الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحافظ المنذري (1/ 468):
(وقد صححه - أي حديث عكرمة عن ابن عباس - جماعة منهم: الحافظ أبو بكر الآجري، وشيخنا أبو محمد عبد الله المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله وقال أبو بكر ابن أبي داود سمعت أبي يقول:
((ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا))).
الحديث الثاني في صلاة التسابيح:
حديث الأنصاري
أخرجه أبو داود (1299)، ومن طريقه البيهقي (3/ 52) قال:
ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم قال:
حدثني الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر .. فذكر نحوه))
قلت:
وهذا سند رجاله رجال الشيخين غير عروة بن رويم فهو ثقة، وثقه أبو نعيم والنسائي.
وقال الدارقطني: لابأس به (1).
وقال الحافظ في ((التقريب)): صدوق.
وقال في ((النتائج)): ثقة (2).
وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (7/ 179):
((والأنصاري: قيل إنه جابر))
قلت: سواء كان جابرًا أو غيره، فإن جهالة الصحابي لا تضر، فكلهم ثقات عدول والحمد لله.
واحتمل الحافظ في ((النتائج)) (3) أن يكون الأنصاري هو الأنماري قال:
((فلعل الميم كبرت قليلاً، فأشبهت الصاد. فإن يكن كذلك، فيكون هذا
(1) التهذيب (7/ 179).
(2)
نقل ذلك اللكنوي في ((الآثار)) (128)
(3)
((الآثار)) (130).
حديث أبي كبشة الأنماري.
وعلى التقديرين:
فسند الحديث لا ينحط عن درجة الحسن)) اهـ
شبهات غريبة لصاحب ((التوضيح)) والرد عليها:
على رغم صحة هذا السند، فقد حاول صاحب التوضيح التفلت من التصريح بصحته بأمور غريبة، فبعد أن نقل عن الأئمة توثيقهم لرجال السند كافة قال:
((أما الأنصاري، فقد حقق ابن حجر أنه أبو كبشة الأنماري، وليس الأنصاري، وهذه الطرق فيها من وصف بالصدق، وفي علم الجرح أهل هذه المرتبة لا يحتج بحديثهم، ولكن يكتب للاعتبار فقط)) (1)
قلت: لنا على هذا الكلام المؤاخذات التالية:
الأولى:
أشعرَ القارئ من قوله: أن ((الأنصاري)) هو ((الأنماري)) أن في الحديث شيئًا ما كالاضطراب أو غيره.
أو أن الأنماري راوٍ فيه ضعف.
والأنماري- أبو كبشة - صحابي جليل، وقد تقدمت الإشارة إلى أن الاختلاف في اسم الصحابي لا يضر، فسواء كان الأنصاري أو الأنماري، فكلاهما صحابي جليل، فأي فائدة - إذن - من هذه الغمزة؟ !
ولذا قال الحافظ: فعلى التقديرين فسند الحديث لا ينحط عن درجة الحسن)) وهذا هو الإنصاف والعدل.
المؤاخذة الثانية: عدم إتمام كلام الحافظ
كان الواجب أن ينقل كلام الحافظ برمته، حتى لا يقع في نفس القارئ منه شيء، فإن تتمة كلامه:
((فعلى التقديرين .. فسند الحديث لا ينحط عن درجة الحسن، فكيف إذا
(1) التوضيح (200).
ضم إلى رواية أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو التي أخرجها أبو داود وحسنها المنذري))
ففي هذا الكلام المتين أربع فوائد:
الأولى: أن الاختلاف في اسم الصحابي لا يضر، فقوله:((على التقديرين)) أي: على تقدير أنه الأنصاري، أو على تقدير أنه الأنماري.
الثانية: أن السند المشار إليه، وهو حديث الأنصاري حسن لذاته في أقل الأحوال.
الثالثة: أنه موافق للطرق الأخرى فهو غير شاذ ولا منكر.
الرابعة: إقراره تحسين المنذري لرواية أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو.
المؤاخذة الثالثة: عدم ضبط عباراته، وصفه الثقة بالصدق
إن كافة رجال السند ثقات، بل هم من رجال الشيخين إلا عروة وهو ثقة أيضًا، فأي معنى لقوله: ((فيها من وصف بالصدق.
قال صاحب ((التوضيح)):
((وهذه الطرق فيها من وصف بالصدق))
قلت: ثم هي طريق واحدة، وليست طرقاً! وقد وصِفوا كلهم بـ ((الثقة)) بما نقله هو نفسه عن الأئمة.
ثم لا يضر الراوي وصفه بالصدق من بعض أهل النقد، مع وصفه بالثقة من آخرين، ولا ينزل هذا من منزلته، ولا يحط من قدره؛ بخاصة إذا كان الواصفون له بالثقة أعلى درجة من أولئك وأكثر.
ألا يكفي أن يصف النسائي عروة بالثقة، ولا مطعن عليه من أحد؟
المؤاخذة الرابعة: دعواه أن أهل الصدق لا يحتج بحديثهم
إن قواعد مصطلح الحديث تشهد أن هذه الطريق صحيحة السند لأن رواتها موثقون، وقد وصف بعضهم بالصدق مع وصفه بالثقة، فادعى صاحب ((التوضيح)) أن من وصف بالصدق لا يحتج بحديثهم ((ولكن يكتب حديثهم للاعتبار)).
قلت: هب أننا سلّمنا جدلاً أن فيها رجلاً وصف بالصدق دون وصفه بالثقة، فإن السند لا ينزل بحال عن درجة الحسن.
ولذلك صرّح الحافظ - وهو الذي أطلق صفة الصدق عليه - بحسن إسناده!
والصدوق عند الحافظ: حديثه حسن، فمن أين لصاحب ((التوضيح)) هذا الادعاء.
ومن أراد التثبت، فليراجع مراتب التعديل عند الحافظ في مقدمة التقريب.
وإذا سلمنا بمسألة الاختبار هذه التي ذكرها صاحب التوضيح، فإن روايته هذه توافق رواية الضابطين المتقنين، فضلاً عن أن أحدًا من الأئمة المختصين لم يصفه بالمخالفة، فضلاً عن النكارة، فكان هذا اختباراً لها.
قال ابن الصلاح في ((مقدمته)) (106):
((يعرف كون الراوي ضابطًا، بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطًا ثبتًا))
خامسًا: هبنا سلمنا أن وصْف الراوي بالصدق يجعل السند للاعتبار لا للاحتجاج.
فقد سبق مثل هذا السند للاعتبار أيضًا.
فإذا جمعت هذه الطرق التي نصّ صاحب التوضيح نفسه على أنها صالحة للاعتبار؛ مع ما سبقها من الطرق الصالحة للاعتبار، صار الحديث حسنًا لغيره، كما هو معلوم عند من له أدنى اطلاع على هذا العلم الشريف.
قال ابن الصلاح في مقدمته (34)
(( .. إنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنه مما حفظه، ولم يختل ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك)) اهـ
[الحديث الثالث: ]
حديث أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم -