المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حديث ابن عباس: - ثلاث صلوات عظيمة مهجورة فأحيها يا عبد الله

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌المقدمة

- ‌الصلاة الأولىصلاة الاستخارة

- ‌[بين يدي الاستخارة] [*]

- ‌كيف تكون الاستخارة الشرعية؟أو كيف يستخير العبد ربه

- ‌هل للاستجابة موانع .. وما هي

- ‌هل من أسباب يفعلها العبد، تكون سبباً في قبول استخارته

- ‌هل لكم أن تضربوا مثلاً في صفة الدعاء كيف تكون

- ‌ما الدليل عليها

- ‌ معنى الاستخارة

- ‌من معاني هذا الدعاء العظيم

- ‌ما هي الأمور التي يستخار فيها

- ‌هل تكون الاستخارة في الأمور المعروفة النتائج

- ‌ما هي الفائدة أو الحكمة أو الجدوى من الاستخارة

- ‌ماذا يفعل العبد بعد الاستخارة؟أو كيف يعرف نتيجة الاستخارة

- ‌إذن ما شأن رؤية منام، أو تبييت استخارة، وغير ذلك من الأمور

- ‌هل يجوز تكرارها في الأمر الواحد

- ‌هل لها وقت معين أو مفضل

- ‌هل تجوز صلاة الاستخارة في أوقات النهي؟ وما هي تلك الأوقات

- ‌هل هناك زمن محدد قبل الأمر المستخار له

- ‌هل من دعاء مأثور بعد حصول المطلوب

- ‌هل لصلاة الاستخارة قراءة معينة

- ‌هل دعاء الاستخارة قبل السلام أم بعده

- ‌إذا نسي المستخير دعاء الاستخارة عقب الصلاة، ثم تذكر ذلك فماذا يفعل

- ‌هل يشرع دعاء الاستخارة بعد صلاة فرض

- ‌هل تشرع الاستخارة في صلاة نفل راتبة، أو ذات سبب

- ‌إذا شرع العبد بصلاة، أو انتهى منها، ثم تذكر أن يستخير، فهل يجزئه ذلك

- ‌هل تجزيء الاستخارة بالدعاء دون الصلاة

- ‌هل يجب الالتزام بنص الدعاء

- ‌هل يلقن الدعاء من لا يحفظه أو يقرأه من كتاب

- ‌ما حكم الاستخارة

- ‌هل يسن رفع اليدين في دعاء الاستخارة

- ‌هل يختم دعاء الاستخارة بشيء، أو يقدم بين يديه شيئاً من الحمدلة، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌هل تشرع الاستخارة لأمرين في صلاة واحدة، ودعاء واحد

- ‌إذا كان القلب مائلاً إلى الشيء قبل الاستخارة، فهل يستخير المرء؟وما فائدة الاستخارة والحال هذه

- ‌هل يوفق المستخير يقيناً

- ‌هل يمكن للمستخير أن يعرف أنه وفق أم لا

- ‌هل يستشير المستخير أحدًا .. ومتى؟وما فائدة الاستشارة مع الاستخارة

- ‌هل هناك طرق للاستخارة غير هذا

- ‌هل تشرع الاستخارة عن الغير

- ‌تحقيق الأحاديث التي وردت في الاستخارة

- ‌[الحديث الأول]:

- ‌[الحديث الثاني: ]

- ‌الحديث الثالث:

- ‌[الحديث الرابع:

- ‌الحديث الخامس:

- ‌الخلاصة:

- ‌الصلاة الثانيةصلاة التوبة

- ‌[بين يدي الصلاة]

- ‌شروط التوبة:

- ‌[وأما زمن قبول التوبة:

- ‌المعينات على التوبة:

- ‌المعين الأول:

- ‌المعين الثاني:

- ‌المعين الثالث:

- ‌المعين الرابع:

- ‌المعين الخامس:

- ‌المعين السادس:

- ‌المعين السابع:

- ‌ثلاث لا بد منها للتائبوثلاث يحذر منها الآيب

- ‌كيفية صلاة التوبة

- ‌الصلاة الثالثةصلاة التسابيحصلاة الغفران

- ‌صلاة التسابيحوأقوال بعض أهل العلم فيها

- ‌كيفية الصلاة

- ‌هل لصلاة التسبيح أحكام خاصة بها

- ‌فضل الذكر والتسبيح المجرد عن الصلاة

- ‌دليلها:

