الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي قدوم ركب آخر
…
وأتى فريق ثمَّ قَارب وَصفه
هَذَا وَلَكِن جد فِي الكفران
…
فَأسر قَول معطل ومكذ ب
فِي قالب التَّنْزِيه للرحمن
…
إِذْ قَالَ لَيْسَ بداخل فِينَا وَلَا
هُوَ خَارج عَن جملَة الأكوان
…
بل قَالَ لَيْسَ ببائن عَنْهَا وَلَا
فِيهَا وَلَا هُوَ عينهَا بِبَيَان
…
كلا وَلَا فَوق السَّمَوَات العلى
وَالْعرش من رب وَلَا رَحْمَن
…
وَالْعرش لَيْسَ عَلَيْهِ معبود سوى
الْعَدَم الَّذِي لَا شيئ فِي الْأَعْيَان
…
بل حَظه من ربه حَظّ الثرى
مِنْهُ وحظ قَوَاعِد الْبُنيان
…
لَو كَانَ فَوق الْعَرْش كَانَ كهذه ال
أجسام سُبْحَانَ الْعَظِيم الشان
…
وَلَقَد وجدت لفاضل مِنْهُم مقا
مَا قامه فِي النَّاس مُنْذُ زمَان
…
قَالَ اسمعوا يَا قوم إِن نَبِيكُم
قد قَالَ قولا وَاضح الْبُرْهَان
…
لَا تحكموا بِالْفَضْلِ لي اصلا على
ذِي النُّون يُونُس ذَلِك الغضبان
…
.. هَذَا يرد على المجسم على قَوْله
الله فَوق الْعَرْش والأكوان
…
وَيدل أَن إلهنا سُبْحَانَهُ
وَبِحَمْدِهِ يلقى بِكُل مَكَان
…
قَالُوا لَهُ بَين لنا هَذَا فَلم
يفعل فَأَعْطوهُ من الْأَثْمَان
…
ألفا من الذَّهَب الْعَتِيق فَقَالَ فِي
تبيانه فاسمع لذا التِّبْيَان
…
قد كَانَ يُونُس فِي قَرَار الْبَحْر تَحت
المَاء فِي قبر من الْحيتَان
…
وَمُحَمّد صعد السَّمَاء وَجَاوَزَ ال
سبع الطباق وَجَاز كل عنان
…
وَكِلَاهُمَا فِي قربه من ربه
سُبْحَانَهُ إِذْ ذَاك مستويان
…
فالعلو والسفل اللَّذَان كِلَاهُمَا
فِي بعده من ضِدّه طرفان
…
إِن ينسبا لله نزه عَنْهُمَا
بالإختصاص بلَى هما سيان
…
فِي قرب من أضحى مُقيما فيهمَا
من ربه فكلاهما مثلان
…
فلأجل هَذَا خص يُونُس دونهم
بِالذكر تَحْقِيقا لهَذَا الشان فَأتى النثار عَلَيْهِ من أَصْحَابه
…
من كل نَاحيَة بِلَا حسبان
فاحمد إلهك أَيهَا السّني إِذْ
…
عافاك من تَحْرِيف ذِي بهتان
وَالله مَا يرضى بِهَذَا خَائِف
…
من ربه أَمْسَى على الْإِيمَان
هَذَا هُوَ الْإِلْحَاد حَقًا بل هُوَ الت
…
حريف مَحْضا أبرد الهذيان
وَالله مَا بلي المجسم قطّ ذِي ال
…
بلوى وَلَا أَمْسَى بِذِي الخذلان
…
.. أَمْثَال ذَا التَّأْوِيل أفسد هَذِه ال
…
أَدْيَان حِين سرى إِلَى الْأَدْيَان
وَالله لَوْلَا الله حَافظ دينه
…
لتهدمت مِنْهُ قوى الْأَركان
…
اقول هَذَا الركب هم الأشاعرة وَقَوله وَلَقَد وجدت لفاضل مِنْهُم الخ هذاالفاضل هُوَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك ابْن أبي مُحَمَّد عبد الله بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ مولده كَمَا فِي (الْكَامِل (سنة عشر وَأَرْبَعمِائَة وَفِي (تَارِيخ ابْن أبي الدَّم (سنة تسع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة (إِمَام الْعلمَاء فِي وقته فَحل الْمَذْهَب سَافر إِلَى بَغْدَاد ثمَّ إِلَى الْحجاز وَأقَام بِمَكَّة وَالْمَدينَة أَربع سِنِين يدرس ويفتي ويصنف وَأم فِي الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَبِذَلِك لقب ثمَّ رَجَعَ إِلَى نيسابور وَجعل إِلَيْهِ الخطابة ومجلس الذّكر والتدريس ثَلَاثِينَ سنة وحظي عِنْد نظام الْملك وَمن تلاميذه الغز 2 الي وَأَبُو الْقَاسِم الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ الكيا الهراسي وَادّعى إِمَام الْحَرَمَيْنِ الإجتهاد الْمُطلق لِأَن أَرْكَانه حَاصِلَة لَهُ ثمَّ عَاد إِلَى اللَّائِق بِهِ وتقليد الإِمَام الشَّافِعِي وَلما مرض حمل إِلَى قَرْيَة مَوْصُوفَة باعتدال الْهوى وخفة المَاء إسمها (بشنقان (فَمَاتَ بهَا وَنقل إِلَى نيسابور تِلْكَ اللَّيْلَة وَدفن من الْغَد فِي دَاره ثمَّ نقل بعد سِتّ سِنِين إِلَى مَقْبرَة الْحُسَيْن فَدفن بِجنب أَبِيه وَصلى عَلَيْهِ وَلَده أَبُو الْقَاسِم فأغلقت ألأسواق يَوْم مَوته وَكسر منبره فِي الْجَامِع وَقعد النَّاس لعزائه ورثوه كثيرا وَمِنْه
