المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

.. وَيَأْخُذ حَاله زورا فَيَرْمِي … عمَامَته ويهرب فِي الرمال ويجرون - توضيح المقاصد شرح نونية ابن القيم الكافية الشافية - جـ ١

[أحمد بن عيسى]

فهرس الكتاب

- ‌رب يسر وأعن يَا كريم

- ‌فصل فِي تَرْجَمَة النَّاظِم

- ‌قَوْله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌أأغصان بَان مَا أرى أم شمائل

- ‌فَصِل

- ‌فصل…وَقضى بِأَن الله كَانَ معطلاوَالْفِعْل مُمْتَنع بِلَا إِمْكَان…ثمَّ اسْتَحَالَ وَصَارَ مَقْدُورًا لَهُمن غير أَمر قَامَ بالديان…بل حَاله سُبْحَانَهُ فِي ذَاتهقبل الْحُدُوث وَبعده سيان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي مُقَدّمَة نافعة قبل التَّحْكِيم

- ‌فصل وَهَذَا أول عقد مجْلِس التَّحْكِيم

- ‌وَهِي تِسْعَة وَعِشْرُونَ بَيْتا وَالثَّانيَِة أَولهَا

- ‌فِي قدوم ركب آخر

- ‌فصل فِي قدوم ركب آخر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وَثَانِيها صَرِيح علوه…وَله بِحكم صَرِيحه لفظانلفظ الْعلي وَلَفظه الاعلى معرفَة(أتتك هُنَا) لقصد بَيَانإِن الْعُلُوّ لَهُ بمطلقه على التَّعْمِيم والاطلاق بالبرهان…وَله الْعُلُوّ من الْوُجُوه جَمِيعهَاذاتا وقهرا مَعَ علو الشاني…لَكِن نفاة علوه سلبوه إكما

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وَثَانِي عشرهَا وصف الظهور لَهُ كَمَا قد جَاءَ فِي الْقُرْآن…وَالظَّاهِر العالي الَّذِي مَا فَوْقهشَيْء كَمَا قد قَالَ ذُو الْبُرْهَان…حَقًا رَسُول الله ذَا تَفْسِيرهوَلَقَد رَوَاهُ مُسلم بِضَمَان…فاقبله لَا تقبل سواهُ من التفاسير الَّتِي قيلت بِلَا برهَان…وَالشَّيْء حِين يتم

- ‌فصل…هَذَا وثالث عشرهَا أخباره…انا نرَاهُ بجنة الْحَيَوَانفسل الْمُعَطل هَل يرى من تحتنا…أم عَن شَمَائِلنَا وَعَن أَيْمَانأم خلفنا وأمامنا سُبْحَانَهُ…أم هَل يرى من فَوْقنَا بِبَيَانيَا قوم مَا فِي الامر شَيْء غير ذَا…أَو أَن رُؤْيَته بِلَا إِمْكَانإِذْ رُؤْيَة لَا فِي مُقَابلَة من

- ‌فصل…هَذَا ورابع عشرهَا إِقْرَار سائله بِلَفْظ الاين للرحمن…وَلَقَد رَوَاهُ أَبُو رزين بَعْدَمَاسَأَلَ الرَّسُول بِلَفْظِهِ بوزان…وَرَوَاهُ تبليغا لَهُ ومقررالما أقربه بِلَا نكران…هَذَا وَمَا كَانَ الْجَواب جَوَاب من لَكِن جَوَاب اللَّفْظ بالميزان

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل…هَذَا وسابع عشرهَا أخبارهسُبْحَانَهُ فِي مُحكم الْقُرْآن…عَن عَبده مُوسَى الكليم وحربهفِرْعَوْن ذِي التَّكْذِيب والطغيان…تَكْذِيبه مُوسَى الكليم بقولهالله رَبِّي فِي السما نباني

- ‌فصل…هَذَا وثامن عشرهَا تنزيهه…سُبْحَانَهُ عَن مُوجب النُّقْصَانوَعَن الْعُيُوب وَمُوجب التَّمْثِيل والتشبيه جلّ الله ذُو السُّلْطَان

- ‌فصل…هَذَا وتاسع عشرهَا الزام ذِي التعطيل أفسد لَازم بِبَيَان…وَفَسَاد لَازم قَوْله هُوَ مُقْتَضلفساد ذَاك القَوْل بالبرهان…فسل الْمُعَطل عَن ثَلَاث مسَائِل تقضي على التعطيل بِالْبُطْلَانِمَاذَا تَقول أَكَانَ يعرف ربه…هَذَا الرَّسُول حَقِيقَة الْعرْفَانأم لَا وَهل كَانَت نصيحة لنا…كل

- ‌فصل…هَذَا وَخَاتم هَذِه الْعشْرين وَجها…وَهُوَ أقربها الى الاذهانسرد النُّصُوص فانها قد نوعت…طرق الادلة فِي أتم بَيَانوَالنّظم يَمْنعنِي من استيفائها…وسياقه الالفاظ بالميزانفاشير بعض إِشَارَة لمواضع…مِنْهَا وَأَيْنَ الْبَحْر من خلجانفاذكر نُصُوص الاسْتوَاء

- ‌فصل…هَذَا وحاديها وَعشْرين الَّذِي…قد جَاءَ فِي الاخبار وَالْقُرْآنإتْيَان رب الْعَرْش جل جلاله…ومجيئه للفصل بالميزانفَانْظُر الى التَّقْسِيم والتنويع فِي الْقُرْآن تلفيه صَرِيح بِبَيَان…ان الْمَجِيء لذاته لَا أمرهكلا وَلَا ملك عَظِيم الشان…اذ ذَانك الامران قد ذكرا

- ‌فصل

- ‌يعْنى حَدِيث جَابر فِي خطبَته صلى الله عليه وسلم يَوْم عَرَفَة وَقد تقدم

الفصل: .. وَيَأْخُذ حَاله زورا فَيَرْمِي … عمَامَته ويهرب فِي الرمال ويجرون

.. وَيَأْخُذ حَاله زورا فَيَرْمِي

عمَامَته ويهرب فِي الرمال

ويجرون التيوس وَرَاء رِجْس

تقرمط فِي العقيدة والفعال

قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

‌فصل

فِي مقالات طوائف الاتحادية فِي كَلَام الرب جل جلاله

وَأَتَتْ طوائف الِاتِّحَاد بِملَّة

طمت على مَا قَالَ كل لِسَان

قَالُوا كَلَام الله كل كَلَام هَذَا

الْخلق من جن وَمن إِنْسَان

نظما ونثرا زوره وَصَحِيحه

صدقا وكذبا وَاضح الْبطلَان

فالسب والشتم الْقَبِيح وقذفهم

للمحصنات وكل نوع أغان

وَالنوح والتعزيم وَالسحر الْمُبين

وَسَائِر الْبُهْتَان والهذيان

هُوَ عين قَول الله جل جلاله

وَكَلَامه حَقًا بِلَا نكران

هَذَا الَّذِي أدّى اليه أصلهم

وَعَلِيهِ قَامَ مكسح الْبُنيان

إِذْ أصلهم أَن الاله حَقِيقَة

عين الْوُجُود وَعين ذِي الاكوان

فكلامها وصفاتها هُوَ قَوْله

وَصِفَاته مَا هَا هُنَا قَولَانِ

وكذاك قَالُوا إِنَّه الْمَوْصُوف بالضدين

من قبح وَمن احسان

ص: 339

.. وكذاك قد وصفوه أَيْضا بالكما

ل وضده من سَائِر النُّقْصَان

هذي مقالات الطوائف كلهَا

حملت اليك رخيصة الاثمان

وأظن لَو فتشت كتب النَّاس مَا

ألفيتها أبدا بذا التِّبْيَان

زفت اليك فان يكن لَك نَاظر

أَبْصرت ذَات الْحسن والاحسان

أَقُول حَاصِل كَلَام الاتحادية كَمَا قَالَ النَّاظِم ان جَمِيع كَلَام الْخلق كَلَام الله نظمه ونثره زوره وَصَحِيحه صدقه وَكذبه جَمِيعه كَلَام الله تَعَالَى عَن ذَلِك كَمَا قَالُوا

