الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
…
وَقضى بِأَن الله يَجْعَل خلقه
عدما ويقلبه وجودا ثَان
…
الْعَرْش والكرسي والارواح وَال
أَمْلَاك والقمران
…
والارض وَالْبَحْر الْمُحِيط وَسَائِر ال
أكوان من عرض وَمن جثمان
…
كل سيفينة الفناء الْمَحْض لَا
يبْقى لَهُ أثر كظل فان
…
وَيُعِيد ذَا الْمَعْدُوم أَيْضا ثَانِيًا
مَحْض الْوُجُود إِعَادَة بِزَمَان
…
هَذَا الْمعَاد وَذَلِكَ المبدا الَّذِي
جهم وَقد نسبوه لِلْقُرْآنِ
…
هَذَا القَوْل مَبْنِيّ على اثبات الْجَوَاهِر قَالَ شيخ الاسلام فِي كَلَامه على سُورَة الاخلاص بعد كَلَام سبق وَالْمَقْصُود هُنَا أَن هَؤُلَاءِ لما كَانَ ذَا أصلهم فِي ابْتِدَاء الْخلق وَهُوَ القَوْل باثبات الْجَوْهَر الْفَرد كَانَ أصلهم فِي الْمعَاد مَبْنِيا عَلَيْهِ فصاروا على قَوْلَيْنِ مِنْهُم من قَالَ تعدم الْجَوَاهِر ثمَّ تُعَاد وَمِنْهُم من قَالَ تفرق الاجزاء ثمَّ تَجْتَمِع فأورد عَلَيْهِم الانسان الَّذِي يَأْكُلهُ حَيَوَان وَذَلِكَ الْحَيَوَان أكله إِنْسَان آخر فَإِن أُعِيدَت تِلْكَ الاجزاء من هَذ الم تعد من هَذَا وَأورد عَلَيْهِم أَن الانسان يتَحَلَّل دَائِما فَمَا الَّذِي يُعَاد اهو الَّذِي كَانَ وَقت الْمَوْت فان قيل بذلك لزم ان يُعَاد على صُورَة ضَعِيفَة وَهُوَ خلاف مَا جَاءَت بِهِ النُّصُوص وَأَن كَانَ غير ذَلِك فَلَيْسَ بعض الابدان اولى من بعض فَادّعى بَعضهم ان فِي الانسان
اجزاء اصلية لَا تتحلل وَلَا يكون فِيهَا شَيْء من ذَلِك الْحَيَوَان الَّذِي أكله الثَّانِي والعقلاء يعلمُونَ أَن بدن الانسان نَفسه كُله يتَحَلَّل لَيْسَ فِيهِ شَيْء بَاقٍ فَصَارَ مَا ذَكرُوهُ فِي الْمعَاد مِمَّا قوى شُبْهَة المتفلسفة فِي انكار معاد الابدان وَأوجب ان صَار طَائِفَة من النظار إِلَى أَن الله يخلق بدنا آخر تعود الرّوح اليه وَالْمَقْصُود تنعيم الرّوح وتعذيبها سَوَاء كَانَ فِي هَذَا الْبدن اَوْ فِي غَيره وَهَذَا ايضا مُخَالف للنصوص الصَّرِيحَة بِإِعَادَة هَذَا الْبدن وَهَذَا الْمَذْكُور فِي كتب الرَّازِيّ فَلَيْسَ فِي كتبه وَكتب امثاله فِي مسَائِل اصول الدّين الْكِبَار القَوْل الصَّحِيح الَّذِي يُوَافق الْمَنْقُول والمعقول الَّذِي بعث الله بِهِ الرَّسُول وَكَانَ عَلَيْهِ سلف الامة وأئمتها بل يذكر المتفلسفة الْمَلَاحِدَة وبحوث الْمُتَكَلِّمين المبتدعة الَّذين ينوا على اصول الْجَهْمِية والقدرية فِي مسَائِل الْخلق والبعث والمبدأ والمعاد وكلا الطَّرِيقَيْنِ فَاسِدَة إِذْ بنوه على مُقَدمَات فَاسِدَة وَالْقَوْل الَّذِي عَلَيْهِ السّلف وَجُمْهُور الْعُقَلَاء من أَن الْأَجْسَام تنْقَلب من حَال إِلَى حَال إِنَّمَا يذكر عَن الفلاسفة والأطباء هَذَا القَوْل وَهُوَ القَوْل فِي خلق الله للأجسام الَّتِي يُشَاهد حدوثها أَنه يقلبها ويحيلها من جسم إِلَى جسم هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السّلف وَالْفُقَهَاء قاطبة وَالْجُمْهُور انْتهى قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى 2
…
هَذَا الَّذِي قاد ابْن سينا والالى
قَالُوا مقَالَته الى الكفران
…
لم تقبل الاذهان ذَا وتوهموا
أَن الرَّسُول عناه بالايمان
…
هَذَا كتاب الله أَنى قَالَ ذَا
أَو عَبدة الْمَبْعُوث بالبرهان
…
اَوْ صَحبه من بعده أَو تَابع
لَهُم على الايمان والاحسان
…
بل صرح الْوَحْي الْمُبين بِأَنَّهُ
حَقًا مغير هَذِه الاكوان
…
.. فيبدل الله السَّمَاوَات العلى
والارض ايضا ذَات تبديلان
…
وهما كتبديل الْجُلُود لساكني النيرَان
عِنْد النضج من نيران
…
وكذاك يقبض أرضه وساءه
بيدَيْهِ مَا العدمان مقبوضان
…
وتحدث الارض الَّتِي كُنَّا بهَا
أَخْبَارهَا فِي الْحَشْر للرحمن
…
وتظل تشهد وَهِي عدل بِالَّذِي
من فَوْقهَا قد أحدث الثَّقَلَان
…
أفيشهد الْعَدَم الَّذِي هُوَ كاسمه
لَا شَيْء هَذَا لَيْسَ فِي الامكان
…
لَكِن تسوى ثمَّ تبسط ثمَّ تسهد
ثمَّ تبدل وَهِي ذَات كيان
…
وتمد ايضا مثل مد أديمنا
من غير أَوديَة وَلَا كُثْبَان
…
وتقيء يَوْم الْعرض من أكبادها
كالاسطوان نفائس الاثمان
كل يرَاهُ بِعَيْنِه وعيانه
…
مَا لامرىء بِالْأَخْذِ مِنْهُ يدان
…
أَرَادَ المُصَنّف أَن ابْن سينا وَالَّذين قَالُوا مقَالَته ونكروا الْمعَاد وظنوا أَن هَذَا الَّذِي اعْتقد جهم فِي الْمعَاد هُوَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فَلذَلِك كفرُوا بالمعاد لَان هَذَا شَيْء لَا تقبله الْعُقُول ثمَّ بَين النَّاظِم أَمر الْمعَاد على مَا جَاءَ بِهِ فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم بقوله بل صرح الْوَحْي الْمُبين الخ قَالَ الله تعلى {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} ابراهيم 48 والتبديل قد يكون فِي الذَّات كَمَا فِي بدلت الدَّرَاهِم بِالدَّنَانِيرِ وَقد يكون فِي الصِّفَات كَمَا بدلت الْحلقَة خَاتمًا وَالْآيَة تحْتَمل الامرين وَبِالثَّانِي قَالَ الاكثر وتبدل السَّمَوَات غير السَّمَوَات لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ
على الإختلاف الَّذِي مر وَتَقْدِيم تَبْدِيل الارض لقربانها وَلكَون تبديلها أعظم أثرا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا وروى مُسلم وَغَيره من حَدِيث ثَوْبَان قَالَ جَاءَ رجل من الْيَهُود الى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الارض غير الارض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (فِي الظلمَة دون الجسر (وروى مُسلم أَيْضا وَغَيره من حَدِيث عَائِشَة قَالَت أَنا أول من سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن هَذِه الْآيَة قلت ايْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ (على الصِّرَاط (وَفِي (الصَّحِيحَيْنِ (من حَدِيث سهل بن سعد قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول (يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقي لَيْسَ فِيهَا علم لَاحَدَّ (وَفِيهِمَا أَيْضا من حَدِيث أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (تكون الارض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة وَاحِدَة يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّار بِيَدِهِ (الحَدِيث وَقد أَطَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي بَيَان ذَلِك فِي (تَفْسِيره (وتذكرته (وَحَاصِله أَن هَذِه الاحاديث نَص فِي ان الارض وَالسَّمَوَات تبدل وتزال ويخلق الله ارضا اخرى يكون عَلَيْهَا النَّاس بعد كَونهم على الجسر وَهُوَ الصِّرَاط قَوْله وكذاك يقبض أرضه وسماءه الخ دليلة مَا فِي الصَّحِيح عَن ابْن عمر قَالَ لما قَرَأَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الْمِنْبَر {وَمَا قدرُوا الله حق قدره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} الزمر 97 قَالَ يقبض الله سمواته بِيَدِهِ والارضين بِيَدِهِ الاخرى ثمَّ يمجد نَفسه قيقول أَنا الْملك أَنا القدوس أَنا السَّلَام أَنا الْمُؤمن أَنا الْمُهَيْمِن أَنا الْجَبَّار أَنا المتكبر أَنا الَّذِي بدأت الدُّنْيَا وَلم تَكُ شَيْئا انا الَّذِي أعدتها
ايْنَ الْمُلُوك ايْنَ الجبارون ايْنَ المتكبرون اَوْ كَمَا قَالَ وَقَوله وتحدث الارض الَّتِي كُنَّا بهَا دَلِيله قَوْله تَعَالَى {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} الزلزلة 4 عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} قَالَ (أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ فَإِن أَخْبَارهَا أَن تشهد على كل عبد أَو أمة بِمَا عمل على ظهرهَا وَتقول عمل كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارهَا رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه وَالنَّسَائِيّ وَعَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الارض لتجيىء يَوْم الْقِيَامَة بِكُل عمل عمل على ظهرهَا وَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} حَتَّى بلغ {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} اخرجه ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ قَوْله وتقيء يَوْم الْعرض من أكبادها الخ قَالَ تَعَالَى {وأخرجت الأَرْض أثقالها} الزلزلة 2 أَي مَا فِي جوفها من الاموات والدفائن والاثقال جمع ثقل قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الْأَخْفَش إِذا كَانَ الْمَيِّت فِي بطن الأَرْض فَهُوَ ثقل لَهَا واذا كَانَ فَوْقهَا فَهُوَ ثقل عَلَيْهَا قَالَ مُجَاهِد أثقالها موتاها تخرجهم فِي النفخة الثَّانِيَة وَقد قيل للجن والانس الثَّقَلَان وَإِظْهَار الارض فِي مَوضِع الاضمار لزِيَادَة التَّقْرِير قَالَ ابْن عَبَّاس أثقالها الْمَوْتَى والكنوز وروى مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (تقيء الارض أفلاذ كَبِدهَا أَمْثَال ألاسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة فَيَجِيء الْقَاتِل فَيَقُول فِي هَذَا قتلت وَيَجِيء
الْقَاطِع فَيَقُول فِي هَذَا قطعت رحمي وَيَجِيء السَّارِق فَيَقُول فِي هَذَا قطعت يَدي ثمَّ يَدعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئا (وَهَذَا معنى قَول النَّاظِم مَا لامرىء بالاخذ مِنْهُ يدان قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
وَكَذَا الْجبَال تفت فتا محكما
فتعود مثل الرمل ذِي الكثبان
…
وَتَكون كالعهن الَّذِي ألوانه
وصباغة من سَائِر الالوان
…
وتبس بسا مثل ذَاك فتنثني
مثل الهباء لناظر الانسان
…
قَالَ الله تَعَالَى {إِذا رجت الأَرْض رجا وبست الْجبَال بسا} الْوَاقِعَة 4 5 أَي إِذا حركت حَرَكَة شَدِيدَة يُقَال رجه يرجه رجا إِذا حركه والرجة الِاضْطِرَاب وَارْتجَّ الْبَحْر وَغَيره اضْطربَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ ترتج كَمَا يرتج الصَّبِي فِي المهد حَتَّى ينهدم كل مَا عَلَيْهَا وينكسر كل شَيْء من الْجبَال وَغَيرهَا وبست الْجبَال بسا البس الفت يُقَال بس الشَّيْء إِذا فته حَتَّى يصير فتاتا وَيُقَال بس السويق إِذا لته بالسمن أَو بالزيت قَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل الْمَعْنى ان الْجبَال فتت فتا وَبِه قَالَ ابْن عَبَّاس وَقَالَ السّديّ كسرت كسرا وَقَالَ الْحسن قلعت من أَصْلهَا وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضا بست كَمَا يبس الدَّقِيق بالسمن أَو بالزيت وَالْمعْنَى أَنَّهَا خلطت فَصَارَت كالدقيق الملتوت وَقَوله تَعَالَى {فَكَانَت هباء منبثا} الْوَاقِعَة 6 أَي غبارا متقرقا منتشرا بِنَفسِهِ من غير حَاجَة الى هَوَاء يفرقه وَقَالَ مُجَاهِد الهباء الشعاع الَّذِي يكون فِي الكوة كَهَيئَةِ الْغُبَار وَقيل هُوَ الرهج الَّذِي يسطع من حوافر الدَّوَابّ ثمَّ يذهب وَقيل مَا تطاير من النَّار اذا اضطرمت
قَوْله وَتَكون كالعهن الَّذِي أَي كالصوف الْمَصْبُوغ وَلَا يُقَال للصوف عهن إِلَّا إِذا كَانَ مصبوغا قَالَ الْحسن تكون الْجبَال كالصوف الاحمر وَهُوَ أَضْعَف الصُّوف وَقيل العهن الصُّوف والالوان فَشبه الْجبَال بِهِ فِي تكونها الوانا كَمَا فِي قَوْله {جدد بيض وحمر مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} فاطر 20 فاذا بست وطيرت فِي الْهَوَاء اشبهت العهن المنفوش إِذا طيرته الرّيح وَهَذِه الاقوال فِي معنى العهن فِي الللغة وَأول مَا تَتَغَيَّر الْجبَال تصير رملا مهيلا ثمَّ عهنا منفوشا ثمَّ هباء منثورا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
وَكَذَا الْبحار فَإِنَّهَا مسجورة
قد فجرت تفجير ذِي سُلْطَان
…
وَكَذَلِكَ القمران يَأْذَن رَبنَا
لَهما فيجتمعان يَلْتَقِيَانِ
…
هذي مكورة وَهَذَا خاسف
وَكِلَاهُمَا فِي النَّار مطروحان
…
وكواكب الافلاك تنثر كلهَا
كلآلىء نثرت على ميدان
…
وَكَذَا السَّمَاء تشق شقا ظَاهرا
وتمور ايضا أَيّمَا موران
…
وَتصير بعد الانشقاق كَمثل هـ
ذَا الْمهل اَوْ تَكُ وردة كدهان
…
قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا الْبحار سجرت} التكوير 6 أَي اوقدت فَصَارَت نَارا تضطرم وَقَالَ الْفراء ملئت بِأَن صَارَت بحرا وَاحِدًا وَكثر مَاؤُهَا وَبِه قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم والكلبي وَمُقَاتِل وَالْحسن الضَّحَّاك وَقيل أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها حَتَّى
امْتَلَأت وَقيل فجرت فَصَارَت بحرا وَاحِدًا وَقَالَ الْقشيرِي هُوَ من سجرت التَّنور أسجره سجرا إِذا أحميته قَالَ ابْن يزِيد وعطية وسُفْيَان ووهب وَغَيرهم أوقدت فَصَارَت نَارا وَقَالَ ابْن عَبَّاس تسجر حَتَّى تصير نَارا وَقَالَ أَيْضا سجرت أَي اخْتَلَط مَاؤُهَا بِمَاء الارض قَوْله هذي مكورة وَهَذَا خاسف التكوير الْجمع وَهُوَ مَأْخُوذ من كار الْعِمَامَة على رَأسه يكورها قَالَ الزّجاج لفت كَمَا تلف الْعِمَامَة يُقَال كورت الْعِمَامَة على رَأْسِي أكورها كورا وكورتها تكويرا إِذا لففتها قَالَ أَبُو عُبَيْدَة كورت مثل تكوير الْعِمَامَة تلف فتجمع قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم كورت أَي رمي بهَا وَمِنْه كورته فتكور أَي سقط وَقَالَ مقَاتل وَقَتَادَة والكلبي ذهب ضوؤها وَقَالَ مُجَاهِد اضمحلت قَالَ الواحدي قَالَ الْمُفَسِّرُونَ تجمع الشَّمْس بَعْضهَا الى بعض ثمَّ تلف ويرمى بهَا فَالْحَاصِل أَن التكوير لَهَا بِمَعْنى لف جرمها اَوْ لف ضوئها اَوْ الرَّمْي بهَا قَالَ ابْن ابي حَاتِم ثَنَا أَبُو صَالح ثَنَا مُعَاوِيَة بن صَالح عَن أبي بكر ابْن ابي مَرْيَم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي قَوْله {إِذا الشَّمْس كورت} التكوير 1 قَالَ (كورت فِي جَهَنَّم {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} قَالَ انكدرت فِي جَهَنَّم وكل من عبد من دون الله فَهُوَ فِي جَهَنَّم إِلَّا مَا كَانَ من عِيسَى وَأمه فَلَو رَضِيا ان يعبدا لدخلاها قَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب غَرِيب جدا وابو بكر ابْن ابي مَرْيَم فِيهِ ضعف وَرُوِيَ أَن الشَّمْس وَالْقَمَر يكوران فِي النَّار رَوَاهُ عبد الْعَزِيز ابْن الْمُخْتَار عَن عبد الله الداناج قَالَ سَمِعت أَبَا سَلمَة يحدث عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الشَّمْس وَالْقَمَر ثوران عقيران فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة (أخرجه الْبَزَّار وَغَيره وخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا عَن ابي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(الشَّمْس وَالْقَمَر مكوران يَوْم الْقِيَامَة (أخرجه البُخَارِيّ قَوْله وَهَذَا خاسف خسف الْقَمَر ذهب ضوؤه وأظلم وَيُقَال خسف إِذا ذهب جَمِيع ضوئه وكسف إِذا ذهب بعض ضوئه قَوْله وكواكب الافلاك تنثر كلهَا الخ قَالَ تَعَالَى {وَإِذا النُّجُوم انكدرت} التكوير 2 أَي تهافتت وتساقطت وَانْقَضَت وتناثرت يُقَال انكدر الطَّائِر من الْهوى إِذا انقض والاصل فِي الانكدار الانصباب قَالَ الْخَلِيل يُقَال انكدر عَلَيْهِم الْقَوْم إِذا جاؤوا أَرْسَالًا فانصبوا عَلَيْهِم قَالَ أَبُو عُبَيْدَة انصب كَمَا ينصب الْعقَاب قَالَ الْكَلْبِيّ وَعَطَاء تمطر السَّمَاء يَوْمئِذٍ نجوما فَلَا يبْقى نجم فِي السَّمَاء إِلَّا وَقع على الارض وَقيل انكدارها طمس نورها وَقَالَ ابْن عَبَّاس تَغَيَّرت قَوْله وَكَذَا السَّمَاء تشق شقا ظَاهرا الخ قَالَ الله سُبْحَانَهُ {إِذا السَّمَاء انشقت} الانشقاق 1 أَي انصدعت وتفطرت فِيهِ حذف وَالتَّقْدِير إِذا انشقت السَّمَاء انشقت لَان إِذا الشّرطِيَّة يخْتَص دُخُولهَا بالجمل الفعلية وَمَا جَاءَ من هَذَا وَنَحْوه فمؤول مُحَافظَة على قَاعِدَة الِاخْتِصَاص وَالسَّمَاء فَاعل لفعل مَحْذُوف قَالَ الواحدي قَالَ الْمُفَسِّرُونَ انشقاقها من عَلَامَات الْقِيَامَة وَمعنى انشقاقها انفطارها بالغمام الابيض كَمَا فِي قَوْله {وَيَوْم تشقق السَّمَاء بالغمام} الْفرْقَان 25 وَقيل تَنْشَق من المجرة وَبِه قَالَ عَليّ بن ابي طَالب والمجرة بَاب السَّمَاء وَأهل الْهَيْئَة يَقُولُونَ انها نُجُوم صغَار مختلطة غير متميزة فِي الْحس وَاخْتلف فِي جَوَاب اذا فَقَالَ الْفراء إِنَّه أَذِنت وَالْوَاو زَائِد وَكَذَلِكَ أَلْقَت قَالَ ابْن الانباري هَذَا غلط لِأَن الْعَرَب لَا تقحم الْوَاو الا مَعَ حَتَّى كَقَوْلِه {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} الزمر 71 وَمَعَ لما كَقَوْلِه {فَلَمَّا أسلما وتله للجبين وناديناه}