…
قُلُوب الْعَالمين على المقالي
…
وَأَيَّام الورى شبه اللَّيَالِي
ايثمر غُصْن أهل الْفضل يَوْمًا
…
وَقد مَاتَ الإِمَام أَبُو الْمَعَالِي
…
وَكَانَت تلامذته يَوْمئِذٍ نَحْو أَرْبَعمِائَة وَمن مصنفاته (نِهَايَة الْمطلب فِي دراية الْمَذْهَب و (الشَّامِل (و (الْإِرْشَاد (كِلَاهُمَا فِي أصُول الدّين و (الرسَالَة النظامية فِي الْأَركان الإسلامية (و (الْبُرْهَان (فِي أصُول الْفِقْه وَغَيرهَا توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة
قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب (النبلاء (فِي تَرْجَمَة الإِمَام ابي الْمَعَالِي كَانَ هَذَا الامام مَعَ فرط ذكائه وإمامته فِي الْفُرُوع وأصول الْمَذْهَب وَقُوَّة مناظرته لَا يدْرِي الحَدِيث كَمَا يَلِيق بِهِ لامتنا وَلَا إِسْنَادًا ذكر فِي كتاب الْبُرْهَان حَدِيث معَاذ فِي الْقيَاس فَقَالَ هُوَ مدون فِي الصِّحَاح مُتَّفق على صِحَّته قلت بل مَدَاره على الْحَارِث ابْن عَمْرو وَفِيه جَهَالَة عَن رجال من أهل حمص عَن معَاذ فإسناده صَالح انْتهى وقصة مقَامه الْمَذْكُور ذكرهَا الإِمَام أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي (تَذكرته (فَقَالَ فصل قَوْله صلى الله عليه وسلم (وَمن قَالَ أَنا خير من يُونُس بن مَتى فقد كذب (للْعُلَمَاء فِيهِ تأويلات أحْسنهَا وأجملها مَا ذكره القَاضِي أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ قَالَ أَخْبرنِي غير وَاحِد من أَصْحَابنَا عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي عبد الْملك بن عبد الله بن يُوسُف الْجُوَيْنِيّ أَنه سُئِلَ هَل الْبَارِي فِي جِهَة فَقَالَ لَا هُوَ يتعالى عَن ذَلِك قيل لَهُ فَمَا الدَّلِيل عَلَيْهِ قَالَ الدَّلِيل قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم (لَا تفضلُونِي على يُونُس بن مَتى (فَقيل لَهُ مَا وَجه الدَّلِيل من هَذَا الْخَبَر فَقَالَ لَا أقوله حَتَّى ياخذ ضَيْفِي هَذَا ألف دِينَار يقْضِي بهَا دينا فَقَامَ رجلَانِ فَقَالَا هِيَ علينا
فَقَالَ لَا يتبع بهَا إثنين لِأَنَّهُ يشق عَلَيْهِ فَقَالَ وَاحِد هِيَ عَليّ فَقَالَ إِن يُونُس بن مَتى صلى الله عليه وسلم رمى بِنَفسِهِ فِي الْبَحْر فالتقمه الْحُوت وَصَارَ فِي قَعْر الْبَحْر فِي ظلمات ثَلَاثَة ونادى {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} الْأَنْبِيَاء 87 كَمَا أخبر الله وَلم يكن مُحَمَّد حِين جلس على الرفرف الْأَخْضَر وارتقى بِهِ صعدا حَتَّى انْتهى بِهِ إِلَى مَوضِع يسمع فِيهِ صريف الأقلام وناجاه ربه بِمَا ناجى بِهِ وأوحي إِلَيْهِ مَا أُوحِي بأقرب إِلَى الله من يُونُس فِي ظلمَة الْبَحْر انْتهى سِيَاق ال 6 قرطبي
