثَّانِي الْفِعْل فالاول دَال على أَن الرَّحْمَن صفته أَي صفة ذَات لَهُ سُبْحَانَهُ وَالثَّانِي دَال على أَنه يرحم خلقه برحمته أَي صفة فعل لَهُ سُبْحَانَهُ فَإِذا أردْت فهم هَذَا فَتَأمل قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما} الاحزاب 43 {إِنَّه بهم رؤوف رَحِيم} سُورَة التَّوْبَة 117 وَلم يجىء قطّ رَحْمَن بهم فَعلمت أَن رَحْمَن هُوَ الْمَوْصُوف بِالرَّحْمَةِ وَرَحِيم هُوَ الراحم برحمته قَالَ رحمه الله وَهَذِه النُّكْتَة لَا تكَاد تجدها فِي كتاب وَإِن تنفست عِنْدهَا مرْآة قَلْبك لم تنجل لَك صورتهَا انْتهى

وَرَحْمَة الله تَعَالَى جلّ شَأْنه وَتَعَالَى سُلْطَانه صفة قديمَة قَائِمَة بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التفضل والانعام وَأما تَفْسِيرهَا برقة فِي الْقلب تَقْتَضِي التفضل فالتفضل غايتها فيراد مِنْهَا غايتها كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتكلمة كالزمخشري فِي (كشافه (وَغَيره من النظار فَهَذَا إِنَّمَا يَلِيق برحمة الْمَخْلُوق لَا برحمة الْخَالِق تَعَالَى وتقدس وَبَينهمَا بون وَنَظِير ذَلِك (الْعلم (فَإِن حَقِيقَة علمه تَعَالَى الْقَائِمَة بِهِ لَيست مثل الْحَقِيقَة الْقَائِمَة بالمخلوق بل نفس الارادة الَّتِي يرد بَعضهم الرَّحْمَة

ص: 14

إِلَيْهَا هِيَ فِي حَقه تَعَالَى لارادة الْمَخْلُوق إِذْ هِيَ فِي الْمَخْلُوق ميل الْقلب إِلَى الْفِعْل أَو التّرْك وَالله منزه عَن ذَلِك وَكَذَلِكَ رد الزَّمَخْشَرِيّ لَهَا فِي حَقه تَعَالَى إِلَى الْفِعْل بِمَعْنى الإنعام والتفضيل فَإِن فعل العَبْد الِاخْتِيَارِيّ إِنَّمَا يكون لجلب نفع للْفَاعِل أَو دفع ضَرَر عَنهُ وَلَا كَذَلِك فعله تَعَالَى فَمَا فر مِنْهُ أهل التَّأْوِيل مَوْجُود فِي مَا فروا إِلَيْهِ من الْمَحْذُور وَبِهَذَا ظهر أَنه لَا حَاجَة إِلَى دَعْوَى الْمجَاز فِي رَحمته تَعَالَى فَإِنَّهُ خلاف الاصل وَهُوَ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تعذر حمل الْكَلَام على الْحَقِيقَة وَلَا تعذر هُنَا كَمَا لَا يخفى وَأَيْضًا معيار الْمجَاز صِحَة نَفْيه كَمَا إِذا قيل زيد أَسد أَو بَحر أَو قمر لشجاعته أَو كرمه أَو حسنه فَإِنَّهُ يَصح أَن تَقول زيد لَيْسَ بأسد أَو لَيْسَ ببحر أَو لَيْسَ بفمر وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ بَينهم وَلَا يَصح أَن يُقَال الله لَيْسَ برحيم فَلَو كَانَت الرَّحْمَة مجَازًا فِي حَقه تَعَالَى لصَحَّ ذَلِك وَلَا ريب أَن الرَّحْمَة صفة كَمَال وَسَائِر الْكتب السماوية مَمْلُوءَة بذكرها وإطلاقها عَلَيْهِ تَعَالَى وَمن الْعجب أَن تكون هَذِه الصّفة الْعَظِيمَة حَقِيقَة فِي حق الْمَخْلُوق مجَاز فِي حق الْخَالِق

وَالْحَاصِل أَن الصّفة تَارَة تعْتَبر من حَيْثُ هِيَ هِيَ وَتارَة تعْتَبر من حَيْثُ قِيَامهَا بِهِ تَعَالَى وَتارَة من حَيْثُ قِيَامهَا بِغَيْرِهِ تَعَالَى وَلَيْسَت الاعتبارات متماثلة إِذْ لَيْسَ كمثله شيئ لَا فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي أَفعاله وَالْكَلَام على الصِّفَات فرع عَن الْكَلَام فِي الذَّات كَمَا أَنا نثبت ذاتا لَيست كالذوات فلنثبت رَحْمَة لَيست كرحمة الْمَخْلُوق كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك وَقَررهُ وَنبهَ عَلَيْهِ وحرره النَّاظِم فِي (بَدَائِع الْفَوَائِد (

قَوْله الْحَمد لله الَّذِي شهِدت لَهُ بربوبيته جَمِيع مخلوقات وأقرت لَهُ بالعبودية جَمِيع مصنوعاته وَأَدت لَهُ الشَّهَادَة جَمِيع الكائنات أَنه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ بِمَا أودعها من لطيف صنعه وبديع آيَاته وَسُبْحَان الله

ص: 15

وَبِحَمْدِهِ عدد خلقه ورضا نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته وَلَا إِلَه إِلَّا الله الْأَحَد الصَّمد لَا شريك لَهُ فِي ربوبيته وَلَا شَبيه لَهُ فِي أَفعاله وَلَا فِي صِفَاته وَلَا فِي ذَاته وَالله أكبر عدد مَا أحَاط بِهِ علمه وَجرى بِهِ قلمه وَنفذ فِيهِ حكمه من جَمِيع برياته وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه تَفْوِيض عبد لَا يملك لنَفسِهِ ضرا وَلَا نفعا وَلَا موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشورا بل هُوَ باللهوإلى الله فِي مبادئ أمره ونهاياته

الْحَمد لُغَة هُوَ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل الِاخْتِيَارِيّ على جِهَة التَّعْظِيم والتبجيل وَعرفا فعل يُنبئ عَن تَعْظِيم الْمُنعم على الحامد وَغَيره وَالشُّكْر لُغَة هُوَ الْحَمد اصْطِلَاحا وَعرفا صرف العَبْد جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ فِيمَا خلق لأَجله فَبين الْحَمد وَالشُّكْر عُمُوم وخصوص من وَجه يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذاكان بِاللِّسَانِ فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد الْحَمد فِيمَا إِذا كَانَ بِاللِّسَانِ لَا فِي مُقَابلَة نعْمَة وينفرد الشُّكْر فِيمَا إِذا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان فِي مُقَابلَة نعْمَة وَاخْتَارَ الْجُمْلَة الاسمية الدَّالَّة على الدَّوَام والثبوت على الْجُمْلَة الفعلية الدَّالَّة على التجدد والحدوث لِأَنَّهُ مَعَ كَونه على نسق الْكتاب الْعَظِيم أليق بالْمقَام وتفاؤلا بذلك وَهِي وَإِن كَانَت خبرية لفظا فَهِيَ إنشائية معنى (وأل (فِي الْحَمد للاستغراق أَو الْجِنْس أَو الْعَهْد أَي كل الْحَمد مُسْتَحقّ أَو جنسه مُخْتَصّ ومملوك لله وعلامة (أل (الاستغراقية أَن يخلفها كل وَنَحْوهَا و (أل (الجنسية إِذا تعقبتها لَام الِاخْتِصَاص كَانَ الْمَعْنى جنس الْحَمد مُخْتَصّ ومملوك لَهُ تَعَالَى فتفيد مَا أفادته ال الإستغراقية ضمنا وَإِن كَانَت (أل (للْعهد فالمعهود ثَنَاء الله على نَفسه وثناء مَلَائكَته وَرُسُله وأنبيائه وخواص خلقه وَلَا نظر لغير ثنائهم و (اللَّام (فِي الله للْملك والاستحقاق أَو الِاخْتِصَاص وَلما ابْتَدَأَ بالبسملة ابْتَدَأَ حَقِيقا وَهُوَ الاتيان بهَا قبل كل شييء أعقبها

ص: 16

بِالْحَمْد لَهُ ابْتِدَاء إضافيا أَي بِالنِّسْبَةِ لما بعْدهَا وَهُوَ مَا يقدم على الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود فِي الذَّات جمعا بَين حَدِيثي الْبَسْمَلَة والحمدلة وَلم يعكس لموافقة الْكتاب الْعَزِيز فَإِن ألصحابة افتتحوا كِتَابَته فِي ألإمام الْكَبِير بِالتَّسْمِيَةِ والحمدلة تلوها وتبعهم جَمِيع من كتب الْمُصحف بعدهمْ فِي جَمِيع الْأَمْصَار سَوَاء فِي ذَلِك من يَقُول بِأَن الْبَسْمَلَة آيَة وَمن لَا يَقُول ذَلِك فَكَانَ أولى