- ‌بيان صحة صلاة التسابيح مع دراسة حديثية لأسانيدها

- ‌ حديث ابن عباس:

- ‌ حديث الأنصاري

- ‌حديث العباس رضي الله عنه

- ‌حديث عبدالله بن عمرو بن العاص

- ‌ حديث علي رضي الله عنه

- ‌مناقشة هذه الطرق

- ‌ ذكر من صحح الصلاة وضعّفها، وذكر شبهات المضعّفين

- ‌فأما الذين ضعفوها فهم:

- ‌وأما الذين صححوها:

- ‌ شبهات المانعين والرد عليها

- ‌الأولى:

- ‌الشبهة الثانية:

- ‌الشبهة الثالثة:

- ‌الشبهة الرابعة:

- ‌شبهة أخرى عجيبة:

- ‌الخلاصة

الفصل: ‌ حديث ابن عباس:

‌بيان صحة صلاة التسابيح مع دراسة حديثية لأسانيدها

قال الحافظ في ((نتائج الأفكار)): (1)

((وردت صلاة التسابيح من حديث عبد الله بن عباس، وأخيه الفضل، وأبيهما العباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي رافع، وعلي بن أبي طالب، وأخيه جعفر، وابنه عبدالله بن جعفر، وأم سلمة، والأنصاري غير مسمى، وقد قيل إنه جابر))

وقد وردت من طرق: صحيحة، وحسنة، وضعيفة، وإليك أهم هذه الطرق.

أما‌

‌ حديث ابن عباس:

فقد روي عنه أكثر من عشر طرق، نتكلم عن أهمها.

الطريق الأولى:

أخرجها أبو داود (1297)، وابن ماجه (1387)، والحاكم (1/ 318)، والبيهقي (3/ 51)، وابن خزيمة (1216)، والطبراني في ((الكبير))

(1) نقلاً عن ((الآثار المرفوعة)) للكنوي (126).

ص: 86

(11622)

، وعزاه الحاكم للنسائي، والعسقلاني للدارقطني، وعزاه في ((نتائج الأفكار)) 2 للحسن بن علي المعمري، وابن شاهين.

كلهم من طريق:

موسى بن عبد العزيز ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا به.

وموسى بن عبد العزيز: قال النسائي: لا بأس به، وكذا قال ابن معين، وذكره ابن حبان في ((الثقات))، وقال ابن المديني: ضعيف، وقال السليماني: منكر الحديث. (1)

وقال الذهبي في ((الميزان)) (4/ 212):

((ولم يذكره أحد في كتب الضعفاء أبدًا، ولكن ما هو بالحجة .. وحديثه من المنكرات)).

واقتصر في ((الكاشف)) على قول النسائي وابن معين: ((لا بأس به)).

وختم الحافظُ هذه الأقوال في ((التقريب)) بحكمه: ((صدوق سيء الحفظ)).

قلت: إذا كان ضعفه في مخالفته لسوء حفظه، فهو هنالم يخالف.

والحكم بن أبان: وثقه ابن معين والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) وقال: ربما أخطأ.

وقال يوسف بن يعقوب: سيد أهل اليمن.

وقال سفيان بن عيينة: لم أر مثله.

وحكى ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وابن المديني وأحمد.

قال الذهبي في ((الكاشف)) (1/ 180): ((ثقة)).

غير أن الحافظ قال في ((تقريبه)):

(1) التهذيب (10/ 356).

ص: 87

((صدوق له أوهام)).

قلت: مازلت متعجبًا من قول الحافظ هذا، فهو غير ما يفهمه الباحث من توثيق هؤلاء الأعلام له، ولعله أخذه من قول ابن المبارك عن بعض الرواة:(ارم بهؤلاء)، ومنهم الحكم، لكن الجرح مقدم على التوثيق إن كان مفسرًا: وهاهنا قول ابن المبارك غير مفسر، مع كثرة الموثقين، وعلو منزلتهم.

وأغرب من هذا قول ابن الجوزي: مجهول! ! وهو قول لا يلتفت إليه مع توثيق هؤلاء الأئمة له، وسيأتي الرد على ابن الجوزي مفصلاً إن شاء الله تعالى.