قلت كَانَ هَذَا الإِمَام مَعَ فرط ذكائه وغزارة علمه تتلون آراؤه فَفِي كتاب (الشَّامِل (وَكتاب (الارشاد (مَشى على تَأْوِيل الصفحات الخبرية وَفِي كتاب الرسَالَة النظامية مَشى على أَن التَّأْوِيل محرم قَالَ فِي (الرسَالَة النظامية (اخْتلف مسالك الْعلمَاء فِي هَذِه الظَّوَاهِر فَرَأى بَعضهم تَأْوِيلهَا وَالْتزم ذَلِك فِي آي الْكتاب وَمَا يَصح من السّنَن وَذهب أَئِمَّة السّلف إِلَى الانكفاف عَن التَّأْوِيل وإجراء الظَّوَاهِر على مواردها وتفويض مَعَانِيهَا إِلَى الرب عز وجل وَالَّذِي نرتضيه دينا وندين الله بِهِ عقيدة اتِّبَاع سلف الْأمة وَالدَّلِيل الْقَاطِع السمعي فِي ذَلِك وَأَن إِجْمَاع الْأمة حجَّة متبعة فَلَو كَانَ تَأْوِيل هَذِه الظَّوَاهِر مسوغا أَو محتوما لَأَوْشَكَ أَن يكون أهتمامهم بهَا فَوق إهتمامهم بِفُرُوع الشَّرِيعَة إِذا انصرم عصر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ على الإضراب عَن التَّأْوِيل كَانَ ذَلِك هُوَ الْوَجْه المتبع فلتجر آيَة الاسْتوَاء وَآيَة المجي وَقَوله (لما خلقت بيَدي ص 75 على ذَلِك
قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (الْعُلُوّ (قَالَ الْحَافِظ الْحجَّة عبد الْقَادِر الرهاوي سَمِعت عبد الرَّحِيم ابْن أبي الْوَفَاء الحاجي يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن
طَاهِر الْمَقْدِسِي يَقُول سَمِعت الأديب أَبَا الْحسن القيرواني بنيسابور يَقُول وَكَانَ يخْتَلف إِلَى دروس الاستاذ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ يقْرَأ عَلَيْهِ الْكَلَام يَقُول سَمِعت الاستاذ أَبَا الْمَعَالِي الْيَوْم يَقُول يَا أَصْحَابنَا لَا تشتغلوا بالْكلَام فَلَو عرفت أَن الْكَلَام يبلغ بِي إِلَى مَا بلغ مَا اشتغلت بِهِ وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو عبد الله الرستمي الَّذِي أجَاز لكريمة حكى لنا الامام أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ الْفَقِيه قَالَ دَخَلنَا على الامام أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ نعوده فِي مرض مَوته فَقعدَ فَقَالَ لنا اشْهَدُوا على أَنِّي قد رجعت عَن كل مقَالَة قلتهَا أُخَالِف فِيهَا مَا قَالَ السّلف الصَّالح وَإِنِّي أَمُوت على مَا تَمُوت عَلَيْهِ عَجَائِز نيسابور قَالَ أَبُو مَنْصُور بن الْوَلِيد الْحَافِظ فِي رِسَالَة لَهُ إِلَى الزنجاني أنبأ عبد الْقَادِر الْحَافِظ بحران أنبأ الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء أنبأ أَبُو جَعْفَر بن أبي عَليّ الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ وَقد سُئِلَ عَن قَوْله عز وجل {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} طه 5 فَقَالَ كَانَ الله وَلَا عرش وَجعل يتخبط فِي الْكَلَام فَقلت قد علمنَا مَا أَشرت إِلَيْهِ فَهَل عنْدك للضرورات من حِيلَة فَقَالَ مَا تُرِيدُ بِهَذَا القَوْل وَمَا تَعْنِي بِهَذِهِ الْإِشَارَة فَقلت مَا قَالَ عَارِف قطّ يارباه إِلَّا قبل أَن يَتَحَرَّك لِسَانه قَامَ من بَاطِنه قصد لَا يلْتَفت يمنة وَلَا يسرة يقْصد الفوق فَهَل لهَذَا الْقَصْد الضَّرُورِيّ عنْدك حِيلَة فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت وبكيت وَبكى الْخلق فَضرب الاستاذ بكمه على السرير وَصَاح بِالْحيرَةِ وخرق مَا كَانَ عَلَيْهِ وَصَارَت قِيَامَة فِي الْمَسْجِد وَنزل وَلم يجبني إِلَّا يَا حَبِيبِي الْحيرَة الْحيرَة والدهشة الدهشة فَسمِعت بعد ذَلِك أَصْحَابه يَقُولُونَ