الصافات 103 وَلَا تقحم مَعَ غير هذَيْن وَقيل إِن الْجَواب فِي قَوْله {فملاقيه} أَي فَأَنت ملاقيه وَبِه قَالَ الاخفش قَوْله وتمور أَيْضا أَيّمَا موران قَالَ تَعَالَى {يَوْم تمور السَّمَاء مورا} الطّور 90 المور الإضطراب وَالْحَرَكَة قَالَ أهل اللُّغَة مار الشَّيْء يمور مورا إِذا تحرّك وَدَار وَجَاء وَذهب قَالَه الاخفش وابو عُبَيْدَة وَقَالَ ابْن عَبَّاس تحرّك وَقَالَ الضَّحَّاك يموج بَعْضهَا فِي بعض وَقَالَ مُجَاهِد تَدور دورا وَقيل تجْرِي جَريا وَقيل تتكفأ قَالَه الاخفش قَالَ الْبَغَوِيّ والمور يجمع هَذِه الْمعَانِي إِذْ هُوَ فِي اللُّغَة الذّهاب والمجيىء والتردد والدوران والإضطراب وَيُطلق المور على الموج وَمِنْه نَاقَة موارة الْيَد أَي سريعة تموج فِي مشيها موجا وَمعنى الْآيَة أَن الْعَذَاب يَقع بالعصاة وَلَا يَدْفَعهُ عَنهُ دَافع فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي تكون فِيهِ السَّمَاء هَكَذَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة قَوْله وَتصير بعد الانشقاق كَمثل هَذَا الْمهل الخ قَالَ الله تَعَالَى {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت وردة كالدهان} الرَّحْمَن 37 انشقت أَي انصدعت بنزول الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة وانفك بَعْضهَا من بعض لقِيَام السَّاعَة وَقيل انفجرت فَصَارَت أبوابا لنزول الْمَلَائِكَة لتحيط بالعالم من سَائِر جِهَات الارض لِئَلَّا يهرب بَعضهم من الْمَحْشَر وَقيل المُرَاد مِنْهُ خراب السَّمَاء وَفِيه تهويل وتعظيم للامر {فَكَانَت وردة} أَي كوردة حَمْرَاء أَو محمرة مثلهَا قَالَ سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة الْمَعْنى فَكَانَت حَمْرَاء وَقيل فَكَانَت كلون الْفرس الْورْد قَالَه ابْن عَبَّاس وَهُوَ الابيض الَّذِي يضْرب الى الْحمرَة والصفرة كالدهان قَالَ الْفراء وَأَبُو عبيد تصير السَّمَاء كالاديم لشدَّة حر النَّار وَقَالَ ابْن عَبَّاس
كالاديم الاحمر أَي على خلاف الْعَهْد بهَا وَهُوَ الزرقة وَقَالَ الْفراء أَيْضا شبه تلون السَّمَاء بتلون الْورْد من الْخَيل وَشبه الْورْد فِي ألوانها بالدهن وَاخْتِلَاف ألوانه والدهان جمع دهن نَحْو قرظ وقراظ ورمح ورماح وَقيل إِنَّه اسْم مُفْرد أَي اسْم لما يدهن بِهِ كالحزام والادام قَالَه الزَّمَخْشَرِيّ وَقيل الْمَعْنى تصير السَّمَاء مثل الدّهن لذوبانها وَقَالَ الْحسن كالدهان أَي كصبيب الدّهن فَإنَّك إِذا صببته ترى فِيهِ الوانا وَقَالَ زيد بن أسلم تصير كعصير الزَّيْت وَقَالَ الزّجاج وَقَتَادَة إِنَّهَا الْيَوْم خضراء وسيكون لَهَا لون أَحْمَر حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ زعم المتقدمون أَن أصل لون السَّمَاء الْحمرَة وَأَنَّهَا لِكَثْرَة الحوائل والحواجز وَبعد الْمسَافَة وَاعْتِرَاض الْهَوَاء بَيْننَا وَبَينهَا ترى بِهَذَا اللَّوْن الازرق كَمَا يرى الدَّم فِي الْعُرُوق أَزْرَق وَلَا هَوَاء هُنَاكَ يمْنَع من اللَّوْن الاصلي ذكره الْكَرْخِي والعمادي والكازروني والمهل مَا أذيب من النّحاس والرصاص وَالْفِضَّة وَقَالَ مُجَاهِد هُوَ الْقَيْح من الصديد وَالدَّم وَقَالَ عِكْرِمَة وَغَيره هُوَ دردي الزَّيْت وَبِه قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ النَّاظِم
…
وَالْعرش والكرسي لَا يفنيهما
أَيْضا وإنهما لمخلوقان
…
والحور لَا تفنى كَذَلِك جنَّة ال
مأوى وَمَا فِيهَا من الْولدَان
…
ولاجل هَذَا قَالَ جهم إِنَّهَا
عدم وَلم تخلق الى ذَا الْآن
…
والانبياء فَإِنَّهُم تَحت الثرى
أجسامهم حفظت من الديدان
…
مَا للبلى بلحومهم وجسومهم
أبدا وهم تَحت التُّرَاب يدان
…
.. وكذاك عجب الظّهْر لَا يبْلى بلَى
…
مِنْهُ تركب خلقَة الانسان
…
قَوْله وَالْعرش والكرسي الخ الْمُسْتَثْنى من الْهَلَاك فِي قَوْله تَعَالَى {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} الْقَصَص 88 ثَمَانِيَة أَشْيَاء نظمها الْجلَال السُّيُوطِيّ فَقَالَ
…
ثَمَانِيَة حكم الْبَقَاء يعمها
من الْخلق وَالْبَاقُونَ فِي حيّز الْعَدَم
…
هِيَ الْعَرْش والكرسي ونار وجنة
وَعجب وأرواح كَذَا اللَّوْح والقلم
…
وَقد زَاد النَّاظِم على ذَلِك الْحور فِي قَوْله والحور لَا تفنى الخ قَالَ الامام احْمَد فِي رِوَايَة ابْنه عبد الله فَأَما السَّمَاء والارض فقد زالتا لَان أَهلهَا صَارُوا إِلَى الْجنَّة والى النَّار وَأما الْعَرْش فَلَا يبيد وَلَا يذهب لانه سقف الْجنَّة وَالله سبحانه وتعالى عَلَيْهِ فَلَا يهْلك وَلَا يبيد واما قَوْله {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أنزل {كل من عَلَيْهَا فان} فَقَالَت الْمَلَائِكَة هلك أهل الارض فَعَلمُوا فِي الْبَقَاء فَأخْبر الله تَعَالَى عَن أهل السَّمَوَات وَأهل الارض انهم يموتون فَقَالَ {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} يَعْنِي كل شَيْء ميت إِلَّا وَجهه لانه حَيّ لَا يَمُوت فأيقنت الْمَلَائِكَة عِنْد ذَلِك بِالْمَوْتِ انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن جَعْفَر ابْن يَعْقُوب الاصطرخري ذكره ابو الْحُسَيْن فِي كتاب (الطباقات (قَالَ قَالَ أَبُو عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل هَذِه مَذَاهِب أهل الْعلم وَأَصْحَاب الاثر وَأهل السّنة المتمسكين بعروتها المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا من لدن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم الى يَوْمنَا هَذَا وادركت من أدْركْت من الْعلمَاء أهل الْحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا فَمن خَالف شَيْئا من هَذِه الْمذَاهب اَوْ طعن
فِيهَا اَوْ عَابَ قَائِلهَا فَهُوَ مُخَالف مُبْتَدع خَارج عَن الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق وسَاق أَقْوَالهم الى ان قَالَ وَقد خلقت الْجنَّة وَمَا فِيهَا وخلقت النَّار وَمَا فِيهَا خلقهَا الله عز وجل وَخلق لَهما أَهلا وَلَا يفنيان وَلَا يفنى مَا فيهمَا أبدا فَإِن احْتج مُبْتَدع اَوْ زنديق بقول الله عز وجل {كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه} وَبِنَحْوِ هَذَا من متشابه الْقُرْآن قيل لَهُ كل شَيْء مِمَّا كتب الله عَلَيْهِ الفناء والهلاك هَالك وَالْجنَّة وَالنَّار خلقتا للبقاء لَا للفناء وَلَا للهلاك وهما من الْآخِرَة لَا من الدُّنْيَا والحور الْعين لَا يمتن عِنْد قيام السَّاعَة وَلَا عِنْد النفخة وَلَا أبدا لَان الله عز وجل خَلقهنَّ للبقاء لَا للفناء وَلم يكْتب عَلَيْهِنَّ الْمَوْت فَمن قَالَ خلاف ذَلِك فَهُوَ مُبْتَدع وَقد ضل عَن سَوَاء السَّبِيل وَأطَال الامام أَحْمد رحمه الله الْكَلَام قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
ولاجل ذَلِك لم يقر الجهم بَال
أَرْوَاح خَارِجَة عَن الابدان
…
لَكِنَّهَا من بعض أَعْرَاض بهَا
قَامَت وَذَا فِي غَايَة الْبطلَان
…
فالشأن للارواح بعد فراقها
أبدانها وَالله أعظم شان
…
إِمَّا عَذَاب أَو نعيم دَائِم
قد نعمت بِالروحِ وَالريحَان
…
وَتصير طيرا سارحا مَعَ شكلها
تجني الثِّمَار بجنة الْحَيَوَان
…
وتظل وَارِدَة لأنهار بهَا
حَتَّى تعود لذَلِك الجثمان
…
لَكِن أَرْوَاح الَّذين اسْتشْهدُوا
فِي جَوف طير أَخْضَر رَيَّان
…
.. فَلهم بِذَاكَ مزية فِي عيشهم
ونعيمهم بِالروحِ والابدان
…
بذلوا الجسوم لرَبهم فأعاضهم
أجسام تِلْكَ الطير بالاحسان
…
وَلها قناديل اليها تَنْتَهِي
مأوى لَهَا كمساكن الانسان
…
فالروح بعد الْمَوْت أكمل حَالَة
مِنْهَا بهذي الدَّار فِي جثمان
…
وَعَذَاب أشقاها اشد من الَّذِي
قد عَايَنت أبصارها بعيان
…
قَوْله وَلذَلِك لم يقر الجهم الخ أَي إِن الجهم بن صَفْوَان يَقُول إِن الرّوح لَا دَاخل الْبدن وَلَا خَارِجَة وَلَا مُتَّصِلَة بِهِ وَلَا مُنْفَصِلَة عَنهُ كَمَا ذكر ذَلِك عَنهُ الامام احْمَد رحمه الله فِي كتاب (الرَّد على الْجَهْمِية (قَالَ وَكَذَلِكَ الجهم وشيعته دعوا للنَّاس الى الْمُتَشَابه من الْقُرْآن والْحَدِيث فضلوا وأضلوا بكلامهم بشرا كثيرا فَكَانَ مِمَّا بلغنَا عَن الجهم عَدو الله أَنه كَانَ من أهل خُرَاسَان من أهل ترمذ وَكَانَ صَاحب خصومات وَكَلَام وَكَانَ اكثر كَلَامه فِي الله تبارك وتعالى فلقي نَاسا من الْمُشْركين يُقَال لَهُم السمنية فعرفوا الجهم فَقَالُوا لَهُ نكلمك فان ظَهرت حجتنا عَلَيْك دخلت فِي ديننَا وَإِن ظَهرت حجتك علينا دَخَلنَا فِي دينك وَكَانَ مِمَّا كلموا بِهِ الجهم أَن قَالُوا لَهُ أَلَسْت تزْعم أَن لَك إِلَهًا قَالَ الجهم نعم فَقَالُوا لَهُ فَهَل رَأَيْت إلهك قَالَ لَا فَقَالُوا لَهُ هَل سَمِعت كَلَامه قَالَ لَا قَالُوا فشممت لَهُ رَائِحَة قَالَ لَا قَالُوا فَوجدت لَهُ حسا قَالَ لَا قَالُوا فَوجدت لَهُ لمسا قَالَ لَا قَالُوا فَمَا يدْريك انه إِلَه قَالَ فتحير الجهم فَلم يدر من يعبد أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ أَنه استدرك حجَّة من جنس حجَّة
الزَّنَادِقَة من النَّصَارَى وَذَلِكَ ان زنادقة النَّصَارَى يَزْعمُونَ ان الرّوح الَّذِي فِي عِيسَى هِيَ من روح الله من ذَات الله وَإِذا أَرَادَ ان يحدث امرا دخل فِي بعض خلقه فَتكلم على بعض لِسَان خلقه وَيَأْمُر بِمَا يَشَاء وَينْهى عَمَّا يَشَاء وَهُوَ روح غَائِب عَن الابصار فاستدرك الجهم حجَّة مثل هَذِه الْحجَّة فَقَالَ للسمني أَلَسْت تزْعم أَن فِيك روحا فَقَالَ نعم قَالَ فَهَل رَأَيْت روحك قَالَ لَا قَالَ فَسمِعت كَلَامه قَالَ لَا قَالَ فَوجدت لَهُ حسا قَالَ لَا قَالَ كَذَلِك الله فَلَا يرى لَهُ وَجه وَلَا يسمع لَهُ صَوت وَلَا يشم لَهُ رَائِحَة وَهُوَ غَائِب عَن الابصار فَلَا يكون فِي مَكَان دون مَكَان قَالَ وَوجد ثَلَاث آيَات فِي الْقُرْآن من الْمُتَشَابه قَوْله {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} الشورى 11 {وَهُوَ الله فِي السَّمَاوَات وَفِي الأَرْض} الانعام 3 و {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} الانعام 103 فَبنى أصل كَلَامه على هَؤُلَاءِ الْآيَات وَتَأَول الْقُرْآن على غير تَأْوِيله وَكذب بِأَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَزعم أَن من وصف شَيْئا مِمَّا وصف الله بِهِ نَفسه فِي كِتَابه اَوْ حدث عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ كَافِرًا وَكَانَ من المشبهة وأضل بشرا كثيرا وَتَبعهُ على قَوْله رجال من أَصْحَاب أبي حنيفَة وَأَصْحَاب عَمْرو بن عبيد بِالْبَصْرَةِ وَوضع دين الْجَهْمِية فَهَذَا الَّذِي ذكره الامام أَحْمد من مبدأ حَال جهم إِمَام الْمُتَكَلِّمين فَإِنَّهُ لما نَاظر من ناظره من الْمُشْركين السمنية من الْهِنْد وجحدوا الْإِلَه لكَون الجهم لم يُدْرِكهُ بِشَيْء من حواسه لَا بسمعه وَلَا ببصره وَلَا بشمه وَلَا بذوقه وَلَا بحسه كَانَ مَضْمُون هَذَا الْكَلَام أَن كل مَا لَا يحسه الانسان بحواسه الْخمس فَإِنَّهُ يُنكره وَلَا يقربهُ فأجابهم الجهم بِأَنَّهُ قد يكون فِي
الْوُجُود مَا لَا يُمكن الاحساس بِهِ بِشَيْء من هَذِه الْحَواس وَهِي الرّوح الَّتِي فِي العَبْد وَزعم أَنَّهَا لَا تخْتَص بِشَيْء من الامكنة وَهَذَا الَّذِي قَالَه هُوَ قَول الصائبة الفلاسفة الْمَشَّائِينَ وَحَاصِل هَذِه الابيات فِي شَأْن الارواح بعد الْمُفَارقَة بِالْمَوْتِ وَمَا لَهَا من النَّعيم وَالْعَذَاب وذ كرّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء وَمَا أعد الله لَهُم من النَّعيم الْمُقِيم قَالَ الله تَعَالَى {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم} الْوَاقِعَة 88 94 فقسم سُبْحَانَهُ الارواح الى ثَلَاثَة أَقسَام مقربين وَأخْبر أَنَّهَا فِي جنَّة النَّعيم وَأَصْحَاب يَمِين وَحكم لَهَا بِالسَّلَامِ وَهُوَ يتَضَمَّن سلامتها من الْعَذَاب ومكذبة ضَالَّة وَأخْبر أَن لَهَا نزلا من حميم وتصلية جحيم وَقَالَ تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} الْفجْر 27 29 قَالَ غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ان هَذَا يُقَال لَهَا عِنْد خُرُوجهَا من الدُّنْيَا يبشرها الْملك بذلك وَلَا يُنَافِي ذَلِك قَول من قَالَ ان هَذَا يُقَال لَهَا فِي الْآخِرَة فانه يُقَال لَهَا عِنْد الْمَوْت وَعند الْبَعْث وَهَذَا من الْبُشْرَى الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَلا تخافوا وَلَا تحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون} فصلت 30 وَهَذَا التنزل يكون عِنْد الْمَوْت وَيكون فِي الْقَبْر وَيكون عِنْد الْبَعْث وَأول بِشَارَة الاخرة عِنْد الْمَوْت وَفِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب ان الْملك يَقُولهَا عِنْد قبضهَا ابشري بِروح وَرَيْحَان وَهَذَا من الْجنَّة وروى مَالك فِي (الْمُوَطَّأ (عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك أَنه اخبره أَن اباه كَعْب بن
مَالك كَانَ يحدث ان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن طَائِر تعلق فِي شجر الْجنَّة حَتَّى يرجعه الله الى جسده يَوْم يَبْعَثهُ قَالَ الْحَافِظ ابو عمر ابْن عبد الْبر وَاخْتلف الْعلمَاء فِي معنى هَذَا الحَدِيث فَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُم أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله فِي الْجنَّة شُهَدَاء كَانُوا أم غير شُهَدَاء اذا لم يحبسهم عَن الْجنَّة كَبِيرَة وَلَا دين وتلقاهم رَبهم بِالْعَفو عَنْهُم وَالرَّحْمَة لَهُم وَاحْتَجُّوا بِأَن هَذَا الحَدِيث لم يخص فِيهِ شَهِيدا من غير شَهِيد وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن ابي هُرَيْرَة أَن أَرْوَاح الابرار فِي عليين وأرواح الْفجار فِي سِجِّين وَعَن عبد الله ابْن عمر وَمثل ذَلِك قَالَ ابو عمر وَهَذَا قَول يُعَارضهُ من السّنة مَالا مدفع فِي صِحَة نَقله وَهُوَ قَوْله (اذا مَاتَ احدكم عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من اهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وان كَانَ من اهل النَّار فَمن أهل النَّار يُقَال لَهُ هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله اليه بوم الْقِيَامَة (وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا معنى هَذَا الحَدِيث فِي الشُّهَدَاء دون غَيرهم لَان الْقُرْآن وَالسّنة إِنَّمَا يدلان على ذَلِك اما الْقُرْآن فَقَوله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} الاية آل عمرَان 169 170 وَأما الْآثَار فَذكر حَدِيث ابي سعيد الْخُدْرِيّ من طَرِيق بَقِي بن مخلد مَرْفُوعا (الشُّهَدَاء يَغْدُونَ وَيَرُوحُونَ ثمَّ يكون مأواهم الى قناديل معلقَة بالعرش فَيَقُول لَهُم الرب تبارك وتعالى هَل تعلمُونَ كَرَامَة أفضل من كَرَامَة أكرمتكموها فَيَقُولُونَ لَا غير أَنا وَدِدْنَا أَنَّك أعدت أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نُقَاتِل
