الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحديث الخامس: ]
حديث عبدالله بن عمرو بن العاص
وله عنه طرق:
أولاً: طريق أبي الجوزاء:
الأولى: قال أبو داود (2/ 30):
رواه المستمر بن الريّان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفًا.
قلت: وهذا سند صحيح.
قال الحافظ: المستمر ثقة عابد.
وأبو الجوزاء: ثقة معروف.
ولذلك قال المنذري: ((رواة هذا الحديث ثقات)) (1)
قلت: لاشك أن قول القائل: ((رواته ثقات))، لا تعني تصحيح السند - كما هو معروف في قواعد هذا العلم الشريف.
لكني لم أعثر على علة معتبرة تمنع من القول بصحته، غير أن المنذري نفسه قال:
((لكن اختلف فيه على أبي الجوزاء، فقيل: عنه عن ابن عباس، وقيل: عنه عن عبد الله بن عمرو، وقيل: عنه عن ابن عمر مع الاختلاف عليه في رفعه ووقفه)) (2)
قلت: كل هذا لا يضر، فالاختلاف في أسماء الصحابة لا يضر؛ فكلهم عدول، وكذلك الوقف والرفع، فإن هذا لا يقال من قبل الرأي، وليس هو من باب الاضطراب المردود، وكم من حديث ثبت موقوفاً ومرفوعاً.
وقد سبق الإجابة عن مثل هذا بشيء من التفصيل.
(1)((الآثار)) (128).
(2)
((الآثار)) (128).
ثم إن أحدًا من السابقين واللاحقين لم يطعن بهذا السند إلا ما ذكروه من مسألة الوقف على عبد الله بن عمرو.
وحاشَ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الابتداع في الدين؛ بخاصة في مسألة تعبدية كالصلاة.
ثم إن الحديث قد روي مرفوعًا من أكثر من طريق، وعن عبد الله بن عمرو كذلك.
وزيادة الثقة مقبولة.
وأقرّ الإمام أحمد صحة هذا السند، كما سيمر معك مفصلاً.
ومما يزيد هذا الطريق قوة على قوة؛ متابعة أبي جناب للمستمر عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.
وهو الطريق الثانية عن أبي الجوزاء
رواها البيهقي (2/ 52)
وأبو جناب: صدوق لكنه كان مدلسًا، فهو يصلح أن يكون متابعًا للمستمر.
ولثبوت الحديث عن أبي الجوزاء من غير طريق، فلا تضر عنعنة أبي جناب هاهنا، ولا تدليسه.
الطريق الثالثة: قال المنذري (1/ 470):
ورواه قتيبة بن سعيد عن يحيى بن سليم عن عمران بن مسلم عن أبي الجوزاء قال نزل عليّ عبد الله بن عمرو بن العاص فذكر الحديث))
قتيبة بن سعيد: ثقة ثبت.
يحيى بن سليم: صدوق سيء الحفظ.
وعمران: هو القصير، وهو الذي روى عنه يحيى بن سليم، وهو صدوق يهم، كذا قال الحافظ عن الجميع.
قلت: هذا إسناد جيد في المتابعات والشواهد، وبهذه الطريق الثالثة عن أبي الجوزاء يثبت الحديث عنه، والحمد لله على توفيقه.
[الطريق] الرابعة:
ما أخرجه أبو داود (2/ 30)، ومن طريقه البيهقي (3/ 52) عن محمد بن سفيان ثنا حبان بن هلال ثنا مهدي بن ميمون أخبرنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء قال: حدثني رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو به.
وقد سبق الكلام عن هذه الطريق في حديث ابن عباس ورواتها - كلهم - ثقات غير محمد بن سفيان، فإنه صدوق، فالسند حسن لذاته.
الطريق الخامسة:
قال ابن ناصر الدين الدمشقي في ((الترجيح)) (63):
(قال أبو شيبة - داود بن إبراهيم روزبة - حدثنا محمد بن حميد الرازي عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم .. ) ثم ذكر الحديث.