وعلى كل حال، فإن حديث مثل هذا مقارب درجة الحسن، وبخاصة إذا انعدم المخالف.

كيف وله متابعات تامة وقاصرة وشواهد منها:

متابعة إبراهيم بن الحكم بن أبان:

رواها البيهقي (3/ 52)، والحاكم (1/ 319) عن عكرمة مرسلاً، ورواها الحاكم موصولة (1/ 319).

وعزاها الحافظ في ((نتائج الأفكار)) (1) لإسحاق بن راهويه

وإبراهيم هذا: قال في ذيل ((الكاشف)): ضعيف. وكذا قال الحافظ في ((التقريب))، غير أن التحقيق العلمي يقتضي أن يكون ضعيفًا جدًا.

وقد جاء من طرق كثيرة، كادت تبلغ مبلغ التواتر، كما ستراه مبيناً في هذا التحقيق إن شاء الله تعالى.

(1) الآثار (127).

ص: 88

الطريق الثانية عن ابن عباس:

رواه الطبراني في ((الأوسط)) (2900) قال:

حدثنا إبراهيم قال: حدثنا محرز بن عون قال: حدثنا يحيى بن عقبة بن أبي العَيزار عن محمد بن جحادة عن أبي الجوزاء قال: قال لي ابن العباس: (يا أبا الجوزاء! ألا أخبرك، ألا أتحفك، ألا أعطيك؟ ! قلت: بلى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((من صلّى أربع ركعات .. )) ثم ذكر هيئة الصلاة.

قال في ((مجمع الزوائد)) (2/ 285):

فيه يحيى بن عقبة وهو ضعيف.

قلت: كنت أريد الإعراض عن هذه الطريق، كما أعرضت عن كل طريق فيها متروك أو متهم؛ فإن يحيى هذا ضعيف جدًا، بل متهم، كما في ((الميزان)) (4/ 397) لولا أن توبع متابعة قاصرة وهي:

الطريق الثالثة عن ابن عباس:

قال أبو داود (2/ 30) رقم (1298):

رواه المستمر بن ريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفاً:

ورواه روح بن المسيب وجعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النّكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قوله، وقال في حديث روح: فقال حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: هذه من أحسن طرق حديث صلاة التسابيح، فهي من طريقين عن أبي الجوزاء، كل واحدة منهما صحيحة.

أما الأولى:

فالمستمر بن الريان وأبو الجوزاء: تابعيان جليلان ثقتان بالإجماع.

وقد أقرّ الإمام أحمد بصحة هذا السند، وقد حكاه عنه الحافظ في ((أماليه)) (1).

(1) قال الحافظ في النكت الظراف (4/ 367) في تحفة الأشراف: وصل طريق روح الدارقطني في كتاب ((التسبيح)) من طريق يحيى بن يحيى النيسابوري وهو إمام ثقة ثبت.

ص: 89

وسيأتي الكلام عنه مفصلاً إن شاء الله.

وأما الطريق الثاني عن أبي الجوزاء:

ففيها روح وهو متروك، لكن لا يضر تركه بالكلية، لأنه إنما ذُكر مقرونًا بجعفر بن سليمان، ولم ينفرد بالرواية.

وجعفر قال فيه أحمد:

((لا بأس به))، ووثقه ابن معين وابن المديني، وقد غمز به بعضهم لتشيعه، وحسبك توثيق هؤلاء الأئمة الفحول له، فليس كل شيعي مرفوض الرواية، وليس كل شيعي رافضياً، وتفصيل ذلك يراجع في مظانه، ولهذا قبله الإمام أحمد.

وعمرو بن مالك النُّكري:

قال الذهبي في ((الميزان)) (3/ 286):

((ثقة)).

ووهم الحافظ في ((التقريب)) فقال:

((صدوق له أوهام)).

كما ستراه مبينًا قريبًا إن شاء الله تعالى.

وأبو الجوزاء:

هو أوس بن عبد الله الربعي: ثقة بالاتفاق.

فهذا السند صحيح واضح كالشمس، رواته كلهم ثقات عدول بالاتفاق.

