الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)).
فما عليك - يا عبد الله - إلا أن تُفرح الله بتوبتك، وتسعد نفسك بإنابتها إلى ربها، والمثول بين يدي بارئها.
واعلم - يا عبدالله - أن الله عز وجل يقبل التوبة النصوح من عبده، ولو نقض توبة بعد توبة .. وكرر ذنبًا بعد ذنب، فالسعيد من أسعد نفسه بالتوبة التي لا ذنب بعدها، والشقي من يأس من رحمة ربه، فتمادى في ذنبه، واستمر في غيه.
{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف 87].
ولو لم يكن للتائبين إلا غفران الذنوب، لكفى به نعمة عظيمة، ومنة كريمة، من رحمن رحيم، كيف وقد وعد الله عز وجل زيادة على العفو والغفران، تبديل السيئات حسنات، ورفع التائبين درجات؟
شروط التوبة:
لله الحمد الذي فتح باب توبته على مصراعيه.
لا يرد تائبًا، ولا يصد مستغفرًا.
لم يجعل عليه حاجبًا، يمنع من يشاء، ويقبل من يشاء، بل يتقبلها بنفسه.
{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .. } [الشورى 25].
فسبحانه ما أرحمه بعباده، وما أصبره على خلقه.
[يكفرون به ويشتمونه، ومع ذلك يرزقهم ويطعمهم فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم) أخرجه البخاري (7378).
يخالفونه ويعصونه، ] [*] وإذا تاب تائبهم غفر له ما سلف مهما كان، ومهما بلغ .. فلو لم يرحمنا، ويقبل توبتنا لنكونن من الخاسرين، والخسارة الحقيقية ما أخبرنا الله عنها بقوله:
{قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة} [الزمر 15].
ذلك والله هو الخسران المبين.
شروط التوبة:
إن للتوبة شروطاً لابد أن تتحقق حتى تتمَّ:
الإقلاع عن الذنب.
والندم بالقلب.
والعزم على عدم الأوب.
ورد المظالم إلى أهلها فيما يخص حقوق العباد.
وأن يكون في زمن قبول التوبة
فمن عزم على التوبة، وطلب المغفرة، فعليه الإقلاع عن الذنب، وترك معاودته، والندم الصادق على ما بدر منه في حق الله، من انتهاك حرمته، وتجاوز حدوده، وأن يعزم بقلبه على أن لا يعود إليه أبدًا.
[أما الإقلاع عن الذنب:
فلقوله تعالى { .. ومن يغفر الذنوب إلا الله، ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران 135]
زيادة ثم كيف يكون تائباً، وهو على الذنب ما يزال قائما.
والندم: تألم القلب عما حصل، وتحسره مما فعل، وتمنيه لو لم يكن ما عمل.
فإذا استشعر المذنب بهذا في قلبه، كان في توبته صدق، وفي ندمه إنابة.
قال صلى الله عليه وسلم ((الندم توبة)) (1)
أما العزم على عدم الأوب: فهو من تمام التوبة، وصدق صاحبها، فإن كان صادقا في توبته، مستشعرا إثم ذنبه .. عالما بعذاب ربه، لا يفكر بالعود إلى الذنب، بل يكره أن يعود فيه، قال صلى الله عليه وسلم:
((ثلاث من كن فيه فقد وجد بهن حلاوة الإيمان .. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار)) (2)
وكذلك يجب على التائب من الذنوب أن يكره أن يعود إلى الذنب، كما يكره أن يعذبه الله لأجله في النار.] [**]
وإن كان الذنب يتعلق بالعباد، فعليه أن يرد المظلمة إلى أهلها، إن كانت مظلمة مادية، كأكل مال، أو اغتصاب حق، فإن لم يقدر، فعليه أن يتصدق بقيمته، ويكثر من الاستغفار لصاحبه، أو يطلب عفوهم.
وإن كانت المظلمة معنوية، كالغيبة والنميمة، وما شابه ذلك، فعليه: أن يطلب صفحهم، فإن لم يقدر على ذلك، أو كان إخبارهم يؤدي إلى مفسدة أكبر، فليكثر من الاستغفار والدعاء لهم.
(1) رواه أحمد (3568) وابن ماجه (4252) وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع.
(2)
رواه البخاري (16) ومسلم (43) وغيرهما عن أنس رضي الله عنه.
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هنا تغيير في صياغة الفقرة، وزيادة، في هذه النسخة الإلكترونية، عن المطبوع
[**] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من زيادات النسخة الإلكترونية، وليس في المطبوع