قَوْله شهِدت لَهُ بربوبيته جَمِيع مخلوقاته الخ

الْمَخْلُوق هُوَ الْمَصْنُوع وَمعنى شَهَادَة الْمَخْلُوقَات بربوبيته سُبْحَانَهُ أَن الْعقل الصَّرِيح يقطع بِأَن الْمَخْلُوق لَا بُد لَهُ من خَالق والمصنوع لَا بُد لَهُ من صانع والحادث لَا بُد لَهُ من مُحدث لِاسْتِحَالَة حُدُوث الْحَادِث بِنَفسِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (أم خلقُوا من غير شييء أم هم الْخَالِقُونَ) الطّور 35 يَقُول سُبْحَانَهُ أحدثو من غير مُحدث أم هم أَحْدَثُوا أنفسهم وَمَعْلُوم أَن الْمُحدث لَا يُوجد بِنَفسِهِ فطريق الْعلم بذلك أَن يُقَال الْمَوْجُود وَإِمَّا حا وَإِمَّا قديم والحادث لَا بُد لَهُ من قديم فَيلْزم ثُبُوت الْقَدِيم على كل حَال وَذَلِكَ أَن الْفقر وَالْحَاجة لكل حَادث وممكن وصف لَازم لَهما فَهِيَ مفتقرة إِلَيْهِ دَائِما حَال الْحُدُوث وَحَال الْبَقَاء وَمن زعم من أهل الْكَلَام أَن افتقارهما إِلَيْهِ فِي حَال الْحُدُوث فَقَط كَمَا يَقُوله من يَقُوله من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم أَو فِي حَال الْبَقَاء فَقَط كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتفلسفة الْقَائِلين بمساوات الْعَالم لَهُ وكلا الْقَوْلَيْنِ خطأ كَمَا قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى فِي شرح (شرح عقيدة شمس الدّين الاصبهاني (فالإمكان والحدوث متلازمان فَكل مُحدث مُمكن وكل مُمكن مُحدث والفقر ملازم لَهما فَلَا تزَال مفتقره إِلَيْهِ لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ لَحْظَة عين وَهُوَ الصَّمد الَّذِي يصمد إِلَيْهِ جَمِيع الْمَخْلُوقَات وَلَا يصمد هُوَ إِلَى شييء بل هُوَ سُبْحَانَهُ الْغَنِيّ بِنَفسِهِ

ص: 17

الْمُغنِي لما سواهُ وَله رحمه الله فِي هذاالمعنى

والفقر لي وصف ذَات لَازم أبدا كَمَا الْغنى أبدا وصف لَهُ ذاني

قَالَ ابْن المعتز

فيا عجبا كَيفَ بعصى الاله

أم كَيفَ يجحده الجاحد

وَللَّه فِي كل تحريكة

وتسكينة أبدا شَاهد

وَفِي كل شييء آيَة

تدل على أَنه وَاحِد

وَسُئِلَ أَبُو نواس عَن وجود الصَّانِع فَأَنْشد

تَأمل فِي نَبَات الأَرْض وَانْظُر

إِلَى آثَار مَا صنع المليك

عُيُون من لجين ناظرات

بأحداق هِيَ الذَّهَب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات

بِأَن الله لَيْسَ لَهُ شريك

قَوْله وَأَدت لَهُ الشَّهَادَة جَمِيع الكائنات الخ فِي هَذِه البراعة الْإِشَارَة إِلَى تَوْحِيد الربوبية وتوحيد الألوهية وَسَيَأْتِي بسط الْكَلَام على ذَلِك فِي تَوْحِيد الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ

قَوْله الكائنات قَالَ فِي (الْقَامُوس (الْكَوْن الْحَدث كالكينونة والكائنة كالحادثة وَكَونه الله خلقه وَالله الْأَشْيَاء أوجدها

قَوْله وَسُبْحَان الله الخ سُبْحَانَ اسْم بِمَعْنى التَّسْبِيح الَّذِي هُوَ التَّنْزِيه وانتصابه بِفعل مَتْرُوك إِظْهَاره

قَوْله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَي لَا تحول من حَال إِلَى حَال وَلَا قدرَة على ذَلِك إِلَّا بِاللَّه وَقيل لَا حول عَن مَعْصِيّة الله إِلَّا بمعونة الله وَلَا قُوَّة على طَاعَة الله إِلَّا بِتَوْفِيق الله وَالْمعْنَى الأول أجمع وأشمل قَوْله