والنُّكري: لم أر أحداً وصفه بما وصفُه به الحافظ، غير قول ابن حبان في ((الثقات)) (7/ 228):

((ويعتبر حديثه إلا ما كان من رواية ابنه عنه)).

قلت: وهذه الرواية ليست من رواية ابنه عنه، فصحّ السند، والحمد لله تعالى.

ثم هب أننا سلمنا للحافظ بتوهيم النُّكري، فإنه لا يضر وهمه هاهنا؛ لأنه لم يتفرد بهذه الصلاة، حتى يتخوف من وهمه؛ بل تابعه على ذلك أكثر من راوٍ

ص: 90

مقبول الرواية.

وليس كل من كان عنده وهم، فهو ضعيف.

ثم هب النُّكري كان ضعيفاً - ولم يضعفه أحدٌ أبدًا - فإن هذا الضعف اليسير ينجبر بمتابع أو شاهد، فكيف وهناك متابعات وشواهد.

وبهذه الطرق والمتابعات يكون حديث ابن عباس صحيحا، ومن كان عنده طلب في علم الحديث يدرك ذلك.

وقد صححه لغيره شيخنا في صحيح الترغيب (677).

شبهات على طريق ابن عباس وردها:

لم أقف على علّة توجب ترك هذا السند، إلا ما كان من كلام أبي داود السابق، الذي يشير به إلى أن الحديث روي موقوفًا ومرفوعًا، وأن فيه اختلافًا في اسم الصحابي، فتارة يروى عن ابن عباس، وأخرى عن عبد الله بن عمرو.

قلت: كل هذا لا يضر، وليس هذا من الاضطراب المردود في شيء.

وشبهة الوقف لا محل لها هاهنا، لأن الوقف في مثل هذا المقام له حكم الرفع، لأن هذا لا يقال من قبل الرأي، لأنه تشريع وغيب.

أما التشريع: فهو الصلاة.

وأما الغيب: فهو الإخبار بغفران الذنوب.

وحاش أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدموا بين يدي الله ورسوله، بل هذا محال على عالم عامل؛ فكيف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ؟

وقد تقرر هذا في علم الأصول، ومن ذلك قول السخاوي في ((فتح المغيث)) (1/ 124):

((ومنه - أي من الموقوف الذي له حكم الرفع ـ .. ولا مجال للرأي فيه، كتفسير مغيب عن أمر الدنيا، أو الآخرة، أو الجنة والنار، وتعيين ثواب أو عقاب، ونحو ذلك))

وهذا كله لو كان الحديث موقوفًا لم يرفعه أحد، كيف وقد رفعه الكثير من الثقات؛ بل الأكثر على رفعه!

وحكم الرفع حكم زيادة الثقة.

وزيادة الثقة مقبولة.

كيف وقد رفعه ثقات. .؟ ؟

ص: 91

وأما شبهة الخلاف في اسم الصحابي فلا تضر أبدًاً، ماداموا - كلهم - عدولاً وثقاتاً، فأي شيء يضر! .. إن كان الحديث عن ابن عباس، أو عن ابن عمر أو عن أي صحابي آخر، ولو كان مجهول الاسم عندنا؟ ! !

والحقيقة أن هذه الطريق متابعة جيدة لرجال الطريق السابقة عن أبي الجوزاء، وارتفعت بذلك العهدة عن يحيى بن عقبة.

وللحديث طريق أخرى عن أبي الجوزاء.

أخرجها أبو داود (2/ 30)، ومن طريقه البيهقي (3/ 52) عن محمد بن سفيان الأبلي، ثنا حبان بن مالك، عن أبي الجوزاء قال:

حدثني رجل كانت له صحبة - يرون أنه عبد الله بن عمرو - مرفوعاً بنحوه.

غير أنه زاد فيه:

((إذا زال النهار فقم فصل أربع ركعات))

قلت: إبهام اسم الصحابي لا يضر، ومحمد بن سفيان: صدوق.

وحبان بن هلال: ثقة ثبت.

ومهدي بن ميمون: ثقة.

كذا قال الحافظ عن الجميع.

وعمرو بن مالك هو: النُّكري سبق الكلام فيه وفي أبي الجوزاء، وهما ثقتان.

فهذا سند جيد بيّن كالشمس.