مرّة أُخْرَى فنقتل فِي سَبِيلك (رَوَاهُ عَن هناد عَن اسماعيل بن الْمُخْتَار عَن عَطِيَّة ثمَّ سَاق حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما أُصِيب اخوانكم يَعْنِي يَوْم أحد جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ترد أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وتأوي الى قناديل من ذهب فِي ظلّ الْعَرْش فَلَمَّا وجدوا طيب مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ وَمَقِيلهمْ قَالُوا من يبلغ اخواننا أننا احياء فِي الْجنَّة نرْزق لِئَلَّا ينكلُوا عَن الْحَرْب وَلَا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد قَالَ فَقَالَ الله عز وجل أَنا أبلغهم عَنْكُم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} آل عمرَان 169 والْحَدِيث فِي (مُسْند الامام أَحْمد (و (سنَن ابي دَاوُد (ثمَّ ذكر حَدِيث الاعمش عَن عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلنَا عبد الله بن مَسْعُود عَن هَذِه الاية {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} آل عمرَان 169 فَقَالَ أما إِنَّا قد سَأَلنَا عَن ذَلِك فَقَالَ أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر تسرح فِي الْجنَّة فِي أَيهَا شَاءَت تأوي الى تِلْكَ الْقَنَادِيل فَاطلع عَلَيْهِم رَبك اطلاعة فَقَالَ هَل تشتهون شَيْئا قَالُوا وَأي شَيْء نشتهي وَنحن نَسْرَح من الْجنَّة حَيْثُ شِئْنَا فَفعل ذَلِك بهم ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لن يتْركُوا من ان يسْأَلُوا قَالُوا يَا رب نُرِيد أَن ترد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك مرّة اخرى فَلَمَّا رأى أَن لَيْسَ لَهُم حَاجَة تركُوا والْحَدِيث فِي (صَحِيح مُسلم (
قلت وَفِي (صَحِيح البُخَارِيّ (عَن أنس أَن أم الرّبيع بنت الْبَراء وَهِي أم حَارِثَة بن سراقَة أَتَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا رَسُول الله أَلا
تُحَدِّثنِي عَن حَارِثَة وَكَانَ قتل يَوْم بدر أَصَابَهُ سهم غرب فان كَانَ فِي الْجنَّة صبرت وان كَانَ غير ذَلِك اجتهدت عَلَيْهِ فِي الْبكاء قَالَ يَا أم حَارِثَة إِنَّهَا جنان وَإِن ابْنك أصَاب الفردوس الاعلى ثمَّ سَاق ابْن عبد الْبر من طَرِيق بَقِي بن مخلد ثَنَا يحيى بن علدالحميد ثَنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن أبي يزِيد سمع ابْن عَبَّاس يَقُول أَرْوَاح الشُّهَدَاء تجول فِي اجواف طير خضر تعلق فِي ثَمَر الْجنَّة ثمَّ ذكر عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ بلغنَا أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صور طير بيض تَأْكُل من ثمار الْجنَّة وَمن طَرِيق أبي عَاصِم النَّبِيل عَن ثَوْر بن يزِيد عَن خَالِد بن معدان عَن عبد الله بن عَمْرو أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي طير كالزازير يَتَعَارَفُونَ وَيُرْزَقُونَ من ثَمَر الْجنَّة قَالَ أَبُو عَمْرو هَذِه الْآثَار كلهَا تدل على أَنهم الشُّهَدَاء دون غَيرهم وَفِي بَعْضهَا فِي صور طير وَفِي بَعْضهَا فِي اجواف طير وَفِي بَعْضهَا كطير خضر قَالَ وَالَّذِي يشبه عِنْدِي وَالله أعلم أَن يكون القَوْل قَول من قَالَ كطير أَو صور طير لمطابقته لحديثنا الْمَذْكُور يُرِيد حَدِيث كَعْب بن مَالك وَقَوله فِيهِ نسمَة الْمُؤمن كطائر وَلم يقل فِي جَوف طَائِر قَالَ وروى عِيسَى بن يُونُس حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن الاعمش عَن عبد الله ابْن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عبد الله كطير خضر قلت وَالَّذِي فِي (صَحِيح مُسلم (فِي اجواف طير خضر قَالَ أَبُو عمر فعلى هَذَا التَّأْوِيل فَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ (انما نسمَة الْمُؤمن من الشُّهَدَاء طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة (قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (الرّوح (قلت لاتنا فِي بَين قَوْله صلى الله عليه وسلم (نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة (وَبَين قَوْله (إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي إِن كَانَ من اهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن
أهل النَّار (وَهَذَا الْخطاب يتَنَاوَل الْمَيِّت على فرَاشه والشهيد كَمَا أَن قَوْله (نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة (يتَنَاوَل الشَّهِيد وَغَيره وَمَعَ كَونه يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي ترد روحه أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها وَأما المقعد الْخَاص بِهِ وَالْبَيْت الَّذِي أعد لَهُ فانه إِنَّمَا يدْخلهُ يَوْم الْقِيَامَة وَيدل عَلَيْهِ أَن منَازِل الشُّهَدَاء ودورهم وقصورهم الَّتِي أعد الله لَهُم لَيست هِيَ تِلْكَ الْقَنَادِيل الَّتِي تأوي اليها أَرْوَاحهم فِي البرزخ قطعا فهم يرَوْنَ مَنَازِلهمْ ومقاعدهم من الْجنَّة وَيكون مستقرهم فِي تِلْكَ الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة بالعرش فان الدُّخُول التَّام الْكَامِل إِنَّمَا يكون يَوْم الْقِيَامَة وَدخُول الارواح فِي الْجنَّة فِي البرزخ أَمر دون ذَلِك وَنَظِير هَذَا أهل الشَّقَاء تعرض أَرْوَاحهم على النَّار غدوا وعشيا فاذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلُوا مَنَازِلهمْ ومقاعدهم الَّتِي كَانُوا يعرضون عَلَيْهَا فِي البرزخ فتنعم الارواح بِالْجنَّةِ فِي البرزخ شَيْء وتنعمها مَعَ الابدان بهَا يَوْم الْقِيَامَة شَيْء آخر فغذاء الرّوح من الْجنَّة فِي البرزخ دو غذائها مَعَ بدنهَا يَوْم الْبَعْث وَلِهَذَا قَالَ تعلق فِي شجر الْجنَّة أَي تَأْكُله الْعلقَة واما تَمام الْأكل وَالشرب واللبس والتمتع فانما يكون إِذا ردَّتْ الى أجسادها يَوْم الْقِيَامَة فَظهر أَنه لَا يُعَارض هَذَا القَوْل من السّنة شَيْء وانما تعاضده السّنة وتوافقه وَأما قَول من قَالَ ان حَدِيث كَعْب فِي الشُّهَدَاء دون غَيرهم فتخصيص لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ حمل اللَّفْظ الْعَام على اقل مسمياته فَإِن الشُّهَدَاء بِالنِّسْبَةِ الى عُمُوم الْمُؤمنِينَ قَلِيل جدا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علق هَذَا الْجَزَاء بِوَصْف الايمان فَهُوَ الْمُقْتَضِي لَهُ وَلم يعلقه بِوَصْف الشَّهَادَة أَلا ترى أَن الحكم الَّذِي اخْتصَّ بِالشُّهَدَاءِ علق بِوَصْف الشَّهَادَة كَقَوْلِه فِي حَدِيث الْمِقْدَام
ابْن معدي كرب (للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفقة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويحلى حلَّة الايمان ويزوج من الْحور الْعين ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الاكبر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوته خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج اثْنَيْنِ وَسبعين من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين انسانا من أَقَاربه (فَلَمَّا كَانَ هَذَا يخْتَص بالشهيد قَالَ ان للشهيد وَلم يقل ان لِلْمُؤمنِ وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيث قيس الْحزَامِي يعْطى الشَّهِيد سِتّ خِصَال وَكَذَلِكَ سَائِر الاحاديث والنصوص الَّتِي علق فِيهَا الْجَزَاء بِالشَّهَادَةِ واما مَا علق فِيهِ الْجَزَاء بالايمان فانه يتَنَاوَل كل مُؤمن شَهِيدا كَانَ اَوْ غير شَهِيد وَأما النُّصُوص والْآثَار الَّتِي ذكرت فِي رزق الشُّهَدَاء وَكَون أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة فَكلهَا حق وَهِي لَا تدل على انْتِفَاء دُخُول أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ الْجنَّة وَلَا سِيمَا الصديقين الَّذين هم أفضل من الشُّهَدَاء بِلَا نزاع بَين النَّاس فَيُقَال لهَؤُلَاء مَا تَقولُونَ فِي أَرْوَاح الصديقين هَل هِيَ فِي الْجنَّة أم لَا فَإِن قَالُوا إِنَّهَا فِي الْجنَّة وَلَا يسوغ لَهُم غير هَذَا القَوْل قيل فَثَبت أَن هَذِه النُّصُوص لَا تدل على اخْتِصَاص أَرْوَاح الشُّهَدَاء بذلك وَإِن قَالُوا لَيست فِي الْجنَّة لَزِمَهُم من ذَلِك أَن تكون أَرْوَاح سَادَات الصَّحَابَة كَأبي بكر الصّديق وَأبي بن كَعْب وعبد الله بن مَسْعُود وَأبي الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وأشباههم لَيست فِي الْجنَّة وأرواح شُهَدَاء زَمَاننَا فِي الْجنَّة وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان ضَرُورَة فَإِن قيل فَإِذا كَانَ هَذَا حكما لَا يخْتَص بِالشُّهَدَاءِ فَمَا الْمُوجب لتخصيصهم بِالذكر فِي هَذِه النُّصُوص قيل الْمُوجب لذَلِك التَّنْبِيه على فضل الشَّهَادَة وعلو درجتها وان هَذَا مَضْمُون لاهلها ولابد وَأَن لَهُم أوفر