وكل كَلَام فِي الْوُجُود كَلَامه

سَوَاء كَانَ علينا نثره ونظامه

عَلَيْهِم لعائن الله المتتابعة الى يَوْم الدّين

قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

فاعطف على الْجَهْمِية الْمغل الالى

خرقوا سياج الْعقل وَالْقُرْآن

تقدم معنى السياج

شرد بهم من خَلفهم واكسرهم

بل نَاد فِي ناديهم بِأَذَان

أفسدتم الْمَنْقُول والمعقول والمسموع

من لُغَة بِكُل لِسَان

أيصح وصف الشَّيْء بالمشتق للمسلوب

مَعْنَاهُ لذِي الاذهان

أيصح صبار وَلَا صَبر لَهُ

وَيصِح شكار بِلَا شكران

ص: 340

.. وَيصِح علام وَلَا علم لَهُ

وَيصِح غفار بِلَا غفران

وَيُقَال هَذَا سامع أَو مبصر

والسمع والابصار مفقودان

هَذَا محَال فِي الْعُقُول وَفِي النقول

وَفِي اللُّغَات وَغير ذِي إِمْكَان

فلئن زعمتم انه مُتَكَلم

لَكِن بقول قَامَ بالانسان

اَوْ غَيره فَيُقَال هَذَا بَاطِل

وَعَلَيْكُم فِي ذَاك محذوران

نفي اشتقاق اللَّفْظ للموجود

مَعْنَاهُ بِهِ وثبوته للثَّانِي

أَعنِي الَّذِي مَا قَامَ مَعْنَاهُ بِهِ

قلب الْحَقَائِق أقبح الْبُهْتَان

وَنَظِير ذَا اخوان هَذَا مبصر

وَأَخُوهُ مَعْدُود من العميان

سميتم الْأَعْمَى بَصيرًا إِذْ أَخُو

هـ مبصر وبعكسه فِي الثَّانِي

فلئن زعمتم أَن ذَلِك ثَابت

فِي فعله كالخلق للاكوان

وَالْفِعْل لَيْسَ بقائم بإلهنا

إِذْ لَا يكون مَحل ذِي حدثان

وَيصِح أَن يشتق مِنْهُ خَالق

فَكَذَلِك الْمُتَكَلّم الوحدان

هُوَ فَاعل لكَلَامه وَكتابه

لَيْسَ الْكَلَام لَهُ بِوَصْف معَان

شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي توضيح مَا تقدم فَقَالَ فاعطف على الْجَهْمِية الْمغل الالى الخ أَي أَن الْجَهْمِية خالفوا الْعقل وَالنَّقْل فَلهَذَا قَالَ شرد بهم من خَلفهم والتشريد التَّفْرِيق مَعَ الِاضْطِرَاب والازعاج

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {فشرد بهم من خَلفهم} الانفال 57

ص: 341

قَالَ شردهم سمع بهم وَقَالَ الزّجاج افْعَل بهم فعلا من الْقَتْل تفرق بِهِ من خَلفهم يُقَال شَردت بني فلَان قلعتهم عَن مواضعهم وطردتهم عَنْهَا حَتَّى فارقوها وَمِنْه شرد الْبَعِير إِذا فَارق صَاحبه بل نَاد فِي ناديهم بِأَذَان أَي ارْفَعْ صَوْتك فِي ناديهم أَي مجلسهم والنادي قَالَ فِي (الْقَامُوس (النادي والندوة والمنتدى مجْلِس الْقَوْم نَهَارا أَو الْمجْلس مَا داموا مُجْتَمعين فِيهِ والاذان فِي اللُّغَة الاعلام قَالَ الله تَعَالَى {وأذان من الله وَرَسُوله} التَّوْبَة 3 أَي قل للجهمية أفسدتم الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول واللغة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن وَقل أيصح وصف الشَّيْء بالمشتق للمسلوب مَعْنَاهُ فَهَل يَصح صبار وَلَا صَبر لَهُ وَهل يَصح شكار وَلَا شكر لَهُ وَيصِح علام وَلَا علم لَهُ وَيصِح غفار بِلَا مغْفرَة وَيصِح ان يُقَال هَذَا سامع اَوْ مبصر لمن لَا سمع لَهُ وَلَا بصر ان هَذَا محَال فِي الْعقل وَالنَّقْل واللغة

قَوْله مكسح الْبُنيان هُوَ اسْم مفعول من كسح يكسح كسحا فَهُوَ مكسح قَالَ فِي (الْقَامُوس (الكساحة الكناسة والزمانة فِي الْيَدَيْنِ كسح كفرح وَهُوَ أكسح وكسحان والكساح دَاء لِلْإِبِلِ والمكسح المقشر والكسيح الْعَاجِز والاكسح الاعرج والمقعد جمع كسحان انْتهى

ثمَّ قَالَ

فلئن زعمتم انه مُتَكَلم

لَكِن بقول قَامَ بالانسان

اَوْ غَيره فَيُقَال هَذَا بَاطِل

وَعَلَيْكُم فِي ذَاك محذوران

نفى اشتقاق اللَّفْظ الخ

أَي أَنه يلزمكم إِذا قُلْتُمْ بذلك أَن تنفوا اشتقاق اللَّفْظ للموجود مَعْنَاهُ بِهِ الخ لَان لفظ مُتَكَلم مُشْتَقّ من الْكَلَام واذا أضفتم الْكَلَام

ص: 342

الى غير من قَامَ بِهِ كَانَ ذَلِك محالا وَهُوَ قلب للحقائق وَهُوَ بِمَنْزِلَة أَخَوَيْنِ بَصِير واعمى فَهَل يُسمى الاعمى بَصيرًا لَان أَخَاهُ مبصر وَهل يُسمى المبصر أعمى لَان أَخَاهُ أعمى فَهَل فِي قلب الْحَقَائِق مثل هَذَا

وَقَوله فلئن زعمتم أَن ذَلِك ثَابت فِي فعله الخ أَي إِن زعمتم أَن ذَلِك ثَابت فِي فعله أَي لَان الْفِعْل عِنْدهم هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَالْفِعْل لَيْسَ قَائِما بِاللَّه تَعَالَى عِنْدهم لِئَلَّا تقوم بِهِ الْحَوَادِث عِنْدهم وَلَكِن يَصح أَن يشتق مِنْهُ خَالق فَكَذَلِك الْكَلَام فَهُوَ عِنْدهم فَاعل لكَلَامه وَكتابه وَلم يزدْ النَّاظِم على هَذَا القَوْل هُنَا لانه سيبسط الْكَلَام عَلَيْهِ فِيمَا بعد

قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

ومخالف الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول

والفطرات والمسموع للانسان

من قَالَ إِن كَلَامه سُبْحَانَهُ

وصف قديم أحرف وَمَعَان

وَالسِّين عِنْد الْبَاء لَيست بعْدهَا

لَكِن هما حرفان مقترنان

أَو قَالَ إِن كَلَامه سُبْحَانَهُ

معنى قديم قَامَ بالرحمن

مَا إِن لَهُ كل وَلَا بعض وَلَا الْعَرَبِيّ حَقِيقَته وَلَا العبراني

والامر عين النَّهْي واستفهامه

هُوَ عين إِخْبَار بِلَا فرقان

وَكَلَامه كحياته مَا ذَاك مَقْدُورًا

لَهُ بل لَازم الرَّحْمَن

هَذَا الَّذِي قد خَالف الْمَعْقُول

وَالْمَنْقُول والفطرات للانسان

ص: 343

.. أما الَّذِي قد قَالَ إِن كَلَامه

ذُو أحرف قد رتبت بِبَيَان

وَكَلَامه بِمَشِيئَة وإدارة

كالفعل مِنْهُ كِلَاهُمَا سيان

فَهُوَ الَّذِي قد قَالَ قولا يعلم الْعُقَلَاء

صِحَّته بِلَا نكران

فلأي شَيْء كَانَ مَا قد قُلْتُمْ

أولى وَأقرب مِنْهُ للبرهان

ولأي شَيْء دَائِما كَفرْتُمْ

أَصْحَاب هَذَا القَوْل بالعدوان

فدعوا الدعاوي وابحثوا مَعنا

بتحقيق وإنصاف بِلَا عدوان

وارفوا مذاهبكم ومدو خرقها

أَن كَانَ ذَاك الرفو فِي الامكان

فاحكم هداك الله بَينهم فقد

أدلوا اليك بِحجَّة وَبَيَان

لَا تنصرن سوى الحَدِيث وَأَهله

هم عَسْكَر الْقُرْآن والايمان

وتحيزن اليهم لَا غَيرهم

لتَكون منصورا لَدَى الرَّحْمَن

ذكر النَّاظِم رحمه الله مَذْهَب الاقترانية وَمذهب الْكلابِيَّة والاشاعرة فِي كَلَام الله تَعَالَى وَقد تقدم رد مَذْهَبهم بِمَا فِيهِ كِفَايَة ثمَّ بسط الْكَلَام فِي مَسْأَلَة هَل الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق فَقَالَ