ص: 18

وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا صَاحِبَة لَهُ وَلَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد وَلَا كُفْء لَهُ الَّذِي هُوَ كَمَا اثنى على نَفسه وَفَوق مَا يثنى عَلَيْهِ أحد من جَمِيع برياته وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وأمينه على وحيه وَخيرته من بريته وسفيره بَينه وَبَين عباده وحجته على خلقه أرْسلهُ بِالْهدى وَدين الْحق بَين يَدي السباعة بشيرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَى الله بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا أرْسلهُ على حِين فَتْرَة من الرُّسُل وطموس من السبل ودروس من الْكتب وَالْكفْر قد اضطرمت ناره وتطايرت فِي الْآفَاق شرارة وَقد اسْتوْجبَ أهل الأَرْض أَن يحل بهم الْعقَاب وَقد نظر الْجَبَّار تبارك وتعالى إِلَيْهِم فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَى بقايا من أهل الْكتاب وَقد اسْتندَ كل قوم إِلَى ظلم آرائهم وحكموا على الله سُبْحَانَهُ بمقالاتهم الْبَاطِلَة وأهوائهم وليل الْكفْر مدلهم ظلامه شَدِيد قتامة وسبل الْحق عَافِيَة آثارها مطموسة أعلامها ففلق الله سُبْحَانَهُ بِمُحَمد صلى اله عَلَيْهِ وَسلم صبح الْإِيمَان فأضاء حَتَّى مَلأ الْآفَاق نورا وأطلع بِهِ شمس الرسَالَة فِي حنادس الظُّلم سِرَاجًا منيرا فهدى الله بِهِ من الضَّلَالَة وَعلم بِهِ من الْجَهَالَة وبصر بِهِ المعمى وأرشد بِهِ من الغي وَكثر بِهِ بعد الْقلَّة وأعز بِهِ بعد الذلة وأغنى بِهِ بعد الْعيلَة واستنقد بِهِ بعد الهلكة وَفتح بِهِ أعينا عميا وآذانا صمًّا وَقُلُوبًا غلقا فَبلغ الرسَالَة ودى وَأدّى الْأَمَانَة ونصح الْأمة وكشف الْغُمَّة وجاهد فِي الله حق جهاده وَعبد الله حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين من ربه وَشرح الله لَهُ صَدره وَرفع لَهُ ذكره وَوضع عَنهُ وزره وَجعل الذلة وَالصغَار على من خَالف أمره وَأقسم بحياته فِي كِتَابه الْمُبين وَقرن اسْمه باسمه فَإِذا ذكر ذكر مَعَه كَمَا فِي الْخطب وَالتَّشَهُّد والتأذين فَلَا يَصح لأحد خطْبَة وَلَا تشهد وَلَا أَذَان وَلَا صَلَاة حَتَّى يشْهد أَنه عَبده وَرَسُوله شَهَادَة الْيَقِين فصلى الله

ص: 19

وَمَلَائِكَته وأنبياؤه وَرُسُله وَجَمِيع خلقه عَلَيْهِ كَمَا عرفنَا بِاللَّه وهدانا إِلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا

أَي أخبر أَنِّي قَاطع بالوحدانية قَوْله وسفيره قَالَ فِي (الْقَامُوس (وسفره تسفيرا أرْسلهُ إِلَى السّفر قَوْله وطموس من السبل الطموس الدُّرُوس الإمحاء يطمس ويطمس طمسا محوته والشييء استأصلت أَثَره وَمِنْه (فَإِذا النُّجُوم طمست (المرسلات 8 قَالَه فِي (الْقَامُوس (قَوْله قتامه القتام كسحاب الْغُبَار قَالَه فِي (لقاموس (قَوْله عَافِيَة آثارها قَالَ فِي (الْقَامُوس (عَفا شعر الْبَعِير كثور طَال فَغطّى وبره وَقد عفيته وأعفيته قَوْله حنادس الظُّلم قَالَ فِي (الْقَامُوس (الحندس بِالْكَسْرِ اللَّيْل المظلم والظلمة جمع حنادس وتحندس اللَّيْل أظلم قَوْله الصغار قَالَ فِي (الْقَامُوس (صغر ككرم وَفَرح صغارة صغرا كعنب وَكَذَا صغَارًا وصغارة بفتحهما وصغرا وصغرانا بضَمهَا وأصغره جعله صاغرا انْتهى قَوْله وَقرن اسْمه باسمه الخ قَوْله كَمَا فِي الْخطب وَالتَّشَهُّد وتأذين هَذَا ظَاهر وَهَذَا كَمَا قَالَ حسان بن ثَابت رضى الله عَنهُ

أغر عَلَيْهِ للنبوة خَاتم

من الله مَيْمُون يلوح وَيشْهد

وَضم إِلَّا لَهُ اسْم النَّبِي إِلَى اسْمه

إِذا قَالَ فِي الْخمس الْمُؤَذّن أشهد

وشق لَهُ من اسْمه ليجة

فذو الْعَرْش مَحْمُود وَهَذَا مُحَمَّد

قَوْله فصلى الله وَمَلَائِكَته الخ الصَّلَاة من الله تَعَالَى الرَّحْمَة وَمن الْمَلَائِكَة الاسْتِغْفَار وَمن غَيرهم التضرع وَالدُّعَاء بِخَير هَذَا هوالمشهور والجاري على أَلْسِنَة الْجُمْهُور وَلم يرتض هَذَا النَّاظِم فِي كِتَابه (جلاء الأفهام (و (بَدَائِع الْفَوَائِد (وَغَيرهمَا ورده من وجوده مِنْهَا أَن الله تَعَالَى غاير