قلت: هذا سند ضعيف، فيه علتان:
الأولى: محمد بن حميد اختلف فيه أئمة الجرح والتعديل اختلافًا شديداً ما بين مكذب وموثق، والنفس تميل إلى تضعيفه؛ لكثرة المضعفين؛ بل الطاعنين! ولأن معهم حجة، والجرح مقدم على التعديل، إذا كان الجرح مفسراً ولذا قال الحافظ:
((حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه))
الثانية: الانقطاع بين محمد بن حميد وأبي الجوزاء، فإن الأول كان مولده سنة ((160)) هجرية.
بينما كانت وفاة أبي الجوزاء ((83 هـ))، ولم أر أحدًا ممن حقق في ذلك أشار إلى هذه العلة.
ومع ذلك، فإن هذا الطريق لا ينزل عن رتبة المتابعات.
[قلت: ثم وقفت على سند الحديث في حاشية الترجيح، نقلاً عن أمالي الأذكار، فتبين أن بين محمد بن حميد وأبي الجوزاء راويين هما: جرير بن عبد الحميد، وأبو جناب الكلبي والظاهر أن في كتاب ((الترجيح)) سقط.
أما جرير: فقد قال الحافظ: ثقة صحيح الكتاب، قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه.
وأبو جناب: هو يحيى بن أبي حية، قال الحافظ: ضعفوه لكثرة تدليسه.] [*]
ثانيًا: طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
قال الحافظ في ((النتائج)) (1)
((ولحديث ابن عمرو طريق آخر أخرجه الدارقطني عن عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمود بن خالد عن الثقه عن عمر بن عبد الله الواحد عن ثوبان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده)).
قلت: عبد الله ومحمود: ثقتان.
عمر بن عبد الله الواحد: تصحيف، والصواب: عمر بن عبد الواحد.
والتصحيح من ((الجرح والتعديل)) (8/ 292)، (6/ 122)، و ((التهذيب)) (10/ 61) في ترجمة محمود و (7/ 479)، وهو ثقة.
وثوبان: لم أعرفه، وأخشى أنه تصحيف من ابن ثوبان؛ فإن كتاب الدارقطني ليس بين أيدينا، وكتاب ((الآثار)) للكنوي مليء بالتصحيفات؛ فلا تكاد تجد صفحة بلا أخطاء.
فإن كان ثوبان هذا هو ابن ثوبان، فهو: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، هو من شيوخ عمر بن عبد الواحد، ومن بلده دمشق.
قال الحافظ: صدوق يخطئ.
ثم وقفت على السند من كتاب ((الترجيح)) لابن ناصر الدين الدمشقي صـ 64 وفيه التصويبات كما توقعت، والحمد لله على توفيقه.
فعمر بن عبد الله: هو: عمر بن عبد الواحد.
وثوبان: هو: ابن ثوبان.
وهذا إسناد جيد، لولا جهالة ((الثقة)) ومع ذلك فهو صالح للمتابعات
(1)((الآثار)) (129).
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من زيادات النسخة الإلكترونية، وليس في المطبوع
والشواهد؛ لخلوه من الوضاعين والمتروكين.
مناقشة صاحب ((التوضيح)) في عدم طمأنينته:
أقرّ (صـ 197) بصحةً سند رواية المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفاً.
ثم قال:
((فإن هذه الطريق لا تمنحنا الطمأنينة لإثبات هذه الصلاة))، أي لأنها موقوفة.
قلت: كيف لا تمنحنا الطمأنينة، وهي عن صحابي أبعد ما يكون عن الابتداع في الدين.
أليس في هذا غفلة شديدة عن أن الصحابة لا يُحْدِثُون صلاة مبتدعة.
كما أن فيه غفلة عن قاعدة (الحديث الموقوف له حكم الرفع، إذا كان لا يقال من قبل الرأي).
ومسألتنا هذه من هذا الباب قطعًا.
فمحال على عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن يقول هذا من رأيه، وأن يخترع صلاة من عند نفسه.
كل هذا؛ لو لم تُرْوَ هذه الصلاة إلا عنه موقوفة، كيف وقد رويت عنه مرفوعة، ومن طرق حسان! ! ؟ وقبل أسطر، كان الأخ صاحب ((التوضيح)) قد ساق طريق محمد بن سفيان من طريقه عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا.
وكلهم ثقات إلا محمد بن سفيان، فقد وصف بالصدق، فلا تنزل هذه الطريق عن رتبة الحسن.
أفلا يكون هذا شاهدًا للطريق الموقوفة.