وهو صحيح لولا وصف محمد بن سفيان بالصدوق.

فينزل إلى درجة الحسن [لذاته].

وهذا ما فعله المنذري، فقد حسن هذه الطريق في ((الترغيب)) (1/ 470)

[إجابة صاحب كتاب التوضيح على شبهاته: ]

غفر الله لصاحب التوضيح، فقد قال عقب هذه الطريق صـ 190: - أعني طريق روح وجعفر عن النُّكري عن أبي الجوزاء - قال:

((وفي هذا الطريق اثنان:

أحدهما: متروك، وهو روح بن المسيب.

ص: 92

والثاني: ضعيف، وهو عمرو بن مالك.

وفيه راوٍ رابع، وهو أبو الجوزاء، وقد سمعنا ما قاله فيه البخاري وما قاله فيه ابن حجر))

ولنا على هذا الكلام مؤاخذات.

الأولى: لا طائلة وراء الطعن بروح بن المسيب؛ لأنه لم يتفرد به، وإنما ذكر مقرونًا بجعفر، وهو متابع له، وما دام جعفر صدوقاً، فما معنى التركيز على روح .. ؟ !

وهبهُ من أكذب خلق الله، ألا يكفينا أن جعفر صدوق! ؟ (1)

ولو ذهب أهل الحديث مذهب صاحب التوضيح، لما صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا النزر اليسير، إذ ما من رواية رواها ثقة إلا وقد رواها ضعيف أو كذاب، فلا يضر صدق الراوي رواية الكذاب لروايته.

والحقيقة أن هذه غريبة! بل عجيبة! أن تصدر من طالب علم فضلاً عن محقق، لأنها تخالف الفطرة والعقل، فضلاً عن الشرع وإجماع أهل العلم والفهم.

[عمرو بن مالك النكري ثقة والرد على من توهم ضعفه:

المؤاخذة الثانية على صاحب ((التوضيح)): ]

إطلاق الضعف على عمرو بن مالك النُّكري، والأمر ليس كذلك.

فقد وثقه الذهبي في ((الميزان)).

وقال في ((الكاشف)):

(1) بعد تبييض ما سبق وقعت على كلام الحافظ السابق في النكت الظراف (4/ 367) يذكر متابعين آخرين لروح، وهما عباد بن عباد المهلبي ويحيى بن عمرو بن مالك النكري، والأول: ثقة، والآخر ضعيف.

ص: 93

((وثق)).

والذي وقع للأخ صاحب التوضيح عدم تمييزه بين عمرو بن مالك النكري، وعمرو بن مالك الراسبي.

فهذا الأخير هو الضعيف، وهو الذي كان يسرق الحديث؛ ولم يسبق المؤلفَ أحدٌ على الإطلاق في تضعيف النُّكري.

كيف! وقد وثِّق من قبل الإمامين: ابن حبان، والذهبي.

وعدّله الحافظ، ولم يذكره أحدّ بضعف!

ثم عجيب أن يقع هذا من الأخ الدكتور!

فإن النكري - أبا مالك - تابعي، لم يرو إلا عن أبيه وأبي الجوزاء.

ومن الطبقة السابعة، والراسبي من التاسعة.

ثم أدركت سبب وقوع الدكتور في هذا الخطأ:

وهو وهم وقع في ((الكامل في الضعفاء)) لابن عدي في ترجمة عمرو بن مالك وهو الراسبي، فوهم من وهم، وقد نبه الحافظ في التهذيب على وهم ابن عدي فكتب: النكري.

ويتبين هذا من الأمور التالية:

1 -

أن أحدًا من الذين ترجموا للنكري، لم يذكروا ما ذكره ابن عدي في الترجمة ولا حرفًا منه، فالله أعلم ممن وقع الوهم.

2 -

أن الأحاديث التي سيقت في ترجمتة إنما هي للراسبي، ويتبين هذا من مراجعة ترجمة الاثنين في ((تهذيب الكمال)).

فإن النُّكري لم يرو كما سبق إلا عن أبيه وأبي الجوزاء، وهذا قد روى عن الوليد بن مسلم والفضيل بن سليمان وغيرهم.

3 -

إن ترجمة الراسبي في ((التهذيب)) توافق ترجمته في ((الكامل))، من أنه كان يسرق الحديث، وأن أبا يعلى ضعفه، وقد كان الراسبي من شيوخه.

