الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يجوز تكرارها في الأمر الواحد
؟
النوافل على أنواع:
إما أن تكون محض تعبد كالوتر وركعتي الفجر.
وإما أن تكون تعبدية، ولكنها مناطة بسبب كتحية المسجد.
وإما أن تكون صلاة حاجة، أي: مناطة بحاجة للعبد عند ربه، لكنها مقرونة بدعاء، كصلاة الاستسقاء والاستخارة.
فإن كانت الصلاة عبادة محضة، فلا يجوز تكرارها البتة، كركعتي الفجر والوتر.
وكذلك إن كانت ذات سبب مخصوص، فلا تكرر إلا مع تكرر السبب.
وأما إن كانت ذات حاجة بصفة مخصوصة، فجمهور أهل العلم يجيزون تكرارها، فقد أجاز الأئمة - مالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم تكرار صلاة الاستسقاء (1).
وصلاة الاستخارة أشبه ما تكون بصلاة الاستسقاء، من حيث إنها صلاة حاجة، وُتشابهها من حيث ارتباط الصلاة بالدعاء، وهذا النوع من الصلاة أشبه أن يكون، دعاء بصورة مخصوصة، فإذا انضم إلى هذا المعنى اللغوي للصلاة، استحباب الإكثار من الدعاء ظهر أن الراجح جواز تكرارها.
وقول بعض الإخوة الأفاضل بعدم التكرار، لعدم ورود التكرار، ولأنه دعاء مخصوص عقب صلاة مخصوصة، لا يكفي لمنع تكرارها، لأنه ليس من باب الابتداع في شيء، وإذ لم يكن كذلك، جاز التكرار لانتفاء المانع.
(1) المغني (2/ 95).
وكذلك صلاة الاستسقاء: لم يرد ذكر التكرار، وهي دعاء مخصوص، عقب أو قبل صلاة مخصوصة، ومع ذلك أجاز جماهير أهل العلم تكرارها (1).
كما يستأنس لتكرارها، بتكرار صلاة الكسوف والخسوف حتى ينجلي الشمس أو القمر، فهي - أي صلاة الكسوف أو الخسوف - صلاة ذات سبب وحاجة وفيها دعاء، فشابهت صلاتي الاستخارة والاستسقاء.
فعن المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله تعالى، وصلوا حتى ينكشف)) رواه البخاري (996) ومسلم (915).
فقوله صلى الله عليه وسلم: ((حتى ينكشف)) فيه دليل واضح على مشروعية تكرار الصلاة حتى يتم الكشف.
واعتراض المانعين - على تكرار الاستخارة - بأنها صلاة ودعاء مخصوص، فالجواب عنه أن: صلاة الاستسقاء كذلك، وما كان جوابهم عن تكرارها، فهو جوابنا عن تكرار صلاة الاستخارة.
ومهما قيل فيها فهي دعاء، والدعاء يستحب تكراره، والإلحاح فيه، سواء كان مخصوصًا أو غير مخصوص.
نعم لو كانت صلاة الاستخارة، مجرد ذات سبب، لقلنا بمنع التكرار، وأما أن تكون صلاة حاجة، فهي أقرب للدعاء منه إلى غيره، لذلك نرجح قول من قال بالتكرار والله أعلم.
فممن ذهب إلى جواز تكرار الاستخارة، بل استحبابها الحافظ العراقي، ومال إلى ذلك الشوكاني في النيل فقال:
((قد يستدل للتكرار بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ((إذا دعا دعا ثلاثًا))، الحديث الصحيح، وهذا وإن كان المراد به تكرار الدعاء في الوقت الواحد، فالدعاء الذي تسن الصلاة له تكرر الصلاة له كالاستسقاء)).
وممن يفتي بذلك - من المعاصرين - شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز، وكذلك شيخنا المحدث الألباني، غير أنه قيد التكرار بقيد: (من لم تطمئن
(1) انظر الموسوعة الفقهية (3/ 306) والمغني مع الشرح (2/ 295) والمجموع (5/ 88).
نفسه لصلاته الأولى) ..
وأما من استدل على التكرار بحديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات .. )) الحديث، فهو حديث ضعيف جدًا، قد اتفق الحفاظ على تضعيفه. راجع تخريجه في فصل (تخريج الأحاديث الواردة) من هذا الكتاب.
ثم بعد كتابة ما تقدم، وقفت على قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في صحيح مسلم، بعدما احترقت الكعبة:
((لو كان أحدكم احترق بيته، ما رضي حتى يُجِدَّه، فكيف ببيت ربكم (1)، إني مستخير ثلاثًا، ثم عازم على أمري)) (2).
فلما وقفت عليه فرحت به، لما فيه من مرجح قوي، لما ذهبت إليه، من ترجيح قول من قال بالتكرار، والله الهادي إلى سبيل الصواب.
(1) يجدَّه: أي يجعله جديدًا.
(2)
مسلم (1333) وغيره عن عبد الله بن الزبير من قوله.