نصيب فَنصِيبهُمْ من هَذَا النَّعيم فِي البرزخ أكمل من نصيب غَيرهم من الاموات على فرشهم وان كَانَ الْمَيِّت على فرَاشه أَعلَى دَرَجَة مِنْهُم فَلهُ نعيم يخنص بِهِ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ من هُوَ دونه وَيدل على هَذَا أَن الله سُبْحَانَهُ جعل ارواح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طير خضر فانهم لما بذلوا أنفسهم لله حَتَّى أتلفهَا أعداؤه فِيهِ أعاضهم مِنْهَا فِي البرزخ ابدانا خيرا مِنْهَا تكون فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيكون نعيمها بِوَاسِطَة تِلْكَ الابدان اكمل من نعيم الْمُجَرَّدَة عَنْهَا وَلِهَذَا كَانَت نسمَة الْمُؤمن فِي صرة طير أَو كطير ونسمة الشَّهِيد فِي جَوف طير وَتَأمل لفظ الْحَدِيثين فَإِنَّهُ قَالَ نسمَة الْمُؤمن طير فَهَذَا يعم الشَّهِيد وَغَيره ثمَّ خص الشُّهَدَاء قَالَ هِيَ فِي جَوف طير وَمَعْلُوم أَنَّهَا اذا كَانَت فِي جَوف طير صدق عَلَيْهَا انها طير فصلوات الله وَسَلَامه على من يصدق كَلَامه بعضه بَعْضًا وَيدل على أَنه حق من عِنْد الله وَهَذَا الْجمع أحسن من جمع ابي عمر وترجيحه رِوَايَة من روى ارواحهم كطير خضر بل الرِّوَايَتَانِ حق وصواب فَهِيَ كطير أَخْضَر وَفِي أَجْوَاف طير خضر انْتهى كَلَام النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله حَتَّى تعود الى ذَلِك الجثمان الجثمان هُوَ الْجِسْم قَالَ الْجَوْهَرِي قَالَ أَبُو زيد الْجِسْم الْجَسَد وَكَذَلِكَ الجسمان الجثمان وَقَالَ الاصمعي الْجِسْم والجسمان الْجَسَد والجثمان الشَّخْص قَالَ وجمعة جسم الانسان ايضا يُقَال لَهُ الجسمان مثل ذِئْب وذؤبان انْتهى وَقَول النَّاظِم
…
لَكِن أَرْوَاح الَّذين اسْتشْهدُوا
…
فِي جَوف طير أَخْضَر رَيَّان
…
يَعْنِي أَن الشُّهَدَاء لَهُم خُصُوصِيَّة بِأَن أَرْوَاحهم تجْعَل فِي جَوف طير خضر كَمَا صرح بذلك فِي كَلَامه الْمُتَقَدّم بقوله ثمَّ خص الشُّهَدَاء بِأَن قَالَ هِيَ فِي جَوف طير وَالله أعلم
قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
والقائلون بِأَنَّهَا عرض أَبَوا
ذَا كُله تَبًّا لذِي نكران
…
واذا أَرَادَ الله اخراج الورى
بعد الْمَمَات الى الْمعَاد الثَّانِي
…
ألْقى على الاض الَّتِي هم تحتهَا
وَالله مقتدر وَذُو سُلْطَان
…
مَطَرا غليظا أبيضا مُتَتَابِعًا
عشرا وَعشرا بعْدهَا عشران
…
فتظل تنْبت مِنْهُ أجسام الورى
ولحومهم كمنابت الريحان
…
حَتَّى اذا مَا الام حَان ولادها
وتمخضت فنفاسها متدان
…
أوحى لَهَا رب السما فتشققت
فَبَدَا الْجَنِين كأكمل الشبَّان
…
وتخلت الام الْوَلُود فأخرجت
أثقالها انثى وَمن ذكران
…
وَالله ينشىء خلقه فِي نشأة
اخرى كَمَا قد قَالَ فِي الْقُرْآن
…
هَذَا الَّذِي جَاءَ الْكتاب وَسنة اله
ادي بِهِ فاحرص على الايمان
…
مَا قَالَ إِن الله يعْدم خلقه
طرا كَقَوْل الْجَاهِل الحيران
…
قَوْله والقائلون بِأَنَّهَا عرض أَي إِن الْقَائِلين بِأَن الرّوح عرض أَبَوا ذاكله لانها عِنْدهم تعدم وتتلاشى وَعِنْدهم أَنَّهَا عرض من أَعْرَاض
الْبدن وَهُوَ الْحَيَاة وَهَذَا قَول الباقلاني وَمن تبعه وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْهُذيْل العلاف النَّفس عرض الاعراض وَقَالَ غَيرهم بِأَنَّهُ الْحَيَاة كَمَا عينه ابْن الباقلاني ثمَّ قَالَ هِيَ عرض كَسَائِر أَعْرَاض الْجِسْم وَهَؤُلَاء عِنْدهم أَن الْجِسْم إِذا مَاتَ عدمت روحه كَمَا تعدم سَائِر اعراضه الْمَشْرُوطَة بِالْحَيَاةِ وَمن يَقُول مِنْهُم إِن الْعرض لايبقى زمانين كَمَا يَقُوله أَكثر الاشعرية فَمن قَوْلهم إِن روح الانسان الْآن هِيَ غير روحه قبل وَهُوَ لَا يَنْفَكّ يحدث لَهُ روح ثمَّ تغير ثمَّ روح ثمَّ تغير هَكَذَا أبدا فيبدله ألف روح فَأكْثر فِي سَاعَة من الزَّمَان فَمَا دونهَا فَإِذا مَاتَ فَلَا روح تصعد الى السَّمَاء وتعود الى الْقَبْر وتقبضها الْمَلَائِكَة ويستفتحون لَهَا أَبْوَاب السَّمَوَات وَلَا تنعم وَلَا تعذب وانما ينعم ويعذب الْجَسَد إِذا شَاءَ الله تنعيمه اَوْ تعذيبه رد الْحَيَاة فِي وَقت يُرِيد نعيمه وعذابه والا فَلَا روح هُنَاكَ قَائِمَة بِنَفسِهَا الْبَتَّةَ وَقَالَ بعض أَرْبَاب هَذَا القَوْل ترد الْحَيَاة الى عجب الذَّنب فَهُوَ الَّذِي يعذب وينعم فَحسب وَهَذَا قَول يردهُ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وأدلة الْعُقُول والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف روحه فضلا عَن روح غَيره وَقد خَاطب الله سُبْحَانَهُ النَّفس بِالرُّجُوعِ وَالدُّخُول وَالْخُرُوج ودلت النُّصُوص الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة على انها تصعد وتنزل وتقبض وَتمسك وَترسل وتستفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وتسجد وتتكلم وَأَنَّهَا تخرج تسيل كَمَا تسيل القطرة وتكفن وتحنط فِي أكفان الْجنَّة اَوْ النَّار وان ملك الْمَوْت يَأْخُذهَا بِيَدِهِ ثمَّ يَتَنَاوَلهَا الْمَلَائِكَة من يَده ويشم لَهَا كأطيب نفحة مسك أَو كانتن جيفة وتشيع من سَمَاء الى سَمَاء ثمَّ تُعَاد الى الارض مَعَ الْمَلَائِكَة وَأَنَّهَا إِذا خرجت تبعها الْبَصَر حَيْثُ يَرَاهَا وَهِي خَارِجَة وَدلّ الْقُرْآن على أَنَّهَا تنْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان حَتَّى تبلغ الْحُلْقُوم فِي حركتها وَجَمِيع
مَا ورد من الادلة الدَّالَّة على تلاقي الارواح وتعارفها وانها أجناد مجندة الى غير ذَلِك يبطل هَذَا القَوْل وَقد شَاهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم الارواح لَيْلَة الاسراء عَن يَمِين آدم وشماله وَأخْبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَأَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر وَأخْبر تَعَالَى عَن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن أَنَّهَا تعرض على النَّار غدوا وعشيا وَلما أورد ذَلِك على ابْن الباقلاني لج فِي الْجَواب وَقَالَ يخرج على هَذَا أحد وَجْهَيْن إِمَّا بِأَن يوضع عرض من الْحَيَاة فِي أول جُزْء من أَجزَاء الْجِسْم وَإِمَّا أَن يخلق لتِلْك الْحَيَاة وَالنَّعِيم وَالْعَذَاب جدير خير وَهَذَا قَول فِي غَايَة الْفساد مِنْهُ وُجُوه كَثِيرَة وَأي قَول أفسد من قَول من يَجْعَل روح الانسان عرضا من الاعراض تبدل كل سَاعَة ألوفا من المرات فَإِذا فَارقه هَذَا الْعرض لم يكن بعد الْمُفَارقَة روح تنعم وَلَا تعذب وَلَا تصعد وَلَا تنزل وَلَا تمسك وَلَا ترسل فَهَذَا قَول مُخَالف لِلْعَقْلِ ونصوص الْكتاب وَالسّنة والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف نَفسه وَالله أعلم وَقَوله وَإِذا أَرَادَ الله إِخْرَاج الورى الخ أخرج الشَّيْخَانِ عَن ابي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (مَا بَين النفختين أَرْبَعُونَ قيل أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَبيت قَالَ أَرْبَعُونَ شهرا قَالَ أَبيت قَالَ أَرْبَعُونَ سنة قَالَ أَبيت ثمَّ ينزل من السَّمَاء مَاء فينبتون كَمَا ينْبت البقل وَلَيْسَ من الانسان شَيْء إِلَّا يبْلى إِلَّا عظم وَاحِد وَهُوَ عظم الذَّنب مِنْهُ يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة (وَفِي رِوَايَة الْمُسلم (إِن فِي الانسان عظما لَا تَأْكُله الأَرْض أبدا فِيهِ يركب الْخلق يَوْم الْقِيَامَة قَالُوا أَي عظم هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ عجب الذَّنب (رَوَاهُ الامام مَالك وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِاخْتِصَار قَالَ كل ابْن آدم تَأْكُله الارض إِلَّا عجب الذَّنب مِنْهُ خلق