ص: 20

بَينهمَا فِي قَوْله تَعَالَى (صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة) الْبَقَرَة 157 الثَّانِي أنسؤال الرَّحْمَة يشرع لكل مُسلم وَالصَّلَاة تخْتَص بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وإله فَهِيَ حق لَهُ وَلَا لَهُ وَلِهَذَا الْمَعْنى منع كثير من الْعلمَاء الصَّلَاة على معِين غَيره يعْنى وَغير سَائِر الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة وَلم يمْنَع اُحْدُ من الترحم على معِين من الْمُسلمين الثَّالِث أَن رَحْمَة الله عَامَّة وسعت كل شَيْء وَصلَاته خَاصَّة لخواص عباده وَقَوْلهمْ الصَّلَاة من الْعباد بِمَعْنى الدُّعَاء مُشكل ايضا من وَجه أَحدهَا أَن الدُّعَاء يكون بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالصَّلَاة لَا تكون إِلَّا فِي الْخَيْر الثَّانِي أَن دَعَوْت يعدي بَالَام وَصليت لَا يتَعَدَّى إِلَّا ب (على (و (دُعَاء (المعدى ب (على لَيْسَ بِمَعْنى صلى وَهَذَا يدل على أَن الصَّلَاة لَيست بِمَعْنى الدُّعَاء الثَّالِث أَن فعل الدُّعَاء يَقْتَضِي مدعوا ومدعوا لَهُ تَقول دَعَوْت الله لَك بِخَير وَفعل الصَّلَاة لَا يَقْتَضِي ذَلِك لَا تَقول صليت الله عَلَيْك وَلَا لَك فَدلَّ على انه لَيْسَ بِمَعْنَاهُ فَأَي تبَاين اظهر من هَذَا قَالَ وَلَكِن التَّقْلِيد يعمي عَن إِدْرَاك الْحَقَائِق فإياك والإخلاد إِلَى ارضه قَالَ فِي (الْبَدَائِع (وَرَأَيْت لأبي الْقَاسِم السُّهيْلي رَحمَه الله تَعَالَى كلَاما حسنا فِي اشتقاق الصَّلَاة فَذكر مَا ملخصه أَن معنى اللَّفْظَة حَيْثُ تصرفت ترجع إِلَى الحنو والعطف إِلَّا أَن ذَلِك يكون محسوسا ومعقولا فالمحسوس مِنْهُ صِفَات الْأَجْسَام والمعقول صفة ذِي الْجلَال وَالْإِكْرَام وَهَذَا الْمَعْنى كثير مَوْجُود فِي الصِّفَات وَالْكثير يكون صفة للمحسوسات وَصفَة للمعقولات وَهُوَ من أَسمَاء الرب تَعَالَى وتقدس عَن مشابهة الْأَجْسَام وصفات الْأَنَام فَمَا يُضَاف إِلَيْهِ تَعَالَى من هَذِه الْمعَانِي معقولة غير محسوسة فَإِذا ثَبت هَذَا فَالصَّلَاة كَمَا قُلْنَا حنو وَعطف من قَوْلك صليت أَي حنيت صلاك وعطفته فأخلق بِأَن تكون الرَّحْمَة كَمَا سمي

ص: 21

عطفا وحنوا تَقول اللَّهُمَّ اعطف علينا أَي ارحمنا قَالَ الشَّاعِر

وَمَا زلت فِي ليني لَهُ وتعطفي

عَلَيْهِ كَمَا تحنو على الْوَلَد الْأُم

وَأما رَحْمَة الْعباد فرقة فِي الْقلب إِذا وجدهَا الراحم من نَفسه انعطف على المرحوم وانثنى عَلَيْهِ وَرَحْمَة الله للعباد جود وَفضل فَإِذا صلى عَلَيْهِ فقد أفضل عَلَيْهِ وأنعم وَهَذِه الْأَفْعَال إِذا كَانَت من الله وَمن الْعباد فَهِيَ متعدية ب (على (مَخْصُوصَة بِالْخَيرِ لَا تخرج عَنهُ إِلَى غَيره فَرَجَعت كلهَا إِلَى معنى وَاحِد إِلَّا أَنَّهَا فِي معنى الدُّعَاء وَالرَّحْمَة صَلَاة معقولة أَي إنحناء مَعْقُول غير محسوس ثمَّ هُوَ من العَبْد الدُّعَاء لِأَنَّهُ لَا يقدر على اكثر مِنْهُ وثمرثه من الله الْإِحْسَان والإنعام فَلم تخْتَلف الصَّلَاة فِي مَعْنَاهَا وَإِنَّمَا اخْتلفت ثَمَرَتهَا الصادرة عَنْهَا وَالصَّلَاة الَّتِي هِيَ الرُّكُوع وَالسُّجُود انحناء محسوس فَلم يخْتَلف الْمَعْنى فِيهَا إِلَّا من جِهَة الْمَعْقُول وَلَيْسَ ذَلِك باخْتلَاف فِي الْحَقِيقَة وَلذَلِك تعدت كلهَا ب (على (واتفقت فِي اللَّفْظ الْمُشْتَقّ من الصَّلَاة وَلم يجز صليت على الْعَدو أَي دَعَوْت عَلَيْهِ فقد صَار بِمَعْنى الصَّلَاة أرق وأبلغ من معنى الرَّحْمَة وَإِن كَانَ رَاجعا إِلَيْهِ إِذْ لَيْسَ كل رَاحِم ينحني على المرحوم ويتعطف عَلَيْهِ من شدَّة الرَّحْمَة انْتهى قَوْله وَسلم السَّلَام بِمَعْنى التَّحِيَّة والسلامة من النقائص والرذائل وَفِي (المطلع (قَالَ الازهري فِي قَوْلك السَّلَام عَلَيْك قَولَانِ أَحدهمَا اسْم السَّلَام وَمَعْنَاهُ اسْم الله عَلَيْك وَمِنْه قَول لبيد إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذر وَالثَّانِي سلم الله عَلَيْك تَسْلِيمًا وَسلَامًا وَمن سلم الله عَلَيْهِ سلم من الْآفَات كلهَا قَالَ الْحَافِظ ابْن الْجَزرِي فِي مِفْتَاح (الْحصن (واما الْجمع بَين الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهُوَ الاولى ولاكمل والافضل لقَوْله تَعَالَى {صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} الْأَحْزَاب 56