فَنَقُول هَذَا الْقدر قد اعيى على

أهل الْكَلَام وقاده أصلان

إِحْدَاهمَا هَل فعله مَفْعُوله

أَو غَيره فهما لَهُم قَولَانِ

والقائلون بِأَنَّهُ هُوَ عينه

فروا من الاوصاف بالحدثان

لَكِن حَقِيقَة قَوْلهم وصريحه

تَعْطِيل خَالق هَذِه الاكوان

ص: 344

.. عَن فعله إِذْ فعله مَفْعُوله

لكنه مَا قَامَ بالرحمن

فعلى الْحَقِيقَة مَا لَهُ فعل اذ الْمَفْعُول

مُنْفَصِل عَن الديَّان

والقائلون بِأَنَّهُ غير لَهُ

متنازعون وهم فطائفتان

إِحْدَاهمَا قَالَت قديم قَائِم

بِالذَّاتِ وَهُوَ كقدرة المنان

سموهُ تكوينا قَدِيما قَالَه

أَتبَاع شيخ الْعَالم النُّعْمَان

وخصومهم لم ينصفوا فِي رده

بل كابروهم مَا أَتَوا بِبَيَان

وَالْآخرُونَ رَأَوْهُ أمرا حَادِثا

بِالذَّاتِ قَامَ وَأَنَّهُمْ نَوْعَانِ

إِحْدَاهمَا جعلته مفتتحا بِهِ

حذر التسلسل لَيْسَ ذَا إِمْكَان

هَذَا الَّذِي قالته كرامية

ففعاله وَكَلَامه سيان

وَالْآخرُونَ أولو لنحديث كأحمد

ذَاك ابْن حَنْبَل الرضى الشَّيْبَانِيّ

قد قَالَ إِن الله حَقًا لم يزل

متكلما ان شَاءَ ذُو إِحْسَان

جعل الْكَلَام صِفَات فعل قَائِم

بِالذَّاتِ لم يفقد من الرَّحْمَن

وكذاك نَص على دوَام الْفِعْل بَال

إِحْسَان أَيْضا فِي مَكَان ثَان

وَكَذَا ابْن عَبَّاس فراجع قَوْله

لما أجَاب مسَائِل الْقُرْآن

وكذاك جَعْفَر الامام الصَّادِق المقبول

عِنْد الْخلق ذِي الْعرْفَان

قد قَالَ لم يزل الْمُهَيْمِن محسنا

برا جوادا عِنْد كل اوان

ص: 345

.. وَكَذَا الامام الدَّارمِيّ فانه

قد قَالَ مَا فِيهِ هدى الحيران

قَالَ الْحَيَاة مَعَ الفعال كِلَاهُمَا

متلازمان فَلَيْسَ يفترقان

صدق الامام فَكل حَيّ فَهُوَ فعا

ل وَذَا فِي غَايَة التِّبْيَان

الا اذا مَا كَانَ ثمَّ مَوَانِع

من آفَة أَو قاسر الْحَيَوَان

والرب لَيْسَ لفعله من مَانع

مَا شَاءَ كَانَ بقدرة الديَّان

ومشيئة الرَّحْمَن لَازمه لَهُ

وكذاك قدرَة رَبنَا الرَّحْمَن

هَذَا وَقد فطر الاله عباده

ان الْمُهَيْمِن دَائِم الاحسان

أولست تسمع قَول كل موحد

يَا دَائِم الْمَعْرُوف وَالسُّلْطَان

وقديم الاحسان الْكثير ودائم الْجُود

الْعَظِيم وَصَاحب الغفران

من غير إِنْكَار عَلَيْهِم فطْرَة

فطروا عَلَيْهَا لَا تواص ثَان

اوليس فعل الرب تَابع وَصفه

وكما لَهُ أفذاك ذُو حدثان

وكما لَهُ سَبَب الفعال وخلقه

أفعالهم سَبَب الْكَمَال الثَّانِي

أَو مَا فعال الرب عين كَمَاله

أفذاك مُمْتَنع على المنان

أزلا الى أَن صَار فِيمَا لم يزل

مُتَمَكنًا وَالْفِعْل ذُو إِمْكَان

تالله قد ضلت عقول الْقَوْم إِذا

قَالُوا بِهَذَا القَوْل ذِي الْبطلَان

مَاذَا الَّذِي أضحى لَهُ متجددا

حَتَّى تمكن فانطقوا بِبَيَان

ص: 346

.. والرب لَيْسَ معطلا عَن فعله

بل كل يَوْم رَبنَا فِي شان

ذكر النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى النزاع فِي الاصل الْمَشْهُور وَهُوَ أَنه هَل الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَالْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول وَمعنى ذَلِك أَن النَّاس تنازعوا فِي الافعال اللَّازِمَة المضافة الى الرب سبحانه وتعالى مثل الْمَجِيء والاتيان والاستواء الى السَّمَاء والى الْعَرْش بل وَفِي الافعال المتعدية مثل الْخلق والاحسان وَالْعدْل وَغير ذَلِك هَل يكون خلقه لِلسَّمَوَاتِ والارض فعلا فعله غير الْمَخْلُوق أم فعله هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق على قَوْلَيْنِ معروفين والاول هُوَ الْمَأْثُور عَن السّلف وَهُوَ الَّذِي ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب (خلق الافعال (عَن الْعلمَاء مُطلقًا وَلم يذكرُوا فِيهِ نزاعا

قَالَ البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (خلق الافعال (اخْتلف النَّاس فِي الْفَاعِل وَالْفِعْل وَالْمَفْعُول فَقَالَت الْقَدَرِيَّة الافاعيل كلهَا من الْبشر وَقَالَت الجبرية الافاعيل كلهَا من الله وَقَالَت الْجَهْمِية الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَاحِد لذَلِك قَالُوا (كن) مَخْلُوق وَقَالَ التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة فَفعل الله صفة الله وَالْمَفْعُول من سواهُ من الْمَخْلُوقَات انْتهى وَكَذَلِكَ ذكره الْبَغَوِيّ وَغَيره عَن مَذْهَب أهل السّنة وَكَذَلِكَ ذكره أَبُو عَليّ الثَّقَفِيّ والضبعي وَغَيرهمَا من أَصْحَاب ابْن خُزَيْمَة فِي العقيدة الَّتِي اتَّفقُوا هم وَابْن خُزَيْمَة على أَنَّهَا مَذْهَب أهل السّنة وَكَذَلِكَ ذكره الكلاباذي فِي كتاب (التعرف لمَذْهَب التصوف (أَنه مَذْهَب الصُّوفِيَّة وَهُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة وَهُوَ مَشْهُور عِنْدهم وَهُوَ قَول السّلف وَجُمْهُور الطوائف وَهُوَ قَول جُمْهُور أَصْحَاب أَحْمد متقدميهم وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم

ص: 347

وَهُوَ آخر قولي القَاضِي أبي يعلى وَكَذَلِكَ قَول أَئِمَّة الشَّافِعِيَّة والمالكية وَأهل الحَدِيث وَأكْثر أهل الْكَلَام كالهشامية والكلابية والكرامية كلهم وَبَعض الْمُعْتَزلَة وَكثير من أساطين الفلاسفة وَذهب متقدموهم ومتأخروهم وَآخَرُونَ من أهل الْكَلَام الْجَهْمِية والمعتزلة والاشعرية الى أَن الْخلق هُوَ نفس الْمَخْلُوق وَلَيْسَ لله عِنْد هَؤُلَاءِ صنع وَلَا خلق وَلَا فعل وَلَا إبداع الا الْمَخْلُوقَات أَنْفسهَا وَهُوَ قَول طَائِفَة من الفلاسفة الْمُتَأَخِّرين اذ قَالُوا بِأَن الرب مبدع كَابْن سيناء وَنَحْوه

قَوْله والقائلون بِأَنَّهُ غير أَي الْقَائِلُونَ بِأَن الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق فروا من قيام الْحَوَادِث بالرب تَعَالَى وَالْحجّة الْمَشْهُورَة لِلْقَائِلين بِأَن الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق أَنه لَو كَانَ خلق الْمَخْلُوقَات بِخلق لَكَانَ ذَلِك الْخلق إِمَّا قَدِيما وَإِمَّا حَادِثا فَإِن كَانَ قَدِيما لزم قدم كل مَخْلُوق وَهَذَا مُكَابَرَة وَإِن كَانَ حَادِثا فَإِن قَامَ بالرب لزم قيام الْحَوَادِث بِهِ وان لم يقم بِهِ كَانَ الْخلق قَائِما بِغَيْر الْخَالِق وَهَذَا مُمْتَنع وَسَوَاء قَامَ بِهِ أَو لم يقم بِهِ يفْتَقر ذَلِك الْخلق الى خلق آخر وَيلْزم التسلسل هَذَا عمدتهم وَقد أجابهم الْقَائِلُونَ بِأَن الْخلق غير الْمَخْلُوق بأجوبة شافية كَافِيَة فلتطلب من المطولات وَأما حجَّة الْقَائِلين بِأَن الْخلق غير الْمَخْلُوق فقد ذكرهَا النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وَلَكِن الكرامية كَمَا ذكر النَّاظِم جعلت لَهُ اولا خوفًا من القَوْل بالتسلسل

وَقَوله إِحْدَاهمَا قَالَت قديم قَائِم الخ أَي إِن أَتبَاع شيخ الْعَالم بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الامام أَبُو حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت الْكُوفِي عَالم الْعرَاق رَحمَه الله تَعَالَى قد قَالُوا ان التكوين قديم قَائِم بِالذَّاتِ والمكون حَادث وَهُوَ كقدرته سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ الامام ابو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ الْحَنَفِيّ فِي عقيدته

ص: 348

الْمَشْهُورَة إِن الله تَعَالَى مَا زَالَ بصفاته قَدِيما قبل خلقه لم يَزْدَدْ بكونهم شَيْئا لم يكن قبلهم من صفته وكما كَانَ بصفاته أزليا كَذَلِك لَا يزَال عَلَيْهَا أبديا لَيْسَ مُنْذُ خلق الْخلق اسْتَفَادَ الْخَالِق وَلَا باحداثه الْبَريَّة اس 4 تفاد الْبَارِي لَهُ معنى الربوبية وَلَا مربوب وَمعنى الخالقية وَلَا مَخْلُوق وكما أَنه محيي الْمَوْتَى بعد مَا أحيى اسْتحق هَذَا الِاسْم قبل إحيائهم كَذَلِك اسْتحق اسْم الْخَالِق قبل إنشائهم ذَلِك أَنه على كل شَيْء قدير وكل شَيْء اليه فَقير وكل أَمر عَلَيْهِ يسير لَا يحْتَاج الى شَيْء لَيْسَ كمثله شَيْء هوه السَّمِيع الْبَصِير انْتهى