وأما النُّكري فليس من شيوخ أبي يعلى، وبين أبي يعلى وبينه مفاوز.

4 -

في ترجمة الراسبي في ((التهذيب)):

((قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث

))

ص: 94

وهذا هو كلام ابن عدي نفسه في ترجمة عمرو بن مالك النُّكري .. مما يدل على وهْم من وَهِم.

ثم لما تابعت قراءة ترجمة الراسبي، وجدت الحافظ يقول منبهًا على ترجمة الراسبي عند ابن عدي:

((إلا أنه قال في صدر الترجمة عمرو بن مالك النُّكري، فوهم؛ فإن النُّكري متقدم على هذا))

ففرحت بها لتوفيق الله تعالى إياي، بما توصلت إليه بهذا الشأن، وذلك فضل منه ونعمة.

ثم لما راجعت كتاب الثقات لابن حبان (8/ 487)، وجدت الوهم فيه كذلك.

5 -

زلة قلم للحافظ في النكري:

لا يسلم للحافظ قوله عن النكري: ((يغرب ويخطئ))

بل هي سبق قلم منه، كما قال الأخ محقق كتاب ((الترجيح))؛ وأنكر هذا صاحب كتاب ((التوضيح)).

والصواب عند تتبع المسألة أنها سبق قلم من الحافظ، وذلك لعدم وجودها في ((تهذيب الكمال)) للمزي ولعل سبب هذا الخطأ أنه نقله من ترجمة ابن حبان للراسبي، وهو يلقبه النكري، فتبعه الحافظ هنا دون أن يتنبه ..

ولا وجود لها في كتاب الثقات لابن حبان في ترجمة عمرو التي نُقلت منه الترجمة.

فدّل ذلك على أنها سبق قلم منه رحمه الله، وإلا فليرشدنا إليها صاحب كتاب ((التوضيح))، من أين أتى بها الحافظ؟

ثم عثرت على الكلمة نفسها ((يغرب ويخطئ)) في ترجمة عمرو بن مالك الراسبي، الأمر الذي أكد وهم الحافظ رحمه الله تعالى:

وبناء على وهمه هذا، قال في ((التقريب)) عن النُّكري:((صدوق له أوهام)).

والصواب أنه ثقة، كما قال الأئمة الموثقون، ولم أجد أحدًا وصفه بالوهم غير الحافظ.

ص: 95

6 -

أنكر صاحب التوضيح أن يكون الذهبي قد وثق النكري.

والصحيح أن الذهبي قد وثّق النُّكري في ((الميزان)) (3/ 286)، السطر الثالث، الكلمة الثانية!

وسر خفاء توثيق الذهبي على صاحب ((التوضيح)):

أن الذهبي ذكر عمرو بن مالك النكري، ولم يذكر شيئاً عقبه، ثم أعقبه بعمرو بن مالك الجنبي، ثم قال:

((ثقتان)).

فلما راجع الأخ ترجمة النكري في ((الميزان)) لم يجد شيئًا فيها، ولم يتابع كلام الذهبي، فأنكر توثيق الذهبي للنكري! وجلّ مَنْ لا يسهو. (1)

المؤاخذة الثالثة على صاحب ((التوضيح)): غمْزهُ بأبي الجوزاء، وهو ثقة مشهور:

قلت: رغم اتفاقهم على ثقته وفضله، وهذا أمر عجيب صدوره من محقق.

فأما قول البخاري: ((في إسناده نظر): فإنما كان عن إسناد بعينه كان في سنده أبو الجوزاء - لا على أبي الجوزاء نفسه - وشتان ما بين الكلام على الإسناد، والكلام على الرجل.

وقد ذكر هذا الحافظ في ((التهذيب)) (1/ 384) قال:

((وقول البخاري: في إسناده نظر .. إنما قاله عقب حديث رواه له لا أنه ضعيف عنده))

وبالرجوع إلى ترجمة أبي الجوزاء في ((التاريخ الكبير)) (2/ 16):

(قال لنا مسدد: عن جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء قال:

أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة ليس في القرآن آية إلا سألتهم

(1) بعد كتابة هذا أخبرني أحد الإخوة أن الأخ صاحب التوضيح ضرير لا يبصر، فلذلك يعذر - عفا الله عنه - ونرجو الله أن يجعله بصير القلب وأن يعوضه الجنة.