ص: 22

وَلَو اقْتصر على أَحدهمَا جَازَ من غير كَرَاهَة فقد جرى عَلَيْهِ جمع مِنْهُم مُسلم فِي (صَحِيحه (خلافًا للشَّافِعِيَّة وَفِي كَلَام بَعضهم لَا اعْلَم أحدا نَص على الْكَرَاهَة حَتَّى إِن الامام الشَّافِعِي نَفسه اقْتصر على الصَّلَاة دون التَّسْلِيم فِي خطْبَة (الرسَالَة (وَالله اعْلَم

قَوْله وَقد نضر الْجَبَّار تبارك وتعالى الخ يُشِير الى حَدِيث عِيَاض بن حمَار الْمُجَاشِعِي الَّذِي رَوَاهُ مُسلم فِي (صَحِيحه (أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَات يَوْم فِي خطبَته (أَلا إِن رَبِّي أَمرنِي أَن أعلمكُم مَا جهلتم مِمَّا عَلمنِي فِي يومي هَذَا كل مَال نحلته عبَادي حَلَال واني خلقت عبَادي حنفَاء كلهم وانهم أَتَتْهُم الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَن دينهم وَحرمت عَلَيْهِم مَا أحللت لَهُم وأمرتهم أَن يشركوا بِي مَا لم أنزل بِهِ سُلْطَانا وَإِن الله نظر ألى أهل الارض فمقتهم عربهم وعجمهم إِلَّا بقايا من أهل الْكتاب الحَدِيث

أما بعد فَإِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ وتقدست اسماؤه إِذا اراد أَن يكرم عَبده بمعرفته وَيجمع قلبه على محبته شرح صَدره لقبُول صِفَاته العلى وتلقيها من مشكاة الْوَحْي فاذا ورد عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا قابله بِالْقبُولِ وتلقاه بالرضى وَالتَّسْلِيم وأذعن لَهُ بالانقياد فَاسْتَنَارَ بِهِ قلبه واتسع لَهُ صَدره وأمتلأ بِهِ سُرُورًا ومحبة فَعلم أَنه تَعْرِيف من تعريفات الله تَعَالَى تعرف بِهِ إِلَيْهِ على لِسَان رَسُوله فَأن نزل تِلْكَ الصّفة من قبله منزلَة الْغَدَاء اعظم مَا كَانَ إِلَيْهِ فاقة ومنزلة الشِّفَاء أَشد مَا كَانَ اليه حَاجَة فَاشْتَدَّ بهَا فرحه وَعظم بهَا غناؤه وقويت بهَا مَعْرفَته واطمأنت إِلَيْهَا نَفسه وَسكن إِلَيْهَا قلبه فجال من الْمعرفَة فِي ميادينها وأسام عين بصيرته فِي رياضها وبساتينها لتيقنه بِأَن شرف الْعلم تَابع لشرف معلومه وَلَا مَعْلُوم أعظم وَأجل مِمَّن هَذِه صفته وَهُوَ ذُو الاسماء الْحسنى وَالصِّفَات العلى وان شرفه أَيْضا

ص: 23

بِحَسب الْحَاجة أليه وَلَيْسَت حَاجَة الارواح قطّ الى شَيْء أعظم مِنْهَا إِلَى معرفَة بارئها وفاطرها ومحبته وَذكره والابتهاج بِهِ وَطلب الْوَسِيلَة إِلَيْهِ والزلفى عِنْده وَلَا سَبِيل إِلَى هَذَا إِلَّا بِمَعْرِِفَة أَوْصَافه وأسمائه فَكلما كَانَ العَبْد بهَا أعلم كَانَ بِاللَّه اعرف وَله أطلب وَإِلَيْهِ أقرب وَكلما كَانَ لَهَا أنكر كَانَ بِاللَّه أَجْهَل وَإِلَيْهِ أكره وَمِنْه أبعد وَالله ينزل العَبْد من نَفسه حَيْثُ ينزله العَبْد من نَفسه فَمن كَانَ لذكر أَسْمَائِهِ وَصِفَاته مبغضا وعنها نافرا ومنفرا فا لله لَهُ أَشد بغضا وَعنهُ أعظم إعْرَاضًا وَله أكبر مقتا حَتَّى تعود الْقُلُوب إِلَى قلبين قلب ذكر الاسماء وَالصِّفَات قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه لَو فَارقه ذكرهَا طرفَة عين ومحبتها لحظات لاستغاث يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك فلسان حَاله يَقُول