قَوْله وَالْآخرُونَ رَأَوْهُ أمرا حَادِثا بِالذَّاتِ قَامَ الخ أَي أَن الكرامية رَأَوْا أَن الْفِعْل أَمر حَادث قَائِم بِذَات الله وَلَكِن لَهُ أول وَهُوَ معنى قَول النَّاظِم عَنْهُم ففعاله وَكَلَامه سيان يَعْنِي أَن كَلَامه لَهُ أول وفعاله لَهَا أول عِنْد الكرامية

قَوْله وَالْآخرُونَ أولو الحَدِيث كأحمد الخ أَي أَن مَذْهَب أهل الحَدِيث كأحمد بن حَنْبَل وَغَيره أَن الله تَعَالَى لم يزل متكلما وَلم يزل فعالا وَلِهَذَا قَالَ النَّاظِم عَن الامام أَحْمد إِن الله حَقًا لم يزل متكلما إِن شَاءَ قَالَ الامام أَحْمد فِي رِوَايَة حَنْبَل لم يزل الله عَالما متكلما غَفُورًا وَقَالَ فِي الرَّد على الْجَهْمِية لم يزل الله عَالما قَادِرًا مَالِكًا لَا مَتى وَلَا كَيفَ

قَوْله وَكَذَا ابْن عَبَّاس فراجع قَوْله الخ يُرِيد مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه (عَن سعيد بن جُبَير أَن رجلا سَأَلَ ابْن عَبَّاس قَالَ إِنِّي أجد

ص: 349

فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تخْتَلف عَليّ فَذكر مسَائِله وَمِنْهَا قَالَ وَقَوله {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} النِّسَاء 96 {وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما} النِّسَاء 158 {وَكَانَ الله سميعا بَصيرًا} النِّسَاء 134 وَكَأَنَّهُ كَانَ ثمَّ مضى فَقَالَ ابْن عَبَّاس وَقَوله {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} سمى نَفسه ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله أَي لم أزل كَذَلِك هَذَا لفظ البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ وَاخْتصرَ الحَدِيث وَرَوَاهُ البرقاني عَن طَرِيق شيخ البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ فَقَالَ ابْن عَبَّاس فَأَما قَوْله {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} {وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيما} {وَكَانَ الله سميعا بَصيرًا} فان الله جعل نَفسه ذَلِك وسمى نَفسه ذَلِك وَلم ينحله أحدا غَيره وَكَانَ الله أَي لم يزل كَذَلِك هَذَا لفظ الْحميدِي صَاحب (الْجمع (وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن البرقاني من حَدِيث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البوشنجي عَن يُوسُف بن عدي شيخ البُخَارِيّ قَالَ إِن الله سمى نَفسه ذَلِك وَلم ينحله غَيره فَذَلِك قَوْله {وَكَانَ الله} أَي لم يزل كَذَلِك وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة يَعْقُوب بن سُفْيَان عَن يُوسُف وَلَفظ ابْن عَبَّاس فَإِن الله سمى نَفسه ذَلِك وَلم يَجعله غَيره فَذَلِك قَوْله {وَكَانَ الله} أَي لم يزل

قَوْله وكذاك جَعْفَر الامام الخ يَعْنِي مَا رَوَاهُ الثعالبي فِي تَفْسِيره باسناده عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} الْمُؤْمِنُونَ 115 لم خلق الْخلق فَقَالَ لَان الله كَانَ محسنا بِمَا لم يزل فِيمَا لم يزل الى مَا لم يزل فَأَرَادَ تَعَالَى أَن يفِيض إحسانه الى خلقه وَكَانَ غَنِيا عَنْهُم لم يخلقهم لجر مَنْفَعَة وَلَا لدفع مضرَّة وَلَكِن خلقهمْ وَأحسن اليهم وَأرْسل اليهم الرُّسُل حَتَّى يفصلوا بَين الْحق وَالْبَاطِل فَمن أحسن كافأه بِالْجنَّةِ وَمن عصى كافأه بالنَّار

قَوْله وَكَذَا الامام الدَّارمِيّ الخ قَالَ الامام عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ

ص: 350

فِي كتاب (النَّقْض على المريسي (حِين احْتج بقوله تَعَالَى {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} الْبَقَرَة 255 وَادّعى أَن تَفْسِير القيوم الَّذِي لَا يَزُول يَعْنِي الَّذِي لَا ينزل وَلَا يَتَحَرَّك وَلَا يقبض وَلَا يبسط قَالَ عُثْمَان وَكَانَ وَاضحا عِنْد الْعلمَاء وَأهل الْبَصَر بِالْعَرَبِيَّةِ أَن معنى لَا يَزُول لَا يفنى وَلَا يبيد لِأَنَّهُ لَا يَتَحَرَّك وَلَا يَزُول من مَكَان الى مَكَان إِذا شَاءَ كَمَا كَانَ يُقَال فِي الشَّيْء الفاني هُوَ زَالَ كَمَا قَالَ لبيد

الا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل

وكل نعيم لَا محَالة زائل

يَعْنِي فَإِن لَا أَنه متحرك فَإِن أَمارَة مَا بَين الْحَيّ وَالْمَيِّت التحرك وَمَا لَا يَتَحَرَّك فَهُوَ ميت لَا يُوصف بحياة كَمَا لَا تُوصَف الاصنام الْميتَة (بِالْحَيَاةِ قَالَ الله تَعَالَى {وَالَّذين يدعونَ من دون الله لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون أموات غير أَحيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يبعثون} النَّحْل 20 21 فَالله الْحَيّ القيوم الْقَابِض الباسط يَتَحَرَّك اذا شَاءَ وَيفْعل مَا يَشَاء بِخِلَاف الاصنام الَّتِي لَا تَزُول حَتَّى تزَال وَقَالَ البُخَارِيّ وَلَقَد بَين نعيم بن حَمَّاد أَن كَلَام الرب لَيْسَ بِخلق وَأَن الْعَرَب لَا تعرف الْحَيّ من الْمَيِّت الا بِالْفِعْلِ فَمن كَانَ لَهُ فعل فَهُوَ حَيّ وَمن لم يكن لَهُ فعل فَهُوَ ميت وَأَن أَفعَال الْعباد مخلوقة فضيق عَلَيْهِ حَتَّى مضى لسبيله وتوجع أهل الْعلم لما نزل بِهِ قَالَ وَفِي اتِّفَاق الْمُسلمين دَلِيل على أَن نعيما وَمن نحا نَحوه لَيْسَ بمارق وَلَا مُبْتَدع بل الْبدع والترؤس بِالْجَهْلِ لغَيرهم أولى اذ يفتون بالآراء الْمُخْتَلفَة مِمَّا لم يَأْذَن بِهِ الله انْتهى

