الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
[مقدمة الطبعة الثالثة
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
فقد مضى على انتشار الكتاب أكثر من عقد من الزمن، لم نتلقَّ فيه ردّاً علمياً، سوى أني سمعت بعضهم يُسأل في الإذاعة عن حكم صلاة التسابيح فقال:((هذه موضوعة، والدليل على ذلك: أنها مهجورة، ولو كانت سنة لما هجرت))! !
قلت: لو صدر هذا الكلام من عامِّيِّ لكان مقبوحاً، فكيف إذا صدر ممن تنصب للفتوى! ! ؟ وقباحة الأمر أن يجعل الهجران دليلاً على البطلان، فهل هذا هو الدليل عنده .. ؟ ! وهل هذا جهل بمعنى ((الدليل))
…
؟ ! أم زفرة متعصب، أم نفثة مقلد؟ !
أليس هذا هو بعينه دليل المبتدعة الذين إذا قيل لهم: هذه سنة، قالوا: لا أحد يفعلها، وإذا قيل لهم: هذه بدعة، قالوا: كل الناس يفعلونها .. ؟ ! ومتى كان هجران الشيء أو فعله دليلاً على مشروعيته أو بدعيته؟
فكم سنة صحيحة هجرت، وكم من بدعة مقبوحة انتشرت، فهل كان الهجران دليلاً على بطلان السنن الصحيحة؟ وهل كان انتشار البدعة دليلاً على مشروعيتها! ؟
ففي أثر ابن مسعود: ((كيف أنتم إذا لبستكم فتنة، يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، إذا ترك منها شيء قيل تركت السنة، قالوا: ومتى ذلك؟ قال: إذا ذهب علماؤكم، وكثر جهلاؤكم، وكثر قراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين)) (1)
وقال ابن عباس: ((ما من بدعة تحيى إلا وسنة تموت)). (2)
واعلم أن سرَّ هذا الانحراف، هو فقدان التأصيل، ومنه فقدان معرفة ((الدليل))، وعدم التزامه، وتقديم الهوى والتقليد عليه. (3)
هذا هو أحد أسرار الانحراف، ويضاف إليه في هذه المسألة، جهلٌ بعلم الحديث تصحيحاً وتضعيفاً، الأمر الذي دفعه إلى إلقاء الكلام على عواهنه.
وإذا كان هذا هو منهج المفتي المربي! ! فما حال المتربين والمستفتين .. ؟ ؟ وفاقد الشيء لا يعطيه
…
أعان الله أمة هؤلاء مفتوها، لا يفقهون معنى الدليل، ولا يلتزمون بمقتضاه.
وإن كنت تعجب من هذا فأعجب منه أن هؤلاء الذين فقدوا معنى الدليل، من الذين يرون أن الهجران دليل على البطلان، يرون كذلك أن من الأدلة على انحراف الناس، اتخاذهم حرفة يتكسبون بها رزقهم بعد فضل الله، يرون أن هذا دليل على جهلهم وابتداعهم، وما علم هؤلاء المساكين: أن دليلهم هذا هو دليل على جهلهم هم، بل دليل على كبْرهم، فمن ازدرى الناس بحرفهم كان متكبراً، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:(الكبر غمط الناس وبطر الحق)(أخرجه مسلم)
ثم .. أما علموا أن الأنبياء كانوا أصحاب حرف، وأنهم كانوا يرعون الأغنام، وأن منهم الحداد والنجار؟ ! فانظر كيف اجتمع الجهل المركب: جهل بمعنى الدليل، وجهل بالسنة وسيرة الأنبياء، وفوق ذلك كبر يظهر جلياً بالسخرية من المسلم لمهنته، ورد للحق الذي معه، لأنه ليس من قبيلته أو من بلده؟ ؟ ! فقاتل الله العصبية، وقاتل الله الجاهلية، كم أعمت أبصاراً، وأضلت أقواما .. ولا عجب من ذلك فقد قيل:
من فقد الدليل ضل السبيل ..
هذا وقد أعدت طباعته بعد أن نفدت الطبعة الثانية، سائلاً المولى عز وجل أن يسدد أقوالنا، وأن يصلح أعمالنا، وأن يتقبله منا إنه سميع مجيب .. والحمد لله رب العالمين.
عدنان بن محمد العرعور
شعبان 1422] [*]
(1) أخرجه الدارمي (185، 186) واللالكائي في اعتقاد أهل السنة (123) ونعيم بن حماد في الفتن (51) وصححه شيخنا الألباني في (قيام رمضان).
(2)
عزاه في (الاعتصام) للطبراني وهو عنده برقم (1100) بلفظ مقارب.
(3)
قال الإمام الشافعي (وإذا ثبت عن رسول الله الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره، بل الفرض الذي على الناس اتباعه) أي الهجران لا يضعف سنة، والعمل يقويها. الرسالة بشرح أحمد شاكر (330)
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من زيادات النسخة الإلكترونية، وليس في المطبوع
ما هو مشاع من بطلان هذه الصلاة، لفتوى بعض الأفاضل في ذلك، مقلدين بذلك بعض العلماء الذين قالوا ببدعيتها
…
! !
وكانت حجة المنكرين
…
((الرجال))، وكان بعض إخواننا يطلبون منهم رداً علميا حديثياً، قائلين لهم: إن عندنا من الرجال الذين صححوا حديث صلاة التسبيح ما هم أعلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم صحيحه وسقيمه من الذين ضعفوها، وإذ قابلنا الرجال بالرجال
…
سقطت الحجة عند الجميع، وعلى المنكرين - حينئذ - أن يردوا رداً علمياً مبنيّا على الأدلة والبراهين، ولما مضى على الكتاب سنوات، ونفدت الطبعة، ولم نتلقَّ أي رد علمي على الإطلاق، أعدنا طباعته، دون تغيير فيه يذكر، غير تصحيح الأخطاء المطبعية الكثيرة التي وقعت في الطبعة الأولى.
والله أسأل أن ينفع به، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه:
عدنان العرعور
صفر 1414 هـ