يُرَاد من الْقلب نسيانكم

وتأبى الطباع على النَّاقِل

وَيَقُول

وَإِذا تقاضيت الْفُؤَاد تناسيا

ألفيت أحشائي بِذَاكَ شحاحا وَيَقُول إذامرضنا تداوينا بذكركم

ونترك الذّكر أَحْيَانًا فتنتكس

وَمن الْمحَال أَن يذكر الْقلب من هُوَ محَارب لصفاته نافر من سماعهَا معرض بكليته عَنْهَا زاعم أَن السَّلامَة فِي ذَلِك كلا وَالله إِن هُوَ إِلَّا الْجَهَالَة والخذلان وإلاعراض عَن الْعَزِيز الرَّحِيم فَلَيْسَ الْقلب الصَّحِيح قطّ إِلَى شَيْء أشوق مِنْهُ إِلَى معرفَة ربه تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وأسمائه وَلَا أفرح بِشَيْء قطّ كفرحه بذلك وَكفى بِالْعَبدِ عمى وخذلانا أَن يضْرب على قلبه

ص: 24

سرادق الاعراض عَنْهَا والنفرة والتنفير والاشتغال بِمَا لَو كَانَ حَقًا لم ينفع إِلَّا بعد معرفَة الله والايمان بِهِ وبصفاته وأسمائه وَالْقلب الثَّانِي قلب مَضْرُوب بسياط الْجَهَالَة فَهُوَ عَن معرفَة ربه ومحبته مصدود وَطَرِيق معرفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته كَمَا أنزلت عَلَيْهِ مسدود وَقد قمش شبها من الْكَلَام الْبَاطِل وارتوى من مَاء آجن غير طائل تعج مِنْهُ آيَات الصِّفَات وأحاديثها إِلَى الله عجيجا وتضج مِنْهُ الى منزلهَا ضَجِيجًا مِمَّا يسومها تحريفا وتعطيلا ويؤول مَعَانِيهَا تحريفا وتبديلا قد اعد لدفعها انواعا من الْعدَد وهيأ لردها ضروبا من القوانين قَوْله من القوانين القانون مقياس كل شَيْء جمعه قوانين قَالَه فِي (الْقَامُوس (واذا دعِي الى تحكيمها ابى واستكبر وَقَالَ تِلْكَ ادلة لفظية لَا تفِيد شَيْئا من الْيَقِين قد اعد التَّأْوِيل جنَّة يتترس بهَا من مواقع سِهَام السّنة وَالْقُرْآن وَجعل اثبات صِفَات ذِي الْجلَال تجسيما وتشبيها يصد بِهِ الْقُلُوب عَن طَرِيق الْعلم والايمان مزجي البضاعة قَوْله مزجي البضاعة قَالَ فِي (الْقَامُوس (وبضاعة مزجاة أَي قَليلَة من الْعلم النافع الْمَوْرُوث عَن خَاتم الرُّسُل والانبياء لكنه مَلِيء بالشكوك والشبه والجدال والمراء قَوْله الْجِدَال والمراء قَالَ ابْن الاثير فِي (النِّهَايَة (فِي معنى حَدِيث مَا اوتي قوم الجدل الا ضلوا (الجدل مقابلى الْحجَّة بِالْحجَّةِ والمجادلة المناظرة والمخاصمة وَالْمرَاد بِهِ فِي الحَدِيث الجدل على الْبَاطِل وَطلب