ص: 351

قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى

والامر والتكوين وصف كَمَا لَهُ

مَا فقد ذَا ووجوده سيان

وتخلف التَّأْثِير بعد تَمام مو

جبه محَال لَيْسَ فِي الامكان

وَالله رَبِّي لم يزل ذَا قدرَة

ومشيئة ويليهما وصفان

الْعلم مَعَ وصف الْحَيَاة وَهَذِه

اوصاف ذَات الْخَالِق المنان

وَبهَا تَمام الْفِعْل لَيْسَ بِدُونِهَا

فعل يتم بواضح الْبُرْهَان

فلأي شَيْء قد تَأَخّر فعله

مَعَ مُوجب قد تمّ بالاركان

مَا كَانَ مُمْتَنعا عَلَيْهِ الْفِعْل بل

مَا زَالَ فعل الله ذَا إِمْكَان 5

وَالله عَابَ الْمُشْركين بِأَنَّهُم

عبدُوا الْحِجَارَة فِي رضى الشَّيْطَان 5

ونعى عَلَيْهِم كَونهَا لَيست بخا

لقة وَلَيْسَت ذَات نطق بَيَان

فأبان أَن الْفِعْل والتكليم من

أوثانهم لَا شكّ مفقودان

فَإِذا هما فقدا فَمَا مسلوبها

باله حق وَهُوَ ذُو بطلَان

وَالله فَهُوَ إِلَه حق دَائِما

أفعنه ذَا الوصفان مسلوبان

أزلا وَلَيْسَ لفقدها من غَايَة

هَذَا الْمحَال واعظم الْبطلَان

إِن كَانَ رب الْعَرْش حَقًا لم يزل

أبدا إِلَه الْحق ذَا سُلْطَان

فكذاك أَيْضا لم يزل متكلما

بل فَاعِلا مَا شَاءَ ذَا إِحْسَان

ص: 352

وَالله مَا فِي الْعقل مَا يقْضِي لذا

بِالرَّدِّ والابطال والنكران

بل لَيْسَ فِي الْمَعْقُول غير ثُبُوته

للخالق الازلي ذِي الاحسان

هَذَا وَمَا دون الْمُهَيْمِن حَادث

لَيْسَ الْقَدِيم سواهُ فِي الاكوان

وَالله سَابق كل شَيْء غَيره

مَا رَبنَا والخلق مقترنان

وَالله كَانَ وَلَيْسَ شَيْء غَيره

سُبْحَانَهُ جلّ الْعَظِيم الشان

لسنا نقُول كَمَا يَقُول الملحد الزنديق

صَاحب منطق اليونان

بدوام هَذَا الْعَالم الْمَشْهُود وَال

أَرْوَاح فِي أزل وَلَيْسَ بفان

هذي مقالات الْمَلَاحِدَة الالى

كفرُوا بخالق هَذِه الاكوان

قَوْله

وتخلف التَّأْثِير بعد تَمام مو

جبه محَال لَيْسَ فِي الامكان

وَالْمولى سُبْحَانَهُ لم يزل ذَا قدرَة ومشيئة وَعلم وحياة وَهَذِه كَمَا قَالَ النَّاظِم أَوْصَاف ذَات الْخَالِق المنان وَبهَا تَمام الْفِعْل وَمَعَ وجود الْمُؤثر التَّام يلْزم وجود الاثر وَقد تقدم بسط الْكَلَام فِي ذَلِك فالرب سُبْحَانَهُ لم يزل فعالا متكلما إِذا شَاءَ وَلِهَذَا لما قَالَ المتكلمون بِوُجُوب تَأَخّر الاثر اورد عَلَيْهِم من الاشكالات مَا لَا جَوَاب لَهُم عَنهُ ثمَّ قَالَ النَّاظِم وَالله عَابَ الْمُشْركين بِأَنَّهُم عبدُوا الْحِجَارَة الخ أَي أَن الله عَابَ على الْمُشْركين عبَادَة الاصنام ونعى عَلَيْهِم كَونهَا لَا تخلق وَلَا تَتَكَلَّم واذا فقد الْفِعْل وَالْكَلَام فَلَيْسَ مسلوبهما بِاللَّه حق وَالله تَعَالَى وتقدس لم يزل متكلما فعالا محسنا وَمَا سواهُ حَادث كَمَا قَالَ النَّاظِم هَذَا وَمَا دون الْمُهَيْمِن حَادث

وَقَوله وَالله كَانَ وَلَيْسَ شَيْء غَيره الخ أَي ان الْمولى سُبْحَانَهُ كَانَ

ص: 353

وَلَيْسَ مَعَه شَيْء من خلقه كَمَا قَالَ مَا رَبنَا والخلق مقترنان

وَقَوله مَا رَبنَا والخلق مقترنان هَذَا إِشَارَة الى الرَّد على ابْن سينا وَأَتْبَاعه الْقَائِلين بِأَن الْعَالم مَعْلُول لعِلَّة قديمَة أزلية وَأَن الْعَالم لم يزل مَعَ الله أزلا وأبدا وَيَقُولُونَ الْعلَّة مُتَقَدّمَة على الْمَعْلُول وَإِن قارنته بِالزَّمَانِ فَيُقَال لَهُم إِن أردتم بِالْعِلَّةِ مَا هُوَ شَرط فِي وجود الْمَعْلُول لَا مبدعا لَهُ كَانَ حَقِيقَة ذَلِك أَن وَاجِب الْوُجُود لَيْسَ مبدعا للممكنات وَلَا رَبًّا لَهَا بل وجوده شَرط فِي وجودهَا وَهَذَا حَقِيقَة قَول هَؤُلَاءِ فالرب على أصلهم والعالم متلازمان كل مِنْهُمَا شَرط فِي الآخر والرب مُحْتَاج إِلَى الْعَالم كَمَا أَن الْعَالم مُحْتَاج الى الرب وهم يبالغون فِي اثبات غناهُ عَن غَيره وعَلى أصلهم فقره الى غَيره كفقر بعض الْمَخْلُوقَات وَإِن ارادوا بِالْعِلَّةِ مَا هُوَ مبدع للمعلول فَهَذَا لَا يعقل مَعَ كَون زَمَانه زمَان الْمَعْلُول لم يتَقَدَّم على الْمَعْلُول تقدما حَقِيقِيًّا وَهُوَ التَّقَدُّم الْمَعْقُول واذا شبهوا وجود الْفلك مَعَ الرب بالصوت مَعَ الْحَرَكَة والضوء مَعَ الشَّمْس كَانَ هَذَا وَنَحْوه تَشْبِيها بَاطِلا لَا يُفِيد امكان صِحَة قَوْلهم فضلا عَن إِثْبَات صِحَّته فان هَذِه الامور وأمثالها إِمَّا أَن يُقَال فِيهَا إِن الثَّانِي مَوْجُود مُتَّصِل بالاول كاجزاء الزَّمَان وَالْحَرَكَة لانه مَعَه فِي الزَّمَان وَأما أَن يُقَال الثَّانِي مَشْرُوط بالاول لَا أَن الاول مبدع للثَّانِي فَاعل لَهُ فَلَا يُمكنهُم أَن يذكرُوا وجود فَاعل لغيره مَعَ أَن زمانهما مَعًا أصلا وَعَامة الْعُقَلَاء مطبقون على أَن الْعلم بِكَوْن الشَّيْء الْمعِين مرَادا مَقْدُورًا يُوجب الْعلم بِكَوْنِهِ حَادِثا بعد أَن لم يكن بل هَذَا عِنْدهم من الامور الضَّرُورَة وَلِهَذَا كَانَ مُجَرّد تصور الْعُقَلَاء أَن الشَّيْء مَقْدُور للْفَاعِل مُرَاد لَهُ فعله بمشيئته وَقدرته يُوجب الْعلم بِأَنَّهُ حَادث بل مُجَرّد تصورهم كَون الشَّيْء مَفْعُولا أَو مخلوقا أَو مصنوعا أَو نَحْو ذَلِك من

ص: 354

العيارات يُوجب الْعلم بِأَنَّهُ مُحدث كَائِن بعد أَن لم يكن ثمَّ بعد هَذَا ينظر فِي انه فعله بمشيئته وَقدرته وَإِذا علم أَن الْفَاعِل لَا يكون فَاعِلا إِلَّا بمشيئته وَقدرته وَمَا كَانَ مَقْدُورًا ومرادا فَهُوَ مُحدث كَانَ هَذَا أَيْضا دَلِيلا ثَابتا على أَنه مُحدث وَلِهَذَا كَانَ كل من تصور من الْعُقَلَاء أَن الله خلق االسموات وَالْأَرْض أَو خلق شَيْئا من الْأَشْيَاء كَانَ هَذَا مستلزما لكَون ذَلِك الْمُحدث مخلوقا كَائِنا بعد أَن لم يكن وَإِذا قيل لبَعْضهِم هُوَ قديم مَخْلُوق أَو قديم وعنى بالمخلوق مَا يعنيه هَؤُلَاءِ المتفلسفة الدهرية الْمُتَأَخّرُونَ الَّذين يُرِيدُونَ بِلَفْظ الْمُحدث انه مَعْلُول وَيَقُولُونَ إِنَّه قديم ازلي مَعَ كَونه معلولا مُمكنا يقبل الْوُجُود والعدم فَإِذا تصور الْعقل هَذَا الْمَذْهَب جزم بتناقضه وَأَن أَصْحَابه جمعُوا بَين النقيضين حَيْثُ قدرُوا مخلوقا مُحدثا معلولا مَفْعُولا مُمكنا أَن يُوجد وَأَن يعْدم وقدروه مَعَ ذَلِك قَدِيما أزليا وَاجِب الْوُجُود بِغَيْرِهِ يمْتَنع عَدمه

قَالَ شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله تَعَالَى وَقد بسطنا هَذَا فِي الْكَلَام على المحصل وَغَيره وَذكرنَا أَن مَا ذكره الرَّازِيّ عَن أهل الْكَلَام من أَنهم يجوزون وجود مفعول مَعْلُول أزلي للموجب بِذَاتِهِ أَنه لم يقلهُ أحد مِنْهُم بل هم متفقون على أَن كل مفعول فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا مُحدثا وكل مَا قدر أَنه مَعْلُول لعِلَّة فاعلة فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا مُحدثا وَمَا ذكره هُوَ وامثاله مُوَافقَة لِابْنِ سينا من أَن الْمُمكن وجوده وَعَدَمه قد يكون قَدِيما أزليا قَول بَاطِل عِنْد جَمَاهِير الْعُقَلَاء من الْأَوَّلين والآخرين حَتَّى عِنْد أرسطو وَأَتْبَاعه القدماء والمتأخرين فَإِنَّهُم موافقون لسَائِر الْعُقَلَاء من أَن كل مُمكن يُمكن وجوده وَعَدَمه لَا يكون إِلَّا مُحدثا كَائِنا بعد أَن لم يكن وأرسطو

