الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بفضل من الله، وتوبة نصوح، تغادر معها مكان المعصية، وتفارق قرناء السوء، قال تعالى {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الأنعام 68]
وقد أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك؛ إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة)) متفق عليه (1)(يحذيك): يعطيك.
كيفية صلاة التوبة
إذا أذنب العبد ذنبًا، فليبادر إلى الوضوء فيسبغه، ثم يقبل على صلاة ركعتين فيحسنها، ويخشع فيها ويتّبع، تكن كفارة لذنبه، وطهارة لنفسه.
عن علي رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه حدثه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ما من عبد يذنب ذنبًا فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله، إلا غفر له)).
ثم قرأ هذه الآية:
{والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران 135](2).
(1) رواه البخاري (5214) ومسلم (2628).
(2)
رواه أحمد 1/ 10 وأبو داود (1521) والترمذي (406، 3006) والنسائي في الكبرى (11078) وابن ماجه (1395) وابن حبان (623) وابن أبي شيبة (7642) وابن المبارك في الزهد (1088) والبزار (6 - 11) والبيهقي (6/ 109) والطبري في تفسيره (4/ 96) والحميدي (4، 5) والضياء في المختارة (7 - 11) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال الترمذي: حديث حسن
قال الضياء المقدسي: إسناده صحيح
وصححه شيخنا في صحيح الترغيب (680)
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه)) (1).
فهذان الحديثان: يشترطان لقبول صلاة التوبة شرطين:
الأول: إحسان الوضوء وإسباغه، وأن يكون موافقًا لوضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إشارة عظيمة، إلى طلب العلم، لمعرفة كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحقيق الاتباع، الذي هو ركن في كل عمل، وشرط من شروط قبوله.
الثاني: أن تكون الركعتان خالصتين لله تعالى، وأن لا يحدِّث فيهما نفسه، ولا يسمح للشيطان أن يوسوس له فيهما، ولا يخطر بباله شيء يسترسل فيه في صلاته، غير ما هو فيه من شغل وعبادة، وإقبال على ربه وتوبة.
موعظة وذكرى:
حدث المزني - أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى - قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت:
كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة أم إلى النار؟ ثم بكى وأنشأ يقول:
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
…
وإن كنتُ يا ذا المنِّ والجود مجرمًا
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
…
جعلتُ الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
…
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل
…
تجود وتعفو منة وتكرما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي
…
ويستر أوزاري وما قد تقدما
تعاظمني ذنبي فأقبلت خاشعًا
…
ولولا الرضا ما كنتُ يا رب منعَما
فإن تعف عني تعف عن متمرد
…
ظلوم غشوم لا يزايل مأثما
(1) رواه البخاري (158) ومسلم (226) وأحمد (1/ 95) وغيرهم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فجرمي عظيم من قديم وحادثٍ
…
وعفوك يأتي العبدَ أعلى وأجسما
ومن يعتصم بالله يسلم من الورى
…
ومن يرجه هيهات أن يتندما (1)
{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون} [الشورى: 25].
فاللهم اقبل توبتنا، واعف عن زلتنا، وتقبل منا صالح عملنا، إنك أهل ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1) ديوان الشافعي 114.