ص: 25

المغالبة واما الجدل لاظهار الْحق فَإِن ذَلِك مَحْمُود لقَوْله تَعَالَى {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} انْتهى وَفِي (مُخْتَصر الصِّحَاح (للقرطبي جدل بِالْكَسْرِ جدلا أحكم الْخُصُومَة وجادله مجادلة وجدالا خاصمه انْتهى والمراء الْجِدَال والمخاصمة قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي (مُخْتَصر الصِّحَاح (ماريته اماريه مراء جادلته انْتهى وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي التَّرْغِيب والرهيب من المراء والجدال وَهُوَ الْمُخَاصمَة والمحاجبة وَطلب الْقَهْر بالغلبة والترهيب فِي تَركه للمحق والمبطل انْتهى فَعلمنَا أَن الْجِدَال والمراء مُتَرَادِفَانِ وَأَن الْعَطف فيهمَا عطف المترادفين انْتهى خلع عَلَيْهِ الْكَلَام الْبَاطِل خلعه الْجَهْل والتجهيل فَهُوَ يتعثر بأذيال التَّكْفِير لاهل الحَدِيث والتبديع لَهُم والتضليل قد طَاف على أَبْوَاب الآراء والمذاهب يَتَكَفَّف أَرْبَابهَا فانثنى بأخسر الْمَوَاهِب والمطالب عدل عَن الابواب الْعَالِيَة الكفيلة بنهاية المُرَاد وَغَايَة الاحسان فابتلي بِالْوُقُوفِ على الابواب السافلة المليئة بالخيبة والحرمان وَقد لبس حلَّة منسوجة من الْجَهْل والتقليد والشبهة والعناد فَإِذا بذلت لَهُ النَّصِيحَة ودعي إِلَى الْحق أَخَذته الْعِزَّة بالاثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد فَمَا أعظم الْمُصِيبَة بِهَذَا وَأَمْثَاله على الْإِيمَان وَمَا أَشد الْجِنَايَة بِهِ على السّنة وَالْقُرْآن وَمَا أحب جهاده بِالْقَلْبِ وَالْيَد وَاللِّسَان إِلَى الرَّحْمَن وَمَا اثقل اجْرِ ذَلِك الْجِهَاد فِي الْمِيزَان وَالْجهَاد بِالْحجَّةِ وَاللِّسَان مقدم على الْجِهَاد بِالسَّيْفِ والسنان وَلِهَذَا امْر بِهِ تَعَالَى فِي السُّور المكية حَيْثُ لَا جِهَاد بِالْيَدِ انذارا وتعذيرا فَقَالَ تَعَالَى {فَلَا تُطِع الْكَافرين وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا} الْفرْقَان 52 وامر تَعَالَى بجهاد الْمُنَافِقين والغلظة عَلَيْهِم مَعَ كَونهم بَين اظهر الْمُسلمين فِي الْمقَام والمسير فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم ومأواهم جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير}

ص: 26

التَّوْبَة 73 فالجهاد بِالْعلمِ وَالْحجّة جِهَاد أنبيائه وَرُسُله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق و (من مَاتَ وَلم يغز وَلم يحدث نَفسه بالغزو مَاتَ على شُعْبَة من النِّفَاق (وَكفى بِالْعَبدِ عمى وخذلانا ان يرى عَسَاكِر الايمان وجنود السّنة وَالْقُرْآن وَقد لبسوا للحرب لامته واعدوا لَهُ عدته واخذوا مَصَافهمْ ووقفوا مواقفهم وَقد حمي الْوَطِيس ودارت رحى الْحَرْب وَاشْتَدَّ الْقِتَال وتنادت الاقران النزال النزال وَهُوَ فِي الملجأ والمغارات والمدخل مَعَ الْخَوَالِف كمين واذا ساعد الْقدر وعزم على الْخُرُوج قعد على التل مَعَ الناظرين ينظر لمن الدائرة ليَكُون اليهم من المتحيزين ثمَّ ياتيهم وَهُوَ يقسم بِاللَّه جهد أيمانه أَنِّي كنت مَعكُمْ وَكنت أَتَمَنَّى أَن تَكُونُوا انتم الغالبين فحقيق بِمن لنَفسِهِ عِنْده قدر وَقِيمَة أَن لايبيعها بأبخس الاثمان وَأَن لَا يعرضهَا غَدا بَين يَدي الله وَرَسُوله لمواقف الخزي والهوان وَأَن يثبت قَدَمَيْهِ فِي صُفُوف أهل الْعلم والايمان وَأَن لَا يتحيز الى مقَالَة سوى مَا جَاءَ فِي السّنة وَالْقُرْآن فَكَأَن قد كشف الغطاء وانجلى الْغُبَار وَأَبَان عَن وُجُوه أهل السّنة مسفرة ضاحكة مستبشرة وَعَن وُجُوه اهل الْبِدْعَة عَلَيْهَا غبرة ترهقها قترة يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه قَالَ ابْن عَبَّاس تبيض وُجُوه اهل السّنة وَتسود وُجُوه اهل الْبِدْعَة والفرقة الضَّالة فوَاللَّه لمفارقة اهل الاهواء والبدع فِي هَذِه الدَّار اسهل من مرافقتهم اذا قيل {احشروا الَّذين ظلمُوا وأزواجهم} الصافات 22 قَالَ امير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَبعده الامام احْمَد ازواجهم اشباههم ونظراؤهم قَالَ تَعَالَى {وَإِذا النُّفُوس زوجت} التكوير 7 قَالُوا فَيجْعَل صَاحب الْحق مَعَ نَظِيره فِي دَرَجَته وَصَاحب الْبَاطِل مَعَ نَظِيره فِي دَرَجَته هُنَالك وَالله يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ اذا حصلت لَهُ حَقِيقَة مَا كَانَ فِيهِ هَذِه الدَّار عَلَيْهِ (يَقُول ياليتني اتَّخذت

ص: 27