وَفِيه يركب (قَالَ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ كَغَيْرِهِ عجب الذَّنب بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْجِيم بعْدهَا بَاء مُوَحدَة أَو مِيم هُوَ الْعظم الْحَدِيد الَّذِي يكون فِي أَسْفَل الصلب وأصل الذَّنب من ذَوَات الاربع وَقد روى الامام احْمَد وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه (من حَدِيث أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (يَأْكُل التُّرَاب كل شَيْء من الانسان إِلَّا عجب ذَنبه قيل مَا هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ مثل حَبَّة خَرْدَل مِنْهُ تنشؤون وروى الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الاعراف وَابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِيره عَن ابي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهم اذا مَاتَ النَّاس كلهم فِي النفخة الاولى يَعْنِي نفخة الصَّعق أمطر عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ عَاما كمني الرِّجَال من مَاء تَحت الْعَرْش يدعى مَاء الْحَيَوَان فينبتون من قُبُورهم بذلك الْمَطَر كَمَا ينْبت الزَّرْع من المَاء حَتَّى إِذا استكملت أَجْسَادهم نفخ فيهم الرّوح ثمَّ يلقِي عَلَيْهِم نومَة فينامون فِي قُبُورهم فَإِذا نفخ فِي الصُّور النفخة الثَّانِيَة قَامُوا وهم يَجدونَ طعم النّوم فِي أَعينهم كَمَا يجده الْقَائِم إِذا اسْتَيْقَظَ من نَومه فَعِنْدَ ذَلِك يَقُولُونَ يَا ويلنا من بعثنَا من مرقدنا وَقَول أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَبيت فِيهِ ثَلَاث تأويلات أَحدهَا امْتنعت من بَيَان ذَلِك وَقيل أَبيت (اسْأَل النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك وَقيل نسيت وَقيل إِن سر ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى لِأَنَّهُ من أسرار الربوبية لَكِن فِي حَدِيث ان بَين النفختين أَرْبَعِينَ عَاما وَقَول النَّاظِم طرا هُوَ بِضَم الطَّاء أَي جَمِيعًا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
وَقضى بِأَن الله لَيْسَ بفاعل
…
فعلا يقوم بِهِ بِلَا برهَان
…
.. بل فعله الْمَفْعُول خَارج ذَاته
كالوصف غير الذَّات فِي الحسبان
…
والجبر مذْهبه الَّذِي قرت بِهِ
عين العصاة وشيعة الشَّيْطَان
…
كَانُوا على وَجل من الْعِصْيَان إِذْ
هُوَ فعلهم والذنب للانسان
…
واللوم لَا يعدوه إِذْ هُوَ فَاعل
بِإِرَادَة وبقدرة الْحَيَوَان
…
فأراحهم جهم وشيعته من الل
وم العنيف وَمَا قضوا بِأَمَان
…
لكِنهمْ حملُوا ذنوبهم على
رب الْعباد بعزة وأمان
…
وتبرؤوا مِنْهَا وَقَالُوا إِنَّهَا
أَفعاله مَا حِيلَة الانسان
…
مَا كلف الْجَبَّار نفسا وسعهَا
أَنى وَقد جبرت على الْعِصْيَان
…
وَكَذَا على الطَّاعَات أَيْضا قد غَدَتْ
مجبورة فلهَا إِذا جبران
…
وَالْعَبْد فِي التَّحْقِيق شبه نعَامَة
قد كلفت بِالْحملِ والطيران
…
إِذْ كَانَ صورتهَا تدل عَلَيْهِمَا
هَذَا وَلَيْسَ لَهَا بِذَاكَ يدان
…
تضمن كَلَام النَّاظِم رَحمَه تَعَالَى مَسْأَلَتَيْنِ عظيمتين إِحْدَاهمَا فِي أَفعاله الله تَعَالَى هَل لله تَعَالَى فعل يقوم بِهِ بمشيئته وَقدرته ام الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق فالاول هُوَ الَّذِي ذكره الْفُقَهَاء من اصحاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَمَالك فِي كتبهمْ كَمَا ذكره فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة كالطحاوي وابي مَنْصُور الماتريدي وَغَيرهم وكما ذكره الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة (وكما ذكره أَصْحَاب أَحْمد كَأبي إِسْحَاق وَأبي بكر عبد الْعَزِيز وَالْقَاضِي ذكره فِي الْخلق هَل هُوَ الْمَخْلُوق أَو غَيره على قَوْلَيْنِ وَلَكِن اسْتَقر قَوْله على
ان الْخلق غير الْمَخْلُوق وان خَالف بن عقيل وكما ذكره ابو بكر مُحَمَّد بن اسحاق الكلاباذي فِي كتاب لَهُ وكما ذكره أَئِمَّة الحَدِيث وَالسّنة قَالَ البُخَارِيّ فِي آخر (الصَّحِيح (فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية والزنادقة بَاب مَا جَاءَ فِي تخليق السَّمَوَات والارض وَنَحْوهَا من الْخَلَائق وَهُوَ فعل الرب وَأمره فالرب بصفاته وَفعله وَأمره وَكَلَامه هُوَ الْخَالِق المكون غير مَخْلُوق وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأمره وتخليقه وتكوينه فَهُوَ مفعول مَخْلُوق مكون وَذَهَبت الْجَهْمِية والمعتزلة أَو أَكْثَرهم والكلابية والاشعرية الى أَن الْخلق هُوَ الْمَخْلُوق وَالْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول وَلَيْسَ لهَؤُلَاء عِنْد الرب فعل وَلَا صنع يقوم بِهِ تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الجاحدون علوا كَبِيرا قَوْله والجبر مذْهبه الَّذِي قرت بِهِ الخ أَي إِن مَذْهَب جهم هُوَ الْجَبْر وَمعنى ذَلِك أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي أَفعَال الْعباد هَل هِيَ مقدورة للرب وَالْعَبْد أم لَا فَقَالَ جهم واتباعه الجبرية إِن ذَلِك الْفِعْل مَقْدُور للرب لَا للْعَبد وَكَذَلِكَ قَالَ الاشعري وَأَتْبَاعه إِن الْمُؤثر فِيهِ قدرَة الرب دون قدرَة العَبْد وَقَالَ جُمْهُور الْمُعْتَزلَة إِن الرب لَا يقدر على عين مَقْدُور العَبْد وَاخْتلفُوا هَل يقدر على مثل مقدوره فأثبته البصريون كَأبي عَليّ وَأبي هَاشم ونفاه الكعبي وَأَتْبَاعه البغداديون وَاحْتج الْمُعْتَزلَة بِأَنَّهُ لَو كَانَ مَقْدُورًا لَهما للَزِمَ إِذا أَرَادَ أَحدهمَا شَيْئا اَوْ أمرا وَكَرِهَهُ الآخر مثل أَن يُرِيد الرب تحريكه ويكرهه العَبْد أَن يكون مَوْجُودا مَعْدُوما لَان الْمَقْدُور من شَأْنه أَن يُوجد عِنْد توفر دواعي الْقَادِر وَأَن يبْقى على الْعَدَم عِنْد توفر صارفه فَلَو كَانَ مَقْدُور العَبْد مَقْدُورًا لله لَكَانَ إِذا أَرَادَ الله وُقُوعه
وَكره العَبْد وُقُوعه لزم أَن يُوجد لتحَقّق الدَّوَاعِي وَلَا يُوجد لتحَقّق الصَّارِف وَهُوَ محَال وَقد أجَاب الجبرية عَن هَذَا بِمَا ذكره الرَّازِيّ وَهُوَ أَن الْبَقَاء على الْعَدَم عِنْد تحقق الصَّارِف مَمْنُوع مُطلقًا بل يجب إِذا لم يقم مقَامه سَبَب آخر مُسْتَقل وَهَذَا أول الْمَسْأَلَة وَهَذَا جَوَاب ضَعِيف فَإِن الْكَلَام فِي فعل العَبْد الْقَائِم بِهِ إِذا قَامَ بِقَلْبِه الصَّارِف عَنهُ دون الدَّاعِي إِلَيْهِ وَهَذَا يمْتَنع وجوده من العَبْد فِي هَذِه الْحَال وَمَا قدر وجوده بِدُونِ إِرَادَته لم يكن فعلا اختياريا بل يكون بِمَنْزِلَة حركه المرتعش فِي الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ فِي الِاخْتِيَارِيّ وَلَكِن الْجَواب منع هَذَا التَّقْدِير فَإِن مَا لم يردهُ العَبْد بأفعاله يمْتَنع أَن يكون الله مرِيدا لوُقُوعه إِذْ لَو شَاءَ وُقُوعه جعل العَبْد مرِيدا لَهُ فَإِذا لم يَجعله مرِيدا لَهُ علم أَنه لم يشأه وَلِهَذَا اتّفق عُلَمَاء الْمُسلمين على أَن الانسان لَو قَالَ وَالله لافعلن كَذَا وَكَذَا إِن شَاءَ الله ثمَّ لم يَفْعَله أَنه لَا يَحْنَث لانه لما لم يَفْعَله علم أَن الله لم يشأه إِذْ لَو شاءه لفعله العَبْد فَلَمَّا لم يَفْعَله علم أَن الله لم يشأه وَاحْتج الجبرية بِمَا ذكره الرَّازِيّ وَغَيره بقَوْلهمْ إِذا أَرَادَ الله تَحْرِيك جسم وَأَرَادَ العَبْد تسكينه فإمَّا أَن يمتنعا مَعًا وَهُوَ محَال لِأَن الْمَانِع من وُقُوع مُرَاد كل وَاحِد مِنْهُمَا هُوَ مَوْجُود مُرَاد الاخر فَلَو امتنعا مَعًا لوجدا مَعًا وَهُوَ محَال أَو يقعا وَهُوَ محَال أَيْضا اَوْ يَقع أَحدهمَا وَهُوَ بَاطِل لِأَن القدرتين متساويتان فِي الِاسْتِقْلَال بالتأثير فِي ذَلِك الْمَقْدُور الْوَاحِد وَالشَّيْء الْوَاحِد حَقِيقَة لَا تقبل التَّفَاوُت فَإِذا القدرتان بِالنِّسْبَةِ الى اقْتِضَاء وجود ذَلِك الْمَقْدُور على السوية ونما التَّفَاوُت فِي أُمُور خَارِجَة عَن هَذَا الْمَعْنى واذا كَانَ كَذَلِك امْتنع التَّرْجِيح فَيُقَال هَذِه الْحجَّة بَاطِلَة على المذهبين اما أهل السّنة فعندهم يمْتَنع أَن يُرِيد الله