ص: 355

إِذا قَالَ إِن الْفلك قديم لم يَجعله مَعَ ذَلِك مُمكنا يُمكن وجوده وَعَدَمه وَالْمَقْصُود ان الْعلم بِكَوْن الشيئ مَقْدُورًا مرَادا يُوجب الْعلم بِكَوْنِهِ مُحدثا بل الْعلم بِكَوْنِهِ مَفْعُولا يُوجب الْعلم بِكَوْنِهِ مُحدثا فَأن الْفِعْل والخلق والإبداع والصنع وَنَحْو ذَلِك لَا يعقل إِلَّا مَعَ قُصُور حُدُوث الْمَفْعُول وَأَيْضًا فالجمع بَين كَون الشَّيْء مَفْعُولا وَبَين كَونه قَدِيما أزليا مُقَارنًا للْفَاعِل فِي الزَّمَان جمع بَين المتناقضين وَلَا يعقل قطّ فِي الْوُجُود فَاعل قارنه مَفْعُوله الْمعِين سَوَاء سمي عِلّة أَو لَو يسم وَلَكِن يعقل كَون الشَّرْط مُقَارنًا للمشروط والمثل الَّذِي يذكرُونَهُ من قَوْلهم حركت يَدي فَتحَرك خَاتمِي أَو كمي أَو الْمِفْتَاح وَنَحْو ذَلِك حجَّة عَلَيْهِم لَا لَهُم فَإِن حَرَكَة الْيَد لَيست هِيَ الْعلَّة التَّامَّة وَلَا الْفَاعِل لحركة الْخَاتم بل الْخَاتم مَعَ الْأصْبع كالإصبع من الْكَفّ فالخاتم مُتَّصِل بالإصبع والإصبع مُتَّصِلَة بالكف لَكِن الْخَاتم يُمكن نَزعه بِلَا ألم بِخِلَاف الْكَفّ وَقد يفْرض بَين الْأصْبع والخاتم تقدم بِيَسِير بِخِلَاف أبعاض الْكَفّ وَلَكِن حَرَكَة الإصبع شَرط فِي حَرَكَة الْخَاتم كَمَا أَن حَرَكَة الْكَفّ شَرط فِي حَرَكَة الإصبع أَعنِي فِي الْحَرَكَة الْمعينَة الَّتِي مبدؤها من الْيَد بِخِلَاف الْحَرَكَة الَّتِي تكون للخاتم أَو الاصبع إبتداء فَإِن هَذِه تتصل مِنْهَا إِلَى الْكَفّ كمن يجر أصْبع غَيره فيجر مَعَه كَفه وَمَا يذكرُونَهُ من أَن التَّقْدِيم يكون بِالذَّاتِ وَالْعلَّة كحركة الاصبع وَيكون بالطبع كتقدم الْوَاحِد على الِاثْنَيْنِ وَتَكون بالمكانة كتقدم الْعَالم على الجاهويكون بِالْمَكَانِ كتقدم الصَّفّ الأول على الثَّانِي وَتقدم مقدم الْمَسْجِد على مؤخره وَتَكون بِالزَّمَانِ كَلَام مُسْتَدْرك فَإِن التَّقَدُّم والتأخر الْمَعْرُوف هُوَ التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ فَإِن قبل وَبعد وَمَعَ وَنَحْو ذَلِك مَعَانِيهَا لَازِمَة لتقدم والتأخر الزماني وَأما التَّقَدُّم بالعلية أَو الذَّات مَعَ الْمُقَارنَة فِي الزَّمَان فَهَذَا لَا يعقل الْبَتَّةَ

ص: 356

وَلَا لَهُ مِثَال مُطَابق فِي الْوُجُود بل هُوَ مُجَرّد تخييل لَا حَقِيقَة لَهُ وَأما تقدم الْوَاحِد على الأثنين فَإِن عني بِهِ أَن الْوَاحِد الْمُطلق قبل الأثنين الْمُطلق فَيكون مقدما فِي التَّصَوُّر تقدما زمنيا وَإِن لم يعن بِهِ هَذَا فَلَا تقدم بل الْوَاحِد شَرط فِي الأثنين مَعَ كَون الشَّرْط لَا يتَأَخَّر عَن الْمَشْرُوط بل قد يقارنه وَقد يكون مَعَه فَلَيْسَ هُنَا تقدم وَاجِب غير التَّقَدُّم الزماني وَأما التَّقَدُّم بِالْمَكَانِ فَذَاك نوع آخر وَأَصله من التَّقَدُّم بِالزَّمَانِ فَإِن مقدم الْمَسْجِد تكون فِيهِ الْأَفْعَال الْمُتَقَدّمَة بِالزَّمَانِ على مؤخره فالإمام يتَقَدَّم فعله بِالزَّمَانِ لفعل الْمَأْمُوم فَسُمي مَحل الْفِعْل الْمُتَقَدّم مُتَقَدما وَأَصله هَذَا وَكَذَلِكَ التَّقَدُّم بالرتبة فَإِن أهل الْفَضَائِل مقدمون فِي الْأَفْعَال الشَّرِيفَة والأمكنة وَغير ذَلِك على من دونهم فَسُمي ذَلِك تقدما وَأَصله هَذَا

وَحِينَئِذٍ فَإِذا كَانَ الرب هُوَ الأول الْمُتَقَدّم على كل مَا سواهُ كَانَ كل شيئ مُتَأَخِّرًا عَنهُ وَإِن قدر أَنه لم يزل فَاعِلا فَكل فعل معِين فَهُوَ مُتَأَخّر عَنهُ وَإِذا قيل الزَّمَان مِقْدَار الْحَرَكَة فَلَيْسَ هُوَ مِقْدَار حَرَكَة مُعينَة كحركة الشَّمْس أَو الْفلك بل الزَّمَان الْمُطلق مِقْدَار الْحَرَكَة الْمُطلقَة وَقد كَانَ قبل أَن تخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر حركات وأزمنة وَبعد أَن يُقيم الله الْقِيَامَة ت فتذهب الشَّمْس وَالْقَمَر وَيكون فِي الْجنَّة حركات كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا} مَرْيَم 62 وَجَاء فِي الْآثَار أَنهم يعْرفُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار بأنوار تظهر من جِهَة الْعَرْش وَكَذَلِكَ لَهُم فِي الْآخِرَة يَوْم الْمَزِيد يَوْم الْجُمُعَة يعرف بِمَا يظْهر فِيهِ من الْأَنْوَار الجديدة القوية وَإِن كَانَت الْجنَّة كلهَا نورا يزهر ونهرا يطرد لَكِن يظْهر (فِي) بعض الْأَوْقَات نورا آخر يتَمَيَّز بِهِ اللَّيْل عَن النَّهَار فالرب سُبْحَانَهُ إِذا لم يزل متكلما بمشيئته كَانَ مِقْدَار كَلَامه وفعاله الَّذِي لم يزل هُوَ الْوَقْت الَّذِي يحدث مَا يحدث فِيهِ من مفعولاته وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُتَقَدم على كل مَا سواهُ التَّقَدُّم الحقي

ص: 357

الْعُقَلَاء من الفلاسفة والمتكلمين وَغَيرهم حَتَّى إِنَّه هُوَ تنَاقض فِي ذَلِك فَوَافَقَ سلفه وَجَمِيع الْعُقَلَاء وَصرح بِأَن الْمُمكن لَا يكون إِلَّا مَا يقبل الْوُجُود والعدم وطريقته هَذِه لم يسلكها سلفه الفلاسفة كارسطو وَأَصْحَابه بل وَلَا سلكها جَمَاهِير الفلاسفة بل كثير من الفلاسفة ينازعونه فِي نَفْيه لقِيَام الصِّفَات بِذَات وَاجِب الْوُجُود وَيَقُولُونَ إِنَّه تقوم بِهِ الصِّفَات والإرادات وَإِن كَونه وَاجِبا بِنَفسِهِ لَا يُنَافِي ذَلِك كَمَا لَا يُنَافِي عِنْدهم جَمِيعًا كَونه قَدِيما وَلَكِن ابْن سينا وَأَتْبَاعه لما شاركوا الْجَهْمِية فِي نفي الصِّفَات وشاركوا سلفهم الدهرية فِي القَوْل بقدم الْعَالم سلكوا فِي إِثْبَات رب الْعَالمين طَرِيقا غير طَريقَة سلفهم الْمَشَّائِينَ كأرسطو وَأَتْبَاعه الَّذين أثبتوا الْعلَّة الأولى بحركة الْفلك الإرادية وَأَن لَهَا محركا يحركها كحركة المعشوق لعاشقه وَهُوَ يُحَرك الْفلك للتشبيه بِالْعِلَّةِ الأولى فَعدل ابْن سينا عَن تِلْكَ الطَّرِيقَة إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي سلخها من طَريقَة أهل الْكَلَام الَّذين يحتجون بالمحدث على الْمُحدث وَهُوَ لَا يَقُول بحدوث الْعَالم فَجعل طَرِيقَته الِاسْتِدْلَال بالممكن على الْوَاجِب وَرَأى أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمين قسموا الْوُجُود إِلَى قديم ومحدث فَقَسمهُ هُوَ إِلَى وَاجِب وممكن وَأثبت الْوَاجِب بِهَذَا الطَّرِيق وَابْن سينا يعجب بِهَذِهِ الطَّرِيقَة وَيَقُول إِنَّه أث 2 بت وَاجِب الْوُجُود من من نفس الْمَوْجُود من غير احْتِيَاج إِلَى الِاسْتِدْلَال بالحركة كَمَا فعل أسلافه