ص: 96

عنها، قال محمد: في إسناده نظر) اهـ بلفظه.

وبتتبع ألفاظ البخاري: نجد أنه إذا أراد ترجمة الراوي قال: فيه نظر، وإذا أراد الحكم على السند قال: في إسناده نظر.

ففي ترجمة أوس بن عبيد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي (2/ 17) قال: فيه نظر.

وفي ترجمة بكر بن قرواش (2/ 94) قال أيضًا: وفيه نظر.

أو قال: فيه بعض النظر، كما في ترجمة أحمد بن الحارث الغساني (2 ـ 2).

أو قال مفصلاً: في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر، كما في ترجمة أسامة بن مالك بن قهطم.

وإذا أراد الإسناد لا الراوي قال: في إسناده نظر، كما في ترجمة أبي الجوزاء.

وبهذا يتبين أن البخاري لم يطعن بأبي الجوزاء كما أشار إلى ذلك صاحب ((التوضيح)).

وإلى هذا ذهب الحافظ ووجّه كلام البخاري.

فقال: ((وقول البخاري: في إسناده نظر، إنما قاله عقب حديث له، لا أنه ضعيف عنده)) كما سبق ذكره.

ورغم نقل صاحب التوضيح لكلام الحافظ هذا، ووقوفه على اتفاقهم على توثيقه، قال غامزًا بهذا الراوي الذي لم يسبقه إلى ذلك فيه أحد:

((وقد سمعنا ما قاله فيه البخاري))

ألا ينبغي بعد ذلك أن نقول: غفر الله له.

وأشد من هذا وأغرب؛ أنه أشعر القارئ أن الحافظ نفسه يضعف الرجل إذ قال: ((وما قاله فيه ابن حجر))

ص: 97

ولم يقل الحافظ إلا بتوثيقه بل ودافع عنه، ووجّه كلام البخاري وصرّح بعدم تضعيفه له فكيف يقال بعد هذا

((وما قاله فيه ابن حجر))؟ ! !

نعم قال (يرسل كثيرًا)، وهذا ليس طعناً بالرجل.

وكان الواجب على الأخ صاحب ((التوضيح)) أن ينقل تتمة كلام الحافظ الذي وجه به كلام البخاري وهو:

((لا أنه ضعيف عنده)).

فهل من الأمانة العلمية، أن تسقط هذه اللفظة، وهي قول الحافظ في توجيه كلام البخاري.

وقد سبق الحافظ إلى هذا ابن عدي في ((الكامل)).

خلاصة القول في طريق ابن عباس ..

أما بعد: فهذه أربعة طرق عن ابن عباس، اخترتها من أكثر من عشر طرق، وقد أعرضت عن كل رواية فيها متهم أو متروك.

ومازلت متعجبًا - بعد هذا البيان - ممن يصرّ على تضعيف هذه الصلاة، بله إنكارها، رغم ورودها بهذه الأسانيد التي ذكرنا! ! !

ولو لم يكن هناك غير هذين الطريقين، لكان الحديث بهما صحيحًا لغيره، أو حسنًا لغيره على أقل أحواله؛ فكيف إذا انضم إليهما روايتان عن ابن عباس واحدة منهما حسنة؟

تناقض الحافظ والتوفيق بين أقواله:

ومنه تعلم غرابة قول الحافظ في ((التلخيص)) (2/ 482):

(( .. وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر))

قلت: هذا كلام معتبر لو لم يكن عن ابن عباس تلك الطرق التي ذكرنا.

أما وقد ذكرنا من المتابعات ما ذكرنا، فغريب جدًا قول الحافظ:((وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر)).

ص: 98

فإن أراد بالاعتبار، عدم وجود وضاعين وكذابين أو متروكين في الأسانيد، فالأمر كذلك، بشهادته هو وشهادة غيره، كما هو واضح من التحقيق السابق.