تَحْرِيك جسم وَيجْعَل العَبْد مرِيدا لَا أَن يَجعله العَبْد سَاكِنا مَعَ قدرته على ذَلِك فَإِن الارادة الجازمة مَعَ الْقُدْرَة تَسْتَلْزِم وجود الْمَقْدُور فَلَو جعله الرب مرِيدا مَعَ قدرته لزم وجود مقدوره فَيكون العَبْد يَشَاء مَالا يَشَاء الله وجوده وَهَذَا مُمْتَنع بل مَا شَاءَ الله وجوده يَجْعَل الْقَادِر عَلَيْهِ مرِيدا لوُجُوده لَا يَجعله مرِيدا لما يُنَاقض مُرَاد الرب وَأما على قَول الْمُعْتَزلَة فعندهم تمْتَنع قدرَة الرب على عين مَقْدُور العَبْد فَيمْتَنع اخْتِلَاف الارادتين فِي شَيْء وَاحِد وكلا الحجتين بَاطِلَة فَإِنَّهُمَا مبنيتان على تنَاقض الإرادتين وَهَذَا مُمْتَنع فَإِن العَبْد إِذا شَاءَ ان يكون (شَيْء (لم يشأه حَتَّى يَشَاء الله مَشِيئَته كَمَا قَالَ تَعَالَى {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} وَمَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فَإِذا شَاءَ الله جعل العَبْد شائيا لَهُ واذا جعل العَبْد كَارِهًا لَهُ غير مُرِيد لَهُ لم يكن هُوَ فِي هَذِه الْحَال شائيا لَهُ فهم بنوا الدَّلِيل على تَقْدِير مَشِيئَة الله لَهُ وَكَرَاهَة العَبْد لَهُ وَهَذَا تَقْدِير مُمْتَنع وَهَذَا تنَاقض من تَقْدِير ربين والهين وَهُوَ قِيَاس بَاطِل لِأَن العَبْد مَخْلُوق لله وَهُوَ وَجَمِيع مفعولاته لَيْسَ هُوَ مثلا لله ولاندا وَالله أعلم وَقَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
كَانُوا على وَجل من الْعِصْيَان
…
اذ هُوَ فعلهم والذنب للانسان
…
أَي إِن أَفعَال الْعباد غير اختيارية بل هم مَجْبُورُونَ عَلَيْهَا كحركة المرتعش وتحريك الْهوى للاشجار وَنَحْو ذَلِك فَإِذا كَانَ أصل الْقَدَرِيَّة الْمُجبرَة أَن إِرَادَة الرب تَعَالَى هِيَ عين محبته وَرضَاهُ فَكل مَا شاءه فقد أحبه ورضيه وكل مَا لم يشأه فَهُوَ مسخوط لَهُ مبغوض فالمبغوض المسخوط هُوَ مَا لم يشأه والمحبوب المرضي هُوَ مَا شاءه هَذَا أصل الْقَدَرِيَّة الجبرية المنكرين
للْحكم وَالتَّعْلِيل والاسباب وتحسين الْعقل وتقبيحه وان الافعال كلهَا سَوَاء لَا يخْتَص بَعْضهَا بِمَا صَار حسنا لاجله وَبَعضهَا بِمَا صَار قبيحا لاجله وَيجوز فِي الْعقل ان يَأْمر بِمَا نهى عَنهُ وَينْهى عَمَّا أَمر بِهِ وَلَا يكون ذَلِك مناقضا للحكمة اذ الْحِكْمَة ترجع عِنْدهم الى مُطَابقَة الْعلم الازلي لمعلومه والارادة الازلية لمرادها وَالْقُدْرَة لمقدورها فاذا الافعال بِالنِّسْبَةِ الى الْمَشِيئَة والارادة مستوية لَا تُوصَف بِحسن وَلَا قبح فاذا تعلق بهَا الامر وَالنَّهْي صَارَت حِينَئِذٍ حَسَنَة وقبيحة وَلَيْسَ حسنها وقبحها زَائِدا على كَونهَا مَأْمُورا بهَا ومنهيا عَنْهَا
قَوْله وَالْعَبْد فِي التَّحْقِيق شبه نعَامَة الخ أَي لاجل أَن لَهَا اجنحة فتشبه الطير من هَذَا الْوَجْه وَلها اخفاف تشبه اخفاف النَّاقة فَلهَذَا قَالَ قد كلفت بِالْحملِ والطيران
قَوْله وَلَيْسَ لَهَا بِذَاكَ يدان المُرَاد بِالْيَدِ هُنَا الْقُدْرَة تَسْمِيَة للشَّيْء باسم سَببه لِأَن الْقُدْرَة هِيَ تَحْرِيك الْيَد يُقَال فلَان لَهُ بِهِ فِي كَذَا وَكَذَا قَالَ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى
…
فلذاك قَالَ بِأَن طاعات الورى
وكذاك مَا فَعَلُوهُ من عصيان
…
هِيَ عين فعل الرب لَا أفعالهم
فَيَصِيح عَنْهُم عِنْد ذَا نفيان
…
نفي لقدرتهم عَلَيْهَا أَو لَا
وصدورها مِنْهُم بِنَفْي ثَان
…
فَيُقَال مَا صَامُوا وَلَا صلوا وَلَا
زكوا وَلَا ذَبَحُوا من القربان
…
وَكَذَلِكَ مَا شربوا وَمَا قتلوا وَمَا
…
سرقوا وَلَا فيهم غوي زَان
…
وكذاك لم يَأْتُوا اخْتِيَارا
…
وكذاك لم يَأْتُوا اخت مِنْهُم
بالْكفْر وَالْإِسْلَام والايمان
…
.. الا على وَجه الْمجَاز لِأَنَّهَا
قَامَت بهم كالطعم والالوان
…
جبروا على مَا شاءه خلاقهم
مَا ثمَّ ذُو عون وَغير معَان
…
وَالْكل مجبور وَغير ميسر
كالميت أدرج دَاخل الأكفان
…
وكذاك أَفعَال الْمُهَيْمِن لم تقم
أَيْضا بِهِ خوفًا من الْحدثَان
…
فاذا جمعت مقالتيه أنتجا
كذبا وزورا وَاضح الْبُهْتَان
…
إِذْ لَيست الافعال فعل إلهنا
والرب لَيْسَ بفاعل الْعِصْيَان
…
فاذا انْتَفَت صفة الْإِلَه وَفعله
وَكَلَامه وفعائل الانسان
…
فهناك لَا خلق وَلَا أَمر وَلَا
وَحي وَلَا تَكْلِيف عبد فان
…
لما فرغ النَّاظِم رحمه الله من الْكَلَام على القَوْل بالجبر وَذكر بعض مَا يلْزم أَهله شرع ايضا فِي بَيَان مَا يلْزمهُم من وَجه آخر من الشناعات فَقَالَ وكذاك افعال الْمُهَيْمِن الخ أَي أَن مَذْهَب الْجَهْمِية وَمن وافقهم ان الرب تَعَالَى لَا تقوم بِهِ الافعال الاختيارية بل الْفِعْل هُوَ الْمَفْعُول والخلق هُوَ الْمَخْلُوق كَمَا تقدم حِكَايَة ذَلِك عَنْهُم لأَنهم على زعمهم اذا قَالُوا بذلك لزم قيام الْحَوَادِث بِذَات الرب تبارك وتعالى فَيلْزم حُدُوثه تَعَالَى وتقدس كَمَا أَن مَا قَامَت بِهِ الْحَوَادِث فَهُوَ حَادث وَالْعَبْد عِنْدهم أَيْضا لَيْسَ بفاعل بالإختيار بل هُوَ مجبور وَغير ميسر وحركته كحركة المرتعش اَوْ كالميت أدرج دَاخل الاكفان فَإِذا كَانَ فعل الرب تَعَالَى غير قَائِم بِهِ عِنْدهم بل الْمَفْعُول هُوَ الْمَفْعُول وَالْعَبْد عِنْدهم لَيْسَ بفاعل فَلذَلِك
قَالَ النَّاظِم فَإِذا جمعت مقالتيه انتجا الخ أَي إِذا كَانَ الْفِعْل لَيْسَ فعلا للرب وَالْعَبْد مجبور لَا فعل لَهُ فِي الْحَقِيقَة بل تسمى أفعالا لَهُ مجَاز كَانَ نِسْبَة ذَلِك الى الرب تَعَالَى كذبا لإن الرب لَيْسَ بفاعل للمعاصي وَصَارَ نسبته للْعَبد أَيْضا كذبا لِأَنَّهُ لَيْسَ بفاعل وانما هُوَ مجبور فَإِذا انْتَفَت صفة الْفِعْل وَالْكَلَام فِي حق الرب تَعَالَى فهناك لَا خلق وَلَا أَمر وَلَا وَحي وَلَا تَكْلِيف كَمَا ألزمهم بِهِ النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله الْكل مجبور الخ قَالَ النَّاظِم فِي شرح (منَازِل السائرين (مشْهد أَصْحَاب الْجَبْر وهم الَّذين يشْهدُونَ انهم مَجْبُورُونَ على أفعالهم وَأَنَّهَا وَاقعَة بِغَيْر قدرتهم واختيارهم بل لَا يشْهدُونَ انها افعالهم الْبَتَّةَ وَيَقُولُونَ ان أحدهم غير فَاعل فِي الْحَقِيقَة وَلَا قَادر وَأَن الْفَاعِل فِيهِ والمحرك لَهُ سواهُ وَأَنه آلَة مَحْضَة وحركاته بِمَنْزِلَة هبوب الرِّيَاح وحركات الاشجار وَهَؤُلَاء اذا أنْكرت عَلَيْهِم أفعالهم احْتَجُّوا بِالْقدرِ وحملوا ذنوبهم عَلَيْهِ وَقد يغلون فِي ذَلِك حَتَّى يورا افعالهم كلهَا طاعات خَيرهَا وشرها لموافقتها الْمَشِيئَة وَالْقدر وَيَقُولُونَ كَمَا ان مُوَافقَة الامر طَاعَة فموافقة الْمَشِيئَة طَاعَة كَمَا حكى الله تَعَالَى عَن الْمُشْركين اخوانهم انهم جعلُوا مَشِيئَة الله لافعالهم دَلِيلا على أمره بهَا وَرضَاهُ بهَا قَالَ وَهَؤُلَاء شَرّ من الْقَدَرِيَّة النفاة وَأَشد عَدَاوَة لله ومناقضة لكتبه وَرُسُله وَدينه حَتَّى إِن من هَؤُلَاءِ من يعْتَذر عَن ابيلس لَعنه الله ويتوجع لَهُ وَيُقِيم عِنْده بِجهْدِهِ وينسب ربه إِلَى ظلمَة بِلِسَان الْحَال والقال وَيَقُول مَا ذَنبه وَقد صان وَجهه عَن السُّجُود لغير خالقه وَقد وَافق حكمه ومشيئته فِيهِ وارادته مِنْهُ ثمَّ كَيفَ يُمكنهُ السُّجُود وَهُوَ الَّذِي مَنعه مِنْهُ وَحَال بَينه وَبَينه وَهل كَانَ فِي ترك سُجُوده لغيرك محسنا وَلَكِن