قَالَ شيخ الاسلام فِي كتاب (الْعقل وَالنَّقْل (وكل هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ مَا كَانَ معلولا لَا يُمكن وجوده وَيُمكن عَدمه لَا يكون إِلَّا حَادِثا مَسْبُوقا بِالْعدمِ وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك أرسطو وَأَتْبَاعه حَتَّى ابْن سينا وَأَمْثَاله صَرَّحُوا بذلك لَكِن ابْن سينا تنَاقض مَعَ ذَلِك فَزعم أَن الْفلك هُوَ قديم أزلي مَعَ كَونه مُمكنا يقبل الْوُجُود والعدم وَهَذَا مُخَالف لما صرح بِهِ هُوَ وَصرح

ص: 360

لت التَّقْسِيم أَنه اعْتقد فِي السَّمَاء أَنَّهَا فِي جوهرها وَاجِبَة من غَيرهَا مُمكنَة من ذَاتهَا وَقد قُلْنَا فِي غير مَا مَوضِع ان هَذَا لَا يَصح بالبرهان الَّذِي اسْتَعْملهُ ابْن سينا فِي وَاجِب الْوُجُود مَتى لم يفصل هَذَا التَّفْصِيل وَعين هَذَا التَّعْيِين كَانَ من طبيعة الاقاويل الْعَامَّة الجدلية وَمَتى حصل كَانَ من طبيعة الاقاويل البرهانية انْتهى كَلَامه

قَوْله وَكَذَا أَتَى الطوسي بِالْحَرْبِ الصَّرِيح الخ تقدّمت تَرْجَمَة الطوسي وَذكر شَيْء من أَحْوَاله وَمَا فعله بِالْمُسْلِمين مَعَ هولاكو ملك التتار شَائِع ذائع أَشَارَ النَّاظِم الى ذَلِك بقوله فَأَشَارَ أَن يضع التتار سيوفهم الخ وَذَلِكَ لما قَاتل التتار الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه وَالْمُسْلِمين فِي بَغْدَاد والقصة مَشْهُورَة فِي التَّارِيخ فَأَما مَا جرى على بَغْدَاد فقد ذكر ذَلِك الذَّهَبِيّ وَغَيره قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَارِيخ الاسلام (وَفِي سنة 656 أحَاط أَمر الله بِبَغْدَاد فَأَصْبَحت خاوية على عروشها وَبقيت حصيدا كَأَن لم تغن بالامس فانا لله وانا اليه رَاجِعُون نازلها المغول فِي أخلاط من السّفل وأوباش من الْمُنَافِقين وكل من لم يُؤمن بالاب قَالَ وَكَانَ ابْن العلقمي الْوَزير واليا على الْمُسلمين وَكَانَ رَافِضِيًّا جلدا فَلَمَّا استداروا بِبَغْدَاد وخارت القوى وجف الرِّيق وانخلعت الافئدة اشار الْوَزير على الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه بمصانعة الْعَدو وَقَالَ دَعْنِي أخرج اليهم فِي تَقْرِير الصُّلْح فَخرج فاستوثق لنَفسِهِ وَلمن أَرَادَ وَجَاء الى الْخَلِيفَة وَقَالَ إِن الْملك قد رغب أَن يُزَوّج ابْنَته بابنك أبي بكر ويبقيك فِي الْخلَافَة كَمَا كَانَ الْخُلَفَاء مَعَ السلجوقية ويرحل عَنْك فأجبه الى ذَلِك فان فِيهِ حقن الدِّمَاء وَأرى أَن تخرج اليه فَخرج الْخَلِيفَة فِي جمع من الاعيان الى السُّلْطَان هولاكو فأنزله فِي خيمة ثمَّ دخل الْوَزير فاستدعى الاكابر

ص: 362

لحضور العقد فحضرو اوضربت أَعْنَاقهم وَصَارَ كَذَلِك يخرج طَائِفَة بعد طَائِفَة فيقتلون ثمَّ صِيحَ فِي الْبَلَد وبذل السَّيْف وَاسْتمرّ الْقَتْل والسبي والحريق والنهب وَقَامَت قِيَامَة بَغْدَاد فَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه بضعا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا كل صباح يدْخل فرقة من التتار فيحصدون محلّة حَتَّى جرت السُّيُول من الدِّمَاء وردمت فجاج الْمَدِينَة من الْقَتْلَى حَتَّى قيل إِنَّه رَاح تَحت السَّيْف ألف ألف وَثَمَانمِائَة ألف قَالَ والاصح أَنهم بلغُوا نَحوا من ثَمَانمِائَة ألف وَهَذَا شَيْء لَا يكَاد يَنْضَبِط فَإِنَّهُم قتلوا فِي الطّرق والجوامع والبيوت والاسطحة وبظاهر الْبَلَد مَا لَا يُحْصى بل هِيَ ملحمة مَا جرى قطّ فِي الاسلام مثلهَا وَسبوا من النِّسَاء وَالصغَار مَا مَلأ الفضاء وَمِمَّنْ أسر ولد الْخَلِيفَة الصَّغِير وإخوانه وَقتل الْخَلِيفَة وابناه أَحْمد وَعبد الرَّحْمَن وَمِمَّنْ قتل مَعَ الْخَلِيفَة من الاعيان أَعْمَامه عَليّ وَالْحُسَيْن ويوسف وَجَمَاعَة من أهل بَيته وَأخرج الصاحب محيي الدّين الرئيس الْعَلامَة ابْن الْجَوْزِيّ وَبَنوهُ عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَعبد الْكَرِيم فَضربت أَعْنَاقهم وَمِمَّنْ قتل صبرا جمَاعَة مستكثرون من الْعلمَاء والامراء والاكابر وخلت بَغْدَاد من أَهلهَا ودثرت الْمحَال وَاسْتولى عَلَيْهَا الْحَرِيق واحترقت دَار الْخلَافَة وَالْجَامِع الْكَبِير حَتَّى وصلت النَّار الى خزانَة الْكتب وَعم الْحَرِيق جَمِيع الْبِلَاد وَمَا سلم الا مَا فِيهِ (من) هَؤُلَاءِ الملاعين وَضَاقَتْ بالقتلى وانداسوا بالارجل وَلم يبْق ممر الا على الْقَتْلَى وَكَانَ الاطفال يَتَقَلَّبُونَ فِي الوحل الى أَن يموتوا وعاين من سلم من الاهوال مَا لَا يعبر عَنهُ ثمَّ وَقع الوباء وَكثر الْمَوْت وَكثر الذُّبَاب جدا حَتَّى غطى الجدران وَلزِمَ النَّاس البصل من جيفة الدُّنْيَا وَجَاءَت القوافل بالجلب من (الْحلَّة) بِخبْز وَجبن وبيض وتعوض أهل الجلب بالكتب يَأْخُذُونَ المجلد بفلس

ص: 363

ورميت الْكتب مُدَّة النهب تَحت أرجل الْخَيل وَأُلْقِي خلق من الْقَتْلَى فِي دجلة وحفرت حفائر وطمت على خلق كثير جعل الله ذَلِك كَفَّارَة وتمحيصا وَزعم العلقمي أَنه يحسن لهولاكو أَن يُقيم بِبَغْدَاد خَليفَة علويا فَلم يتهيأ لَهُ ذَلِك ثمَّ لم يلبث أَن هلك وَلم يبْق من بَغْدَاد واهلها الا مِقْدَار الثّمن وَنَحْو ذَلِك وَفِي أثْنَاء ذَلِك الْعَام فسد الْهَوَاء لملحمة بَغْدَاد واتصل الوباء بِالشَّام وَمَات أُمَم بِدِمَشْق وَغَيرهَا انْتهى كَلَامه

وَمعنى مَا ذكره النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي قَوْله فغدا على سيف التتار الالف فِي مثل لَهَا مَضْرُوبَة بوزان وَكَذَا ثَمَان مئينها فِي ألفها الخ أَي أَن الْقَتْلَى فِي بَغْدَاد بلغُوا ألف ألف وَثَمَانمِائَة الف لَكِن فِي هَذَا نظر كَمَا ذكره الذَّهَبِيّ قَالَ والاصح أَنهم بلغُوا نَحوا من ثَمَانمِائَة ألف وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم فشفى اللعين النَّفس من حزب الرَّسُول الخ قَوْله وبوده لَو كَانَ فِي اُحْدُ وَقد شهد الوقيعة مَعَ أبي سُفْيَان أَي ان النصير يود لَو أَنه شهد أحدا مَعَ أبي سُفْيَان قَائِد جَيش قُرَيْش حَتَّى يبلغ اربه وَيَقْضِي وطره من الرَّسُول صلى الله عليه وسلم واصحابه وَهَذَا نِهَايَة الْعَدَاوَة للرسول وَأَصْحَابه وَحزبه نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان

قَالَ النَّاظِم رحمه الله

وشواهد الاحداث ظَاهِرَة على

ذَا الْعَالم الْمَخْلُوق بالبرهان

وأدلة التَّوْحِيد تشهد كلهَا

بحدوث كل مَا سوى الرَّحْمَن

لَو كَانَ غير الله جل جلاله

مَعَه قَدِيما كَانَ رَبًّا ثَانِي

إِذْ كَانَ عَن رب العلى مستغنيا

فَيكون حِينَئِذٍ لنا ربان

والرب باستقلاله متوحد

أفممكن أَن يسْتَقلّ اثْنَان

لوكان ذَاك تنافيا وتساقطا

فاذا هما عدمان ممتنعان

ص: 364

.. والقهر والتوحيد يشْهد مِنْهُمَا

كل لصَاحبه هما عَدْلَانِ

وَلذَلِك اقترنا جَمِيعًا فِي صفا

ت الله فَانْظُر ذَاك فِي الْقُرْآن

فالواحد القهار حَقًا لَيْسَ فِي ال

إِمْكَان أَن تحظى بِهِ ذاتان

أَقُول شرع النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي سِيَاق دَلِيل التمانع الْمَشْهُور بَين الْمُتَكَلِّمين قَالَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى فِي كِتَابه (شرح عقيدة الاصبهاني (وَهَذَا التَّوْحِيد يَعْنِي تَوْحِيد الربوبية لم يذهب الى نقيضه طَائِفَة مَعْرُوفَة من بني آدم وَلم يعرف عَن اُحْدُ من الطوائف أَنه قَالَ إِن الْعَالم لَهُ صانعان متماثلان فِي الصِّفَات والافعال قَالَ فان الثنوية من الْمَجُوس والمانوية الْقَائِلين بالاصلين النُّور والظلمة وَأَن الْعَالم صدر عَنْهُمَا متفقون على أَن النُّور خير من الظلمَة وَهُوَ الاله الْمَحْمُود عِنْدهم وَأَن الظلمَة شريرة مذمومة وهم متنازعون فِي الظلمَة هَل هِيَ قديمَة اَوْ محدثة فَلم يسووا بَين ربين متماثلين وهم كفار ضلال وَأما النَّصَارَى الْقَائِلُونَ بالتثليث فانهم لم يثبتوا للْعَالم ثَلَاثَة أَرْبَاب يفضل بَعضهم عَن بعض بل هم متفقون على أَن صانع الْعَالم وَاحِد وَيَقُولُونَ باسم الاب والإبن وَالِابْن وروح الْقُدس اله وَاحِد وَقَوْلهمْ فِي التَّثْلِيث قَول متناقض فِي نَفسه وَقَوْلهمْ فِي الْحُلُول أفسد مِنْهُ وَلِهَذَا كَانُوا يكتمون قَوْلهم عَن كثير من أَصْحَابهم فانهم إِذا فهموه نفروا مِنْهُ بفطرة عُقُولهمْ وَهَذَا دأب كل مضل ملحد فِي كل شَرِيعَة وملة يكتم الالحاد والضلال عَن اكثر أَتْبَاعه لَان المقالات الْفَاسِدَة فِي الهيئات قد فطر الله عباده على الْعلم بفسادها بعد التَّصَوُّر التَّام وَلِهَذَا لَا يكَاد أحد من النَّصَارَى يعبر عَن قَوْلهم بِمَعْنى مَعْقُول وَلَا يكَاد

ص: 365

اثْنَان مِنْهُم يتفقان على قَول وَاحِد فانهم يَقُولُونَ هُوَ وَاحِد بِالذَّاتِ ثَلَاثَة بالاقنوم والاقانيم تفسر تَارَة بالخواص وَتارَة بِالصِّفَاتِ وَتارَة بالاشخاص وَيَقُولُونَ إِن الاقانيم هِيَ أقنوم الاب وأقنوم الابْن وأقنوم روح الْقُدس وَكَلَام النَّصَارَى على غَايَة من الفهاهة والبلادة وهم أمة ضَالَّة تائهة حَتَّى قَالَ بعض الْفُضَلَاء لَو اجْتمع عشرَة من عُلَمَاء النَّصَارَى لَا فترقوا عَن أحد عشر مذهبا وَالْحَاصِل أَنهم لَا يَقُولُونَ خَالق الْخلق ثَلَاثَة بل وَاحِد بِالذَّاتِ وَالله اعْلَم وَالْمَقْصُود هُنَا أَنه لَيْسَ فِي الطوائف من يثبت للْعَالم صانعين متماثلين مَعَ أَن كثيرا من أهل الْكَلَام وَالنَّظَر والفلسفة تعبوا فِي بَيَان هَذَا الْمَطْلُوب وَتَقْرِيره وَمِنْهُم من اعْترف بِالْعَجزِ عَن تَقْرِير هَذَا بِالْعقلِ وَزعم أَنه يتلَقَّى من السّمع وَالْمَشْهُور عِنْد النظار إثْبَاته بِدَلِيل التمانع وَهُوَ دَلِيل صَحِيح فِي نَفسه وَهُوَ أَنه لَو كَانَ للْعَالم صانعان متكافئان فَعِنْدَ اخْتِلَافهمَا مثل أَن يُرِيد أَحدهمَا تَحْرِيك جسم وَيُرِيد الآخر تسكينه أَو يُرِيد (أَحدهمَا) إحياءه وَيُرِيد الاخر إماتته فاما أَن يحصل مرادهما اَوْ مُرَاد أَحدهمَا اَوْ لَا يحصل مُرَاد وَاحِد مِنْهُمَا والاول مُمْتَنع لانه يسْتَلْزم الْجمع بَين الضدين وَالثَّالِث مُمْتَنع لِأَنَّهُ يسْتَلْزم خلو الْجِسْم عَن الْحَرَكَة والسكون ويستلزم أَيْضا عجز كل مِنْهُمَا وَالْعَاجِز لَا يكون إِلَهًا ولان الْمَانِع من فعل أَحدهمَا هُوَ فعل الاخر فَلَو امْتنع مرادهما لزم كَون كل مِنْهُمَا مَانِعا للْآخر وَذَلِكَ يسْتَلْزم كَون كل مِنْهُمَا قَادِرًا غير قَادر لَان كَونه مَانِعا يَقْتَضِي الْقُدْرَة وَكَونه مَمْنُوعًا يَقْتَضِي الْعَجز وَذَلِكَ تنَاقض واذا حصل مُرَاد أَحدهمَا دون الاخر كَانَ هَذَا هُوَ الاله الْقَادِر وَالْآخر عَاجِزا لَا يصلح للالهية وَكثير من أهل النّظر يَزْعمُونَ أَن دَلِيل التمانع هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} الانبياء 22 لاعتقادهم أَن

ص: 366

تَوْحِيد الربوبية الَّذِي قرروه هُوَ تَوْحِيد الالهية الَّذِي بَينه الْقُرْآن ودعت اليه الرُّسُل وَلَيْسَ الامر كَذَلِك وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَقد نقلنا أَنه لَيْسَ فِي أهل الارض من أثبت للْعَالم خالقين متماثلين فِي الصِّفَات والافعال بل هَذَا مُمْتَنع لذاته وامتناعه ظَاهر فِي الْعُقُول بِخِلَاف مَا يَظُنّهُ كثير من أهل الْكَلَام والفلسفة نعم بعض أهل الضلال يزْعم أَن ثمَّ خَالِقًا لبَعض الْعَالم كالثنوية فِي الظلمَة وكالقدرية فِي أَفعَال الْحَيَوَان وكالفلاسفة الدهرية فِي حَرَكَة الافلاك اَوْ حركات النُّفُوس والاجسام الطبيعية فان من هَؤُلَاءِ الْفرق الضَّالة من يثبت امورا محدثة بِدُونِ إِحْدَاث الله تَعَالَى إِيَّاهَا فهم الْمُشْركُونَ فِي بعض الربوبية وَكثير من مُشْركي الْعَرَب وَغَيرهم قد يظنّ فِي إلهته شَيْئا من هَذَا وَأَنَّهَا تَنْفَعهُ وتضره بِدُونِ أَن يخلق الله ذَلِك فَلَمَّا كَانَ هَذَا الشّرك فِي الربوبية مَوْجُودا فِي النَّاس بَين الْقُرْآن بُطْلَانه بقوله تَعَالَى {مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلا بَعضهم على بعض} الْمُؤْمِنُونَ 91 وَالْمَوْجُود خلاف هَذَا فَإِن الْعَالم مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض مَا من مَخْلُوق الا وَهُوَ مُتَّصِل بِغَيْرِهِ من الْمَخْلُوقَات مُحْتَاج اليه فالحيوان الْوَاحِد والنبات الْوَاحِد من أصل وَذَلِكَ الاصل من غَيره وهلم جرا وَهُوَ أَيْضا مفتقرا الى الْهَوَاء وَالْمَاء وَالتُّرَاب بل والى أَنْوَاع النباتات والحيوانات ومفتقر الى أثر الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَغير ذَلِك والفلك مُرْتَبِط بعضه بِبَعْض والافلاك مفتقرة بَعْضهَا الى بعض والعالم الْعلوِي مفتقر الى الْعَالم السفلي فَلَو قدر ان صانع الارض غير صانع السَّمَاء وانه مستغن عَنهُ لَا يُغير أَحدهمَا مَصْنُوع الاخر لزم من ذَلِك أَن لَا يكون مَا فِي السَّمَاء مؤثرا فِي الارض فَلَا تُؤثر الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الارض وان يكون مَا يصعد من الادخنة

ص: 367