ثم عجيب قوله: (لشدة الفردية فيه)

إذ لم يتفرد بهذه الصلاة أحد على الاطلاق، بشهادة كبار الحفاظ، وبشهادته هو نفسه في كتابه (الخصال المكفرة)، فقد قال عقب الطريق الأول:(1)

(رجال إسناده لا بأس بهم)

وهذا هو الحق الذي تقتضيه الدراسة الحديثية.

فلعل الحافظ لم يقف على هذه الطرق، وهذا بعيد على مثل الحافظ، فهي عند أبي داود والبيهقي والطبراني وغيره، وربما تكون سبق قلم منه رحمه الله، أو ذهولاً ووهماً.

وأغلب الظن، أن هذا كان منه قبل أن يطلع على تلك الشواهد والمتابعات التي ساقها، ثم لما اطلع عليها ساقها على كثرتها.

وَزَعْم بعضهم أنه تراجع عن هذا، لأن كتاب ((الخصال المكفرة)) ألّفه قبل كتاب ((تلخيص الحبير)): مردود بما قاله الحافظ نفسه في ((نتائج الأفكار)) (2):

(وهذا إسناد حسن).

وبإقراره بوجود المتابع الصالح: إذ قال في ((النتائج)) - بعد أن حسّن أكثر من طريق - عن حديث العباس:

((فيصلح في المتابعات)) (3)

ففي ((التلخيص)) نفى وجود المتابع الذي يصلح للاعتبار، مما يدل على أنه لم يقف أول الأمر على تلك المتابعات الكثيرة التي ساقها هو نفسه في ((النتائج)).

ولما استقرأها، ووقف عليها، صرّح بتحسين بعضها، وبصلاحية بعضها للمتابعة والاستشهاد،

(1) نقله عن السيوطي في اللآلئ (2/ 38).

(2)

الآثار (127).

(3)

الآثار (128).

ص: 99

فقد قال عن الطريق الأولى:

(وهذا إسناد حسن) كما سبقتْ الإشارة إلى ذلك.

ومعلوم أن الأمر المُثْبَت مقدم على المنفي (1).

ففي ((التلخيص)) نَفَى، وفي ((النتائج)) أثبت - يعني وجود المتابع -

وهذا ما تقتضيه الصناعة الحديثية.

فكثير من الطرق والشواهد التي سقنا بعضها، وسنسوق الباقي - إن شاء الله ـ، صالحة للاعتبار، لخلوها من الرواة المتهمين أو المتروكين.

وقال السيوطي في ((اللآلئ)) (2/ 38):

((قال الحافظ: رجال إسناده لا بأس بهم وقال النسائي مثل ذلك، وقال ابن المديني (2): فهذا الإسناد من شرط الحسن فإن له شواهد تقويه))

وهذا هو الحق، الذي يتبين لكل منصف نظر في هذه الأسانيد بعيدًا عن كل تعصب أو تساهل.

والحقيقة: أني كنت قد حكمت على السند من قبل أن أرى أقوال هؤلاء الأئمة.

فلما وقفت على أقوالهم فرحت بذلك، وبخاصة قول ابن المديني، والنسائي لما اشتهر عنهما من التشدد والتثبت.

وكذلك قول الحافظ الذي عرف بسعة الاطلاع والإنصاف.

(1) فإذا نفى عالم وجود حديث في كتاب ما، ثم أثبته مفصلاً في موضع آخر، ثم تأكدنا من ثبوته.

فهل يقال: ((تراجع عن الإثبات - الذي فيه زيادة علم ينبغي المصير إليها - إلى النفي؟ (إن هذا لشيء عجاب). وهل هي مسألة اجتهادية حتى يصح قولنا: أنه تراجعَ. أم هي مسألة عَلِمَ أم لم يعلم بمعنى أنها مسألة إخبارية، ففي نفيه عدم علم بالمتابع، وفي إثباته زيادة علم يلزم المصير إليها. وهذا مقتضى التجرد في التحقيق العلمي. والله الموفق.

(2)

لم أر أحدًا ذكر ابن المديني في مسألة تحسين حديث صلاة التسبيح غير السيوطي، هل عنى الإمام علي بن المديني المعروف؟ أو أنه أراد المديني الآخر، وهو أبو موسى المديني، وهو الذي له كتاب في صلاة التسبيح ما يزال مخطوطًا؟ فالله أعلم بالصواب.

ص: 100